نور: ذكرت الموهبة كيف أستطيع أن اعرف إذا ما كنت املك منها شيئا.؟
بمعنى أوضح ما هي علامات امتلاكنا للموهبة.؟!
بابا يحيى: الموهبة هبة من الله لا يستطيع أي كائن مهما كان من التدخل فيها وهي -حسب اجتهادي- تتمثل بالمهارات التي يلد الإنسان بها -دون وعي منه أو إدراك- وخلاصة للتجارب الإنسانية عبر ملايين السنين من التطور البيولوجي وعلى الكم الهائل من المعلومات التي تختزنها البشرية في ذاكرتها الوراثية.؟!
وهي على صلة وثيقة بالوراثة ولكنها لا تخضع إلى أي قاعدة أو اعتبار له علاقة بالنواحي الاجتماعية أو الثقافية أو الدينية للإنسان الموهوب ( المحيط ) إلا بدرجة الاهتمام الذي تحاط به تلك الموهبة منهم في تحفيزها وتنميتها وظهورها.؟!
والموهبة على تنوعها ( فنية كانت أو أدبية أو يدوية ) هي التي تعطي لمن يمتلكها ويمارسها متعة انسجامه مع نفسه ومحيطه وتتجلى في أبها صورها بالإبداع.!
وقد يمتلك احدنا منها دون أن يدري وقد تظهر فجأة متجسدة ببراعة أو إتقان فيما وهبنا منها، فنثير الإعجاب ويصيبنا النجاح والشهرة بعد أن نكون مهملين لا يلتفت إلينا احد.!.... وقد نحملها ونمارسها سرا خوفا من هزأ المحيطين بنا وقد نحملها ونموت بها دون أن ندري بها أو ينتبه لها أي كان.؟!!!
فهي ترتبط في تنميتها وصقلها ونموها وتطورها على المجتمع والبيئة التي يجد صاحب الموهبة نفسه فيها وتكون أما سببا في ظهورها أو اندثارها.؟!
وبما أنني أتحدث عن الموهبة الأدبية فانا سأستعير وصفي لها من مقالتي التي ذكرت سابقا ( الموهبة هي تلك النعمة التي يهبها الله لنا لكي تميز البعض منا عن الآخر في مهمة التكليف التي خصها الله لأحدنا وفضله بها على غيره لعلمه تعالى بان من يحملها ويلد بها إن هي إلا أمانة ودين يؤدها بالنيابة عن المجموع.
أنها بتبسيط شديد هي تلك المقدرة التي ولد بعضنا بها للإحساس بالكون والتفاعل معه والتأثير به بشكل يفضي إلى مسلمات وركائز وقوانين وشروط تحدد الإطار العام لأي من الإبداعات التي يصنعها الموهوب في مجال إبداعه.
فالأديب الموهوب يعي منذ أول إدراك له للعالم المحيط به حاجته لان يتأمل ويسمع ويتساءل ومن ثم يثرثر بوضوح ودون تكلف عما يجيش في داخله من مشاعر على أنواعها وألوانها حزنا كانت أم فرحا، قبل أن يبدأ في تدوينها على ورق وتتبع ما يغنيها من ألفاظ وعبارات وحجة وخيال بمطالعة من سبقه في هذه الموهبة. فيستمتع بما يسمع ويقرا ويمتع بما يقوله ويكتبه دون تكلف أو تمثيل أو تصنع أو إرهاق.؟!.... انه بكل بساطة يمارس بموهبته تلك الفطرة الإلهية التي منحت له فهي لا تكلفه من نفسه أكثر من خفقة قلب أو استنشاق وزفير.
ولهذا نجد الفرق الواسع الشاسع بين كاتب موهوب وكاتب تعلم مهنة الكتابة.؟؟؟
فالأول إذا ما تكلم أطربك بتسلسل أفكاره وترابطها وسهولة ولوجها للقلب والروح دون تكلف فتحرك لديك المشاعر على أنواعها وتأخذك مهما كنت صلبا وخشنا،... فتسحرك بألحانها وتطربك بأنغامها وتبعدك عن السبيل الذي كنت قد سلكته. وتحول حياتك المرهقة وشجونك وآلامك وقوقعتك التي تسكن فيها إلى فردوس، تحلق في سمائه فتشعر بالحرية وأنت سجين... وبالنعمة وأنت فقير... وبالصحة وأنت سقيم... وبالسعادة وأنت حزين.؟!....أنها بكل بساطة هي صوت الشاعر وعين الفنان وأنامل الموسيقي ويد المهني وقلم الكاتب الذي يصنع هذه المعجزة التي تطرب العامة وتفك القيود وتحرر الشعوب.
في حين لا يستطيع الكاتب الذي تعلم الكتابة مهما فعل من أن يحرك - ولو بمقدار شعرة واحدة- المشاعر ؟؟؟ )