أكاديمـيـة العرضـة الجنوبيــة - ربـاع

“السقيفة”.. قلعة من قش تحرس المزارع وتأوي المزارعين

http://www.al-madina.com/files/image...0312328000.jpg

الجمعة, 27 فبراير 2009

محمد البشري - رابغ

كان المزارعون قديما يحرصون على إيجاد المكان المناسب لقضاء فترة الظهيرة، بل كانت تمتد فترة إقامتهم أحيانا إلى المبيت، وكانوا يختارون لاستراحة القيلولة، أو المبيت مكانا مرتفعا في المزرعة أو بجانبها ليتمكنوا من خلاله من مراقبة أطرافها وما قد يجري بها، ومن ذاك المكان يحمون ويحرسون ممتلكاتهم ومحاصيلهم، ومن أجل ذلك ينشئون متكأ يرتكز على اربعة قوائم ثم يتم سقفه بالقش وأعواد الشجر، يسمونه السقيفة، ويضعون تحت سقفها كل مستلزماتهم الغذائية والزراعية من أواني للقهوة والشاي والطعام وموقد وزير للماء وبعض الادوات الزراعية كالمغاريب والمساحي والمحال والحبال. أما اليوم قد فقدت تلك السقائف وظائفها وأصبحت مجرد جزء من موروث قديم، ولم تعد تؤدي دورها الامني والحراسي كما كانت، وفقدت أهميتها كمكان لراحة المزارع، ويعزى ذلك إلى توفر وسائل النقل السريعة التي تقل المزارع من منزله الى مزرعته في ذهابه وايابه، أم المحاصيل الزراعية فلا خوف عليها بعد أن اصبح التحرك البشري في محيط المزارع محدود وضيق، وأصبح للمواشي عمالة ترعاها وربما ترعى الحقول. فالسقيفة وإن فقدت وظيفتها القديمة وقيمتها الماضية الا أن عددا من المزارعين يحتفظون بها كموروث وتراث، ويحرصون على تجديدها ويجدون في الجلوس تحت سقفها راحتهم النفسية. يقول المزارع القديم العم خليفة البلادي (90سنة): في الماضي كان لكل صاحب مزرعة سقيفة او عريش أو سرير وهذه مسميات لمباني متشابهة تماما، ويقومون ببنائها من أعواد السمر او الطرفاء (الاثل)، ويضعون على سقفها صريف النخل ويعملون لها جانبا واحدا وفي الغالب يكون في الجهة الغربية ليوفر الظل للجالسين فيها في فترة ما بعد ميل الشمس نحو الغروب أما بقية الجوانب فتبقى مفتوحة ليدخل معها الهواء ويتحرك ويوفر فيها جوا مناسبا للمزارع، وتعد السقيفة في المزرعة كالقلعة في المنطقة من حيث توفير الامن وتمكين المزارع من حراسة مزرعته، خصوصا وانه في السابق كانت المحاصيل مثل الحبوب والتمر توضع في مخابئ ومستودعات داخل المزرعة تحتاج الى من يحرسها بالاضافة الى أن مكان السقيفة العالي يشعِر المزارع بالراحة النفسية نتيجة مشاهدته لكامل مزرعته. وأضاف خليفة بقوله: إن المزارعين يجتمعون أحيانا بهذه السقيفة يتبادلون فيها الاحاديث والخبرات حول الزراعة وهمومها، ويقومون بعمل غدائهم تحتها وكذلك الشاي الذي له في المزرعة عامة وتحت السقيفة خاصة طعم ممميز ومذاق خاص يتغنى به الشعراء ويضرب به المثل، وكذلك الخبز الذي يؤدم بانتاج المزرعة الطازج، وهناك ضيوف طرقية (الذين يمشون على أقدامهم في سفرهم) يمرون بتلك السقائف وأهلها ويقدم لهم التمر والغذاء والقهوة والشاي، ومن أساسيات السقيفة وجود الزير المصنوع من الفخار لتبريد الماء وتوفيره لكل من يمر بها او يرتاح فيها، ويجد الجميع فيها راحتهم حيث يقضون قيلولتهم بل وينامون فيها بعض لياليهم.. واليوم وجودها أصبح مقصورا على أماكن محدودة جدا عدا مزارع العثري فانه لاغنى عنها نظرا لبعد تلك المزارع عن مكان اقامة أصحابها. ويضيف العم البلادي: انحصرت وظيفة السقائف في الوقت الحالي في حفظ المحاصيل من حرارة الشمس أثناء جمعها وجنيها، حيث تفرز وتعبأ وتصدر، ولكن لا نستطيع تجاهل او انكار العائد النفسي لهذه السقيفة وطعم الجلوس فيها فهي التي تعيد لنا ذكريات الماضي الجميل والايام الخوالي التي كان يعيشها المزارع. فهمومه محدودة ومتطلباته معدودة ودرجة رضاه بسيطة، لذلك أنا من المحبين لبقاء هذه السقائف لتحفظ لنا جزءا من ماضينا الجميل.