03/10/2010, 03:24 AM
|
#8
|
المؤسس والمشـــرف العــــام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 2
|
تاريخ التسجيل : Aug 2004
|
أخر زيارة : 10/06/2025 (02:09 AM)
|
المشاركات :
64,163 [
+
] |
التقييم : 16605
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
MMS ~
|
SMS ~
|
|
لوني المفضل : Maroon
|
|
الجن مصدرا للإلهام في الشعر العربي
كان العرب في الجاهلية يفتخرون بالشعر، وكان لهم في عكاكيظه عبقريات مختلفة تضاربو بها وتباهو.. فعقدوا مقارنات ومساجلات أبرزت عبقريتهم في هذا المجال إلى حدود الجنون، إلى أن هذه الكلمة " جنون " كانت تعني عندهم الجزم في ظهور الشاعرية أو مصدرا لها . وتعني من جهة أخرى الخروج عن المألوف، فظهرالإلهام، والوحي، والرؤية، والسحر. وكان ابرزهم الشيطان، والجن، والهاتف، فوصفوا الشاعر المبدع بالعشق، والوله، والجنون،. وزادوا على ذلك الحسب والنسب فقرنوا لكل شاعر شيطان سموه " جن الشعر" وسموا هروبه عنهم وتخفيه في حالة عدم نظم الشعر أو قرضه "الحرن" . فتلقب البعض منهم بلقب (الجن)أو المجنون أضراب: "ديك الجن" و" مجنون ليلى"أو كما وردت في أساطيرهم بألوان مختلفة كقول كعب بن الزهور
والقصص التي تروي علاقة الجن بالشاعر كثيرة ومتشعبة وفقد تواتر البعض على أنهم يمتزجون وينهلون مع العرب من وادي "عبقر" المزعوم أنه مصدر إلهامهم، إلى أن أصبح الجنون عندهم ملاذا أو مرجعا للإبداع.، أو كما ورد في كتاب أبي زيد القرشي (جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام) . وقد تحدث الشعراء بالشعر على ألسنة الجن وإلهامهم بالشعراء، فعقدوا بينهم مساجلات تصدق أساطرهم كما جاء في تصوف ابن عربي – ضمن كتابه – (الفتوحات) . فكان إمرئ القيس مدينا لشيطانه المسمى" لافظ ابن لافظ" وللأعشى شيطان آخر هو" مسحل بن جندل السكران" و"هاذر" لزياد الذبياني، أما عبيد بن الأبرص فكان شيطانه على وزن إسمه ويدعى" هبيد" .، وربما لكل شاعر جن وهذا ما سنراه لاحقا ضمن هذا البحث .
هذا وبعد إن استدرجنا علاقة الشاعر بالجن، نورد علاقتهما للغوية في الثقافة العربية حسب منظورنا الثقافي . فالدلالة اللغوية لكلمة (جن) الشيء القابل للاختفاء وعدم الظهور أو التواري عن الأعين، وشملت لتدل على كل مستور خفي، ففعل"جن" الشيء يجنه إذا ستره وغطاه، وجن عليه الليل أي سَتَرَهُ ومنها جن الليل وجنونه، وجنانه شدة ظلامه وسمي الكفن والقبر بِالجََنَِن لستره الميت ومنه سمي الجن - بهذا الإسم - لإستجنانهم واختفائهم عن الأبصار، فالجان إذن نوع من العالم سموا بذلك لاستجنانهم عن الأنظار لإنهم استجنوا من الناس فلا يرون. والجن خلاف الإنس، والجنة من الجن وتعني الجنون كما جاء في التنزيل (أم به جنة )، وتجانن أي تظاهر بالجنون وهو زوال العقل بالجنون وفساده، وفي الحديث، ( لو أصاب الإنسان في كل شيء جن أي أعجب بنفسه حتى يصير كالمجنون من شدة إعجابه) .
ومن هذه الكلمة أو الدلالة اللغوية يمكننا ان نطلق هذه العبارة على حدوث نوع معين من التفكير المؤدي إلى أي فكر لتميز به على كل مبدع.
فأين هي ظاهرة الجنون في الشعر العربي الحديث، وهل يمكن القول بأن أغلب المبدعين في تاريخ الفكر مجانين لقوة إرادتهم لإرتكاب ما يراه الناس حمقا في تصرفاتهم ..؟ وهل الرؤية والمنظار يختلف عندما يتعلق الأمر لشعر الحديث وأخص في هذا المجال الشعر العربي المعاصر لأنكر عليه ما يراه الناس حمقا وقد اختلف معهم لأنهم قد لا يرونه من نفس المنظار الذي أراه منه . أما القول بأنه غامضا يتخفى وراء الأشياء في الخروج عن الموروث الشعري المعتاد عليه، فقد قرأنا في الشعر الجاهلي جملة من القصائد ذات الألفاظ الخشنة، من حيث الإستطراد وراء المفردات الصعبة بمالم ينحتوه أهل البلاغة النحو، . فتعالوا معي إذن إلى بياطرة الألفاظ نتدبر مقولة الأعشى ونستمع إليه يقول: ( لقد أقتدي إلى الحانوت يتبعني شاومشل شلول شلشلي…إلخ) .
فإذا كان من الفصاحة مالا ندرك معناه .. فإين هي الفصاحة في هذه المفردات الخشنة.؟ ونقلا عن صفي الدين الحلي فقد استعمل مرادفات حكاية عن الجرجاني في ( الوسيط ) مثل كلمة " الطويل" أضراب : العشنط، العنطنط، والعشنق، والجسرب، والقرقب، والسهلب، والطاط، والطوط، والقاق، والقوق،… فأين هو وجه الشبه بين هذه الكلمات والكلمة السابقة . ؟
ولقد حدد النقاد العرب القدامى ميزة الشعر بالوزن على الميزان أو العزف على منواله أي " القافية والتفعيلة" فحدوا من تعريفه بانه الكلام الموزون المقفى فقيدوا الشعر عاجزين عن تعريفه فأخطئوا العبارة، العبارة، إذ ليس كل كلام موزون مقفى "شعر" ولايتحدد بضرورة الوزن ولاالقافية، وهذا ما أوقع بعض نقادنا العرب في (الاحراج) وسبب لهم العجز في إعطاء تعريف تام إلى أن ظهر جيل من الرواد أطلق العبارة وأسهب اللفظ مموسقا فالشعر إذن إحساس وولوع بالمؤثرات التي تؤثر في لغة الألفاظ، والشاعرية ليست ولوعا بالأغراض كما قال " فالبري Falibre (الشعر لا يصنع من الأفكار ولكنه يصنع من الألفاظ) ولغته من تراتيل الطبيعة وسحرها، ليست في الدواوين ولا من القواميس وليت من الحفظ، ولا سبقت على لسان أحد وإن خرجت عن المضمون فالعقل هو الذي يقبل حتميتها.
ومن هنا جاءت القصيدة الحرة منطلقة في فضاء الإبداع الشعري لتحد من سفور اللغة وتبين رؤيا جديدة تعزز الشكل والمضمون فقضيت كل البيان المتوارث عليه وكشفت النقاب عن أوجه الحسن في هذه الطبيعة الساحرة بجمالها، فاينتعت الشاعرية بالإنحلال في نوامسيها بين ائتلاف الشكل الموسيقي، فجاء تعثرها مموسقا ليصوغ لنا كلاما تتعاطف فيه الحياة وتنعطف مع الأنغام، لنلتمس روح الجمال من كل مبسم في انتظام يتم وراء الأشياء … ويتفاوت الشعراء فيه حسب مؤثراتهم تفاوت لغاتهم .
فمنهم من برر لغته بالذود عنها كجبران خليل جبران،( لكم لغتكم ولي لغتي،لكم من لغتكم البديع، والبيان والمنطق، ولي من لغتي نظرة في عين المغلوب ودمعة في جفن المشتاق وابتسامة على ثغر المؤمن …) ومنهم من اعتقد تجسيد حالة الانسلاخ بالاعتماد على فكرة " التتناص " بقراءة النص الغائب ولكي يتضح للقارئ يجب توفره على حد أدنى من الإنشائية كما يرى "جون كوهين" لاستيعاب النص الغائب بالاستقطاب .
وهذا لا ينفي وحدة النص الحديث بل يدل أنه يقبل حدين: حد أدنى وحد أقصى، وبهذا تكتمل أجزاء الصورة في معرفة تاريخ معين وبهذا أيضا يزول الغموض النسبي إلا أنه لا يزول كما رأينا من وطأة التأثيرات في اللغة الجاهلية وبهذا أصبح المعجم العربي قابلا لأي كلمة، فلغة الإبداع فصيحة سلسة لا تتحدث بخشونة المفردات اللغوية وليس الجنون تطويرا لها وليست عاجزة كذلك ولاحاجة لها بالاقتباس من القواميس ولا المجلدات اللغوية .
فاللغة إذن ليست كل شيء داخل النص الشعري بقدر ما يمكن أن تساهم في تشكيل "الشعرية" ولا يمكن ان تساهم في تطويرها.
وفي الختام اكتفي بمقولة نزار توفيق قباني : (أنا مع حرية الشعر بلا حدود، على شرط أن لا تكون هذه الحرية عملا تخريبيا يستهدف محو هويتي وإلغاء تاريخي) وكل يغني على ليلى.
ـــــــــــــ
انواكشوط : محمد الأمين ولد يحيى
كاتب صحفي موريتاني
الجوال : 2226781212 +/002226367733
البريد الإلكتروني yahyawi@maktoob.com
نشرت هذه الدراسة في يومية المجهر الموريتانية بتاريخ الثلاثاء 01/02/2006
|
|
|