عرض مشاركة واحدة
قديم 03/10/2010, 04:10 AM   #19
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



الجِنّ وَأحوالهُم في الشعر الجَاهلي - عَبد الغني زيتوني


لم تكد تخلو أمة من الأمم القديمة من الاعتقاد بوجود عالم غير مرئي في هذه الحياة، يزخر بمخلوقات تمتلك قوى خارقة تصنع الخير والشر، دعيت تارة بالآلهة وتارة بالجن وتارة ثالثة بالأرواح. فإذا بحثنا في أخبار العرب الجاهليين وتصوراتهم فإننا نجد أنهم كانوا يتخيلون وجود كائنات خفية، لها قوى خارقة، تملأ بواديهم وفلواتهم، وتتصف بمقدرة عظيمة وسطوة جبارة تنفعان حيناً وتضران أحياناً كثيرة، وقد دعوا هذه الكائنات بالجن.


فما القصد بالجن؟.. جاء في لسان العرب مادة (جنن): "الجن نوع من العالم، سموا بذلك لاجتنانهم عن الأبصار، لأنهم استجنوا من الناس فلا يُرون. والجمع: جنان، وهم الجِنة. والجان أبو الجن خلق من نار، ثم خلق منه نسله. والجني: منسوب إلى الجن والجنة".


*عالم الجن:


لقد عرف العرب الجاهليون الجن معرفة واسعة، حتى بلغ بهم الأمر أن جعلوا الجن عالماً شبيهاً بعالمهم في الجزيرة العربية. ذلك أن الجن يتألفون من عشائر وقبائل تربط بينها رابطة القربى وصلة الرحم، فمن قبائلهم الشهيرة قبيلة "مالك بن أقيش"(1). وقبيلة "بني الشيعبان"(2).


أما سكناهم فهي الأماكن المقفرة والمنازل المهجورة، ذلك: "أن الأعراب تزعم أن الله، عزَّ ذكره، حين أهلك الأمة التي تسمى وبار، كما أهلك طسماً وأميماً وجاسماً وعملاقاً وثموداً وعاداً، أن الجن سكنت منازلهم وحمتها من كل من أرادها"(3). وقد ذكر الأعشى حِجراً، وهي ديار ثمود البائدة، وكيف أن الجن قد اجتمعت حولها تصوّت وتصيح(4):


أو لم تري حِجراً وأنت (م) حكيمة ولما بها


أن الثعالب بالضحى *** يلعبن في محرابها


والجن تعزف حولها *** كالحُبْشِ في محرابها


أن الشعراء الجاهليين قد أسهبوا كثيراً في وصف الأماكن المقفرة والفلوات الواسعة التي قطعوها، وهم يسمعون عزيف الجن في نواحيها. ويظهر أن ذلك العزيف لا يسمع إلا في مجاهل الصحراء المخيفة، وفي المفاوز البعيدة في أحشاء الجزيرة العربية. فهذا الأعشى أيضاً يصف إحدى هذه المفاوز في قوله(5):


ويهماء تعزف جِنَّانُها *** مناهلها آجناتٌ سُدَمْ


كما يوغل في تصوير رهبة البادية التي تنبعث في أرجائها صيحات الجن المرعبة(6):


وبلدة مثل ظهر الترس موحشةٍ *** للجن، في الليل، في حافاتها زجَل


وذاكم زهير بن أبي سلمى يصور في شعره بلدة نائية عن العمران، قد توطنت فيها الجن فأصبحت ممتلئة بأصواتهم المخيفة، حتى أن الثعالب لتصرخ مذعورة منها(7).


وبلدةٍ، لا ترام، خائفة *** زوراء مغبرَّة جوانبها


تسمع للجن عازفين بها *** تضج من رهبة ثعالبها


وذكر طرفة بن العبد في شعره طريقاً مجهولة، قد توطنها الجن منذ أقدم الأزمان، فهم يملؤون جنباتها بصيحاتهم، وصرخاتهم(8):


ورَكوبٍ تعزف الجن به *** قبل هذا الجيل من عهد أبدْ


وكذلك فإن بشر بن أبي خازم يصور أرضاً قفراً، في وقت الظهيرة، حيث الشمس ترسل لهيبها وشواظها على الرمال، هذه الأرض لا يؤنس فيها إلا لعزيف الجن، وياله من أنس موحش!(9):


وخرقٍ تعزف الجنان فيه *** فيافيه يطير بها السهام


والجن في تصور الجاهليين لا يكتفون بارتياد الأماكن المقفرة والمنازل المهجورة، وإنما يتخذون مطاياهم من حيوانات الصحراء متنقلين عليها، ولاسيما الحيوانات التي تعيش في مواطنهم، كالنعام والظباء، واليرابيع والقنافذ والحيات والعقارب وما شابهها(10).


وقد قدمنا أن الجن تكوّن قبائل لها زعماؤها، وربما ظهر أفرادها للعرب وتكلموا معهم بكلام يفهمونه. فمن ذلك شعر ينسب إلى شمر بن الحارث الضبي، وصف فيه اجتماعه بنفر من سادات الجن ودعوته لهم إلى الطعام (11):


ونار قد حضأتُ بُعيد هدءٍ *** بدار لا أريد بها مقاما


سوى تحليل راحلةٍ، وعين *** أكالئها مخافة أن تناما


أتوا ناري فقلت: منون، قالوا *** سراة الجن، قلت: عموا ظلاما


فقلت: إلى الطعام، فقال منهم *** زعيم: نحسدُ الإنس الطعاما


فإذا حدث أن قتل إنسان أحد أفراد الجن، عامداً أو خطأ، فإن قبيلته تثور ثائرتها، وتنهض للثأر من القاتل الإنسي وقبيلته، كما هي عادة الجاهليين في الثأر. ولا يحدث ذلك في هدوء، وإنما تتبعه ضجة صاخبة وغبرة عظيمة تكاد تحجب السماء عن الأعين، مما يدخل الرهبة في نفوس البشر.


ومصداق ذلك هذه الخرافة التي وردت عن الجاهليين، إذ زعموا أن جنياً أتى إلى مكة وطاف بالكعبة ثم عاد، حتى إذا كان في بعض دور بني سهم قتله رجل منهم، فثارت بمكة غبرة عظيمة لم تبصر لها الجبال، وأصبح من بني سهم على فرشهم موتى كثير من قتل الجن. فنهضت بنو سهم وحلفاؤها ومواليها وعبيدها، فركبوا الجِبال والشعاب، فما تركوا حية ولا عقرباً ولا خنفساً ولا شيئاً من الهوام إلا قتلوه لأنها مطايا الجن. فأقاموا بذلك ثلاثاً، فسمعوا في الليلة الثالثة على جبل أبي قبيس هاتفاً يهتف بصوت جهوري: "يا معشر قريش: الله الله فإن لكم أحلاماً وعقولاً!.. اعذرونا في بني سهم، فقد قتلوا منا أضعاف ما قتلنا منهم، ادخلوا بيننا وبينهم بالصلح، نعطيهم ويعطوننا العهد والميثاق ألا يعود بعضنا لبعض بسوء أبداً". ففعلت قريش بذلك، واستوثقوا لبعض من بعض، فسميت بنو سهم، العياطلة، قتلة الجن(12).


ومن هنا نجد أن الجن، فيما زعم الجاهليون، أشبه بشيء بالبشر، وخاصة بالعرب، فهم يعتقدون في مكة اعتقاد العرب فيها، فيطوفون بكعبتها، ثم هم يثأرون لقتلاهم، وإذا حزبهم أمر تحالفوا مع الأنس كما تتحالف القبائل العربية على عدم الاعتداء.


*صورة الجن:


إذا أردنا معرفة الجني وصورته الحقيقية، في أذهان العرب الجاهليين، فإننا لا نكاد نعثر على نص يوضح لنا هذا الأمر، وإنما توجد هنالك صفات عامة لصقها بعضهم بالجن، ومع ذلك فإن صورة الجني تبقى مبهمة غير واضحة المعالم. فالشاعر لبيد بن ربيعة يذكر في معلقته جن البدي، ويصفها بأنها راسية الأقدام، مما قد يوحي بأنه يتصور الجن ذوي قامات مديدة وأرجل طويلة، ومن ثم فإن أجسامهم ضخمة هائلة(13):


وكثيرة غرباؤها مجهولة *** تُرجى نوافلها ويخشى ذامها


غلب تشذَّر بالذحول كأنها *** جن البديّ رواسياً أقدامها


ويبدو أن الجن يتفاوتون في الأحجام والأشكال، فمنهم العامة ومنهم المردة عتاة الجان، وربما كان هؤلاء هم الذين يكلفون بأصعب المهام. وقد أشار الأعشى في شعره إلى أحد أولئك المردة، حيث انتصب في عميق البحار، يحرس لؤلؤة كبيرة، مانعاً عنها الغواصين الذين يبذلون جهدهم في الوصول إليها والظفر بها(14):


ومارد من غواة الجن يحرسها *** ذو نيقة مستعدٌ، دونها ترِقا


ليست له غفلة عنها يطيف بها *** يخشى عليها سرى السارين والسرقا


وأقوى أنواع الجن لها أمكنة معينة، ولعل أهمها أرض عبقر. وقد بيَّن الجاحظ أن العرب الجاهليين تفرق بين مواضع الجن إذ قال: "فإذا نسبوا الشكل منها إلى موضع معروف فقد خصوه، من الخبث والقوة والصرامة، بما ليس لجملتهم وجمهورهم... ولذلك قيل لكل شيء فائق أو شديد: عبقري".(15). فمن عبقر جن متميزون من جملتهم وجمهورهم بالخبث والقوة والعرامة، ولعلهم متميزون أيضاً بالشكل والصورة.


وقد ذكر زهير جن عبقر، مشبهاً فرساناً بهم، في قوله(16):


إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم *** طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل


بخيل عليها جِنة عبقرية *** جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا


وشبه حاتم الطائي الفتيان الأقوياء على الخيل، وهم يشهرون رماحهم، بجن عبقر(17):


عليهن فتيان كجنة عبقر *** يهزون بالأيدي الوشيج المقوّما


*مقدرتهم:


إذا كانت صورة الجن غامضة في الشعر الجاهلي، فإن مقدرتهم الفائقة تبدو جلية واضحة. فإذا أرادوا وصف الفرسان بالقوة الشديدة، والشجاعة الباسلة فإنهم يشبهونهم بالجن، مما يدل على تصورهم الجن ذوي مقدرة عظيمة وقوة هائلة. ففضلاً عن الأبيات السابقة فإن النابغة الذبياني يشبه الفرسان الأشداء بجن على ظهور الخيل(18):


جنٌ عليها مساعيرٌ لحربهم *** شم العرانين من فتوٍ ومن شيبِ


ويقول أيضاً في صورة مماثلة (19):


وضُمرٍ كالقداح مسومات *** عليها معشر أشباه جنّ


والجن في مقدرتهم أن يبنوا البناء المؤلف من أعمدة كبيرة وحجارة ضخمة، يعجز البشر عن حملها أو جلبها من أمكنتها. لذلك نسب كثير من العرب الجاهليين بناء مدينة تدمر إلى الجن، ويؤكد النابغة هذه النسبة في قوله مادحاً النعمان بن المنذر(20):


ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه *** وما أحاشي من الأقوامِ من أحدِ


إلا سليمان إذ قال الإله له *** قم في البرية فاحدوها عن الفَنَدِ


وخيِّس الجن إني قد أذنت لهم *** يبنون تدمر بالصفاح والعمد


لقد اعتقد العرب الجاهليون أن الجن يسخرون تلك المقدرة الخارقة في أمرين هما: الخير والشر.


*قوى الخير وشياطين الشعراء:


إن الجن قد ينفعون الناس إما رداً على جميل صنع لهم، وإما إذا كانوا ممتلكين لموهبة الشعر فإنهم حينذاك يلازمون شعراء معينين، يلهمونهم النظم ويوحون إليهم بالجيد من القول.


ففي تصور الجاهليين أن بعض أماكن الجن تمتلئ بالرزق الوفير، فهي بحسب قول الجاحظ: "من أخصب البلاد وأكثرها شجراً وأطيبها ثمراً، وأكثرها حَباً وعنباً، وأكثرها نخلاً وموزاً"(21). والعرب الذين يسكنون قرب تلك الأماكن، ولا يكون بينهم وبين الجِنَّة عداء، فإنهم ينعمون بتلك الخيرات وتطيب لهم الحياة وتقر أعينهم بذلك الجوار(22).


وإذا أعان أحد العرب جنياً من غير أن يشعر، فإن هذا الجني لا ينسى المعروف، وإنما سيظل منتظراً فرصة يكون فيها العربي محتاجاً إلى المساعدة عند ذاك يقدم له العون ويجزيه خير الجزاء(23).


ومن المعروف أن اليونانيين القدماء كانت لهم آلهات للشعر، يستلهمونهم قصائدهم ويتغنون بما تمنحهم من صور جميلة وأخيلة مبتكرة. وكذلك كان شأن الشعراء الجاهليين إذ كانوا يدعون أنهم يتلقون الشعر من كائنات تتمتع بمزايا خارقة، لكنهم لم يجعلوها آلهات أو ربات، وإنما تخيلوها شياطين من الجن. فكانوا: "يزعمون أن مع كل فحل من الشعراء شيطاناً، يقول ذلك الفحل على لسانه الشعر".(24).


فمن ذلك ماكان يدعيه الأعشى من أن له جنياً اسمه مِسحَل، يلازمه ويلقي على لسانه الشعر، فينتصر به على الخصوم والأعداء، ويفحم به الشعراء الهجائين. وقد صور ذلك في قوله يهجو قوماً استعانوا عليه بشاعر يدعى جهنَّام، فاستعان عليهم بشيطانه: (25):


فلما رأيت الناس للشر أقبلوا *** وثابوا إلينا من فصيح وأعجم


دعوت خليلي مسحلا ودعوا له *** جهنَّام جدعاً للهجين المذمم


حباني أخي الجني نفسي فداؤه *** بأفيح جياش العشيات خضرم


فقال ألا فانزل على المجد سابقاً *** لك الخير قلِّدْ إذا سبقت وأنعم


وقد ذكره في موضع آخر من شعره، وأشار إلى أنه خليل يلازمه دائماً، وأنه شيطان شعر يعينه على إجادة الشعر والنبوغ فيه(26):


وما كنت شاحرداً ولكن حسبتني *** إذا مسحلٌ سدَّى لي القول أنطق


شريكان فيما بيننا من هوادة *** صفيان: جني وانس موفق


يقول، فلا أعيا لشيء أقوله *** كفاني لا عيٌ ولا هو أخرقِ


وكان حسان بن ثابت يزعم أيضاً أن له جنياً يلهمه الشعر، ويوشيه أحسن الوشي، ويجوده فيظفر به على الشعراء(27):


لا أسرق الشعراء ما نطقوا *** بل لا يوافق شعرهم شعري


أني أبى لي ذلكم حسبي *** ومقالة كمقاطع الصخر


وأخي من الجن البصير إذا *** حال الكلام بأحسن الحبر


وعلى هذا فإن الجن قد ينفعون الناس فيقدمون لهم العون ويلهمونهم الجيد من الشعر إذ كانوا شعراء. غير أن منفعتهم تكاد تكون في مجال ضيق، وفي حوادث قليلة، أما ضررهم فهو المشهور عنهم.


*قوى الشر:


لقد كان العرب الجاهليون يخشون الجن خشية شديدة، وكانت تشيع بينهم أخبار عن أفراد قتلهم الجن أو اختطفوهم أو سلبوهم شيئاً من إنسانيتهم. "فقد قتلت الجن مرداس ابن أبي عامر، كما قتلت سعد بن عبادة. واستهووا سنان بن حارثة ليستفحلوا، فمات فيهم، واستهووا طالب بن أبي طالب فلم يوجد له أثر، واستهووا عمارة بن الوليد بن المغيرة، ونفخوا في إحليله فصار مع الوحش"(28).


وفضلاً عن ذلك فإن الجن يترصدون بمن يدنون من أماكنهم، متعمداً أو غالطاً، فيثيرون في وجهه التراب، مما يؤدي إلى عماه أو قتله. بل إن منهم متخصصين بشرور معينة حيث أنهم يخبلون الناس ويسلبونهم عقولهم. لذلك سماهم العرب بالخابل والخبل. وقد ذكرهم أوس بن حجر في قوله(29):


لليلى بأعلى ذي معارك منزل *** خلاء تنادى أهله فتحملوا


تبدل حالاً بعد حال عهدته *** تناوح جِنَّان بهن وخبَّل


وافتخر حاتم الطائي بأنه يجود على الإنس والجن من خبل وغيرهم كرماً وعطاء، فقال: (30):


مهلاً، نوار، أقلي اللوم والعذلا *** ولا تقولي لشيء فات ما فعلا


ولا تقولي لمال كنت مهلكه *** مهلاً، وإن كنت أعطي الجن والخبلا


وكان من أعظم مصائبهم وأقسى شرورهم ما يسببونه من داء قاتل ومرض مميت هو الطاعون، إذ كان الجاهليون يتصورون طعناً من الشيطان، لذلك دعوا الطاعون برماح الجن. وقد زعم هذا الزعم حسان بن ثابت حين أرجع طاعوناً حل بالشام إلى وخز الجن، فقال(31):


فأعجل القوم عن حاجاتهم شغل *** من وخز جن بأرضِ الروم مذكور


ولخوفهم الشديد من شر الجن فإن كثيراً منهم كانوا، إذا نزلوا أرضاً منقطعة عن العمران قام أحدهم واستعاذ بالجني، سيد تلك الأرض، ليدرأ عنهم الأذى، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأمر في قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً}(32).


وجاء في تفسير الآية: "كانت عادة العرب في الجاهلية أنهم إذا نزلوا وادياً أو مكاناً موحشاً، من البراري، وغيرها، يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم، زادوهم رهقاً أي خوفاً وإرهاباً وذعراً"(33).


وحينما كانوا يعوذون بالجن فإنهم كانوا يخاطبونهم بلهجة، فيها التذلل لهم والتمجيد لسيدهم، كي يمن عليهم بالرعاية و الحماية، قال أحدهم، وقد نزل أرضاً موحشة(34):


هيا صاحب الشجراء هل أنت مانعي *** فإني ضيف نازل بفنائكا


وإنك للجنَّان في الأرض سيد *** ومثلك آوى في الظلام الصعالكا


ولكن يبدو أن التعوذ لا يفيد دائماً، فهذا رجل استعاذ بعظيم واد نزل فيه ليحميه هو وولده، فلم يمنع ذلك من أن يأتي أسد ويفترس ابنه، فعبر عن خيبته بقوله (35):


قد استعذنا بعظيم الوادي *** من شر مافيه من الأعادي


فلم يجرنا من هزبر عادي


فكائنات الجن تملأ الصحراء، ولاسيما الأماكن النائية عن العمران، وللجن في مخيلة العرب الجاهليين أشكال هائلة مخيفة، وقوى للخير ينفعون بها الناس، وقوى للشر ترهبهم وتفزعهم. ولعلنا لا نغلو إذا قلنا أنه لو اكتملت لدينا تفصيلات أكثر عن تلك الحوادث وأمثالها من عالم الجن لجلِّيت لنا أساطير عربية متكاملة، لا تقل عن أساطير الإغريق القدماء خصباً في الخيال وغنى في التصوير.


***


*الحواشي:


(1) السيرة النبوية: 1/ 423.


(2) شرح ديوان حسان بن ثابت: ص 423.


(3) الحيوان: 6/215.


(4) الديوان: ص 251.


(5) الديوان: ص37.


(6) الديوان: ص59.


(7) الديوان: ص 212.


(8) الديوان: ص134.


(9) الديوان: ص 203.


(10) الحيوان: ص6/ 47.


(11) الحيوان: ص 6/ 197.


(12) أخبار مكة: 2/ 12.


(13) الديوان: ص 317.


(14) الديوان: ص 367.


(15) الحيوان: 6/ 189.


(16) الديوان: ص 35.


(17) الحيوان: 6/ 189.


(18) الديوان: ص 91.


(19) الديوان: ص200.


(20) الديوان: ص13.


(21) الحيوان: 6/ 215.


(22) الحيوان: 6/ 182.


(23) عجائب المخلوقات: ص 239.


(24) الحيوان: 6/ 225.


(25) الديوان: ص 125.


(26) الديوان: ص 221.


(27) الديوان: ص 173.


(28) الحيوان: 6/ 208 210.


(29) الديوان: ص94.


(30) الديوان: ص73.


(31) الديوان: ص219.


(32) سورة الجن: الآية 6.


(33) تفسير ابن كثير: 4/ 428.


(34) بلوغ الأرب: 2/ 326.


(35) بلوغ الأرب: 2/ 326.


***


*مصادر البحث:


فضلاً عن القرآن الكريم ودواوين الشعراء المذكورين فإن أهم المصادر هي:


أخبار مكة للأزرقي: مكة 1325ه.


بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب، لمحمود شكري الألوسي: مصر 1342ه.


الحيوان: للجاحظ: تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة: 1965.


عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للقزويني: 1970.





مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 20 - السنة الخامسة - تموز "يوليو" 1985 - ذو القعدة 1405


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس