وافشيلتاه

أحياناً يقع الإنسان في مطبات واحراجات لا يريدها ولا يتوقعها، ولكنه مهما حاول تحاشيها وتلافيها تعترض طريقه، وهذا الإنسان سيئ الحظ، ما هو سوى نوعية من البشر قدر لها الله أن تكون أضحوكة لعباده الآخرين.

وأعرف رجلاً من هذه النوعية، ولكن قبل أن ادخل في موضوعه، أرى من الواجب أن استعرض وصفه لكم، فهو رجل تبدو سيماء الوقار على محياه إلى درجة الرصانة الواضحة، أعطاه الله بسطة في الجسم إلى جانب الهدوء في الحركة والكلام، إذا شاهده احدهم لأول وهلة لا يخطر على باله إلاّ أن يكون هذا مديراً لأكبر الشركات، أو (لورداً)، أو (سيناتوراً)، وهو إذا تكلم تكلم صح، لأنه يملك حصيلة ثقافية جيدة، غير انه من النادر في أي مجلس يحضره، لا يكون له موقف محرج مضحك، يجني فيه على نفسه.

والواقع انني أتعاطف معه كثيراً، حيث انه رجل محب للخير وشهم، رغم الذي يحصل له، وأهم نقطة ضعف لديه هي حبه المفرط وبدون حدود للأطفال، وتراه كلما شاهد طفلاً يتحول إلى ما يشبه (الأراجوز) لكي يسعد الطفل، وبعض أهل الأطفال يرحبون بتودده وحركاته، وبعضهم يبعث الريبة في نفوسهم، وقد ينهرونه ويوبخونه، ويبعدون أطفالهم عنه.

ومن مواقفه (الطفولية) تلك، انه دعي في احد الأيام إلى حفلة أطفال، وأبدى سعادة وسرورا لتلبيتها والمشاركة فيها.. وفعلاً ذهب إلى العمارة التي سوف تقام فيها الحفلة.

وما أن وصل إلى الطابق الثاني حتى تناهى له صخب الأطفال ومرحهم.

وأراد أن يفاجئهم بطريقة مبتكرة، فما كان منه إلاّ أن ارتمى على الأرض وأخذ يحبو على يديه وركبتيه، وهو يصيح مقلداً أصوات الحيوانات، ودلف من الباب المفتوح وهو على هذه الحالة.

وكم كان خجله عظيماً، عندما رفع رأسه والتفت حوله، وإذا بمجموعة من الرجال الوقورين الواقفين، كل واحد منه كأسه بيده، وهم يحملقون فيه مندهشين.

واتضح أن حفلة الأطفال كانت في الشقة المجاورة، غير أن حماس الرجل المتسرع (المعتّر) جعلته يخطئ المكان المناسب، وقاده (حبوه) إلى أن يصل إلى أقدام رجال الأعمال في مقر إحدى الشركات، وكانوا يقيمون حفلة (رسبشن) للتعارف وتداول بعض الأعمال.

طبعاً وقف أمامهم يعتذر، وهو يتصبب عرقاً، ثم استدار مولياً الأدبار، وحالما خرج من الباب تناهى إلى سمعه انفجار ضحكات الرجال، الذين لا استبعد أن ما شهدوه أعطاهم فرصة جيدة لتبادل النكات والتعليقات. وترك المسكين الأطفال وحفلتهم، ومن المحتمل أن يكون تعثر بالدرج وهو يهبط السلم على عجل ـ ولكنني غير متأكد من ذلك ـ

ولا أملك إلاّ أن أقول بالنيابة عنه (وافشيلتاه).