02/11/2009, 12:06 PM
|
#6
|
المؤسس والمشـــرف العــــام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 2
|
تاريخ التسجيل : Aug 2004
|
أخر زيارة : 30/07/2025 (06:02 AM)
|
المشاركات :
64,173 [
+
] |
التقييم : 16605
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
MMS ~
|
SMS ~
|
|
لوني المفضل : Maroon
|
|
القصص الجميلة التي تدل على برّ السلف رضي الله عنهم بآبائهم وأمهاتهم كثيرة،خذ هذه النماذج :
1 - وهذا ابن عمر - رضي الله عنهما - لقيه رجل من الأعراب بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه.
قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير.
فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان ودا لعمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه ) .
2 - وعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لي: (دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا ؟ قالوا: حارثة ابن النعمان، كذلكم البر، كذلكم البر، وكان أبر الناس بأمه ) [1].
3 - وعن أبي عبد الرحمن الحنفي قال: رأى كهمس بن الحسن عقربا في البيت فأراد أن يقتلها، أو يأخذها، فسبقته، فدخلت في جحر، فأدخل يده في الجحر ليأخذها، فجعلت تضر به، فقيل له ما أردت إلى هذا ؟ قال: خفت أن تخرج من الجحر، فتجيء إلى أمي، فتلدغها
4 - وهذا أبو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو المسمى بزين العابدين، وكان من سادات التابعين - كان كثير البر بأمه، حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولا نراك تؤاكل أمك، فقال: أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها "
5 - قال هشام بن حسان: " حدثتني حفصة بنت سيرين، قالت: كانت والدة محمد بن سيرين حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوبا اشترى ألين ما يجد، فإذا كان عيد صبغ لها ثيابا، وما رأيته رافعا صوته عليها، كان إذا كلمها كالمصغي " .
وعن بعض آل سيرين قال: " ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع.
وعن ابن عون أن محمدا كان إذا كان عند أمه لو رآه رجل ظن أن به مرضا من خفض كلامه عندها "
وعن ابن عون قال: " دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد ؟ أيشتكي شيئا ؟ قالوا: لا؛ ولكن هكذا يكون عند أمه " .
6 - " روى جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر أنه كان يضع خده على الأرض، ثم يقول لأمه: قومي ضعي قدمك على خدي " .
7 - وعن ابن عون المزني : "أن أمه نادته، فأجابها، فعلا صوته صوتها فأعتق رقبتين " .
8 - وقيل لعمر بن ذر: كيف كان بر ابنك بك ؟ قال: ما مشيت نهارا قط إلا مشى خلفي، ولا ليلا إلا مشى أمامي، ولا رقى سطحا وأنا تحته "
9 - وحضر صالح العباسي مجلس المنصور، وكان يحدثه، ويكثر من قوله: ( أبي رحمه الله ) فقال له الربيع: لا تكثر الترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين. فقال له: لا ألومك؛ فإنك لم تذق حلاوة الآباء.
فتبسم المنصور، وقال: هذا جزاء من تعرض لبني هاشم
10 - ومن البارين بوالديهم بندار المحدث، قال عنه الذهبي: " جمع حديث البصرة، ولم يرحل، برا بأمه "
قال عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزي: " سمعت بندارا يقول: أردت الخروج - يعني الرحلة لطلب العلم - فمنعتني أمي، فأطعتها، فبورك لي فيه "
11 - وقال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت أطلب أعق الناس وأبر الناس، فكنت أطوف بالأحياء، حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل، في الهاجرة والحر الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء - حبل - من قد ملوي يضربه به، وقد شق ظهره بذلك الحبل. فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف ؟ أما يكفيه ما هو فيه من مد هذا الحبل حتى تضربه ؟
قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيرا.
قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وكذا كان أبوه يصنع بجده، فقلت: هذا أعق الناس.
ثم جلت حتى انتهيت إلى شاب وفي عنقه زبيل فيه شيخ كأنه فرخ، فكان يضعه بين يديه في كل ساعة فيزقه كما يزق الفرخ، فقلت: ما هذا؛ قال: أبي وقد خرف، وأنا أكفله، قلت: هذا أبر العرب .
12 - وكان طلق بن حبيب من العباد والعلماء، وكان يقبل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيت وهي تحته؛ إجلالا لها .
13 - وقال عامر بن عبد الله بن الزبير: " مات أبي فما سألت الله حولا كاملا إلا العفو عنه ".[2]
* * *
بر العلماء بأمهاتهم وآبائهم العلماء ورثة الأنبياء، ورثوا العلم والنور والسمت والهدي الكريم! امتثلوا أمرالله عز وجل : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } الإسراء (24).. وتأسوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قالعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أحب إلىالله؟ قال: الصلاة في وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله". "رواه البخاري ومسلم". ولأهمية بر الوالدين وقد تفلت من أيديالناس ووصل الأمر إلى أشد أنواع العقوق، لعل في ذكر بعض أحوال أهل العلم مع آبائهموأمهاتهم ما تقر به العين، وتفرح به النفس، تأسيا وقدوة ومنهجا وأسوة مع أنهم منأكثر الناس انشغالا، ولديهم من الهموم للناس والأمة الكثير!.
الشيخ العلامة حمود بنعبدالله التويجري - رحمه الله - مع مكانته العلمية والاجتماعية كان بارا بوالدتهبرا عجيبا، وكان يتفقد أمورها ويتابع أحوالها ولم يسمح لأحد أن يقوم بمهام والدتهعنه مع وجود الأبناء والأحفاد بقربها! وكان ينهض بنفسه لقضاء حوائجها وغسل ثيابها،برا وإحسانا إليها حتي توفيت، رحمهما الله جميعا.
والشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصرالبراك - حفظه الله - له نصيب وافر من بر والدته مع علو مكانته وسعة علمه وكثرةقاصدي درسه! ولقد لفت أنظار أحد طلبة العلم أن الشيخ إذا جلس معهم فترة وطال المجلسيقوم لدقائق! فظن للوهلة الأولى حاجة كبار السن إلى الوضوء فإذا بالأمر غير ذلك،إذا بالشيخ يذهب ليلقي نظرة على والدته في وسط الدار ويسأل عن حالها هل تريد شيئا؟ثم يتحدث معها ويؤانسها قليلا ويعود لمجلسه! والشيح - حفظه الله - لا يسافر لحج أوغيره إلا إذا استأذنها، فإن أذنت وإلا عدل عن السفر وقد حصل ذلك مرارا، حيث رغبت أنيبقى بجوارها ولا يسافر للحج (تطوعا) فوافق، أما إذا أراد أن يذهب للمسجد فإنهيعلمها بذلك! وعرف عن الشيخ - حفظه الله - أنه يسعى ليقضي ما يستطيع من خدمتها ليلاونهارا - مع أنه كفيف البصر، قد تقدم به العمر - ولا أدل من ذلك أنه ينام بجوارها
. وأذكر إن الوالد[3] - رحمه الله - كان يذهب يوميا من الرياض إلى مزرعة الجد عبر طريقرملي غير معبد يستغرق المسير فيه ما يقارب من الساعة والنصف بالسيارة، يذهب يومياليقوم بإعطاء إبرة عن المرض الذي ألم بالجد - رحمه الله - ثم يعود إلى الرياض ليكونحصيلة الذهاب والإياب ثلاث ساعات يوميا واستمر على ذلك فترة طويلة يقوم بدور الممرضلوالده رحمها الله. قيل لعلي بن الحسين بن علي - رضي الله عنهم - وهو من هو في علوالشرف ورفعة الكعب: قيل له: أنت من أبر الناس، ولا نراك تؤاكل أمك؟ فقال: أخاف أنتسبق يدي إلى ما سبق إليه عينها فأكون قد عققتها. وكان حيوه بن شريح وهو أحد أئمةالمسلمين يقعد في حلقته يعلم الناس، فتقول له أمه: قم يا حيوه فألق الشعير للدجاجفيقوم ويترك التعليم. وما أجمل الفقه في الدين يرتقي بالمرء إلى مراتب عظيمة فلايقدم أمرا على آخر. قال هشام بن حسان: قلت للحسن إني أتعلم القرآن، وإن أمي تنتظرنيبالعشاء، قال الحسن: "تعش العشاء مع أمك تقر بها عينها، أحب إلى من حجة تحجهاتطوعا". ولعظم ما أعد الله عز وجل من الأجور لمن قام بحق والديه وبر بهما؛ بكىالحارث العكلي في جنازة أمه فقيل له: تبكي؟ قال: ولِم لا أبكي وقد أغلق عني باب منأبواب الجنة! وقال بعض العلماء: من تغرب عن الوالدين في طلب عيش أو في ضرورة فليدمعوليسأل الله عز وجل وعلا أن يغفر ذنبا حرمه القرب من الوالدين. وتأمل في أمر البرلديهم.. كان ابن محيريز يقول: من مشى بين يدي أبيه فقد عقه، إلا أن يمشي فيميط لهالأذى عن طريقه، ومن دعا أباه باسمه أو بكنيته فقد عقه، إلا أن يقول يا أبه. وماأعظم الإسلام دينا ومنهجا ولاء وبراء.. دين الرحمة وأداء الحقوق.. حيث على البربالوالدين ومصاحبتهما في الدنيا معروفا حتى وإن كانوا كفارا! قال أبو بكر الجصاص فيأحكام القرآن: (قال أصحابنا في المسلم يموت أبواه وهما كافران إنه يغسلهما ويتبعهماويدفنهما، لأن ذلك من الصحبة بالمعروف الذي أمر الله بها). اللهم إنا نسألك البربآبائنا وأمهاتنا، ونسألك اللهم أن تتجاوز عن تقصيرنا في حقهما إنك جوادكريم[4].
* * *
هذا مع العلماء ، أما الكبراء وعظماء الدنيا ممن هداهم الله للبرّ بوالديهم ، فأمرٌ يطول ذكره ، وهذا وزير معاصر يقول :_ لا تظنوا أنني أعيش بوزارتي داخل منزلي ، إنني إذا دخلت بيتي أتحول إلى ابن يراعي مشاعر والديه جداً .. ولا سيما أبي الطاعن في السن ..حتى إنه ليصدق عليَّ قول الشاعر :_
تعلّمتُ أسباب الرَّضَى خوفَ سُخْطِه . ................................[5]
فكنت إذا أردت الخروج صباحاً لعملي في الوزارة ناداني :_
- تعال يا ولد ! فآتي أمشي حتى أقبل يده ورأسه .
- إلى أين أنت ذاهب ؟.. فأتلطف معه في الجواب حتى يرضى ويعلم أنني ذاهب للوزارة .. وإذا عدت أفعل به مثل ذلك .. وإنّي لسعيدٌ كل السعادة معه ..
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }(24) .
تواضع لهما، واخفض لهما جناح الذل رحمة وعطفاً وطاعة وحسن أدب، لقد أقبلا على الشيخوخة والكبر، وتقدما نحو العجز والهرم بعد أن صرفا طاقتهما وصحتهما وأموالهما في تربيتك وإصلاحك. تأمل حفظك الله قول ربك: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ} [الإسراء:23]. إن كلمة (عندك) تدل على معنى التجائهما واحتمائهما وحاجتهما، فلقد أنهيا مهمتهما، وانقضى دورهما، وابتدأ دورك، وها هي مهمتك: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [الإسراء:23]. قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن لي أماً بلغ منها الكبر أنها لا تقضي حوائجها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها؟ قال: لا. لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه وأنت تتمنى فراقها، ولكنك محسن، والله يثيب الكثير على القليل[6].
أرأيتم الطائر الضخم الكبير ، النسر الذي تخافه الطيور ، كيف أنه إذا حلّق في جو السماء فَرد جناحيه فيخيّل للرائي أنها تسدُّ الأفق .. لكنه إذا أراد أن يهبط ليطعم فراخه أو يحميهم .. خفض تلك الجناحين العظيمين .. وحَنَى نفسه على تلك الفراخ الضعيفة برفقٍ بالغٍ حتى ليظنُّ من يراه أنه ضعيف ! تستطيع أن تستخرج من هذه الصورة عبراً كثيرة ..
1_ النسر قويٌ بطبعه .. لكنه يضعف أمام فراخه حتى يظن من لا عقل له أنه ضعيف دائماً لما يرى من حالته تلك .. وهكذا ينبغي أن يكون عليه الولد القوي في نفسه وشخصيته .. أمام الناس من غير تكبر ولا تجبر .. لكنه مع والديه ذليلاً خاضعاً خافض الجناح .. ليس عن خور ولا جبن .. لكنه خفضُ (جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ ) .
2_ وضع الشيء في موضعه هي عين الحكمة .. و عكس ذلك هو عين الحمق .. فلو كان قوياً مع والديه ، ضعيفاً جباناً مع الناس .. لكان هذا هو الخور والدناءة من جهة .. والعقوق من جهة أخرى ..
3_ أن الله تعالى قد خلق الرحم واشتق لها اسماً من اسمه .. وأحق الناس أن يُرحم ويُعطف عليه هما الوالدان ..لضعفهما ؛ وكبرهما ؛ وتعبهما ، وحملهما هموم الأولاد صغاراً وكباراً ..
ثم إن الوالدين مهما كبر الولد أمامهما .. وتزوج وأنجب أطفالاً وكبر هؤلاء الأطفال .. فإنهما يريان ابنهما أمامهما طفلاً صغيراً .. فلا تعجب إذا رأيت أباً كبيراً يعنف ابنه الذي أناف على الثلاثين من عمره أو الأربعين ..
4- إن كنتَ بخيلاً بالابتسامات فلم يكن لديك إلاّ ابتسامة واحدة في اليوم ! فاجعلها لأمك ، فإن كانت اثنتين فاجعل الأخرى لأبيك ، فإن كانت ثلاثاً فاجعل الثالثة لزوجتك ! وهكذا .. هل تعلم أن إضحاك الأبوين فعبادة مقصودة لا يتنبه لها كثير من الأبناء والبنات ، ولا سيما الموصوفون بالالتزام .. وقد جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :(جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان فقال ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما )[7] .
أخٌ فاضل يحدثني عن موقف يبدو عادياً في نظر أكثرنا .. قال :_ صادفت زميلاً لنا ذا منصب كبير .. في مناسبةٍ أَسرية .. فرأيت بجواره أباه وهو رجل فوق الخمسين بقليل .. فأشرت إلى زميلي أن تعال إلى جواري .. فأشار إليَّ بيده أن لا أستطيع حتى يقوم والدي ..فلما أن قام والده جاءني فعاتبته .. فقال لي بأدبٍ وحياء :
اعذرني .. فوالله لا أستطيع أن أقوم من جواره وأتعداه ، حياءً منه واحتراماً وتقديراً .. وإلاَّ فكما تعلم .. أبي رجل يحبهَ كل الناس ولست أذكر أنه جرحني يوماً بشيء ..
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24
.. قال الفتى الشامي : وقفت متقطع الفؤاد.. مقروح الكبد.. من هول الفاجعة!! بالأمس كانت أمي.. واليوم أبي.. رحمة بي يا أرحم الراحمين.. إني لأذكر ذلك الأمس حينما قفل في وجهي باب من أبواب الجنة بموت أمي.. وبكيت ذلك اليوم وبكى كل نبض في قلبي حتى تقطعت أطنابه حرقة ومرارة.. وكلما تذكرت قصة إياس القاضي - عندما ماتت أمه فبكى وأجاب عندما سأله السائل ما أبكاك؟! قال : " كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما " فتزداد حرقتي ويزداد نحيبي.. وها هو الباب الثاني قد أقفل اليوم.. من يواسيني؟؟.. ومن يدعو لي بالرضا؟؟.. رحمة الله عليك يا أمي.. كم قد تحملت من عذاب وألم ، وكم كنت لا أعرف لك فضلاً!!.. رحمة الله عليك يا أبي.. وحمداً لك يا رب أن لم تجعل أبواب رحمتك تقفل في وجهي ، أما قال رسولك في صلة الوالدين بعد موتهما... وإكرام صديقهما ، ومنه ما ورد عن ابن عمر: " إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه "..
أعاهدك يا رب أن أصل صديقهما ، وأبرهما بأهل ودهما بعد موتهما..
وإني أتوب إليك توبة نصوحًا عن ما مضى من عصياني وعقوقي.. ولكن.. للتوبة شرط إرجاع الحق. !! أبي.. أمي.. ولكن يا رب.. يا للهول!!.. يا للفجيعة!!.. أحقاً أني في حقيقة؟؟ كيف أعتذر؟؟..كيف أرجع الحق وصاحبا الحق قد مضيا؟!! كيف أقابلهما؟؟.. كيف أرجع الحق.؟. كيف يقبل قولي؟.. ولات حين مندم!!. أبي.. أمي..
قال الفتى الشامي : فتخيلت لفرط حزني أن أبي قد تبسم وهو يقول لي :
يا أسعد : إني أعلمك كلمات في المروءة.. قلت : نعم يا أبي ، كأنك تسمعني وأنت في عالمك الآخر.. قال : لا يا بني.. بل أعيد عليك كلمات تعرفها قد علمتك إياها في صغرك.. أو أحسبك قرأتها في تلك الأكداس من الكتب التي كنت تقرأ لي منها بعد أن هداك الله والتزمت بالإسلام - أو كما زعمت لي -.. يا بني.. " إن للسان مروءة فمروءة اللسان حلاوته وطيبه ولينه واجتناء الثمار منه بسهولة ويسر.. وللخلق مروءته، فمروءته سعته وبسطه للحبيب والبغيض ".. بني " أما مروءة النفس هي حملها قسراً وقهراً على ما يجمل ويزين ، وترك ما يدنس ويشين ليصير لها ملكة في جهره وعلانيته".
- قال الفتى الشامي. نعم يا أبي. نعم ، ولكن ثق أني على عهدك وسأحمل نفسي على المروءة الحقة في لساني وجناني..
- قال الفتى : قالت أمي مقاطعة. دعك من هذا يا أبا أسعد فوالله ما رأيت منه تلك المروءة التي تحدثه عنها ، فما كان للسانه حلاوة ولا لين ، وما كان في خلقه سعة ولا بسطة ، وما حمل نفسه قسراً وما أجبرها قهراً. قال الفتى : حسبك يا أماه.. حسبك.
- قال الفتى. فصرخت صرخة قطعت كبدي ومزقت أضلعي.. ونحبت وبكيت.. وأمي تكمل : مروءتك يا بني أين كانت عندما كنا في الحياة الدنيا؟؟
- قال الفتى : وأين أنت يا أماه الآن؟؟ ألست معي.. إني أعتذر إليك مما بدر مني.
- قالت : دعك من هذا يا بني كفاك يا أسعد ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ)) ((وسَيَعْلَمُ الَذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ))
- قال الفتى : فشهقت.. فوقعت ولكن تمالكت نفسي ونهضت قائماً.. رحماك ربي.. أرجوك يا أمي لا تكملي.. إني قد تبت الآن.. و.. سوف تصفحين عني.. لا لن أعود لمثل ذلك.
- قال أبي : وما ذلك يا أم أسعد؟!
- قالت أمي : أما تذكر يا أبا أسعد كم رفع في وجهي صوتاً منتصراً لزوجته أو محتجاً على تدليلي لابنته.. أما سمع وهو الملتزم بالإسلام ذلك الحديث عن أبي الدرداء ، أن رجلاً أتاه فقال : إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها ، فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول. »الوالد أوسط أبواب الجنة«.. فإن شئت فضيع هذا الباب أو احفظه.. والله يا أبا أسعد ما أمرته بطلاق وإنما كانت بعض الأمور المنزلية البسيطة.. ووالله لو أرجعت إلى الدنيا لسامحته.. ولكن قد مضى قول ربي أن لا أعود..
- قال الفتى : نعم يا أمي إني أعلم ذلك.. ولكن لِمَ لَمْ تغفري لي وأنا في الدنيا؟؟..
قال الفتى : إني أعلم لم ذلك!!.. لأني ما اعتذرت ليغفر لي أو أسامح ولكني أخذت زوجتي إلى غرفة أخرى متسلياً بها.
- قد أضعت الباب " باب الجنة " يا أسعد..
- لا. لا يا أبي ما أضعته..
- قال الفتى. قال أبي : أضعته يا أسعد.. أما أغضبتك في ذلك اليوم.. فنظرت إلي شزراً ، وأنت تعلم في ذلك اليوم أن ابن أبي حاتم قد نقل عن عروة في قوله تعالى: ((واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)) ، قال عروة : إن أغضباك فلا تنظر إليهما شزراً..
وجهي ، أما قال رسولك في صلة الوالدين بعد موتهما... وإكرام صديقهما ، ومنه ما ورد عن ابن عمر : " إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه "..
أعاهدك يا رب أن أصل صديقهما ، وأبرهما بأهل ودهما بعد موتهما.
وإني أتوب إليك توبة نصوحاً عن ما مضى من عصياني وعقوقي.. ولكن.. للتوبة شرط إرجاع الحق..!! أبي.. أمي.. ولكن يا رب.. يا للهول!!.. يا للفجيعة!!.. أحقاً؟ني في حقيقة؟؟ كيف أعتذر؟؟.. كيف أرجع الحق وصاحبا الحق قد مضيا؟!! كيف أقابلهما؟؟.. كيف أرجع الحق.. كيف يقبل قولي.. ولات حين مندم!!.. أبي..؟مي..
قال الفتى الشامي : فتخيلت لفرط حزني أن أبي قد تبسم وهو يقول لي:
يا أسعد : إني أعلمك كلمات في المروءة.. قلت : نعم يا أبي ، كأنك تسمعني وأنت في عالمك الآخر.. قال : لا يا بني.. بل أعيد عليك كلمات تعرفها قد
علمتك إياها في صغرك.. أو أحسبك قرأتها في تلك الأكداس من الكتب التي كنت تقرأ؟ي منها بعد أن هداك الله والتزمت بالإسلام - أو كما زعمت لي -.. يا بني.. " إن للسان مروءة فمروءة اللسان حلاوته وطيبه ولينه واجتناء الثمار منه بسهولة ويسر.. وللخلق مروءته ، فمروءته سعته وبسطه للحبيب والبغيض "..
بني " أما مروءة النفس هي حملها قسراً وقهراً على ما يجمل ويزين ، وترك ما يدنس ويشين ليصير لها ملكة في جهره وعلانيته ".
- قال الفتى الشامي. نعم يا أبي. نعم ، ولكن ثق أني على عهدك وسأحمل نفسي على المروءة الحقة في لساني وجناني..
- قال الفتى : قالت أمي مقاطعة. دعك من هذا يا أبا أسعد فوالله ما رأيت منه تلك المروءة التي تحدثه عنها ، فما كان للسانه حلاوة ولا لين ، وما كان في خلقه سعة ولا بسطة ، وما حمل نفسه قسراً وما أجبرها قهراً.. (قال الفتى : حسبك يا أماه.. حسبك..).
- قال الفتى : فصرخت صرخة قطعت كبدي ومزقت أضلعي.. ونحبت وبكيت.. وأمي تكمل : مروءتك يا بني أين كانت عندما كنا في الحياة الدنيا؟؟.
- قال الفتى : وأين أنت يا أماه الآن؟؟ ألست معي.. إني أعتذر إليك مما بدر مني.
- قالت : دعك من هذا يا بني كفاك يا أسعد : ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ)) ((وسَيَعْلَمُ الَذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ))...
- قال الفتى : فشهقت.. فوقعت ولكن تمالكت نفسي ونهضت قائماً..؟حماك ربي.. أرجوك يا أمي لا تكملي.. إني قد تبت الآن.. و.. سوف تصفحين عني.. لا لن أعود لمثل ذلك.
- قال أبي : وما ذلك يا أم أسعد؟!
- قالت أمي : أما تذكر يا أبا أسعد كم رفع في وجهي صوتاً منتصراً لزوجته أو محتجاً على تدليلى لابنته.. أما سمع وهو الملتزم بالإسلام ذلك الحديث عن أبي الدرداء ، أن رجلاً أتاه فقال : إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها ، فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول. " الوالد أوسط أبواب الجنة "[8].. فإن شئت فضيع هذا الباب أو احفظه.. والله يا أبا أسعد ما أمرته بطلاق وإنما كانت بعض الأمور المنزلية البسيطة.. ووالله لو أرجعت إلى الدنيا لسامحته.. ولكن قد مضى قول ربي أن لا أعود..
- قال الفتى : نعم يا أمي إني أعلم ذلك.. ولكن لم لم تغفري لي وأنا في الدنيا ؟..
قال الفتى : إني أعلم لم ذلك!!.. لأني ما اعتذرت ليغفر لي أو أسامح ولكني أخذت زوجتي إلى غرفة أخرى متسلياً بها.
- قد أضعت الباب " باب الجنة " يا أسعد..
- لا. لا يا أبي ما أضعته..
- قال الفتى. قال أبى : أضعته يا أسعد.. أما أغضبتك في ذلك اليوم.. فنظرت إلى شزراً ، وأنت تعلم في ذلك اليوم أن ابن أبي حاتم قد نقل عن عروة في قوله تعالى ((واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)) قال عروة : إن أغضباك فلا تنظر إليهما شزراً..
- قال الفتى : قلت : يا أبي.. ولكنك ظلمتني.. فقال لي أبي : وإن.. وإن يا أسعد.. أما نقل لك البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس أنه قال :»ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين - يعني من الجنة - وإن كان واحد فواحد ، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضي عنه ، قيل : وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. وربك يقول ((وصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)) ثم.. أي ظلم هذا؟!!.. هل أمرتك بشر؟؟ لا والله.. إن هي إلا أمور دنيا.. ولتكن أموراً كنت تتعبد الله فيها... ثق تماماً.. أنك أضعت الباب يا أسعد..
- قال الفتى : فصرخت.. وما عساني أن أفعل وقد ماتا..؟! نعم.. لا عذر ولا قبول.. وربي بالمرصاد.. ويلي!!..
- قال الفتى : وسرت راجعاً بعد دفن أبي ومعي من الجموع الكثير.. وكنت والله مرعوباً متفتت الأحشاء كسيفاً مطرقاً..ما زال في فكري ذلك اليوم.. وتلك الأيام التي كنت أرد على أمي أصواتاً أو أحتج على أبي مغاضباً وكإني سيد الدنيا.. وفي تلك الأيام التي ما أرضى أن ترفع أمي طرفاً لزوجتي أو يحتج أبي على تصرف لي مهما كان صغيراً.. في تلك الأيام كنت أعلم قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُواً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)).. وما أعي معنى لذلك إلا اليوم.. وكم أبكيتها.. ولكني كنت أقرأ قول ابن عمر : بكاء الوالدين من العقوق والكبائر.. وأقرأ قوله -صلى الله عليه وسلم- : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئاً : ألا وقول الزور ، وما زال يكررها حتى قلت ليته سكت" - قال الفتى : وكم أبكيتك يا أمي.. وكم.. ويا ليتنى قد اعتذرت ، ما منعني إلا النسيان أو الغضب ، و.. لست أدري.. ولكني سأستغفر ربي ما عشت وأتذكر الأثر دائماً: " لا تقطع من كان يصل أباك فيطفأ بذلك نورك ".. - قال الفتى : وخطرت لي أمي.. بني أسعد.. إذا ألمت بك مصيبة فكيف تفعل؟؟ .
- قلت : سأستغفر ربي.. قالت : أما لو كنت حية لهانت عليك. قال الفتى : قلت كيف ذاك يا أماه؟؟ قالت : روي عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال : إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني ، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه فغرت عليها ، فقتلتها ، فهل لي من توبة؟ قال له : (هل أمك حية؟) ، قال : لا ، قال : تب إلى الله عز وجل وتقرب إليه ما استطعت ، فذهب.. يقول الراوي : فسألت ابن عباس : لم سألته عن حياة أمه؟ فقال : إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله من بر الوالدة..
- قال الفتى الشامي : قلت : يا أماه والله لست أدري هل أضعت الجنة حقاً أم ماذا..؟ ولكني حسبي بإني قد بررت ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها..
[1] - تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 3371 في صحيح الجامع.
[2]- موقع الإسلام ، تحت إشراف الشيخ / صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ، وزير الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية .
[3] - والد كاتب المقال الشيخ / محمد بن قاسم . رحمه الله .
[4]- بقلم الشيخ/ عبدالملك بن محمد القاسم . مجلة الدعوة .
[5] - ذكره صاحب كتاب مجالس شعر العرب _ ص248 غير منسوب وتكملته .. وعَلمَّه حبي له كيف يَغضبُ !
وقد أجازتاه شاعرتان من جواري المتوكل .
[6]- من خطبة للعلامة الشيخ د / صالح بن حميد . من المسجد الحرام بمكة المكرمة .
[7]- رواه أبو داود (صحيح) وهو في صحيح الترغيب والترهيب 2481.
[8] - صحيح . 7145 . صحيح الجامع .
|
|
|