تجرأت على التاريخ وأؤمن بالخرافات وأزمة سياسية أنهت زواجي من سورية

طبيب الكوت جاء يكحل عيني فأعماها .. مؤرخ الأحساء عبد الرحمن الملا لـ «عكاظ»:
تجرأت على التاريخ وأؤمن بالخرافات وأزمة سياسية أنهت زواجي من سورية

حوار : بدر الغانمي – الخبر
هذا الرجل عرف من الحياة بؤسها أكثر مما عرف مجدها وزهوها، فحادث العمى كان مأتماً صاخباً في بيت الملا لأن حياة الريف اعتادت على الرجل السليم لكن بفضل إرادته حوّل الظلمة إلى عالم حافل بالرؤى والنبوءات وخرج من محبسه فوجد حناناً، ورأى جمالا، وقرأ في وجوه أصدقائه وخلانه ما في دواخلهم، فأصبح في أسرته هامة بدلا من علامة استفهام.. المؤرخ والأديب عبد الرحمن بن عثمان الملا حالة صخب شعري وتاريخي في آرائه وكتاباته وشعره، لكنه ظل رغم ذلك مسالماً وبلا أعداء.. اعترف بتجرؤه على كتابة تاريخ الأحساء اعتماداً على المنطق، وكان جريئاً وهو يعلن تأييده لدعم الصوالين الأدبية لرجال الأعمال بدلا من مجالس العلماء، وطالب بالعودة إلى التسمية القديمة للخليج العربي لوقف أطماع إيران، ووصف الحداثة بأنها أقل المعاصي في الوسط الأدبي لكنه ليس ضدها كفن، ولم يخف تخوفه من قنوات إحياء الثارات الشعرية مشدداً على ضرورة إسدال الستار عليها، ودعا لنصرة المرأة في حدود، ولم يتردد في الكشف عن إيمانه بالخرافات والأساطير إن كانت تحمل في داخلها أشكالا فنية.. حوار يحمل بين جنباته رؤية لما يحدث في محافظة الأحساء..

• قالوا إنك هربت من رئاسة النادي الأدبي بحجة الظروف الشخصية؟
أبداً، أنا استقلت في الخامس من رمضان الماضي لظروفي الشخصية، ونفذت ما قلته في بداية عملي بأنني سأعمل لمدة سنة فقط لكي أعطي الفرصة للشباب ليتولوا المهمة..
• قيل إن هناك خلافات دعتك للاستقالة؟
أي عمل لابد أن تكون فيه خلافات.
• البعض اعترض على قرار تعيينكم، وأنكم لاتمثلون مختلف الأطياف بالأحساء؟
هذا غير صحيح فالنادي يمثل كافة الأطياف الموجودة والسائدة في الأحساء.
• البعض شكك في مواقفك الرافضة لوجود العنصر النسائي بالنادي؟
أنا أتصور أن التجربة النسائية بنادي الأحساء الأدبي غير مسبوقة، لأننا وضعنا عدداً موازياً من النساء في مقابل المجلس المعين بطريقة عشرة مقابل عشرة، وأنا شخصيا لم أختر ولا واحدة، بل طلبت من كل الأعضاء أن يقدم كل واحد منهم قائمة، ثم طلبت منهم أن يختاروا من كل القوائم، واختاروهم من جميع الأطياف دون تدخل مني، ولم أتدخل حتى في اختيار الرئيسة.
• هل تمانعون أن ترأس النادي امرأة؟
النادي جزء من النسيج الاجتماعي بكل مايعنيه من ثوابت دينية، وشرعية، وعرفية، وسلوكية، ولا يمكن أن تكون له هذه الخاصية ليغرد خارج السرب لوحده، ومن الصعب أن ترأس النادي امرأة في مؤسسة تخدم الجنسين ويغلب عليها عنصر الرجال.
• تحدثت عن وجود ظاهرة التشرذم في الوسط الأدبي بالأحساء، لماذا؟
المنطق السليم أن تكون المؤسسات الثقافية عموما هي التي تقع عليها مسؤولية علاج التشرذم، بل إن أحد أهدافها الأساسية أن تعمل على خدمة المجتمع، وسد الثغرات، والمواءمة بين الأطياف، ووضع الثقافة في خدمة مسيرة التنمية التي تمر بها المملكة عموماً، ولا علم لي بوجود شيء من هذا خارج الأحساء، أما في الأحساء فيصل إلى درجة وجود طموحات شخصية ووجهات نظر.
• بمعنى وجود أشخاص لايريدونك رئيساً؟
لا، بالعكس فأنا جئت للنادي رئيساً لأوفق بين وجهات النظر المختلفة.
• قالوا إن الانتخابات لم تكن نزيهة؟
كانت حيادية، والأعضاء الذين عينتهم الوزارة انتخبوا هم الرئيس ونائبه والمسؤول المالي والإداري.
• لماذا يشعر الناس بفوقية الأندية الأدبية؟
من المؤسف أن الكثير في مجتمعنا ميالون للنقد غير البناء، وغير القائم على أسس، وعن علم أو غير علم، وقد استمعت إلى أناس ينقدون كتباً بمرارة وقد يتحول إلى نقد شخصي لأصحابه، ويتبين لي أخيراً أنهم لم يطلعوا على الكتاب ولم يشاهدوه أويفتحوه، كذلك هناك مؤسسات تتعرض للنقد أكبر من النادي بكثير وجهودها واضحة وملموسة، وعايشت بعضها، ورأيت أناساً ينقدونها في حين لم تطأ أقدامهم هذه المؤسسة، وهذا التطاول والهجوم عمل سلبي وسائد في المجتمع.
الخليج الأخضر
• اقترحت إبدال اسم الخليج العربي بالخليج الأخضر، لماذا؟
هذه قضية مهمة للغاية ولي فيها بحث لم ينشر بعد فالخليج العربي له أسماء تاريخية كثيرة منها (البحر الأدنى)، (البحر التحتاني)، (بحر القطيف)، (بحر البصرة)، (البحر الذي تشرق عليه الشمس)، (البحر الأريتيري) و(خليج العقير)، وكل هذه أسماء الحضارة الكلدانية والأشورية والبابلية.. وحديثنا هنا عن تسمية (الخليج الفارسي) التي لا يوجد كما قال المؤرخون لها أساس أو أثر في المراجع الفارسية القديمة قبل الإغريق، وعندما فكر الاسكندر المقدوني في غزو الجزيرة العربية وأرسل المستكشف (أريان) لاستكشاف البحار المحيطة بها والترتيب لغزوه لها، لم يعرف اسماً معيناً، وكانت الإمبراطورية الفارسية في ذلك الوقت لها قوة ملاحية وأساطيل فأطلق في تقريره الذي رفعه للإسكندر اسم (الخليج الفارسي) دون الرجوع لأحد، وعندما جاء عصر الترجمة في العهد العباسي نقل بعض المترجمين اسم (الخليج الفارسي) فيما نقل، فعرفت التسمية، ولم يجد الناس ضيراً فيها، فيما استعمل مؤرخون آخرون اسم (البحر الأخضر) مثل المسعودي وأمثاله فهذا ليس اقتراحي أصلا.
• ولماذا البحر الأخضر تحديدا؟
لأن البحر ليس عميقا والأرض فيها شجيرات فلونه يضرب إلى الخضرة، فسمي بهذا الاسم، وفارس كانت جزءاً من الخلافة الإسلامية، ولا ضير، فنحن نقول عن فلان إنه هندي أو تركي مع أنه ليس هندياً أو تركياً، ولكن عندما أراد الشاه أن يستغل التسمية سياسياً، ويلحق هذا البحر بفارس، وينزع عنه صبغته العربية، خرجت فكرة تسميته بالخليج العربي، فأصبح هناك نوع من المنافسة السياسية، والحقيقة أن الخليج في الأساس قديماً وحديثاً عربي وهذا لاينفي وجود فارس على حدوده.
• كيف تثبت أنه عربي وليس فارسياً؟
إذا نظرت إلى الشعوب المحيطة به إحاطة السوار بالمعصم فهي قبائل عربية، والملاحون الذين كانوا يعملون فيه ويتاجرون بين الهند والصين والخليج وأفريقيا وآسيا كلهم أو معظمهم عرب، وهذا ثابت تاريخياً، فإذا أضفنا عليها غاصة اللؤلؤ العرب، فهذا لا يعني أن ننازع فارس في أملاكها، ولا نقبل في الوقت نفسه أن ينازع العرب أحد في أملاكهم، وما لاحظته أخيراً أن المراجع الأجنبية ماتزال تسميه (الخليج الفارسي) ولم يسلموا بالتسمية العربية للتقليد أو لأنهم غير مضطرين لتغيير اسمه في مراجعهم.
• حتى العرب يا شيخ عبد الرحمن يسمونه (الخليج)؟
هذا صحيح، ولكنهم لم يروا ذلك اتفاقاً، وإنما بصورة تلقائية للخروج من هذا الخلاف، فوقفوا على الحياد ولم يطلقوا عليه لا العربي ولا الفارسي.
• هذا هو الحياد المضر؟
العرب لايوجد لديهم هذا التعصب، فقلت إذا أردتم أن تسمونه (الخليج) بلا صفة أو إضافة، فلا تقترحوا من عند أنفسكم تسميات، وإنما ارجعوا للاسم التاريخي الأساسي وهو (البحر الأخضر).
المذاهب الخمسة
• من المعروف أن الأحساء هي المحافظة الوحيدة في المملكة التي يتعايش فيها خمسة مذاهب.. كيف ترون التعايش فيما بينهم؟
لا تستطيع أن تحكم إلا من خلال أطروحات مكتوبة، أما أن يختلف شخص مع آخر فهما لم يجلسا على موائد نقد ولاعلى منابر مناظرة لكي ننقل وجهات النظر، إن كانت متفقة أو متناقضة، ولم يدونوا شيئا من أفكارهم التي تحمل طابعاً خلافياً عبر أي وسيلة إعلامية، ولذلك لا أجد شيئاً يدلل على وجود خلاف، والحكم ليس على ما في الضمائر وإنما بما يصدر عن المنابر.
• ولماذا يرددون دائماً أن هناك ثقافتين متصارعتين في الأحساء؟
في القديم كانوا يقولون عن الكلام غير الجاد بأنه كلام صحافة، وعندما جاءت الانترنت بما فيها من كذب وتشكيك ومعاول هدم، أصبح ينطبق عليها المثل الشعبي (الله يرحم الحجاج عند ولده)، والحقيقة أنه لا يوجد صراع في الأحساء من هذا النوع، وإذا نظرت إلى التاريخ القديم بين المذاهب تجد أن الصدام لم يقع بين العلماء الكبار الذين أسسوا هذه المذاهب فقد كان بينهم مودة وألفة وكانوا يحترمون بعضهم البعض، ولكن نشأ بعد ذلك من تلاميذ تلاميذهم من اتخذ من الخلافات الفقهية طريقاً للصدام وحدثت مآسٍ تاريخية يندى لها الجبين في بعض الأقاليم الإسلامية، ولكن هذا الأمر لم يقع في الأحساء لأن الرقعة ليست واسعة، ومعظمها واحات زراعية والحياة فيها تقوم على التعاون، وخدمة بعضهم لبعض والتكامل، وبالتالي لم يوجد بينهم صراع فكري لأن مصالحهم الاجتماعية والمعيشية تفرض عليهم أن يكونوا متوافقين ولكن مع احتفاظ كل منهم برأيه واحترامه للآخر.
• وكيف ترون انعكاس ذلك على مصداقية الرواية التاريخية عنها؟
الأحساء كانت مزدهرة بالعلوم الشرعية واللغة العربية ولا أتحدث عن الوضع الآن لأن المملكة تمثل وحدة متكاملة الآن وجنساً واحداً في نمط التعليم والثقافة، أما كتابة التاريخ، فرغم وجود مؤرخين حفظة وشفويين، إلا أنه لم يكتب تاريخ مخطوط عنها إطلاقاً، ولم نقف على تاريخ مكتوب حتى جاء الشيخ محمد عبد القادر رحمه الله في العقد الثامن من القرن الماضي فألف كتابه (تحفة المستفيد في تاريخ الأحساء القديم والجديد)، وهو جهد يشكر عليه لأنه كسر جدار الصمت المخيف الذي كان يلف الأحساء، وأوجد فيه ثغرة وجمع ما استطاع جمعه من المراجع التي توفرت لديه سواء كانت من التاريخ القديم أو من روايات المحدثين كابن بشر، وابن غنام، وأمثالهم، ثم قام على إثره كتاب آخر لمحمد المسلم رحمه الله، وركز فيه على بعض القضايا التي تخص القطيف لكونه من هناك، وتميز بجمال الأسلوب والصياغة لأنه أديب محدث.
• لكن الشيخ محمد عبد القادر ارتكب أخطاءً، ومنها نسب قرية الجشة إلى فيروز بن جشيش وكان مرزبان الفرس في البحرين؟
لا أستطيع أن أقول أن هذا الكلام ليس بصحيح، لأن النفي بحاجة إلى إثبات لكن لم يستند هذا الكلام على أكثر من اجتهاد من الشيخ، لأنه أراد أن يوجد شيئاً من لا شيء فربط ما أمامه بالأسماء الشائعة، وهناك الجش في القطيف، فهل كل ما سمعنا بهذا الاسم نسبناه إلى فيروز بن جشيش والذي كان قائداً للجالية الفارسية المقيمة في الأحساء وبين دولة الفرس، وهو من القضايا المهمة التي عالجتها في كتابي عن الخليج.
• هناك من يقول أيضا إن مدينة الأحساء قامت على أنقاض مدينة هجر؟
هذا ليس صحيحا، لأن الأحساء في الأساس لم تكن مدينة في التاريخ، وإنما أصبحت الآن الأحساء من بقيق إلى حدود الربع الخالي فهذه كانت واحة.
• ذكر أن المسافة بينهما كانت ميلين؟
أنت تقصد الأحساء القديمة التي لم يبق منها سوى قرية البطالية، أما هجر فتقع بين الهفوف والمبرز في منطقة تدعى (مخيسان) وهذا على الأرجح.
• لكن الصورة ظلت غير واضحة المعالم رغم خروج بعض الدراسات التي ارتبطت بالمكان؟
وهذا ما جرأني على وضع كتاب تاريخ هجر.
• الكل يقول إن هذا الكتاب نتاج استثارة عاطفية مفاجئة؟
هذا صحيح، وحدث حينما كنت في الرياض مع مجموعة من الشباب وقد وقعت جريدة في يد أحدهم فقرأ فيها (عن لوحة أثرية أو صخرية) عثر عليها في الحناءة، وأنها في كتابات سماوية وتعتبر من الآثار القيمة، فسخر منه البعض وقالوا له هل هناك آثار قيمة في بلادنا، فنحن لانراها إلا صحراء جرداء وكثبان رمال متراكمة، وطال الجدل بين الفريقين فكنت من المتحمسين عاطفيا على أن هذه البلاد فيها تاريخ وعلم وآثار، ولكنها شذرات غير مترابطة، وأحسست بنوع من المرارة والحزن فاتجهت بدافع الاطلاع على تاريخ هذه البلاد أجمع كتباً وأسأل وأقرأ وأناقش وجلست على هذه الحال اثني عشر عاماً حتى خرج كتاب (تاريخ هجر) وصار له أثر كبير وحظي بثناء علماء أجلاء في مختلف البلاد العربية، والشيء الذي اعتبره مكافأة لما قدمته وأعتبره وسام فخر أن أكثر من 141 رسالة ومقالة ودراسة وبحث تمت بشأنه.
• ولماذا اخترت اسم هجر تحديدا؟
هجر اسم تاريخي قديم وحي في التراث ولا يستخدم في الحياة اليومية، وهجر مثل كلمة الأحساء والبحرين كانت في الأساس أسماء مدن ولكن في فترة ازدهار إحدى هذه المدن أصبح الاسم للمنطقة بكاملها وهي الممتدة من البصرة شمالا إلى عمان جنوباً ومن الدهناء غرباً إلى الخليج شرقاً.
• بمعنى أن بعض دول الخليج الحالية كالكويت وقطر والبحرين كانت جزءاً من هجر؟
نعم ولم يختلف عليها أحد.
• يشكك البعض في دراستك المبنية على المنطق أكثر من الواقع؟
أفضل مما أبنيها على كلام فارغ، فليس أمامنا الآن إلا أن نحلل النصوص إن كانت معقولة أم غير معقولة لا أن ننقلها بجمود.
• ما الذي جعل كسوة الكعبة تصنع في الأحساء؟
صنعت مرتين، بسبب رفض الإمام عبد الله بن سعود بن عبد العزيز في الدولة السعودية الأولى عندما بسط نفوذه على الحجاز أن تقدم كسوة الكعبة في موكب، وفي تلك الفترة كان المصريون يرسلون الكسوة عن طريق ميناء الجار ويضعونها على جمل مزين وتصحبه الطبول والمزامير، فهذا مظهر لم يعجب الإمام عبد الله بسبب تطبيق الدولة السعودية ما كان يسير عليه السلف الأول، فمنع هذه الأشياء وعلى رأسها المحمل فغضب المصريون في ذلك الوقت من هذا الموقف وقرروا عدم إرسالها، وكانت الأحساء في تلك الفترة تلبي حاجات البيئات الثلاث البحرية والبرية والزراعية وكانت بها حركة صناعية جيدة فصنعت فيها كسوة الكعبة مرتين الأولى في المبرز عام 1217هـ والثانية في حي الكوت ونسجت في منزل السقوفي عام 1221هـ.
• ومتى كتبت الشعر يا شيخ؟
وعمري ثماني سنوات.
• وبمن تأثرت؟
لم أتأثر بمن حولي من الشعراء لأن شعرهم لم يجمع في ذلك الوقت، وإنما تأثرت بالشعراء السائدين في ذلك الوقت مثل الشابي وشوقي وحافظ والرصافي والزهاوي.
• ولماذا لم تكتب عن الأحساء بيتاً واحداً من الشعر حتى الآن؟
لأنني أرى أن الشعر يجب أن يتجاوز الإقليمية الضيقة والعنصرية وأن يخدم قضايا معينة تهم الأمة ولذلك شعري ظل مجنداً منذ صغري لفلسطين لكونها هم إسلامي وعربي دائم.
• وشعر الغزل؟
قلته قبل الزواج فقط ثم توقفت عنه بعد ذلك.
• يقولون إن قصيدة (سل النجم عن مقلتي الساهرة) تمثل معاناة حقيقية في حياتك؟
هذا صحيح، وهي قصيدة وجدانية قلتها قبل أن أتزوج.
• الغريب أنك كتبت عن الأساطير والخرافات كما في قصيدة (وبار)؟
يقال إن الإنسان إذا ضاع في الربع الخالي خرج له ثور يقوده إلى هذا الموقع المسمى وبار، وهو قطعة من الجنة، لا يأوي إليها إلا ضائع، فكتبت عنها لأن وبار أساساً كانت مدينة ومزدهرة وأتاها ما أتى إرم من إبادة فأتخذها كرمز مهم.
• من باب الإيمان بالخرافة مثلا؟
أؤمن بها إذا صيغت بصورة فنية ولا غنى للمؤرخ من وضع تصور للعصور الموجودة.
• هل قلت الشعر النبطي؟
لا أميل له ولا يستهويني كثيراً ولكني أحب الجيد منه.
• قلت عن المشهد الثقافي بأنك لا تكاد تجد شاعراً أومثقفاً إلا ويعيش حالة نواح على حاضره؟
عنيت هذا الكلام في فترة تسبق الخمس سنوات الأخيرة، وللأسف أنها كانت تحدث بسبب وبدون سبب، وهذه لها ارتباط بالنقد بحق وبدون حق، ولكن الصور الشعرية بدأت تتغير بدخول الشعر الوطني والاجتماعي، وإن كان الأخير على استحياء أما البقية فظلوا في دائرة مغلقة.
• وما الذي قصدته بقولك إن الساحة الأدبية بحاجة إلى نقاد يتذوقون النص؟
هناك متذوقون ولكن أكثرهم الآن مع النص الحداثي.
• إذن أنت ضد الحداثة؟
أنا لست ضد شيء نهائياً، ولكنني ضد الفكرة إذا تعارضت مع الثوابت.
• هذا يعني أن الحداثة تتعارض مع الثوابت؟
يمكن أن تتم المعصية بغير الشعر الحداثي، كشعر الخمريات والإلحاد والمنظوم والمقفى، فأنا ضد فكرة محاربة فن بكامله، لكنني مع مهاجمة وانتقاد ما يوجد داخل هذا الفن إن كان سيئاً.
• مارأيك في القنوات الفضائية المتخصصة في الشعر التي ظهرت في الفترة الأخيرة؟
للأســف أنها تحمل رســالة خطيرة ولا أدري هل هو مخطط لها ومقصودة، أم شــأنها شأن الباحثين عن المال والتكســب من أي طريق، وهي أشبه ما تكون بـ(حطيئة هذا العصر)، وبالتأكيد أنا لا أقلل من قيمة الشعر الذي يطرح، ولكني أفزع من موضوع التباهي والتفاخر المبني على أساس قبلي وإحياء الثارات والمواقع لأن مجتمعنا ليس بحاجة إلى تفتت، وينبغي أن نسدل عليها ستاراً.
• حتى شاعر المليون؟
ولاشاعر المليون ولا المليونين، إلا إذا طرحت النصوص البعيدة عن إحياء العصبيات والثارات.
• الصالونات الأدبية هل تحولت من منارة علم إلى واجهة دعائية لبعض الأسر في الأحساء ومناطق أخرى من المملكة؟
لاينبغي لنا إذا وجد في الساحة الثقافية أو الأدبية أوالاجتماعية أو أي لون من أنواع النشاط النافع، أن نبحث ما وراءه وما هي أسبابه، ولنفترض أن البعض همه الوجاهة، ولديه مال ويريد أن يبرز إعلامياً، ولكنه عمل شيئاً نافعاً، فعلينا أن ننظر إلى ما قدم من نفع للمجتمع لا إلى قصده، وليس ضرورياً أن يكون هذا الشخص أديباً لكي يفتح صالوناً للأدب، ومن واجبنا أن نعينه ونشارك في إنجاح جهوده بل إنني أرى أن مساندته وحضور مجلسه يتقدم على مجلس عالم، لأن هذا سيدفع الآخرين للسير في هذا الطريق، كمن يزين مكتبته بكتب لا يقرأها لكن لعل الفائدة تعود على الزوار فيقرأونها، فهذا أمر مطلوب ويجب أن نشجعه ونشكر القائمين عليه ونعينهم على جهودهم.
• ما هي قصة ارتباطك بالمسرح في سن مبكرة؟
في رأيي أن المسرح أهم مصادر الثقافة والعلم والفكر، إذا استطاع أن يحدث إضافة جديدة ونوعية في التطور الفكري والعلمي والأدبي، وقد عشقته منذ الصغر متأثراً بأداء أحمد شوقي وعزيز أباظة، ولاهتمام أخي عبد اللطيف به أيضاً، وكتبنا سوية عدة مسرحيات في أول أيام الدراسة، وكانت المسرحيات التي كتبتها نثرية ومنها شعرية، وربما أكون أول من كتب المسرحية الشعرية في المنطقة الشرقية، ومثلت مع أخي عبد اللطيف رحمه الله عدة مسرحيات تاريخية واجتماعية، وقد عرضت إحدى مسرحياتنا الشعرية عن كفاح الشعب الجزائري أمام الملك سعود رحمه الله، وقد أعجب بها كثيراً وأنعم على الممثلين بجوائز سخية، ولكنني لم أحظ بشيء من هذا لأنني كنت قد غادرت المكان بعد انتهاء دوري في المسرحية.
• كيف لطفل أن يفقد البصر ويواصل مكابدته في كثير من الأعمال ليصل إلى ما هو عليه من المكانة الأدبية؟
فقدته في السنة الخامسة من عمري إثر إصابتي بالرمد الصديدي وقد أخذني أهلي لطبيب لم يكن على دراية جيدة، فأراد أن يكحل عيني فأعماها، ولكن ذلك –ولله الحمد– لم يحد من إصراري على مواصلة التحصيل العلمي وممارسة الكتابة ونظم الشعر، وقد ألحقني والدي بعدد من الكتاتيب لحفظ القرآن الكريم، ككتاب الشيخ أحمد القرين والشيخ علي اليماني ولكنني ضقت ذرعاً بها لأن المعلم يقتصر على الطلاب المتقدمين، ويوكل الباقين كل واحد لمن هو أكبر منه، وكانت تسودها الفوضى والصراخ وعدم الانتظام فلم أرتح لهذا.
• وقبلت أن تحفظه على يد امرأة؟
كانت هي أيضاً كفيفة مثلي وقريبة لنا تدعى آمنة العرفج، وشعرت بحنوها علي، فحفظت ما تيسر لي من القرآن الكريم وأنا في الثانية عشرة من عمري، أما العلوم الأخرى، كالتجويد، والفقه، والنحو، فدرستها على يد الشيخ الأزهري «عبد المحسن الحوراني»، قبل التحاقي بالمدرسة وهو عالم أزهري كان مستقدما للتدريس في مدرسة الكوت، وقد أحضره أخي عبد اللطيف خصيصاً ليعلمني، وكنت أتهيأ للدراسة خارج الأحساء ولكن الله يسر ففتح المعهد العلمي في سنة 1374هـ، فالتحقت بالقسم الثانوي حيث حصلت على شهادة إتمام الدراسة الثانوية سنة 1381هـ ثم واصلت تعليمي الجامعي فحصلت على شهادة الليسانس في اللغة العربية من كلية اللغة العربية بجامعة الرياض عام 1385هـ.
• حبك للقراءة والشعر كانت مرتبطة ومتأثرة ببيئة المنزل؟
والدتي كانت تحسن القراءة، كما أن أخي الأكبر عبد اللطيف رحمه الله كان مهتما بالمسرح، وخالي الشيخ عبد الله صاحب مكتبة التعاون الثقافي، وبفضله وجدت المكتبة في بيتنا فقرأت السندباد، وسيرة أبو زيد الهلالي وجحا والجاحظ وابن المقفع وغيرهم.
• وماسر علاقتك بالشيخ عبد الله بن خميس؟
حينما التحقت بالمعهد العلمي حظيت باهتمام كبير من مديره الشيخ عبد الله بن خميس وكان يعنى بي عناية خاصة حتى إنه في أثناء فسحة المدرسة كان يناديني ونجلس تحت ظل شجرة أوجدار فيقرأ علي بعض المسائل، كما يعطيني كتاباً يطلب مني قراءته ثم مناقشتي فيه في وقت لاحق، بل كان في أيام الإجازة الصيفية يتردد على منزلنا لزيارة الوالد، وكان يمضي ساعات لقراءة بعض الكتب التي يقتنيها ومنحني من وقته الشيء الكثير وكان يشجعني في ذلك، وفي النادي الأدبي كان هو بنفسه يقرأ قصائدي إلى جانب من كانوا في المعهد من العلماء مثل الشيخ محمد بن أبي بكر الملا والشيخ أحمد الملا وأيضا الشيخ عبد العزيز العبيد الله، وكانوا يدرسوننا الفقه والحديث وبعض فروع علوم اللغة العربية كالنحو والبلاغة، وكان يحضر لهم تلاميذ من البحرين والكويت وعمان وعرب ساحل فارس، وكان الرباط العلمي قبل خمسين سنة شعلة ثقافية وعلمية، وكنت لا أكاد أبرح الرباط لما يتوافر لي فيه من القراء، وكنت آخذ الكتب من منزلنا ومن الشيخ عبد الله الملا صاحب مكتبة التعاون الثقافي، وأذهب بما أختار من الكتب لبعض أولئك ونتدارس العلم معهم فكانت تعتبر من أسعد وأجمل أيام حياتي، إلى جانب من كانوا في المعهد من العلماء وكانوا في الواقع على درجة كبيرة من العلم والفضل، ومنهم الشيخ مناع القطان رحمه الله والشيخ محمد البنا والشيخ عطية السالم، وكانوا يمنحونني من وقتهم الشيء الكثير لتدارس بعض الكتب خارج إطار المناهج الدراسية، والحال كذلك عندما ذهبت إلى الرياض والتحقت بالكلية فحصلت على نصيب وافر من عناية بعض العلماء، من أمثال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، وكذلك الشيخ عبد الرزاق العفيفي، الذي درسني في الكلية، والشيخ عثمان السيار رحمهم الله جميعاً وقد انتفعت منهم كثيراً.
• هل عانيتم من عذابات طه حسين في موضوع الزواج ؟
زواجي له قصة تحكى فقد كنت راغبا في الزواج من ابنة إحدى العائلات السورية التي كان أبناؤها يعملون في الرياض ولهم صلة بالملك فيصل رحمه الله وبعد أن ذهبنا الى سوريا واتفقنا مبدئيا عدنا الى الهفوف وفي تلك الفترة حدثت أزمة سياسية بين المملكة وسوريا ففكرت في الأمر مليا وقلت في نفسي ماهو مصير هذا الزواج ان تعرض لمثل هذه الظروف في المستقبل ولم أكن أعلم أن أخي عبداللطيف كان يفكر في اتجاه آخر، وفوجئت به بعد أيام وهويقول وجدنا لك زوجة من أقاربنا من بيت العرفج، فترددت في الموضوع ومضى على هذا الكلام 24 يوما، وفي نفس اليوم الذي قررت فيه الموافقة على الزواج من بنت العرفج وأبلغت أهلي بذلك قرروا أن يذهبوا لأهل العروسة ويعطوهم المهر، ولم تمض ربع ساعة من خروجهم من البيت الا والباب يدق وكانت المفاجأة أن اخوة الفتاة السورية جاؤوا ومعهم العروسة ولم يكن بالامكان أن ألحق بعبداللطيف لأخبره فأستقبلنا ضيوفنا وأكرمناهم ثم سلمناهم رسالة نوضح فيها ماحدث وتلقينا بعد وصولهم الرياض رسالة منهم يقولون فيها (ان لم نكسب مصاهرتكم فقد كسبنا معرفتكم) وظللنا معهم أصدقاء الى أن توفي اخر اخوانهم في الرياض قبل سنوات.

تشكر يا صقر وبارك الله فيك حديث شيق ورائع عسى الله يقويك تحياتى صقر

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .