في الماضي وأيام أجدادنا وآبائنا كانت هناك مواقف بطولية وإنسانية قلما نجدها في وقتنا الحاضر من كرم ونخوة وشجاعة وتكافل إجتماعي بشتى أنواعه وحماية ونصرة الدخيل ، وقصتنا لهذا اليوم هي عن المتشبّر والمقصود بها الشخص الذي يشبر من الناس العون والمساعدة في مصيبة حلّت به ، إما في دية لقتله أو شخص من أفراد عائلته لشخص آخر وحُكِم عليه بالدية أو مصيبة حلّت به كفقد حلال أو مال أو مزارع وخلافه .
وبهذه المناسبة يحدّثني شخص أنه كان من ضمن أفراد قريتهم رجل بخيل ومحتال من الطراز الأول ، فعندما يأتي هذا المتشبّر من أي قرية أو قبيلة لطلب المساعدة فيما حل به من مصيبة ويذهب إلى عريفة القرية ويشكو إليه حاله ومصيبته ويطلب منه ومن أفراد جماعته المساعدة بعد أن يعرّف بنفسه وعائلته وقريته أو قبيلته وأنه صادق في كلامه ، وعند التأكد من كل ذلك من قبل العريفة وأنه صادق فيما قال يقوم هذا العريفة يوم الجمعة وبعد سلام الإمام في صلاة الجمعة ويطلب من الجماعة الإنتظار لبعض الوقت في حرم المسجد لأمر هام .
بعد أن يجتمع كافة أفراد القرية في حرم المسجد يقوم العريفة ويخبرهم بأن هناك رجل متشبر من القرية الفلانية أو القبيلة الفلانية ويذكر قصته ومصيبته التي حلت به وأنه يريد المساعدة ، ثم يقوم العريفة بسؤال أفراد القرية عن المبلغ الذي يتم الإتفاق عليه والذي يستطيع الجميع أن يدفعوه كمساعدة لهذا المتشبر ، فمنهم من يقول كل فرد يدفع ريال وآخر يقول ريالين وهكذا حسب ظروف وأحوال الجماعة فإن كانت أحوالهم طيبة كان المبلغ كبير وإن كانت أحوالهم صعبة كان المبلغ قليل حسب مدخولهم من المزارع والحلال وخلافه وكانت هذه هي مداخيل الناس قديماً لعدم وجود الوظائف أو التجارة بالمعنى الحقيقي وإن كانت موجودة قديماً ولكنها لبعض أفراد ينعدوا على الأصابع .
يقول صاحب هذه القصة ، بالنسبة للرجل البخيل فهو ينتظر ما تسفر عنه المحادثات على المبلغ المحدد الذي يقوم بدفعه كل فرد من أفراد القرية ، وهذا البخيل ليس عنده إستعداد أن يدفع مليم واحد لا كثير ولا قليل ، ولكنه يريد أن يتخلص من هذه المشكلة أمام أفراد جماعته بحيلة وذكاء حتى لا يدفع وحتى لا يقال عنه بخيل وخوفاً من أن يحصل له مصيبة في المستقبل ويتخلوا جماعته عنه ولا يقوموا بمساعدته لعدم وقوفه في صفهم وعدم قيامه بدفع حصته أسوة ببقية أفراد القرية ، يقول صاحب القصة بعدها يقوم هذا البخيل ويرتجل كلمة عصماء وكان طليق اللسان حسن المنطق والإقناع ويقول لجماعته أنا أرى أن ما تم الإتفاق عليه من دفع هذا المبلغ وهو مبلغ ثلاثة ريال لا يليق بسمعتنا أمام القبائل والقرى الأخرى ومن العيب أن نمد بهذا المبلغ القليل فنحن أصحاب كرم ونخوة ويجب عليكم أن ترفعوا هذا المبلغ حتى يليق بسمعتكم وكرمكم ونخوتكم وش يقولوا عنكم القبائل يقولوا القرية الفلانية ما دفعوا للمتشبّر إلا على ثلاثة ريال لكل فرد ، طبعاً هو في قرارة نفسه يعرف أن هذا المبلغ الذي تم تحديده وهو ثلاثة ريال أقصى ما يستطيع أي فرد أن يدفعه ولن يدفع أكثر منه نظراً لظروفهم المادية ، يقوم بعدها عريفة القرية ويقول له طيّب قل لنا ما هو المبلغ الذي ترى أن يقوم بدفعه كل فرد منا لهذا المتشبّر ، فيقول هذا الرجل البخيل ، أنا أرى أن يقوم كل واحد بدفع مبلغ عشرة ريال ، فيثور عليه جماعته مستنكرين إقتراحه وأنه رجل مهبول ومجنون ولا يوافقوا على إقتراحه ثم يقول العريفة له ، بالنسبة لنا هذه إمكانياتنا وإستطاعتنا وأنت إذا الله منعم عليك إدفع عشرة ريال أما نحن فلن نستطيع أن ندفع أكثر مما أتفقنا عليه ، فيقول البخيل إسمعوا الكلام اللي يجمد على الشارب يا ندفع كلنا جميعاً على عشرة ريال لهذا المتشبر صغيرنا وكبيرنا غنينا وفقيرنا وإلا علي الطلاق بالثلاث ما أدفع ريال واحد لا تشرهونا من القبائل وتفضحونا بهذا المبلغ الطفسة إستحوا على وجيهم يا تمدوا مدة رجاجيل وإلا إستـتروا من بعض المدات التي ما ينمد بها .
وبهذا الطلاق يتخلص هذا البخيل من دفع أي شئ ويكون في نظر بعض جماعته أنه رجل كريم لا يرضى بالهيّنه والمدة القليلة وفي نظر البعض يعرف أنه بخيل ويريد أن يتخلص من الدفع بهذا الطلاق لعلمه أن جميع أفراد القرية لا يستطيع أن يدفع كل واحد منهم عشرة ريال ، وعندما يطلب منه العريفة فيما بعد دفع فرقته وهي ثلاثة ريال أسوة ببقية الجماعة يقول له أنا وسبق أن قلت لكم في حرم المسجد يا ندفع على عشرة ريال كلنا جميعاً وإلا علي الطلاق بالثلاث ما أدفع ريال واحد .