الجود لغة:
شيء جيد،والجمع جياد وجاد بماله يجود جوداً فهو جواد وقوم جود بوزن هود[1]).
وجاد الرجل يجود من باب قال،(جوداً) بالضم تركم فهو جواد،وجاد بالمال بذله،وجاء بنفسه سمح بها عند الموت[2]).وقد عد الحكماء السخاء من الفضائل التي لا تصدر إلا عمن يحسن بحق الجماعة عليه،والسخاء أو الجود أو الكرم من الصفات المحمودة التي تمد من مقومات الشخصية وأساسيات وقد كان العرب يعدون هذه الصفة من المفاخر التي يفاخرون بها غيرهم،بل إنها عامل مهم من عوامل السيادة والمشيخة عندهم،وقد جاء الإسلام لينتمي هذه الصفة ويوجهها التوجيه الصحيح ويحث على اكتسابها،لكن دون تفاخر ولا مباهاة،والكرم ينم عن طيب نفس،وبذل للموجود،وإثبات عملي للمخاطب،والمراد تربيته بزهد القدوة في العرض الزائل،وعلو همته،واحتقاره للمتاع الغاني،مما جعل الناس تقبل على الأخذ عنه،والتلقي منه المطابقة فعله وقوله،قال تعالى{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ[3]}.كما أن فيه استمالة للنفوس وكسبها لودها،وتطهيراً لنفس الكريم من الشح والبخل،وإعداده على البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله تعالى.وللتدليل على أهمية الكرم والجود،وأهمية وجود الأسوة فيهما.يورد الباحث بعض الأمثلة على كرم رسول الله eكقدوة وأسوة حسنة في هذا المجال:
1-روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما سُئل رسول الله e على الإسلام شيئاً إلا أعطاه،فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة[4]).
2-روى البخاري عن أبن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان النبي e أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان[5]).
3-أعطى المؤلفة قلوبهم مئة من الإبل،وأعطى صفوان بن أمية مئة ثم مئة ثم مئة[6]).
4-رده على هوازن وسباياها كانت ستة آلاف من النساء والذراري،ورد عليهم أيضاً من الأموال أربعة وعشرين ألف من الإبل،وأكثر من أربعين ألفاً من الغنم،وأربعة آلاف أوقية من الفضة،وقوم ذلك فبلغ خمسمائة ألف ألف أي خمسمائة مليون[7]).
5-توزيعه مال البحرين وكان مئة ألف وثمانين ألف درهم في يوم واحد[8]).
6-أعطى عمه العباس من الذهب ولا يطيق حمله كما روى البخاري[9]).
7-وكان بلال يستقرض له من التجار،وينفق على الناس والسائلين من ذلك،وجاءه رجل فسأله فقال: ما عندي شيء ولكن ابتع علي فإذا جاءنا شيء قفيناه،فقال له عمر: ما كلفك الله ما لا تقدر عليه،فكره النبي e ذلك،فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله انفق ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً،فتبسم رسول الله e وعرف البشر في وجهه،وقال " بهذا أمرت[10])".وأخبار جوده وكرمه أكثر من أن تحصر،ولا سيما وأنه يوجد بكل ما يملك على الرغم من كثرته ثم يطوي الأيام والليالي جوعاً وقد شد الحجر على بطنه.إن من ينظر إلى كرم رسول الله e وجوده وسخائه،لا يقف عند حد الانبهار والإعجاب بذلك فحسب،بل يسعى جاهداً إلى الاقتداء والتأسي به والسعي الحثيث إلى تطبيق كل ما يأمر به e.بل إن العديد من الدروس والخطب والكلمات،التي تحث على الجود والسخاء،لن تفعل مثل ما فعل الرسول e في هذا المجال.
د/ احمد صالح زارب




[1][مختار الصحاح،مادة جود]

[2][المصباح المنير،مادة جودي ]

[3][سورة آل عمران:الآية،92]

[4][ مسلم بشرح النووي " 15/72،22]

[5])[ البخاري ،1/5 ]

[6][مسلم بشرح النووي،7/146-268]

[7][شرح الشفا ،1/251]

[8][المصدر السابق،251]

[9][البخاري بشرح فتح الباري،6/330]

[10][ شرح الشفا: 1/251]