نور: كيف.؟
أولا: اختيار شخصية البطل يحتم على الكاتب أن يكون مقتنعا بها ملما بكل عاداتها وتصرفاتها بما يتلاءم مع دورها بالحياة ( كبير أو صغير السن مكانته في الأسرة والمجتمع، الخ ) قادرا على إعطاءها اللغة التي تناسب ثقافتها ومركزها الاجتماعي ( طبيب، عامل، مدرس، فلاح، الخ ) ولا يمنع أبدا من أن ينتحل الكاتب شخصيته فيقوم بدوره في الصراع الدرامي الذي يكلفه به مبرزا وجهة نظره وموقفه مما قد يتعرض له من قبول أو رفض من الآخرين.! فيكون الطفل الساذج والفتاة الخجولة والشيخ الحكيم والشاب العاشق الحالم ذو طموح والعابث المتمرد الجسور وقد يضطر لان يتسلل إلى ورشته التي يعمل بها، أو حقله وربما بيته الذي يسكنه،... يحزن لحزنه ويفرح لفرحه، أو يتعرض للتحقيق والضرب والإهانة ويدخل سجنه وينام في فراشه مثله تماما. ولا يضيره -إذا ما كان متمكنا- من أن تكون شخصية بطله تخالف جنسه فهو القادر دائما على التأقلم مع الحدث والمحيط والأفراد.؟
وممكن جدا أن يكتفي الكاتب من دور المشاهد يتصرف كالراوي راصدا القلق في العيون والحيرة والتساؤل في حركات الأيدي والتعب والإرهاق في ترنح الجسد،... والمرض في اصفرار الوجه،... والتعبير عن الألم والخوف من خلال العويل والصراخ.؟!... أو السرور والفرح بالابتسامة التي تطفو على الوجه أو رنين الضحكة الخارجة من بين الشفاه.!ّ الخ....فهو لا يقترب من شخوصه إلا بالقدر الذي يمتعه ويرضيه.؟
ثانيا: الموضوع وهو أساس القصة فنحن نختاره ونستجلب مادته الخام من الحياة والمجتمع المحيط بنا وقد يكون نقلا عن حادثة أو خبر أو قضية قد شغلت عقل وتفكير الكاتب فيجعله في مقدمة القصة ويبدأ في توزيع الأدوار فيها بما يتناسب مع تصوره،... وقد يضيف الكثير عليه وقد يختلقه كله،... وقد يضطر لان يصادق حيوانات الغابة ووحوشها وطيورها ونباتاتها فيحلق بأجنحتها كالعصافير ويسافر على ظهر السحاب كالفراشات ويتسرب بين حبات الرمل والحصى مادا جذوره في الأرض كالنباتات فيتعرض للدهس والصيد والمطاردة والاختناق والموت مثلها تماما.؟! فهو يريد بكل الأحوال أن يكون لسان حالهم يعيش بينهم ومعهم يحلم مثلهم ويموت مثلهم وقد يتعرض للانقراض مثلهم.!
ثالثا: المحيط العام أو البيئة وهو المكان الذي يختاره الكاتب لعرض قصته وتحرك شخوصه سواء كان عاما أو خاصا ( المنزل أو المصنع، في الشارع أو الحقل، في الطائرة أو على ظهر مركب في بحر. الخ ) وهنا تكمن أهمية إظهار حدود المكان والزمان في القصة.
فمن ناحية المكان: فالكاتب لا يرى الأمور كما يراها غيره من الناس فهو يمتلك عين ثاقبة في رصد التفاصيل الدقيقة للمكان الذي يحيط به ولهذا نراه شديد الانشغال بها حد الهوس ( تفاصيل الغرفة وألوان الستائر ونوع العفش، الأنوار والظلال، روعة الغيوم وهي تحتضن التلال وهيبة الوديان السحيقة وما يرتفع فوقها من جبال ورقة النجوم وهي تزين السماء. الخ ) حتى انه لا يتوانى من نقلها ونقل الأصوات ( كصرير الباب أو خشخشة سنابل القمح اليابسة أو طقطقة الأخشاب وهي تحترق في الموقد أو صفير الريح وهدير الأمواج. الخ.؟ ) إلى قصصه ليجعلك تعيش اللحظات تلك وكأنك حبيس المكان بأضوائه وضوضاءه.؟
وأما الزمان: فيكفي أن يحدد الوقت ليشعرك به وبدلالاته فإذا ما كان في الصباح فانك تدرك مباشرة ما يحمله من صفة ( صياح الديك وشروق الشمس، زقزقة العصافير، حركة الناس وهم يهمون بالذهاب إلى أعمالهم والأطفال إلى مدارسهم،... حتى انك تشمم رائحة الخبز وهي تتسرب من الفرن وصياح الباعة في سوق الخضار. الخ )
ويكفي أن يذكر الظهيرة حتى تعج الشوارع بالمارة ويملا المكان ضجيج الحافلات وقد اختلط بأصوات الباعة وتشعر باختفاء الظلال فالشمس مستقيمة فوق الرؤوس والفلاحين في الحقول المجاورة مالوا للراحة تحت فيء شجرة يتبادلون الحديث أو يتناولون الشاي. الخ
وهكذا فترة المساء أو ذكر ساعات محدد من الليل توحي للقارئ بالهدوء والسكينة العامرة بالخشعة والإيمان.
أو قد توقظ لديه حاسة الخوف مما قد يواجهه من مجهول في الظلام، ( وقد يرصد عيون لامعة تختبئ بين حاويات القمامة أو ضوء من نافذة ينبعث منها صوت موسيقى حزينة تدل على وجود عاشق متيم،.... أو يذهب بك الخيال حد تصور اللصوص وهم يتسلقون الجدران أو أنين مخمور يترنح تحت وطأة ثقل رأسه وتعثر لسانه.؟! )
فالليل يخبئ المفاجآت ويستر شذوذ الخلق والكائنات ويملأ الخيال بقصص بنات الهوى المظلومات منهن أو الفاجرات.؟!!!
وعلى هذا فالزمان والمكان يعكس -حسب البيئة التي يختارها الكاتب- صورة المجتمع الذي يريد التحدث عنه. وما عليه إلا أن يعمل في تلك الصور خياله وقلمه وبأسلوبه المميز ليصنع قصته المطلوبة.؟!
|