كن داهية تركع لك القوة

كن داهية تركع لك القوة

د. عزيزة المانع

ايهما يحتاج اليه المرء أكثر في هذه الحياة, ان يكون داهية ام يكون قويا? في بعض الاحيان تبدو لي القوة نوعا من الحيوانية والبدائية التي تُمكّن صاحبها من ان يبطش ويرهب لكنها ليست دائما تأخذه الى حيث يريد, وليست دائما تحفظه من ان يُؤخذ. ولعل في ملك الغابة خير دليل على هذا, فالأسد على قوته وعظم الخوف منه, سريعا ما يقع في شباك الصيادين ليتحول الى أسير تنطق عيناه بذلّ الأَسْر. وربما لهذا السبب اعتاد العرب عندما يثنون على قائد او حاكم ان يصفوه بالدهاء, وليس بالقوة, فعمرو بن العاص داهية, ومعاوية داهية, والحجاج داهية, وغيرهم.
الدهاء يتضمن القوة في داخله, اما القوة فلا تتضمن سوى ذاتها, فالانسان لم يُحقق هذه المكاسب العظيمة التي بلغها في عمارة الارض بقوته, وانما هو بلغها بدهائه, الذي أخذ يستعين به على التغلب على الصعوبات, فاخترع المخترعات التي تضيف الى قوته اضعاف اضعافها, فتمكن من السيطرة على هذه الدنيا دون غيره من المخلوقات. الدهاء يعني ان يُوظف المرء عقله ويُوجه تفكيره لمواجهة المواقف التي تمر عليه, فيخلق من نقاط الضعف, ويحيل نقاط القوة التي تسد طريقه الى نقاط ضعف تتهشم أمامه واحدة إثر اخرى.
الدهاء يعني ان يعتمد المرء على مهارات متعددة وليس فقط على مهارة العنف والبطش, فيتعلم كيف يُخطط وكيف يقمع الغضب, وكيف يبدي التسامح, وكيف يكتسب المعرفة للوصول الى ما يريد, وكيف يبدي التجاهل عندما يكون التجاهل هو الاصلح, ولعل هذا ما عناه معاوية بالشعرة التي تربطه بالناس فلا يدعها تنقطع أبدا. فبالدهاء يستطيع المرء ان يخلق لنفسه الفرص, وأن يُذلل كثيرا من العقبات.
الدهاء مجموعة من المهارات السلوكية يفرزها حسن التفكير وبعد النظر وسعة المعرفة, ولذلك فإن الدهاة قليلون, أما الاقوياء الذين لا عماد لهم سوى اللسان واليد فالدنيا تفيض بهم. فخذْ نصيحتي وكن داهية تجد القوة جاءتك خاضعة.
اما إن سألتني هل يستطيع كل انسان ان يكون داهية? فليس لدي اجابة لك سوى اجتهد وحاول فإن لم تكن داهية فتشبّه بذلك.

ص.ب 86621 الرياض 11622
فاكس: 4555382