لنـزرع التــواضع فـي نفوسـهم

ـ حسن بن علي الجاسـر جريدة اليوم السعوديـة .

الخليفة المأمون من أعظم الخلفاء في العصر العباسي، لولا المحنة بخلق القرآن الكريم في السنة الأخيرة من حياته، فقد عني كثيرا بالأدب والعلوم وجلب الكتب من بلاد الروم وأمر بترجمتها وبذل الكثير من المال في سبيل تشجيع الناس على القراءة والبحث وإثراء المعارف، وفي سيرته الكثير من المحطات التي عدت مفصلية في تاريخ الحضارة الإسلامية، تذكرت قصته التالية التي وردت في وفيات الأعيان (6 : 179) ولا أمل من تكرارها، إذ تحضرني كلما سمعت ما يحاول أن يزرعه بعض الآباء في نفوس أبنائهم من صفات تبعدهم كثيرا عن أدب التعامل وعن تواضع الذات أمام العَالِم أو كبير السن . كان المأمون قد وكل الفرّاء ليلقن ابنيه النحو ، فلما كان يوما أراد الفراء أن ينهض من مكانه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له، فنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا على أن يقّدم كل واحد منهما فرداّ فقدماهما. كان المأمون قد وكل الفرّاء ليلقن ابنيه النحو ، فلما كان يوما أراد الفراء أن ينهض من مكانه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له، فنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا على أن يقّدم كل واحد منهما فرداّ فقدماهما ، وعلم المأمون بالخبر فوجه إلى الفراء فاستدعاه، فلما دخل عليه قال له : من أعز الناس ؟ قال : ما أعرف أعز من أمير المؤمنين ، قال : بلى، من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليّا عهد المسلمين حتى رضي كل واحد أن يقدم له فردا ، قال : يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما من ذلك، لكن خشيت أن أدفعهما (أمنعهما) عن مكرمة سبقا إليها أو أكسر نفوسهما عن شريعة حرصا عليها، وقد روي عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين ركابيهما حين خرجا من عنده ، فقال له بعض من حضر : أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما وأنت أسن منهما ؟ فقال له : أسكت يا جاهل ، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل، فقال له المأمون : لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوما وعتبا وألزمتك ذنبا، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما، ولقد ظهرت لي الفراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل وإن كان كبيرا عن ثلاث : عن تواضعه لسلطانه ووالده ومعلمه، ثم أمر لهما وللفراء بمكافأة . الثلاثاء 14 رجب 1433 هجري . 5 يونيو ( حزيران ) 2012