رمضان يعيد العلاقات الاجتماعية لأهل الباحة

(القوبعة) شكلت الذين هجروها

رمضان يعيد العلاقات الاجتماعية لأهل الباحة

علي صمان (الباحة)

قديما كان يُستقبل شهر رمضان المبارك في قرى وهجر منطقة الباحة بالتهليل والتكبير وتقام الشعائر في كل مكان فيتلى القرآن والاحاديث النبوية الشريفة ويتسابق الناس الى العبادات والاعمال الخيرية التي يرجون بها رضا الله ومغفرته ورحمته وثوابه وتكون رؤية الهلال غالبا محجوبة من كثرة السحب لكون السراة مرتفعة, وعندما يشاهد هلال رمضان تشعل النيران على قمم الجبال العالية ايذاناً بثبوت رؤية هلال رمضان حتى لو ثبتت الرؤية في الطائف اوابها, على سبيل المثال, فان الوسيلة لنقل الاخبار كانت هي اشعال النيران في اعلى قمم الجبال وكان الناس يتناقلون اخبار الرؤيا بتلك الوسيلة ليراها من يراها فيعمل مثل الذي عمل سابقه, وسرعان ما تصل اخبار الرؤية من جهة الى اخرى بتلك الطريقة, وفي حقبة اخرى تلتها كان للمدفع والبندقية دور في تعريف الناس بثبوت دخول الشهر فتطلق عدة اعيرة في الهواء على قمم الجبال او الاماكن المرتفعة مع اشعال النيران ايضا على تلك القمم, وعندما تثبت الرؤية تتوجه الانفس الطاهرة الى الله بالاعمال الصالحة وقبيل الغروب يتوجه الناس الى المساجد غنيهم وفقيرهم, فالاغنياء منهم يحملون ما لذ وطاب من الطعام ويذهبون به الى المساجد وعند الغروب يرفع الاذان ويفطر الناس بتمرات مع احتساء القهوة والماء, وبعد الصلاة يتجمع الاغنياء والفقراء جنباً الى جنب على الموائد يأكلون ويحمدون الله على فضله ونعمة الاسلام ثم يتوجه الناس الى منازلهم مصطحبين معهم الفقراء والوافدين الى قريتهم من اماكن اخرى وعندما يؤذن لصلاة العشاء يتوجه الجميع الى المساجد لصلاة العشاء ثم التراويح وفي المسجد ترفع الاصوات بالتهليل والتكبير والتحميد بين لحظة واخرى ويبخرون المساجد والمصلين بروائح اللبان الشحري ومجموعة اخرى من المواد العطرة. وكانت للأطفال فرحة خاصة برمضان, وهو الشهر المفضل عن غيره, لممارسة لعبة (القوبعة) ففي هذه الفترة تكثر حصيلة النقود التي يجمعونها من خلال زيارات منازل الاسر التي لديها اطفال تقل اعمارهم عن سنة وتكون تلك الزيارات بعد الافطار مباشرة ويبدأ الاولاد الذين يكونون عادة ما بين 3 الى 5 اشخاص بترديد عبارات تدعو للطفل او الطفلة بالصحة والعافية وطول العمر, ومن ضمن ما يقال (قوبع, قوبع بيت الخير - والحاسنة في رمضان - الله يكبر ولدكم, واذا كانت بنت يقال الله يكبر بنتكم) فيعطون لهم أهل ذلك المولود ما تيسر من النقود, ومعنى (قوبع) اي طرقنا بابكم, وجئنا لهذا المنزل نتوسم فيه الخير, اضافة لبعض الالعاب الاخرى كاللب او المرجان والنصع وقيادة الدرجات الهوائية التي تنتشي بشكل كبير في شهر رمضان وايام العيد وغيرها من الالعاب الشعبية التي باتت في طي النسيان.ذلك ما كانت عليه قرى وهجر الباحة في الزمن القديم, اما في الوقت الحاضر مع التطور التقني والمعلوماتي ووسائل الاتصال الحديثة وسرعة تبادل المعلومات وما تنقله الفضائيات, فلم تعد هناك حاجة للمشقة والبحث عن الحطب والكيروسين والصعود على قمم الجبال في الظلام الحالك لتقصي رؤية الهلال, ومع ان الناس لازالت تحمل في نفوسها عبق الماضي وبساطته والحنين الى ايامه لاسيما كبار السن الذين عاصروا تلك الفترة غير ان كثيراً من تلك العادات اصبحت مجهولة الهوية, فالزيارات حتى بين الاقارب والجيران اصبحت نادرة والكل يتعلل بمشاغل الحياة التي لم ولن تنتهي, فالزيارات العائلية اصبحت قليلة جدا, واستعاض الناس عنها بزيارة الاسواق والمراكز التجارية, حتى تلك القوبعة التي لا تدر اموالا لم يعد لها ذكر فقد حلت محلها المسلسلات التلفزيونية.النهار في اول ساعاته في الباحة يتسم بالهدوء الذي يسبق العاصفة كأي منطقة اخرى رياح تلك العاصفة تزداد قوتها وعنفوانها قبيل موعد الافطار بساعة واحدة فتزدحم الشوارع والاسواق وترتفع الضوضاء والضجيج الى اعلى مستوياتها, لكنها تبدأ تدريجياً ومع قرب اذان المغرب في حالة سكون تستمر مدة ساعتين تقريبا الى ما بعد صلاة العشاء لتعود للاسواق والشوارع حركتها النشطة.من السمات الجميلة التي نشاهدها في مساجد الباحة خلال ايام رمضان قيام العديد من المواطنين وفاعلي الخير بتجهيز العديد من سفرالطعام لتفطير الصائمين التي تستمر طوال شهر رمضان ويقبل عليها غالبا العمال من الجنسيات الاسيوية والافريقية, وعادة ما تحمل السفرة التمر الذي يعد اهم ما يتم تناوله على الفطور.كذلك يحرص الكثير من ابناء الباحة طلبا للاجر والمثوبة في الشهر الفضيل على زيارة الجمعيات الخيرية ومنازل الفقراء لتقديم المساعدات المادية والعينية وغيرها من الاعمال الصالحة التي يتقرب بها الناس الى ربهم.في جولتنا على عدد من قرى المنطقة لم يظهر ما يلفت الانتباه او يميز غير قرية عن اخرى, نفس العادات والتقاليد لا تكاد تلمس فرقا, فهي شبه ساكنة عدا عدد قليل من المارة المشاة او المستقبلين لسياراتهم باتجاه السوق لشراء متطلبات المنزل, لكننا توقفنا عند احد كبار السن الذين ما زالت نفحات رمضان عالقة في ذهنه حيث قال (رمضاننا غير) هكذا يؤكد لنا شيء في حياتنا بسيط ومتواضع في رمضان وغيره, لا نعرف طرق التكلف والبرستيج وحجز المواعيد, قال ذلك متعجبا, مندهشا ان يسبق الزيارات اذا ما تمت بين الاقارب حجزا منذ وقت مبكر, وقال كنا نفاجأ صاحب المنزل في منزله دون سابق انذار وهكذا كانت زياراتنا, ومع ذلك يقابل كل منه الآخر بالترحاب والحفاوة ويبلغ في اكرام ضيفه او زائره, بعكس ما يحدث حالياً من اتصالات مسبقة اذا ما اردت زيارة قريب لك, مؤكدا ان ذلك تسبب في قلة الزيارات بين الأهل والاقارب وتكاد تنعدم معها روابط المحبة والتواصل, ولم يخف العم احمد بن معيض في السبعين من عمره انزعاجه من حالة البذخ والاسراف التي تطفح بها الموائد الرمضانية على وجه الخصوص والتي يؤكل منها القليل ويرمى منها الكثير في صناديق النفايات, وقال, بكل اسف فقدنا الكثير من المعاني العظيمة لشهر الصوم الذي يفترض ان نستشعر مع لحظاته وساعاته بحالة اوضاع الآخرين من الفقراء والمساكين الذين لا يجدون في كثير من الاحيان قوت يومهم, فما يحدث حاليا يسير في الاتجاه المعاكس لتلك المعاني فبدلنا شهر الصوم والعبادة الى موائد عامرة بما لذّ وطاب من الطعام والشراب, مبديا اسفه على تلك الحالة التي لا تسر كما يصف ذلك, ويشير كذلك العم احمد الى غياب العديد من الاكلات الشعبية المتعارف عليها في قبيلتي غامد وزهران خلال شهر الصوم على وجه الخصوص كالعيش والعصيدة والمرقوق والكسكسية وغيرها والتي يستعيض عنها الناس بالاكلات الرمضانية الدارجة كالشربة والسمبوسة والمعجنات وانواع الكنافة وما الى ذلك.

تظل العادات والتقاليد تحمل نفس الطابع بين قبيلتي غامد وزهران كونهما يتعايشان في منطقة واحدة ولا توجد فوارق يمكن الاشارة اليها فالاكلات والاحتفالات الشعبية ونوعيتها تحمل نفس الطابع ويشترك الجميع من ابناء غامد وزهران في تلك الاحتفالات التي تقام بالتناوب بين مختلف المحافظات بحسب تنظيم الامارة لتتيح للجميع فرصة المشاركة اما قديما فكانت تقام الاحتفالات كالعرضة الشعبية والمسحباني في مختلف القرى والمحافظات خاصة اذا ما صادف يوم العيد او اليوم الذي يليه مناسبة زواج.

كل عام وانتم جميعا بخير

اشكرك اخي على المعلومه المفيدة جذاً