أكاديمـيـة  العرضـة الجنوبيــة - ربـاع

أكاديمـيـة العرضـة الجنوبيــة - ربـاع (https://www.ruba3.com/vb/index.php)
-   منتدى القصص و الروايات الإسلامية (https://www.ruba3.com/vb/forumdisplay.php?f=397)
-   -   ماذا أخذت من السعودية؟ (https://www.ruba3.com/vb/showthread.php?t=151054)

صقر الجنوب 30/07/2025 06:02 AM

ماذا أخذت من السعودية؟
 
ماذا أخذت من السعودية؟

قابلتُ شابًّا سعوديًّا في الْمَعْرِض الذي أعمل فيه، جاء يشتري سيارةً، وكان واضحًا أنه حسم أمره تجاه طراز معين، لكن قبل أن يتمَّ الشراء ابتسم بلُطْفٍ وقال: إنه لا بدَّ أن يأخذ مشورة أخيه.

تأملتُ فيه وهو يُكلِّم أخاه بنبرةٍ تُوحي بالحب والتقدير والذوق العالي. كان من الواضح أنه لا يفعل شيئًا على سبيل اللزوم، ولا المجاملة الباردة؛ بل بهذا الخليط الجميل الذي يُربِّي السعوديُّون أبناءهم عليه، خليط الأدب الرفيع والعاطفة الصادقة والرباط القوي.

واشتغلَ خيالي في لحظاتٍ بدون أن يستأذنني، فتخيلتُ في ثوانٍ حكايةً كاملةً مؤثرةً: هذا الذي على الخط إذن هو أخٌ أكبر، تحَمَّل المسؤولية بعد وفاة الأب، وصار بمثابة الوالد، واعتنى بأخيه حتى كبر، وربما ترك أشياء كثيرة من أجل أن يرى أخاه هذا شابًّا ناضجًا يقف أمامي اليوم، بطوله وهدوئه وأدبه.

وتصوَّرتُ أن ذلك الأخ لا بد أنه يكبره بسنوات عديدة، وأنه رجل سرحَ الشيب في مفرق شعره، وأنه يسمع الكلمات الآن بعاطفة شبه أبوية.

غلبني الفضول على غير طبيعتي، فسألته بعد أن أنهى اتصاله عن فارق العمر بينهما، فقال بتلقائية: "ثلاث سنوات". قلت في نفسي: كل هذا الأدب مع أخيه الذي يكبره بثلاث سنوات؟!

تذكرت هذا الموقف، وأنا في الطائرة العائدة إلى القاهرة، وكنت أنظر من النافذة إلى ضوء النهار بعينين مرهقتين، يعزُّ عليَّ النوم وتعزُّ عليَّ اليقظة. كنت عائدًا بعد أن بلغني خبر وفاة أمي الحبيبة، ولم أفهم ما الذي رفع هذه الحادثة إلى خيالي فوق السحاب، ما الذي جعلها تسافر معي، ولم أفهم وأنا غارق في حزني لما تذكَّرت أيضًا بعدها عدة مشاهد للسعوديين بتهذيبهم المعهود وهم يُقبِّلُون رأس الأخ أو كتفه أو يده.

وفي القاهرة، وجدتني وجهًا لوجه مع أخي الذي يكبرني هو أيضًا بثلاث سنوات، فاقتربت منه مثقلًا وحزينًا، وبوحيٍ مما رأيت فوق السحاب، قبَّلت رأسه لأول مرة في حياتي، أول مرة، فشعَّ من عينيه لمعانٌ فوق كل المعاني التي رأيتها في عينيه من قبل، كأن هذا الهجوم العاطفي قد سكب قارورة الحنان والذكريات في قلبه، وصرنا في لحظات كأننا الطفلان القديمان يراجعان معًا كيف مرت الأيام سريعًا، وكيف أن هذه الشابة أُمّنا التي كنا نتهجَّى أسماء المحلات ونحن متمسكان بكَفَّيها، قد رحلتْ بعد أن أرهقتها الشيخوخة والأمراض.

كلما عدتُ من سفري وجدتُ في عيني أخي أثر هذه القبلة على الرأس، فأشكر المشاهد التي حرَّضتني على هذه المباغتة العاطفية الآسرة.

والشكر موصول للبلاد الطيبة وأهلها وآدابها، فقد عدنا منها بأشياء هي أجمل مما يمكن أن يعود به الناس في مطارات الدنيا وينتظرون مرور السير بالحقائب


الساعة الآن 03:28 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة © لأكاديمية العرضة الجنوبية رباع

a.d - i.s.s.w