عرض مشاركة واحدة
قديم 18/07/2016, 11:43 AM   #2
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



شرح المعلقات العشر للخطيب: محمد بن عبد الله التبريزي
قالَ امْرُؤُ القَيْسِ

ابنُ حُجْرِ بنِ الحَارِثِ الملكِ بنِ عمرٍو المقصورِ - الذي اقْتَصَرَ على مُلْكِ أبيهِ - بْنِ حُجْرٍ آكِلِ المُرارِ بنِ عمرِو بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ الحارِثِ الأكبرِ بنِ مُعاويَةَ بنِ مُرَتِّعٍ - وقالَ قومٌ: ابنِ مُعاويَةَ بنِ ثَورٍ بنِ مُرَتِّعٍ، وإنَّما سُمِّيَ مُرتِّعاً؛ لأنَّهُ كانَ مَنْ أَتَاهُ مِنْ قومِهِ رَتَّعَهُ؛ أيْ: جعَلَ لهُ مَرْتَعاً لماشيتِهِ - وهوَ عمرُو بنُ معاويَةَ بنِ ثَورٍ، وهوَ كِنْدَةُ بنُعُفَيْرٍ - وإنَّما سُمِّيَ كِنْدَةَ؛ لأنَّهُ كَفَرَ أَبَاهُ نِعْمَتَهُ - بنِ عَدِيِّ بنِ الحارثِ بنِ مُرَّةَ بنِ أُدَدَ بنِ يَشْجُبَ بنِ عَريبِ بنِ زيدِ بنِ كَهْلانَ بنِ شَيْبَانَ بنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قَحْطَانَ. وأُمُّ مُرَّةَ مُدِلَّةُ، وهيَ مَذْحِجُ؛ لأنَّها وُلِدَتْ على أَكَمَةٍ يُقالُ لَهَا: مَذْحِجُ، فسُمِّيَتْ بها، ويُكَنَّى أبا الحارِثِ:
1- قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ =بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
مِن الضَّرْبِ الثَّانِي من الطويلِ، والقافيَةُ مُتَدَارَكٌ.
(السِّقْطُ): ما تَسَاقَ‍طَ من الرملِ، وفيهِ ثلاثُ لغاتٍ: سِقْطٌ وسَقْطٌ وسُقْطٌ. و(اللِّوَى) حيثُ يَسْتَرِقُّ الرملُ، فَيُخْرَجُ منهُ إلى الجَدَدِ.
وقولُهُ:ِفَا) فيهِ ثلاثةُ أقوالٍ:
أَحَدُها: أنْ يكونَ خاطَبَ رَفيقيْنِ لهُ.
والثاني: أنْ يكونَ خَاطَبَ رَفيقاً واحداً وثَنَّى؛ لأنَّ العربَ تُخاطِبُ الواحدَ مخاطبةَ الاثنيْنِ، قالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وتعالى مُخاطباً لِمَالِكٍ: َلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ}،وقالَ الشاعِرُ:
فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَأَنْزَجِرْ =وإِنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضاً مُمَنَّعَا
أَبِيتُ على بابِ القَوَافِي كَأَنَّمَا =أُصَادِي بِها سِرباً مِن الوَحْشِ نُزَّعَا
وقالَ آخَرُ:
فَقُلْتُ لصَاحِبِي لا تَحْبِسانا =بنَزْعِ أُصُولِهِ واجْتَزَّ شِيحَا
والعِلَّةُ في هذا أنَّ أقلَّ أعوانِ الرجلِ في إِبِلِهِ ومالِهِ اثنانِ، وأقلَّ الرُّفْقَةِ ثلاثةٌ،فجَرَى كلامُ الرجلِ على ما قدْ أُلِفَ مِنْ خِطابِهِ لِصَاحِبَيْهِ.قالُوا: والدليلُ على أنَّهُ خَاطَبَ الواحدَ قولُهُ:

أصاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ =وَمِيضَهُ..............

البيتَ.
والبَصريُّونَ يُنْكِرُونَ هذا؛ لأنَّهُ إذا خاطَبَ الواحدَ مخاطبةَ الاثنيْنِ وَقَعَ الإشكالُ. وذَهَبَ المُبَرِّدُ في قَوْلِهِ تعالى: َلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} إلى أنَّهُ ثَنَّاهُ للتوكيدِ، معناهُ: أَلْقِ أَلْقِ. وخالَفَهُ الزَّجَّاجُ فقالَ: (أَلْقِيَا) مُخَاطَبَةُ المَلَكَيْنِ. وكذلكَ (قِفَا) إنَّما هوَ مُخَاطَبَةُ صاحِبَيْهِ.
والقولُ الثالثُ: أنَّهُ أرادَ: قِفَنْ، بالنونِ، فأَبْدَلَ الألفَ من النونِ، وأَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الوقفِ، وأكثرُ ما يكونُ هذا في الوقفِ.
و(نَبْكِ) مجزومٌ؛ لأنَّهُ جوابُ الأمرِ. والجَيِّدُ أنْ يُقالَ: (نَبْكِ) جوابُ شرطٍ مقدَّرٍ، كأنَّ التقديرَ: قِفَا، إنْ تَقِفَا نَبْكِ؛ لأنَّ الأمرَ لا جوابَ لهُ في الحقيقةِ، ألا تَرَى أنَّكَ إذا قُلْتَ للرَّجُلِ: أَطِعِ اللَّهَ يُدْخِلْكَ الجنَّةَ، فإنَّما معناهُ: أَطِعِ اللَّهَ، إنْ تُطِعْهُ يُدْخِلْكَ الجنةَ؛ لأنَّهُ لا يَدْخُلُ الجنَّةَ بأَمْرِكَ، إنَّما يَدْخُلُها إذا أطاعَ اللَّهَ.
وَِكْرَى) والذِّكْرُ واحدٌ.وقولُهُ:مِنْ ذِكْرَى: مِنْ تَتَعَلَّقُ بـ(نَبْكِ)، و(ذِكْرَى) جُرَّ بـ(مِنْ)، وهيَ مضافةٌ إلى (الحَبِيبِ)، و(المَنْزِلُ) نَسَقٌ على (الحبيبِ)، والباءُ مِنْ قولِهِ:(بسِقْطِ اللِّوَى) يَجُوزُ أنْ تَتَعَلَّقَ بـ(قِفَا) وبـ(نَبْكِ)، وبقولِهِ: (مَنْزِلِ).
وقولُهُ: (بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ): دَخُولٌ: مَوْضِعٌ، وحَوْمَلٌ: موضِعٌ آخرُ، وكانَ الأَصْمَعِيُّ يَرْوِيهِ: (بينَ الدَّخُولِ وحَوْمَلِ) ويقولُ: لا يُقالُ: المالُ بينَ زيدٍ فَعَمْرٍو، وإنَّما يُقالُ: بينَ زيدٍ وعمرٍو.
ومَنْ رَوَاهُ (فَحَوْمَلِ) بالفاءِ، يقولُ: إنَّ الدَّخُولَ مَوْضِعٌ يَشْتَمِلُ على مواضِعَ، وكذلكَ حَوْمَلٌ. فَلَوْ قُلْتَ: عبدُ اللَّهِ بينَ الدَّخُولِ، تريدُ بينَ مواضِعِ الدَّخُولِ، لَتَمَّ الكلامُ، كما تقولُ: دُورُنَا بينَ مِصْرَ، تُريدُ: بينَ أهلِ مِصْرَ. فَعَلَى هذا عَطَفَ بالفاءِ وأرادَ: بينَ مواضعِ الدَّخُولِ، وبينَ مواضِعِ حَوْمَلٍ.
2- فتُوضِحَ فالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا = لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْأَلِ
ُوضِحُ والمِقْرَاةُ) مَوضعانِ. وهذهِ المواضِعُ التي ذَكَرَها ما بينَ إِمَّرةَ إلى أسودِ العينِ، وأسودُ العينِ: جبلٌ، وهيَ منازِلُ كِلابٍ. وموضِعُ (تُوضِحَ والمِقراةِ) جَرٌّ، عَطْفٌ على (حَوْمَلِ).والمِقراةُ في غيرِ هذا الموضِعِ: الغَدِيرُ الذي يَجْتَمِعُ فيهِ الماءُ، منْ قولِهِم: قَرَيْتُ الماءَ في الحوضِ، إذا جَمَعْتَهُ.
ومعنى قولِهِ:(لم يَعْفُ رَسْمُهَا) قالَ الأَصْمَعِيُّ: أيْ لم يَدْرُسْ لِمَا نَسَجَتْهُ من الجنوبِ والشمألِ، فهوَ باقٍ ونحنُ نَحزَنُ، ولوْ عَفَا لاسْتَرَحْنَا، وهذا كقولِابنِ أَحْمَرَ:

ألا لَيْتَ المَنَازِلَ قدْ بَلِينَا = فلا يَرمينَ عنْ شُزُنٍ حَزِينَا

أيْ: فلا يَرْمِينَ عنْ تَحَرُّفٍ وتشدُّدٍ، يُقَالُ: شَزَنَ فلانٌ ثمَّ رَمَى؛ أيْ: تَحَرَّفَ في أحدِ شِقَّيْهِ، وذلكَ أشدُّ لِرَمْيِهِ، ويقالُ: شُزُنٌ وشَزَنٌ بمعنًى واحدٍ.ومعنى البيتِ: لَيْتَهَا بَلِيَتْ حتَّى لا تَرْمِيَ قُلُوبَنا بالأحزانِ والأوجاعِ.
وكانَ الأَصْمَعِيُّ يَذْهَبُ إلى أنَّ الرِّيحيْنِ إذاخْتَلَفَتَا على الرَّسْمِ لم تَعْفُوَاهُ، ولوْ دامَتْ عليهِ واحدةٌ لَعَفَتْهُ؛ لأنَّ الرِّيحَ الواحدةَ تَسْفِي على الرَّسْمِ فيَدْرُسُ، وإذا اعْتَوَرَتْهُ رِيحَانِ، فسَفَتْ عليهِ إحدَاهُما فغَطَّتْهُ، ثمَّ هَبَّت الأُخْرَى، كَشَفَتْ عن الرَّسْمِ ما سَفَت الأُولَى.وقيلَ: معناهُ: لم يَعْفُ رَسْمُها للريحِ وَحْدَها، إنَّما عَفَا للمطرِ والريحِ وغيرِ ذلكَ.
وقيلَ: معناهُ: لم يَعْفُ رَسْمُها منْ قَلْبِي، وهوَ في نَفْسِهِ دَارِسٌ، يقالُ: عَفَا الشيءُ يَعْفُو عَفْواً وعُفُوًّا وعَفاءً، إذا دَرَسَ، وعَفَاهُ غَيْرُهُ: دَرَسَهُ.
وقولُهُ:ِمَا نَسَجَتْهَا): ما في معنَى تأنيثٍ، والتقديرُ: للرِّيحِ التي نَسَجَت المواضِعَ، والهاءُ في (نَسَجَتْهَا) تعودُ على: الدَّخُولِ وحَوْمَلٍ وتُوضِحَ والمِقْرَاةِ. و(نَسَجَتْ) صِلَةُ (مَا)، وما فيهِ من الضميرِ يعودُ على (مَا). ومثلُهُ:

أَلِفَ الصُّفُونَ فَلا يَزَالُ كَأَنَّهُ = مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلاثِ كَسِيرَا

أيْ: كأنَّهُ مِن الخيلِ التي تقومُ على الثلاثِ، أوْ من الأجناسِ التي تقومُ على الثلاثِ.ويُرْوَى: (لِمَا نَسَجَتْهُ)، والهاءُ تعودُ على الرَّسْمِ. وقالَ بعضُ أهلِ اللغةِ: يَجُوزُ أنْ يكونَ (مَا) في معنى المصدرِ،يَذْهَبُ إلى أنَّ التقديرَ: لِنَسْجِهَا الرِّيحُ؛ أيْ:لِلَّتِي نَسَجَتْها الرِّيحُ، ثُمَّ أَتَى بـ(مِن) مُفَسِّرَةً، فقالَ: (من جَنُوبٍ وشَمْأَلِ).ففي (نَسَجَتْ) ذِكْرُ الريحِ؛ لأنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ المواضِعَ والنَّسْجَ والرَّسْمَ دَلَّتْ على الريحِ، فكنَّى عنها لدَلالةِ المعنَى عليها.
ولم يُجِزْ أبو العبَّاسِ أحمدُ بنُ يَحْيَى أنْ تكونَ (مَا) في معنى المصدرِ، قالَ: لأنَّ الفعلَ يَبْقَى بلا صاحبٍ. كأنَّ أبا العبَّاسِ لم يُجِزْ أنْ يكونَ في (نَسَجَتْ) ذِكْرُ الريحِ.
وفي الشَّمالِ لُغاتٌ: يُقالُ: شَمالٌ وشَمْأَلٌ وشَأْمَلٌ وشَمْلٌ وشَمَلٌ وشَمُولٌ. قالَ الشاعِرُ في الشَّأْمَلِ:

وهَبَّتِ الشَّأْمَلُ البَلِيلُ وإِذْ =باتَ كَمِيعُ الفتاةِ مُلتَفِعَا

وقالَ آخَرُ في الشَّمْلِ بإسكانِ الميمِ:

أَتَى أَبَدٌ مِنْ دُونِ حِدْثَانِ عَهْدِهَا =وجَرَّتْ عَلَيْهَا كُلُّ نَافِجَةٍ شَمْلِ

وقالَ عُمَرُ بنُ أبي رَبِيعَةَ في الشَّمَلِ بفتحِ الميمِ:

أَلَمْ تَرْبَعْ عَلى الطَّلَلِ =ومَغْنَى الحيِّ كالخِلَلِ


تُعَفِّي رَسْمَهُ الأَرْوَا = حُ مَرُّ صَباً معَ الشَّمَلِ؟

وقالَ ابنُ مَيَّادَةَ في الشَّمُولِ:

ومَنْزِلَةٍ أُخْرَى تَقَادَمَ عَهْدُهَا = بذِي الرِّمْثِ يَعْفُوها صَباً وشَمُولُ


3- تَرَى بَعَرَ الأَرَامِ فِي عَرَصَاتِهَا =وقِيعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ

(الأَرَامُ): الظِّبَاءُ البِيضُ، واحِدُها: رِئْمٌ. و(العَرَصَاتُ): جمعُ عَرْصَةٍ، وهيَ الساحةُ.و(القِيعَانُ): جمعُ قَاعٍ، وهوَ الموضِعُ الذي يَسْتَنْقِعُ فيهِ الماءُ.
وهذا البيتُوما بعدَهُ مِمَّا يُزادُ في هذهِ القصيدةِ، قالَ الأصمعيُّ: والأَعْرَابُ تَرْوِيهِمَا.

4- كَأَنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا =لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ

َمُرَاتٌ): جمعُ سَمُرَةٍ، وهيَ شجرةٌ لها شَوْكٌ، يقولُ: لَمَّا تَحَمَّلُوا اعْتَزَلْتُ أَبْكِي، كأنِّي ناقِفُ حَنْظَلٍ. وإنَّما شَبَّهَ نفسَهُ بهِ؛ لأنَّ ناقِفَ الحَنظلِ تَدْمَعُ عيناهُ؛ لحرارةِ الحنظَلِ. و(النَّقْفُ): نَقْفُكَ رَأْسَ الرَّجُلِ بِعَصاً أوْ غيرِها، قالَ الشاعِرُ:

إنَّ بِهَا أَكْتَلَ أوْ رِزَاماً =خُوَيْرِبَيْنِ يَنْقُفَانِ الْهَامَا

يعني: لِصَّيْنِ. وخُوَيْرِبٌ: تصغيرُ خاربٍ، وهوَ سارقُ الإبلِ خاصَّةً. وقَالُوا: (النَّقْفُ) كسرُ الهامَةِ عن الدِّماغِ، وأَنْقَفْتُكَ المُخَّ؛ أيْ: أَعْطَيْتُكَ العَظْمَ لِتَسْتَخْرِجَ مُخَّهُ. وناقِفُ الحَنْظَلِ: الذي يَسْتَخْرِجُ الهَبِيدَ، وهوَ حَبُّ الحَنْظَلِ.

5- وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ =يَقُولُونَ: لا تَهْلِكْ أَسًى وتَجَمَّلِ

(وُقُوفاً): منصوبٌ على الحالِ، والعاملُ فيهِ (قِفَا) كما تقولُ: وَقَفْتُ بدارِكَ قائماً سُكَّانُها. فإنَّ قيلَ: كيفَ؟ قالَ: (وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي). والصَّحْبُ: جماعةٌ. وقولُهُ:(وُقُوفاً) فعلٌ مُتَقَدِّمٌ لا ضميرَ فيهِ، فلِمَ لَمْ يَقُلْ: وَاقِفاً بها صَحْبِي كما تقولُ: مَرَرْتُ بدارِكَ قائماً سُكَّانُها؟
فالجوابُ: أنَّ الاختيارَ، عندَ سِيبَوَيْهِ، فيما كانَ جَمْعاً مكسَّراً، أنْ تقولَ فيهِ: مَرَرْتُ برجلٍ حِسانٍ قَوْمُهُ. فإنْ كانَ ممَّا يُجْمَعُ جمعَ السلامةِ كانَ الاختيارُ تركَ التثنيَةِ والجمعِ، فتقولُ: مَرَرْتُ برجلٍ صالحٍ قَوْمُهُ، كما قالَ زُهَيْرٌ:

بَكَرْتُ عَليهِ غُدْوةً فوَجَدْتُهُ = قُعُوداً لَدَيهِ بالصَّريمِ عَوَاذِلُهْ

ويَجُوزُ أنْ يكونَ قولُهُ: (وُقُوفاً) منصوباً على المصدرِ مِنْ (قِفَا)، والتقديرُ: قِفَا وُقُوفاً مثلَ وُقُوفِ صَحْبِي، كما تقولُ: زيدٌ يَشْرَبُ شُرْبَ الإبلِ، تُريدُ: يَشْرَبُ شُرباً مثلَ شُرْبِ الإبلِ.
ويَجُوزُ أنْ يكونَ مصدراً وقَعَ مَوْقِعَ الوقتِ لاستيقَافِهِ، كما تقولُ: الْبَثْ عَلَيَّ قُعُودَ القَاضِي؛ أيْ: ما قَعَدَ؛ أيْ: في قُعُودِهِ. ويكونُ التقديرُ: وَقْتَ وُقُوفِ صَحْبِي، ثمَّ يُحْذَفُ ويكونُ بمنزلةِ قولِكَ: رَأَيْتُهُ قُدُومَ الحاجِّ؛ أيْ: وقتَ قُدومِ الحاجِّ.
قَالُوا: ولا يَجُوزُ مِثْلُ هذا إلاَّفيما يُعْرَفُ، نَحْوُ قولِكَ: قُدُومَ الحاجِّ، وخُفُوقَ النَّجْمِ، ولوْ قُلْتَ: لا أُكَلِّمُكَ قيامَ زيدٍ، تُريدُ: وقتَ قِيامِ زيدٍ، لم يَجُزْ؛ لأنَّهُ لا يُعْرَفُ.
وموضِعَُحْبِي) رَفْعٌ بوقوفٍ، و(عَلَيَّ) تَتَعَلَّقُ بوقوفٍ. وواحدُ الصَّحْبِ: صاحِبٌ، مثلُ: تَجْرٍ وتاجِرٍ. وواحدةُ (المَطِيِّ) مَطِيَّةٌ، والمَطِيَّةُ: الناقةُ، سُمِّيَتْ مَطِيَّةً؛ لأنَّها يُرْكَبُ مَطَاهَا؛ أيْ: ظَهْرُها.وقيلَ: سُمِّيَتْ مَطِيَّةً؛ لأنَّها يُمْطَى بها في السَّيْرِ؛ أيْ: يُمَدُّ بها في السيرِ. ووَزْنُ مَطِيَّةٍ مِن الفعلِ فَعِيلَةٌ، أَصْلُها مَطِيوَةٌ، فلَمَّا اجْتَمَعَت الواوُ والياءُ في كَلِمةٍ، وسَبَقَتْ إحدَاهُما بالسُّكُونِ، قُلِبَت الواوُ ياءً وأُدْغِمَت الياءُ في الياءِ.
وقولُهُ: (لا تَهْلِكْ أَسًى وتَجَمَّلِ) الأَسَى: الحُزْنُ، يُقالُ: أَسِيتُ على الشَّيْءِ آسَى أَسًى شديداً، إذا حَزِنْتَ عليهِ.ونَصَبَ (أَسًى) على المصدرِ؛ لأنَّ قَوْلَهُ:(لا تَهْلِكْ أَسًى) في معنى: لا تَأْسَ، فكأنَّهُ قالَ: لا تَأْسَ أَسًى، هذا قَوْلُ الكُوفِيِّينَ.وقالَ البَصريُّونَ: نصَبَ (أَسًى)؛ لأنَّهُ مَصْدَرٌ وُضِعَ في موضِعِ الحالِ، والتقديرُ عندَهم: لا تَهْلِكْ آسِياً؛ أيْ:حَزِيناً.والمعنى: لا تُظْهِرِ الجَزَعَ، ولكِنْ تَجَمَّلْ وتَصَبَّرْ، وأَظْهِرْ للناسِ خلافَ ما في قلبِكَ مِن الحزنِ والوَجْدِ؛ لِئَلاَّ تَشْمَتَ بكَ العَوَاذِلُ والعُداةُ، ولا يَكْتَئِبَ لكَ الأَوِدَّاءُ.
6- وإِنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَةٌ = فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ؟
روَى سِيبَوَيْهِ هذا البيتَ: (إنَّ شفاءً عَبْرَةٌ)، واحْتَجَّ فيهِ بأنَّ النكرةَ يُخْبَرُ عنها بالنكرةِ، ويُرْوَى: (وإِنَّ شِفَائي عَبْرَةٌ لوْ سَفَحْتُهَا)؛ أيْ:صَبَبْتُها.
(والعَبْرَةُ): الدَّمْعَةُ، والعُبْرُ والعَبَرُ: سُخْنَةُ العَيْنِ. و(مُهَرَاقَةٌ): مصبوبةٌ، مِنْ هَرَقْتُ الماءَ فَأَنَا أُهَرِيقُهُ، بمعنى أَرَقْتُ.
وَوَزْنُ أَرَقْتُ أَفَلْتُ، وعينُ الكلمةِ محذوفةٌ، كانَ أَصْلُها (أَرْيَقَتْ) على وزنِ: أَفْعَلَتْ،وهوَ فعلٌ معتلُّ العينِ، تقولُ في الثُّلاثِيِّ منهُ: رَاقَ المَاءُ يَرِيقُ، فالألِفُ في (رَاقَ) منقلبَةٌ عنْ ياءٍ، وأصلُهُ: َيَقَ) على وزنِ فَعَلَ، فانْقَلَبَت الياءُ أَلِفاً؛ لِتَحَرُّكِهَا وانْفِتَاحِ ما قَبْلَها. فلَمَّا أَعَلُّوها في الثلاثيِّ وَجَبَ إِعْلالُها في الرُّبَاعِيِّ، فإذا قَالُوا: أَرَقْتُ الماءَ، فالأصلُ: (أَرْيَقْتُ)، ثمَّ نَقَلُوا حَرَكَةَ الياءِ إلى الراءِ وسُكِّنَت الياءُ فقَلَبُوها ألفاً؛ لِتَحَرُّكِها في الأصلِ وانفتاحِ ما قبلَها الآنَ، فاجْتَمَعَ ساكنانِ؛ الألفُ والقافُ، فحُذِفَت الألفُ لالتقاءِ الساكنيْنِ، فصارَ: أَرَقْتُ. وقَالُوا في المستقبَلِ: أُرِيقُهُ، والأصلُ: أُؤَرْيِقُهُ، مثلُ أُدَحْرِجُهُ، فنَقَلُوا حركةَ الياءِ إلى الراءِ وسُكِّنَت الياءُ، فصارَ أُؤَرِيقُهُ، ثُمَّ حذَفُوا إحدَى الهمزتيْنِ؛ لاسْتِثْقَالِهِم الجمعَ بينَهما، فصارَ: أُرِيقُهُ.
ومن العربِ مَنْ يُبْدِلُ من الهمزةِ الهاءَ، فيَقُولُونَ: هَرَقْتُ الماءَ، وقَالُوا في المستقبَلِ: أُهَرِيقُهُ، ولم يَحْذِفُوا الهاءَ؛ لأنَّهُ لم يَجْتَمِعْ فيهِ مِثْلانِ كما اجْتَمَعَ في أُؤَرِيقُهُ، فَاحْتَاجُوا إلى حَذْفِ أَحَدِهما.
وقَالُوا: أَهْرَقْتُ الماءَ فأنا أُهْرِيقُهُ، بسكونِ الهاءِ في الماضي والمستقبَلِ جميعاً.فالهاءُ في المسألةِ الأولى مفتوحةٌ في الماضي والمستقبَلِ؛ لأنَّها فاءُ الكلمةِ، وفي هذهِ المسألةِ الأخيرةِ زائدةٌ.
وإنَّما زَادُوها ليكونَ جَبْراً لِمَا دَخَلَ الكَلِمَةَ من الحذفِ، كما زَادُوا السِّينَ في أَسْطَاعَ يُسْطِيعُ بمعنى: أَطَاعَ يُطِيعُ؛ لِيَكُونَ جَبْراً لِمَا دَخَلَ الكَلِمَةَ مِن التغييرِ؛ لأنَّ أصلَها أَطْوَعَ يُطْوِعُ.
و(الرَّسْمُ): الأَثَرُ.(المُعَوَّلُ) يَحْتَمِلُ تفسيريْنِ:
أَحَدُهما: أنْ يكونَُعَوَّلٌ) مَوْضِعَ عَوِيلٍ؛ أيْ:بُكَاءٍ، كأنَّهُ قالَ: هلْ عندَ رَسْمِ دارسٍ مِنْ مَبْكَى؟ أُخِذَ من العَوِيلِ، وهوَ الصِّيَاحُ، يُقَالُ: قدْ أَعْوَلُ الرجلُ فهوَ مُعْوِلٌ، إذا فَعَلَ ذلكَ.
ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ المرادُ بـ(المُعَوَّلِ) مَوْضِعاً يَنَالُ فيهِ حَاجَتَهُ، كما تقولُ: مُعَوَّلُنَا على فُلانٍ، ومُعَوَّلٌ: مَحْمَلٌ. يقالُ: عَوِّلْ على فلانٍ؛ أيْ:احْمِلْ عليهِ، يقولُ: فَهَلْ يُحْمَلُ على الرسمِ ويُعَوَّلُ عليهِ بعدِ دُرُوسِهِ؟
إنْ قِيلَ: كيفَ قالَ في البيتِ الأوَّلِ: (لم يَعْفُ رَسْمُهَا)، فأَخْبَرَ أنَّ الرسمَ لم يَدْرُسْ، وقالَ في هذا البيتِ: (فَهَلْ عندَ رَسْمٍ دَارِسٍ)؟ قيلَ لهُ: في هذا غيرُ قَوْلٍ. قالَ الأَصْمَعِيُّ: معناهُ: قدْ دَرَسَ بعضُهُ ولم يَدْرُسْ كُلُّهُ، كما تقولُ: دَرَسَ كِتَابُكَ؛ أيْ:ذَهَبَ بعضُهُ وبَقِيَ بعضُهُ.وقالَ أبو عُبَيْدَةَ: رَجَعَ فأَكْذَبَ نفسَهُ بقولِهِ: (فَهَلْ عندَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ)،كما قالَ زُهَيْرٌ:
قِفْ بِالدِّيَارِ التي لم يَعْفُهَا القِدَمُ = بَلَى وغَيَّرَهَا الأَرواحُ والدِّيَمُ
وقيلَ: ليسَ قولُهُ في هذا البيتِ: (فهلْ عندَ رَسْمٍ) مُناقِضاً لقولِهِ: (لم يَعْفُ رَسْمُها)؛ لأنَّ معناهُ: لم يَدْرُسْ رَسْمُها منْ قَلْبِي، وهوَ في نفسِهِ دارِسٌ، وقَالُوا: أرادَ زُهَيْرٌ في بيتِهِ: قِفْ بالدِّيَارِ التي لم يَعْفُهَا القِدَمُ مِنْ قَلْبِي، ثُمَّ رَجَعَ إلى معنى الدُّرُوسِ، فقالَ: بلى وغَيَّرَهَا الأرواحُ والدِّيَمُ.
7- كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا =وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
َدَأْبِكَ)؛ أيْ: كَعَادَتِكَ، وَرَوَى أبو عُبَيْدَةَ: (كَدِينِكَ)، والدِّينُ ههنا: الدَّأْبُ والعادَةُ. والكافُ مُتَعَلِّقَةٌ بقولِهِ: (قِفَا نَبْكِ)، كأنَّهُ قالَ: قِفَا نَبْكِ كَعَادَتِكَ في البُكاءِ، والكافُ في موضعِ نصبٍ، والمَعْنَى: بُكاءً مثلَ عَادَتِكَ.ويَجُوزُ أنْ تكونَ الكافُ مُتَعَلِّقَةً بـ(شِفَائِي)، ويكونُ التقديرُ: كعَادَتِكَ في أنْ تَشْتَفِيَ منْ أُمِّ الحُويرِثِ.
والباءُ منْ قولِهِ:(بِمَأْسَلِ) متعلِّقَةٌ بقولِهِ: َدَأْبِكَ)، كأنَّهُ قالَ: كَعَادَتِكَ بمَأْسَلٍ. و(مَأْسَلٌ): موضِعٌ.
و(أُمُّ الحُوَيْرِثِ): هيَ هِرٌّ أُمُّ الحارِثِ بنِ حِصْنِ بنِ ضَمْضَمٍ الكَلْبِيِّ، و(أُمُّ الرَّبَابِ) مِنْ كَلْبٍ أيضاً، يقولُ: لَقِيتَ مِنْ وُقُوفِكَ على هذهِ الديارِ، وتَذَكُّرِكَ أَهْلَها، كما لَقِيتَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ وجَارَتِها. وقيلَ: المعنى: أنَّكَ أَصَابَكَ مِن التَّعَبِ والنَّصَبِ منْ هذهِ المَرْأَةِ كما أَصَابَكَ مِنْ هاتَيْنِ المرأتيْنِ.
8- إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا = نَسِيمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ
(المِسْكُ) يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وكذلكَ العَنْبَرُ، وقيلَ: مَنْ أَنَّثَ إنَّما ذَهَبَ بهِ إلى معنى الرِّيحِ، ومَنْ أَنَّثَ فرِوَايَتُهُ: (تَضَوَّعُ المِسْكُ مِنْهُمَا)، يريدُ: تَتَضَوَّعُ، فحَذَفَ إحدَى التَّاءيْنِ. ومعنى (تَضَوَّعَ)؛ أيْ:فَاحَ مُتَفَرِّقاً. ونَصَبَ (نَسِيمَ الصَّبا)؛ لأنَّهُ قامَ مقامَ نَعْتٍ لمصدرٍ محذوفٍ، التقديرُ: تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنهما تَضَوُّعاً مثلَ نَسيمِ الصَّبَا. وقيلَ: (نَسِيمَ الصَّبَا) نُصِبَ على المصدرِ، كأنَّهُ في التقديرِ: تَنَسَّمَ تَنَسُّمَ الصَّبَا. ونَسِيمُ الصَّبَا: تَنَسُّمُها. و(رَيَّا القَرَنْفُلِ): رَائِحَتُهُ، ولا تكونُ الرَّيَّا إلاَّ رِيحاً طَيِّبَةً.
ويُرْوَى:

إذَا الْتَفَتَتْ نَحْوِي تَضَوَّعَ رِيحُها = .... البيتَ

وجَعَلَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ (جَاءَتْ) صِلَةَ (الصَّبَا)، وقالَ: إنَّما جازَ أنْ تُوصَلَ (الصَّبَا)؛ لأنَّ هُبُوبَها يَخْتَلِفُ، فتَصِيرُ بمنزلةِ المجهولِ، فتُوصَلُ كما تُوصَلُ الذي، قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: َمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً}، فـ(يَحْمِلُ) صلةُ (الحِمارِ)، والتقديرُ: كمَثَلِ الحِمارِ الذي يَحْمِلُ أسفاراً.
وهذا الذي ذَكَرَهُ يُنْكِرُهُ البَصريُّونَ؛ لأنَّهم قالُوا: إنَّا لا نَجِدُ في كلامِ العربِ اسماً موصولاً محذوفاً، وصِلَتُهُ مُبْقَاةٌ، ويَجْعَلُونَ مثلَ هذا حالاً، فإذا كانَ الفعلُ ماضياً قَدَّرُوا معَهُ (قَدْ).
9- فَفَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً =عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي
َاضَتْ): سَالَتْ. و(الصَّبَابَةُ): رِقَّةُ الشوْقِ، يُقالُ: صَبَبْتُ أَصُبُّ، قالَ الشاعِرُ:

يَصُبُّ إلى الحياةِ ويَشْتَهِيهَا = وفي طُولِ الحياةِ لهُ عَنَاءُ

و(المِحْمَلُ): السَّيْرُ الذي يُحْمَلُ بهِ السيفُ، والجمعُ: حَمَائِلُ، على غيرِ القياسِ، وليسَ لها مِنْ لَفْظِها واحدٌ، ولوْ كانَ لها واحدٌ مِنْ لفظِها لكانَ َمِيلَةً)، ولكنَّها لم تُسْمَعْ، قالَ الشاعِرُ في المِحْمَلِ:

* فَارْفَضَّ دَمْعُكَ فَوْقَ ظَهْرِ المِحْمَلِ*

ونصَبَ (صَبَابَةً)؛ لأنَّهُ مصدَرٌ وُضِعَ موضِعَ الحالِ، كقولِكَ: جاءَ زَيْدٌ مَشْياً؛ أيْ: مَاشِياً. ومثلُهُ قولُهُ تعالى: ُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً}؛ أيْ: غَائِراً. ويَجُوزُ أنْ يكونَ نَصَبَ (صَبابةً) على أنَّهُ مفعولٌ لهُ.
وممَّا يُسْأَلُ عنهُ في هذا البيتِ أنْ يُقالَ: كيفَ يَبُلُّ الدَّمْعُ مِحْمَلَهُ، وإنَّما المِحْمَلُ على عَاتِقِهِ؟ فيُقالُ: قدْ يكونُ منهُ على صدرِهِ، فإذا بَكَى وجَرَى عليهِ الدَّمْعُ ابْتَلَّ.
10- أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ = ولا سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
(ألا) افتتاحٌ للكلامِ. و(رُبَّ) فيها لُغاتٌ، أَفْصَحُهُنَّ ضَمُّ الراءِ وتشديدُ الباءِ. ومن العربِ مَنْ يَضُمُّ الراءَ ويُخَفِّفُ الباءَ، فيقولُ: رُبَ رَجُلٍ قائمٍ. ويُرْوَى عنْ عاصمٍأنَّهُ قالَ: قَرَأْتُ على زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ: ُبَّمَا) بالتشديدِ، فقالَ: إِنَّكَ لَتُحِبُّ الرُّبَّ، (رُبَمَا)، فخَفَّفَهُ.
ومن العربِ مَنْ يَفْتَحُ الراءَ ويُشَدِّدُ الباءَ، فيقولُ: رَبَّ رجُلٍ قائمٍ. وزَعَمَ الكِسَائِيُّ أنَّهُ سَمِعَ التخفيفَ في المفتوحةِ. ومن العربِ مَنْ يُدْخِلُ معَها تاءَ التأنيثِ ويُشَدِّدُ الباءَ، ويَجُوزُ تَخْفِيفُها معَ تاءِ التأنيثِ، فتقولُ: رُبَتَ رجلٍ قائمٍ. والمعنى: ألا رُبَّ يومٍ كانَ فيه لكَ منهم سُرورٌ وغِبْطَةٌ.
و (السِّيُّ): المِثْلُ. (دَارَةُجُلْجُلٍ): مَوْضِعٌ، ويُرْوَى: (ولا سِيَّمَا يَوْمٍ) وَ(يَوْمٌ) بالجرِّ والرفعِ، فمَنْ جَرَّهُ جَعَلَ (مَا) زائدةً للتوكيدِ، وهوَ الجَيِّدُ، ومَنْ رَفَعَهُ جَعَلَ (مَا) بمعنى الذي وأَضْمَرَ مُبْتَدَأً، والمعنى: ولا سِيَّما هوَ يَوْمٌ، وهذا قَبِيحٌ جِدًّا؛ لأنَّهُ حَذَفَ اسماً مُنْفَصِلاً من الصلةِ، وليسَ هذا بمنزلةِ قَوْلِكَ: الذي أَكَلْتُ خُبْزٌ؛ لأنَّ الهاءَ مُتَّصِلَةٌ، فحَسُنَ حَذْفُها، ألا تَرَى أنَّكَ لوْ قُلْتَ: الذي مَرَرْتُ زيدٌ، وتُرِيدُ: الذي مرَرْتُ بهِ زيدٌ، لم يَجُزْ.
فأمَّا نَصْبُِيَّ) فَبِـ(لا)، ولا يَجُوزُ أنْ يكونَ مَبْنِيًّا معَ (لا)؛ لأنَّ (لا) لا يُبْنَى معَ المضافِ؛ لأنَّ ما يُبْنَى مُشَبَّهٌ بالحروفِ، ولا تَقَعُ الإضافةُ في الحروفِ، فإذا أَضَفْتَ المَبْنِيَّ زالَ البناءُ.
ولا يَجُوزُ أنْ تقولَ: جَاءَنِي القومُ سِيَّما زيدٌ، حتَّى تَأْتِيَ بـ(لا). وحَكَى الأَخْفَشُ أنَّهُ يُقَالُ: لا سِيَمَا مُخَفَّفاً.
ومعنى قولِهِ:(ولا سِيَّمَا يَوْمٍبِدَارَةِ جُلْجُلِ) التَّعَجُّبُ منْ فضلِ هذا اليومِ؛ أيْ: هوَ يومٌ يَفْضُلُ سائرَ الأيَّامِ. وقالَ هِشامُ بنُ الكَلْبِيِّ: (دَارَةُ جُلْجُلٍ) عندَ غَمْرِ ذِي كِنْدَةَ. وقالَ الأَصْمَعِيُّ وأبو عُبَيْدَةَ: دَارَةُ جُلْجُلٍ في الحِمَى. ويقالُ: دَارٌ ودارةٌ، وغَديرٌ وغَدِيرةٌ، وإزارٌ وإِزَارَةٌ.
ويُرْوَى: (أَلا رُبَّ يَوْمٍ صَالِحٍ لَكَ مِنْهُمُ)، فإنْ قِيلَ: كيفَ جازَأنْ يُقالَ: (مِنْهُم) وهُنَّ نِساءٌ؟
فالجوابُ: أنْ يُقالَ: كأنَّهُ عَنَاهُنَّ وعَنَى أَهْلَهُنَّ، فغَلَبَ المُذَكَّرُ على المؤنَّثِ.
ويُرْوَى: (صَالِحٍ لَكَ مِنْهُمَا).وأَجْوَدُ الرواياتِ: (ألا رُبَّ يومٍ لكَ مِنْهُنَّ صالِحٍ) على ما فيهِ مِن الكَفِّ،وهوَ حَذْفُ النُّونِ منْ مَفَاعِيلُنْ.
11- وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي = فَيَا عَجَباً مِنْ رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ
(الْعَذَارَى) جَمْعُ عَذْرَاءَ، يُقالُ: عَذْرَاءُ وعَذَارٌ وعَذَارَى. فـ(عَذَارٍ) مُنَوَّنٌ في موضعِ الرفعِ والجرِّ، وغيرُ منوَّنٍ في موضِعِ النصبِ، وإذا قُلْتَ: عَذَارَى فالألِفُ بَدَلٌ من الياءِ؛ لأنَّها أخَفُّ منها.
فإنْ قالَ قائلٌ: فلمَ لا أُبْدِلَت الياءُ في (قَاضٍ) ألفاً؟ فزَعَمَ الخَليلُ أنََّذَارَى) إنَّما أُبْدِلَتْ من الياءِ فيهِ الألِفُ؛ لأنَّهُ لا يُشْكِلُ؛ إذْ كانَ ليسَ في الكلامِ (فَعَالَلُ)،ولم تُبْدَلِ الياءُ في (قَاضٍ) فيُقَالُ: (قَاضًى)؛ لأنَّهُ في الكلامِ (فَاعَلٌ)؛ نَحْوُ: طَابَقٍ وخَاتَمٍ.
فإنْ قالَ قائلٌ: فلِمَ لا تُنَوَّنُ (عَذَارَى) في موضعِ الرفعِ والجرِّ كما تَفْعَلُ في (عَذَارٍ)؟ فالجوابُ في هذا: أنَّ سِيبَوَيْهِ زَعَمَ أنَّ التنوينَ في (عَذَارٍ) وما أَشْبَهَهَا عِوَضٌ من الياءِ، فإذا جِئْتَ بالألفِ عِوَضاً من الياءِ لم يَجُزْ أنْ تُعَوِّضَ من الياءِ شيئاً آخرَ.
وزَعَمَ أبو العبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيدَ، أنَّ التنوينَ في (عَذَارٍ) وما أَشْبَهَهَا عِوَضٌ من الحركةِ، فإذا كانَ عِوَضاً من الحركةِ، والألفُ لا يَجُوزُ أنْ تُحَرَّكَ، فكيفَ يَجُوزُ أنْ يَدْخُلَ التنوينُ عِوَضاً من الحركةِ فيما لا يُحَرَّكُ.
وقولُهُ: (فَيَا عَجَباً) الألِفُ بَدَلٌ مِن الياءِ، كما تَقُولُ: يا غُلامَا أَقْبِلْ. تُرِيدُ: يا غُلامِي. ويُقالُ: كيفَ يَجُوزُ أنْ يُنَادَى العَجَبُ، وهوَ مِمَّا لا يُجِيبُ ولا يَفْهَمُ؟ فالجوابُ في هذا أنَّ العربَ إذا أرَادَتْ أنْ تُعَظِّمَ أَمْرَ الخبرِ جَعَلَتْهُ نِداءً.قالَ سِيبَوَيْهِ: إذا قُلْتَ: يا عَجَباً فَكَأَنَّكَ قُلْتَ: تَعَالَ يا عَجَبُ؛ فإنَّ هذا منْ إِبَّانِكَ، فهذا أَبْلَغُ مِنْ قولِكَ: تَعَجَّبْتُ.
ونظيرُ هذا قَوْلُهم: لا أَرَيَنَّكَ ههنا؛ لأنَّهُ قدْ عُلِمَ أنَّهُ لا يَنْهَى نفسَهُ، والتقديرُ: لا تَكُنْ ههنا؛ فإنَّهُ مَنْ يَكُنْ ههنا أَرَهُ.
وقالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: َلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، فقدْ عُلِمَ أنَّهُ لا يَنْهَاهُمْ عن الموتِ،والتقديرُ واللَّهُ أَعْلَمُ: اثْبُتُوا على الإسْلامِ حتَّى يَأْتِيَكُمُ الموتُ. وكذلكَ قولُهُ: (يَا عَجَباً) قدْ عُلِمَ أنَّهُ لا يُنَادِي العَجَبَ، فالمعنى: انْتَبِهُوا للعَجَبِ.
وقولُهُ:َوْمَ عَقَرْتُ) يَوْمَ: في موضِعِ جرٍّ، معطوفٌ على (يَوْمٍ) الذي يَلِي (سِيَّما). ومَنْ رفَعَ فقالَ: (ولا سِيَّما يومٌ)، فموضِعُ (يَوْمٍ) الثَّانِي رَفْعٌ. وإنَّما فُتِحَ؛ لأنَّهُ جَعَلََوْماً) و(عَقَرْتُ) بمَنْزِلَةِ اسمٍ واحدٍ. وكذلكَ ظُرُوفُ الزمانِ إذا أُضِيفَتْ إلى الأفعالِ الماضِيَةِ، أو اسمٍ غيرِ مُتَمَكِّنٍ، بُنِيَتْ معَها؛نَحْوُ: أَعْجَبَنِي يَوْمَ خَرَجَ زيدٌ.ونَحْوُ ما أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

عَلَى حِينَ أَلْهَى النَّاسَ جُلُّ أُمُورِهِمْ =فَنَدْلاً زُرَيْقُ المالَ نَدلَ الثَّعَالِبِ

ويَجُوزُ أنْ يكونَ (يَوْمَ) منصوباً مُعْرَباً، كأنَّهُ: اذْكُرْ يومَ عَقَرْتُ.ففي إعرابِ (يَوْمٍ) ثلاثةُ أَوْجُهٍ: النصبُ بفعلٍ مُضْمَرٍ، والجرُّ عَطْفاً على اليومِ الذي قبلَهُ، والثالثُ أنْ يكونَ مَرْفُوعَ المَوْضِعِ مَبْنِيَّ اللفظِ؛ لإضافتِهِ إلى فِعْلٍ مَبْنِيٍّ. وعندَ الكُوفِيِّينَ يَجُوزُ أنْ تُبْنَى ظُرُوفُ الزمانِ معَ الفعلِ المستقبَلِ، ولا يَجُوزُ ذلكَ عندَ البَصْرِيِّينَ؛ لأنَّ المُسْتَقْبَلَ مُعْرَبٌ.
ومِنْ خَبَرِ هذا اليومِ أنَّ امْرَأَ القَيْسِ كانَ عاشِقاً لابْنَةِ عَمٍّ لهُ، يُقالُ لها: عُنَيْزَةُ.وكانَ يَحْتَالُ في طَلَبِ الغِرَّةِ مِنْ أَهْلِها، فلم يُمْكِنْهُ ذلكَ.حتَّى إذا كانَ يومُ الغَدِيرِ، وهوَ يومُ دَارَةِ جُلْجُلٍ، احْتَمَلَ الحَيُّ، فتَقَدَّمَ الرجالُ وخَلَّفُوا النساءَ والعَبيدَ والثَّقَلَ.فلَمَّا رَأَى ذلكَ امْرُؤُ القيسِ تَخَلَّفَ بعدَ قومِهِ غَلْوَةً، فَكَمَنْ في غَيَابَةٍ من الأرضِ حتَّى مَرَّتْ بهِ النساءُ، وإذا فَتَيَاتٌ فِيهِنَّ عُنَيْزَةُ.
فَعَدَلْنَ إلى الغَدِيرِ ونَزَلْنَ، وتَحَيَّزَ العَبِيدُ عَنْهُنَّ، ودَخَلْنَ الغَدِيرَ، فأَتَاهُنَّ امْرُؤُ القَيْسِ، وهُنَّ غَوَافِلُ، فأَخَذَ ثِيَابَهُنَّ، ثُمَّ جَمَعَها وقَعَد عَلَيْهَا وقالَ: واللَّهِ لا أُعْطِي جَارِيَةً مِنْكُنَّ ثَوْبَها ولوْ ظَلَّتْ في الغَدِيرِ إلى الليلِ، حتَّى تَخْرُجَ كما هيَ مُتَجَرِّدَةً فَتَكُونُ هِيَ التي تَأْخُذُ ثَوْبَهَا.
فأَبَيْنَ عليهِ حتَّى ارْتَفَعَ النهارُ وخَشِينَ أنْ يُقَصِّرْنَ دونَ المَنْزِلِ الذي يُرِدْنَهُ، فخَرَجَتْ إحداهُنَّ، فوَضَعَ لها ثَوْبَهَا ناحيَةً فمَشَتْ إليهِ فأَخَذَتْهُ ولَبِسَتْهُ، ثمَّ تَتَابَعْنَ على ذلكَ، حتَّى بَقِيَتْ عُنَيْزَةُ فَنَاشَدَتْهُ اللَّهَ أنْ يَضَعَ ثَوْبَهَا، فقالَ: لا واللَّهِ لا تَمَسِّينَهُ دونَ أنْ تَخْرُجِي عُرْيَانَةً كما خَرَجْنَ، فخَرَجَتْ فنَظَرَ إليها مُقْبِلَةً ومُدْبِرَةً، فوَضَعَ لها ثَوْبَهَا فأَخَذَتْهُ ولَبِسَتْهُ.
فأَقْبَلَت النِّسْوَةُ عليهِ، وقُلْنَ لهُ:غَدِّنَا؛ فَقَدْ حَبَسْتَنَا وجَوَّعْتَنَا. فَقَالَ: أَإِنْ نَحَرْتُ لَكُنَّ نَاقَتِي تَأْكُلْنَ مِنها؟ قُلْنْ: نَعَمْ. فاخْتَرَطَ سَيْفَهُ فعَرْقَبَهَا ثُمَّ كَشَطَها، وجَمَعَ الخَدَمُ حَطَباً كثيراً، وأَجَّجَ ناراً عظيمةً، وجَعَلَ يَقْطَعُ لَهُنَّ مِنْ كَبِدِهَا وسَنَامِها وأَطَايِبِها، فَيَرْمِيهِ على الجَمْرِ، وَهُنَّ يَأْكُلْنَ ويَشْرَبْنَ مِنْ فَضْلَةٍ كانَتْ مَعَهُ في زُكْرَةٍ لهُ، ويُغَنِّيهِنَّ ويَنْبِذُ إلى العَبيدِ مِن الكِبابِ حتَّى شَبِعْنَ وشَبِعُوا، وطَرِبْنَ وطَرِبُوا.
فلَمَّا ارْتَحَلُوا قالَتْ إحداهُنَّ: أنا أَحْمِلُ حَشِيَّتَهُ وأَنْسَاعَهُ. وقالَت الأُخرى: أنا أَحْمِلُ طِنْفَسَتَهُ. فتَقَسَّمْنَ مَتَاعَ رَاحِلَتِهِ بَيْنَهُنَّ، وبَقِيَتْ عُنَيْزَةُ لم يُحَمِّلْهَا شيئاً، وقالَ لَهَا: ليسَ لكِ بُدٌّ مِنْ أنْ تَحْمِلِينِي معَكِ؛ فإنِّي لا أُطِيقُ المشيَ ولم أَتَعَوَّدْهُ،فحَمَلَتْهُ على بَعِيرِها.فلمَّا كانَ قريباً من الحيِّ نَزَلَ فأقامَ حتَّى إذا جَنَّهُ الليلُ أَتَى أَهْلَهُ ليلاً.
وقولُهُ: (فَيَا عَجَباً مِنْ رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ)؛ أي: العَجَبُ لَهُنَّ ومِنْهُنَّ، كيفَ أَطَقْنَ حَمْلَ الرَّحْلِ في هَوَادِجِهِنَّ وكيفَ رَحَّلْنَ إِبِلَهُنَّ على تَنَعُّمِهِنَّ ورَفاهةِ عَيْشِهِنَّ.
12- فظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمِينَ بِلَحْمِهَا = وشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ
َرْتَمِينَ) يُنَاوِلُ بَعْضُهُنَّ بعضاً. و(الهُدَّابُ) والهُدْبُ واحدٌ، وهوَ طَرَفُ الثوبِ الذي لم يَسْتَتِمَّ نَسْجُهُ.و(الدِّمَقْسُ): الحريرُ الأبيضُ، ويُقالُ: هوَ القَزُّ، وهوَ المِدَقْسُ أيضاً.
وقيلَ: الدِّمَقْسُ والمِدَقْسُ: كُلُّ ثوبٍ أَبْيَضُ مِنْ كَتَّانٍ أوْ إِبْرَيْسَمٍ أوْ قَزٍّ. وشَبَّهَ شَحْمَ هذهِ الناقةِ وهؤلاءِ الجَوَارِي يَتَرَامَيْنَهُ؛ أيْ: يَتَهَادَيْنَهُ، بهُدَّابِ الدِّمَقْسِ، وهوَ غَزْلُ الإِبرَيْسَمِ المفتولِ. و(المُفَتَّلُ) بمعنى المفتولِ، إلاَّ أنَّكَ إذا قُلْتَ: مَفْتُولٌ يَقَعُ للقليلِ والكثيرِ، وإذا قُلْتَ: مُفَتَّلٌ، لم يَكُنْ إلاَّ للكثيرِ.
ويُقَالُ: ظَلَّ يَفْعَلُ كذا، إذا فَعَلَهُ نَهاراً، وباتَ يفعَلُ كذا، إذا فَعَلَهُ ليلاً.وأصلَُلَّ): ظَلَلَ، فكَرِهَت العربُالجمعَ بينَ حرفيْنِ مُتَحَرِّكَيْنِ مِنْ جِنْسٍ واحدٍ، فأَسْقَطُوا حركةَ الحرفِ الأوَّلِ، وأَدْغَمُوهُ في الثاني. و(الْعَذَارَى) اسمَُلَّ)، و(يَرْتَمِينَ) خَبَرُها، والكافُ في قَوْلِهِ: (كَهُدَّابِ) في مَوْضِعِ جرٍّ؛ لأنَّها نَعْتٌ للشَّحْمِ؛ أيْ: مِثْلِ هُدَّابِ.
13- ويَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ = فَقَالَتْ: لَكَ الْوَيْلاتُ، إِنَّكَ مُرْجِلِي
قولُهُ:(ويومَ) معطوفٌ على قولِهِ:َوْمَ عَقَرْتُ)، يَجُوزُ فيهِ ما جازَ فيهِ. و(الخِدْرُ): الهَوْدَجُ، ويُرْوَى: ويومَ دَخَلْتُ الخِدْرَ يَوْمَ عُنَيْزَةٍ)، فعُنَيْزَةُ على هذهِ الروايَةِ هَضْبَةٌ سَوْدَاءُ بالشِّحْرِ ببَطْنِ فَلْجٍ، وعلى الروايَةِ الأُولَى اسمُ امرأةٍ.
وقولُهُ: (لَكَ الوَيْلاتُ) دُعاءٌ عليهِ. و(مُرْجِلِي) فيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أنْ يَكُونَ المرادُ: إنِّي أَخَافُ أنْ تَعْقِرَ بَعِيرِي كما عَقَرْتَ بَعِيرَكَ.
والثاني، وهوَ الصحيحُ: أنْ يكونَ المرادُ لَمَّا حَمَلَتْهُ على بعيرِها، ومالَ معَها في شِقِّها كَرِهَتْ أنْ يَعْقِرَ البَعِيرَ.ويُقَالُ: رَجِلَ الرَّجُلُ يَرْجَلُ، إذا صَارَ رَاجِلاً، وأَرْجَلَهُ غيرُهُ إذا صَيَّرَهُ كذلكَ.
وقالَ ابنُ الأنبارِيِّ: في قَوْلِهِ: (لكَ الوَيْلاتُ) قولانِ:
أحدُهما: أنْ يكونَ دعاءً منها عليهِ؛ إذْ كانَتْ تَخَافُ أنْ يَعْقِرَ بَعِيرَها.
والقولُ الآخَرُ: أنْ يكونَ دُعَاءً مِنها لهُ على الحقيقةِ، كما تقولُ العربُ للرَّجُلِ إذا رَمَى فأَجَادَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ ما أَرْمَاهُ! قالَ الشاعِرُ:

لكَ الوَيْلاتُ، أَقْدِمْنَا عَلَيْهِم =وخَيْرُ الطَّالِبِي التِّرَةِ الغَشُومُ

وقالَت الكِنْدِيَّةُ تَرْثِي إِخْوَتَهَا:

هَوَتْ أُمُّهُمْ ماذَا بِهِم يومَ صُرِّعُوا = بِجَيْشَانَ مِنْ أَبْيَاتِ مَجْدٍ تَصَرَّمَا؟

فقولُها: َوَتْ أُمُّهُمْ) دعاءٌ عليهم في الظاهِرِ، وهوَ دُعَاءٌ لهم في الحقيقةِ، وحقيقةُ مثلِ هذا أنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى المَدْحِ والثناءِ عليهم، لا الدُّعاءِ لهم.
14- تَقُولُ وقدْ مَالَ الغَبِيطُ بِنَا مَعاً =عَقَرْتَ بَعِيرِي يَا امْرَأَ الْقَيْسِ فانْزِلِ
(الغَبِيطُ): الهَوْدَجُ بعينِهِ، وقيلَ: قَتَبُ الهَوْدَجِ،وقيلَ: مَرْكَبٌ مِنْ مراكِبِ النساءِ. ونَصَبَ (مَعاً)؛ لأنَّهُ في موضعِ الحالِ من النونِ والألفِ، والعاملُ فيهِ (مَالَ).فأمَّا قولُكَ: جِئْتُ معَهُ، فنَصْبُها عندَ سِيبَوَيْهِ على أنَّها ظرفٌ، قالَ سِيبَوَيْهِ: سَأَلْتُ الخَليلَ عنْ قولِهم: جِئْتُ مَعَهُ، لم نُصِبَتْ؟ فقالَ: لأنَّهُ كَثُرَ استعمالُهم لها مُضافةً، فقالُوا: جِئْتُ مَعَهُ، وجِئْتُ مِنْ مَعِهِ، فصارَتْ بمنزلةِ (أَمَامَ)، يعني أنَّها ظرفٌ.فأمَّا قولُ الشاعرِ:

فَرِيشِي مِنْكُمُ وَهَوَايَ مَعْكُمْ = وإنْ كَانَتْ زِيَارَتُكُمْ لِمَامَا

فعندَ أبي العبَّاسِ أنَّهُ قَدَّرَ (مَعْ) حرفاً بمنزلةِ (فِي)؛ لأنَّ الأسماءَ لا يُسَكَّنْ حَرْفُ الإعرابِ منها.
وقولُهُ: (عَقَرْتَ بَعِيرِي) قالَ أبو عُبَيْدَةَ: وإنَّما قالَتْ: عَقَرْتَ بَعِيرِي، ولم تَقُلْ: نَاقَتِي؛ لأنَّهم يَحْمِلُونَ النساءَ على الذُّكُورِ؛ لأنَّها أَقْوَى وأَضْبَطُ.والبَعِيرُ يَقَعُ على المذكَّرِ والمؤنَّثِ، وإذا كانَ كذلكَ فلا فَرْقَ بينَ أنْ تقولَ: َعِيرِي)، وأنْتقولَ: (نَاقَتِي)؛ لأنَّ البعيرَ يَقَعُ عليهما.
والجُمْلَةُ التي في قَوْلِهِ: (وقدْ مالَ الغَبِيطُ بنا مَعاً) في موضِعِ الحالِ.
وقولُهُ: (عَقَرْتَ بَعِيرِي) مفعولُ (تَقُولُ).وإنَّما مالَ الغَبِيطُ لأنَّهُ انْثَنَى عليها يُقَبِّلُها، فصَارَا معاً في شِقٍّ وَاحِدٍ.
15- فَقُلْتُ لَهَا: سِيرِي وَأَرْخِي زِمَامَهُ =ولا تُبْعِدِينِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلِّلِ
َنَاهَا): ما اجْتَنَى منها مِن القُبَلِ. و(المُعَلِّلِ): الذي يُعَلِّلُهُ وَيَتَشَفَّى بِهِ.وَابْنُ كَيْسَانَ يَرْوِي: (المُعَلَّلِ) بفتحِ اللامِ؛ أي: الذي قدْ عُلِّلَ بالطِّيبِ؛ أيْ: طُيِّبَ مَرَّةً بعدَ مَرَّةٍ.
ومعنى البيتِ أنَّهُ تَهَاوَنَ بأمرِ الجملِ في حاجتِهِ، فأَمَرَها أنْ تُخَلِّي زِمَامَهُ، ولا تُبَالِي ما أَصَابَهُ مِنْ ذلكَ.
16- فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ =فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ
وروايَةُ سِيبَوَيْهِ: (ومِثْلِكِ بِكْراً قَدْ طَرَقْتُ وَثَيِّباً) يُرِيدُ: رُبَّ مِثْلِكِ، والعَرَبُ تُبْدِلُ مِنْ (رُبَّ) الواوَ، وتُبْدِلُ من الواوِ الفاءَ؛ لاشتراكِهِما في العَطْفِ. ولوْ رُوِيَ: (فمِثْلَكِ حُبْلَى قدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعاً) لَكَانَ جَيِّداً، على أنْ تَنْصِبَ (مِثلاً) بـ(طَرَقْتُ)، وتَعْطِفَ (مُرْضِعاً) عليهِ، إلاَّ أنَّهُ لم يُرْوَ.
و(أَلْهَيْتُهَا): شَغَلْتُها، يُقَالُ: لَهِيتُ عن الشيءِ أَلْهَى، إذا تَرَكْتَهُ وشُغِلْتَ عنهُ. والمصدرُ: لَهْياً ولُهِيًّا. وحَكَى الرِّيَاشِيُّ: لِهْيَاناً، ولَهَوْتُ بهِ أَلْهُو لَهْواً لا غَيْرُ.
وقولُهُ:َنْ ذِي تَمَائِمَ)؛ أيْ: عنْ صَبِيٍّ ذي تَمائِمَ، أقامَ الصفةَ مُقَامَ الموصوفِ. و(التَّمَائِمُ): التَّعَاوِيذُ، واحِدَتُها تَمِيمَةٌ، وتُجْمَعُ تَمِيمَةٌ على تَمِيمٍ. ومعنى (مُحْوِلِ)؛ أيْ:قدْ أَتَى عليهِ حَوْلٌ، والعربُ تقولُ لكلِّ صغيرٍ: مُحْوِلٌ ومُحِيلٌ، وإنْ لم يَأْتِ عليهِ حَوْلٌ، وكانَ يَجِبُ أنْ يكونَُحِيلٌ) مثلَُقِيمٍ)، إلاَّ أنَّهُ أَخْرَجَهُ على الأصلِ، كما جاءَ: اسْتَحْوَذَ.
ومعنى البيتِ أنَّهُ يُنَفِّقُ نفسَهُ عليها، فَيَقُولُ: إنَّ الحامِلَ والمُرْضِعَ لا تَكَادَانِ تَرْغَبَانِ في الرِّجَالِ، وهُمَا تَرْغَبَانِ فِيَّ لجَمَالِي.
ويُرْوَى: (مُغْيَلِ)، والمُغْيَلُ: الذي تُؤْتَى أُمُّهُ وهيَ تُرْضِعُهُ.
17- إِذَا ما بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ = بِشِقٍّ، وتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَوَّلِ
ويُرْوَى: (انْحَرَفَتْ لَهُ).قالَ ابنُ الأنباريِّ: كانَتْ تَحْتَهُ، فإذا بَكَى الصبيُّ انْصَرَفَتْ لهُ بشِقٍّ تُرْضِعُهُ، وهيَ تحتَهُ بَعْدُ.وإنَّما تَفْعَلُ هذا؛ لأنَّ هَوَاهَا معَهُ. ويُرْوَى: (إذَا ما بَكَى مِنْ حُبِّهَا).
وقالَ أبو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: معنَى البيتِ أنَّهُ لَمَّا قَبَّلَهَا أَقْبَلَتْ تَنْظُرُ إليهِ وإلى وَلَدِها، وإنَّما يُريدُ بقولِهِ: (انْصَرَفَتْ لهُ بشِقٍّ) يعني أنَّها أَمَالَتْ طَرَفَها إليهِ، وليسَ يُرِيدُ أنَّ هذا مِن الفاحشةِ؛ لأنَّها لا تَقْدِرُ أنْ تَمِيلَ بشِقِّهَا إلى وَلَدِها في وقتٍ يَكُونُ منهُ إليها ما يَكُونُ، وإنَّما يُرِيدُ أنَّهُ يُقَبِّلُها، وخَدُّهَا تَحْتَهُ.
18- ويوماً عَلَى ظَهْرِ الكَثِيبِ تَعَذَّرَتْ = عَلَيَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ
نَصَبَ (يَوْماً) بـ(تَعَذَّرَتْ)، ومعنى تَعَذَّرَت: امْتَنَعَتْ، مِنْ قَوْلِهِم: تَعَذَّرَتْ عَلَيَّ الحاجةُ.قالَ أبو حَاتِمٍ: أَصْلُهُ من العُذْرِ؛ أيْ:وَجَدَها على غيرِ ما يُرِيدُ.وقيلَ: تَعَذَّرَتْ: جاءَتْ بالمعاذيرِ منْ غيرِ عُذْرٍ. يُقَالُ: تَعَذَّرَ فهوَ مُتَعَذِّرٌ، وعَذَّرَ فهوَ مُعَذِّرٌ، إذا تَعَلَّلَ بالمَعَاذِيرِ.
و(آلَتْ): حَلَفَتْ، يُقالُ: آلَى يُؤْلِي إِيلاءً وأَلِيَّةً وأَلْوَةً وأُلْوَةً وإِلْوَةً.
ونَصَبَ (حَلْفَةً) على المصدرِ؛ لأنَّ معنى (آلَى): حَلَفَ، والعَرَبُ تقولُ: هوَ يَدَعُهُ تَرْكاً.
ومعنى (لم تَحَلَّلِ): لم تَقُلْ: إنْ شاءَ اللَّهُ. مِن التَّحِلَّةِ في اليَمِينِ.
و(الكَثِيبُ): الرملُ المجتمِعُ المرتَفِعُ على غَيْرِهِ.
19- أَفَاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ =وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
قالَ ابنُ الكَلْبِيِّ: فَاطِمَةُ هيَ ابنةُ عُبَيْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عامرٍ. قالَ: وعامرٌ هوَ الأَجْدَارُ بنُ عَوْفِ بنِ كِنَانَةَ بنِ عَوْفِ بنِ عُذْرَةَ. قالَ: ولها يقولُ:
لا وَأَبِيكِ ابْنةَ العَامِرِ = يِّ لا يَدَّعِي القَوْمُ أنِّي أَفِرْ
وإنَّما سُمِّيَ الأَجْدَارَ؛لَجَدَرَةٍ كانَتْ في عُنُقِهِ.
وقولُهُ:َزْمَعْتِ صَرْمِي)؛ أيْ: عَزَمْتِ عليهِ. و(الصُّرْمُ): الهَجْرُ،والصَّرْمُ المصدرُ.
و(أَفَاطِمَ) تَرْخِيمُ (فاطمةَ) على لُغَةِ مَنْ قالَ: يا حَارِ أَقْبِلْ. والعربُ تَجْعَلُ الألفَ موضِعَ (يَا) في النداءِ والترخيمِ. وزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أنَّ الحروفَ التي يُنَبَّهُ بها - يعني: يُنَادَى بها - يا، وأَيَا، وهَيَا، وأيْ، والألِفُ، وزادَ الفَرَّاءُ: آيْ زيدُ، وَوَازَيْدُ.
ومعنى البيتِ أنَّهُ يقولُ لها: إنْ كانَ هذا مِنْكِ تَدَلُّلاً فأَقْصِرِي، وإنْ كانَ عنْ بِغْضَةٍ فأَجْمِلِي؛ أيْ: أَحْسِنِي.ويُقالُ: أَجْمِلِي في اللفظِ، ويُقالُ: أَدَلَّ فلانٌ على فلانٍ، إذا أَلْزَمَهُ ما لا يَجِبُ عليهِ دَالَّةً منهُ عليهِ. ورَوَى أبو عُبَيْدَةَ: (وإنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ قَتْلِي).
20- وإنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَةٌ = فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ
َاءَتْكِ): آذَتْكِ. و(الخَلِيقَةُ) والخُلُقُ واحدٌ. و(تَنْسُلِ): تَسْقُطِ، يُقالُ: نَسَلَ رِيشُ الطائرِ، إذا سَقَطَ، يَنْسُلُ.وأَنْسَلَ: إذَا نَبَتَ.
وقولُهُ: (تَكُ) في موضِعِ الجزمِ، وأصلُهُ: تكونُ، فتُحْذَفُ ضَمَّةُ النونِ للجزمِ، وتَبْقَى النونُ ساكنةً، والواوُ ساكنةٌ، فتُحْذَفُ الواوُ لسكونِها وسكونِ النونِ، فيَصِيرُ تَكُنْ، ثمَّ حُذِفَت النونُ مِنْ: تَكُنْ. ولا يَجُوزُ أنْ تُحْذَفَ مِنْ نَظائِرِها، لوْ قُلْتَ: لم يَصُ زَيْدٌ نفسَهُ، لم يَجُزْ حتَّى تأتِيَ بالنونِ، والفرقُ بينَ (يكونُ) وبينَ نظَائِرِها أنَّ (يكونُ) فعلٌ يَكْثُرُ استعمالُهم لهُ، وهم يَحْذِفُون ممَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُم لهُ. ومعنى كثرةِ الاستعمالِ في هذا: أنَّ (كانَ) و(يكونُ) يُعَبَّرُ بِهِما عنْ كلِّ الأفعالِ، تقولُ: كانَ زَيْدٌ يَقُومُ، وكانَ زيدٌ يَجْلِسُ، وما أَشْبَهَ ذلكَ، فلَمَّا كَثُرَ استعمالُهم لـ(كانَ) و(يكونُ) حُذِفَت النونُ مِنْ (يَكُنْ)، وشُبِّهَتْ بحروفِ المدِّ واللِّينِ، فحُذِفَتْ كما يُحْذَفْنَ.
والدليلُ على أنَّها مُشَبَّهَةٌ بحروفِ المَدِّ واللِّينِ أنَّها لا تُحْذَفُ في موضِعٍ تكونُ فيهِ مُتَحَرِّكَةً، لا يَجُوزُ أنْ تقولَ: لم يَكُ الرجلُ مُنْطَلِقاً؛ لأنَّها في موضِعِ حركةٍ؛ لأنَّكَ تقولُ: لم يَكُنِ الرَّجُلُ مُنْطَلِقاً.
وقولُهُ: (فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ) يعني: قَلْبَهُ مِنْ قَلْبِهَا؛ أيْ: خَلِّصي قَلْبِي مِنْ قَلْبِكِ.


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس