عرض مشاركة واحدة
قديم 21/12/2006, 08:53 PM   #14
رئيس مجلس الإدارة والمدير العام وداعم مادي لمسابقات رمضان


الصورة الرمزية مشهور
مشهور âيه ôîًَىà

 عضويتي » 245
 تسجيلي » Feb 2005
 آخر حضور » 28/02/2014 (09:03 AM)
مشآركاتي » 6,236
 نقآطي » 10000
دولتي » دولتي الحبيبه
جنسي  »
 
 Awards Showcase »
افتراضي فليحيا عرفة» **سمير عطالله



فليحيا عرفة»

أمضيت المساء الأخير في القاهرة في حديقة «الماريوت» التي عرفها جيلي بحديقة عمر الخيام ـ الزمالك، وفي الماضي كان كل شيء في الزمالك، نادي الجزيرة هناك، وعبد الحليم حافظ هناك. وشم النسيم هناك، والحب الضائع هناك ايضا. ولمن يهمه كيف يتذكر الشباب شبابهم في عمر الخيام ونسائم الزمالك، عليه ان يقرأ «المجلة»، ومن لا يهمه الأمر، يجب ان يقرأها ايضا، لأن فيها اموراً كثيرة اخرى، وفيها جورج جرداق ونبضه الصاعق ابدا، ولغته الأصمعية وخفة ظل مثل نسائم النيل في انتقالها من الضفة اليسرى الى الضفة اليمنى. وعاد إلى «المجلة» الطيب صالح بأعماقه وتجاربه الانسانية والادبية، ما بين ضفاف النيل قبل «الهجرة الى الشمال» وضفاف «التيمز» بعد الهجرة من الجنوب، وفيها خالص جلبي، الذي له في مباضع الحبر أكثر بكثير مما يصرف في مباضع الدماء.

ولكن ليست «المجلة» موضوعنا، فهذا المساء النسمة باردة في حديقة عمر الخيام ـ الزمالك، وأنا الف عنقي بشال شتوي كما كان البدو ايام الفاقة يرخون شعرهم اتقاء لظلم الشمس وتماديها. وقد ترفق الله ورحم عندما جعل نهار الصحراء قصيراً بعكس نهارات الدول الباردة، حيث تطول احيانا بلا نهاية.

منذ ان جئت القاهرة هذه المرة وانا آتي الى حديقة عمر الخيام كلما تسنى لي. أولاً من أجل أن امشي، ذهابا وايابا. وثانياً من أجل رفقة النيل في المساء. ثم من اجل تفقد اشجار الزمالك التي هرمت وتضخمت مثل بائعات الخبز على الأرصفة، في الأزبكية، ثم لا ادري لماذا فالحديقة هنا لها حكايات، ولها ظلال. ولها اغان. ومنذ ان جئت في المساء الأول، يقوم على العناية بطاولتنا نادل يدعى عرفة. وعرفة مصري 24 قيراطاً. يرد الممازحة بأدب ويقدم الأشياء بكرم وعندما تحاول ان تتجاوز قليلا مألوف المزاح، يهزمك باللكمة القاضية، قائلاً: «أنا تحت أمرك»؟.

وكنت اسأل عرفة في بعض الأشياء والتواريخ وجغرافية مصر، ويجيب بتواضع، وفي هذا المساء لا أدري لماذا جاء ذكر رواية «أولاد حارتنا» ووقف عرفة يعرض ويناقش. ثم جئنا على حديث المحاولة التي تعرض لها، فراح عرفة يشرح «ما قاله لنا استاذنا الكبير الدكتور أحمد سامح. وأحمد سامح هو الطبيب الذي اكتشف العرق سبب النزف في كتف نجيب محفوظ. وقلت في نفسي وأنا اتناول «الهامبورغر» الذي احضره عرفة، من اين لهذا الرجل ان يعرف «أولاد حارتنا» اكثر بكثير مما اعرف. ثم لماذا يشير الى الدكتور أحمد سامح على انه «استاذنا الكبير». ماذا يجمع بين نادل في «الماريوت» وبين استاذ في الطب.

وقلت في نفسي انه الادعاء. لا احد في هذه الدنيا يرضى بما هو فيه. كل رجل يريد ان يكون شيئاً آخر، وقاطعت عرفة في حديثه عن «شطحات نجيب محفوظ» في «أولاد حارتنا» لأطلب منه المزيد من البصل المحروق مع الهامبورغر. وذهب وعاد بالبصل المحروق. وقلت له، يبدو يا عرفة انك تقرأ كثيراً، لكنني لم افهم حكاية أحمد سامح «واستاذنا». لماذا هو استاذك. وضحك عرفة، وقال ان احمد سامح كان استاذه في كلية الطب. وابلغني انه هو، عرفة، طبيب اطفال في النهار ونادل في الليل. ولم اصدق لكنه اوضح ان على المرء ان يختار احيانا بين ان يكون طبيباً غير قادر على تأمين حياة عائلته وبين ان يكون طبيباً قبل الظهر ونادلا في المساء من اجل اهله وكرامته. وقلت له، عرفة «فلتحيا يا عرفة».





 
 توقيع : مشهور



رد مع اقتباس