القذافي ورفع المصاحف ثانية **ثريا الشهري ** الشرق الاوسط

القذافي ورفع المصاحف ثانية

سئل الحسن البصري عن سبب فساد أمر الناس فقال: «عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحكّم الخوارج (قالوا لا حكم إلا لله) فلا يزال التحكيم إلى يوم القيامة». لنتبصر في هذه المقولة ونحن نسترجع خطاب العقيد الليبي معمر القذافي الذي ألقاه في بداية الشهر الجاري، ودعا فيه لإقامة الدولة الفاطمية الثانية في شمال أفريقيا، مؤكداً أن المقصود بالحرمين هما مكة والقدس، أما المدينة المنورة وحرمها النبوي، فما هذا المسجد الذي شيدوه! وأين قبر محمد الذي ادعوه (فحوى الخطاب)! ويتحدى صراحة إن كان الموجود هو قبر الرسول. وللاختصار سأباشر بالقول إن القذافي وبعد كل هذه السنين، لا يجد غير الفاطميين باباً يلج منه باسم توحيد شتات الأمة الإسلامية (في الوقت الذي ينفي فيه المصلحية والمذهبية والطائفية والعصبية) بدعوى أن أهل الصحراء وقبائلها يئنون من ضياع هويتهم، وعليه، وبحسب رأي القذافي فلتكن الهوية فاطمية، وهنا، وكما امتلك العقيد الجرأة في التشكيك بمكان قبر الرسول، بنفس المنطق نسأله وكيف جزم بانتساب الفاطميين إلى ابنة الرسول فاطمة الزهراء! فإذا كان قبر أبيها على قدره قد أنكره، فمن أين جاءت الثقة بهذا النسب المنحول! أم أن جزئية تمكن العبيديين (وليس الفاطميين نسبة إلى مؤسسهم الملقب بعبيد الله) من إخضاع الحجاز والحرمين فترة لحكمهم هي أكثر ما أغرى بهذا الانتساب المتهالك! والعجيب أن يأتي هذا الانتفاض والسجلات ما زالت تحتفظ بذكرى اختفاء الإمام موسى الصدر أثناء زيارته لليبيا! وكل الذنب الذي حذف الرجل بسببه من عالم الأحياء أنه رفض أن يبدّل القذافي أمامه في آيات القرآن حين قرر أنها «هو الله أحد» لاغياً كلمة الابتداء «قل» التي رأى أنها كانت موجهة للرسول وانتفى معناها بموته، فأي جريرة! أما القول بأن كل السنة شيعة في حبهم لعليّ، وكل الشيعة سنة في حبهم للرسول، فهذا صحيح، ولكن لا يجوز أبداً أن نستعين بحق في إثبات مزاعم لا يرتضيها عقل المؤمن وضميره، أو نخطب فنتذمر من التطاول على نبي الأمة وطمس القرآن، ثم نناقض ذاتنا، فعلى الأقل حين يسيء الآخر إلى كتابنا ورسولنا فهو لا يدين بديننا.

على كل، الدعوة إلى الفاطمية كان لها سابقة تعود إلى عام 1992، فقبل التأرجح بين الانتماء الإفريقي والعربي خطب العقيد القذافي وحذر من أمريكا (معروف الموقف الآخر منها) بالتصدي لها بالخلافة الإسلامية والدولة الفاطمية، إنما، وبالرغم من توتر الأوضاع الذي كان سائداً بعد حرب الخليج الثانية، إلا أن الجدل السني ـ الشيعي لم يكن مطروحاً بشكله الحالي، فلم يكن من دافع يغذّي النار الفاطمية آنذاك، ولكن الحاصل اليوم مختلف جذرياً، وبصرف النظر عن تفاصيل قمة الرياض الموفقة، بكرسي ليبيا الشاغر، أجد أنه من المؤلم حقاً اللجوء إلى حكاية التقرب بحب آل البيت، خدمة لتطلعاتنا، حتى وإن حرصنا على الإتيان بكلمتين عن الدين وأنه لا علاقة له بالخلافة، وأنه مجرد صراع دنيوي على السلطة (كما جاء في الخطاب)، فحتى مع وجود مثل هذه التطمينات فالأمر لم يعد يخفى أنه في النهاية سيناريو آخر لحمل المصاحف ولكن باسم الدولة الفاطمية.

مفهوم السنة والشيعة لم يتبلور معنوياً ولا مادياً إلا بعد ثلاثة إلى أربعة قرون من ظهور الإسلام، والسنية والشيعية لم تتشكل تماماً إلا بعد أن تكرست كتب الحديث في كلتا الجهتين: البخاري ومسلم في جهة السنة، والكليني وابن بابويه في جهة الشيعة، أما قبل ذلك فكان الوضع مقتصراً على مفهوم المسلمين بالمعنى الابتدائي للكلمة، فلم تتبلور الفرق السياسية باسم الدين وتتمايز تاريخياً عن بعضها إلا بعد فترة من الصراعات العقائدية والسياسية والسلطوية والتي هي سبب نكبتنا منذ حينها إلى وقتنا، وبناء عليه، لم يأت القذافي بالجديد ولكنه سعى إلى توظيفه، فإذا اعتبرنا أن «التشيع» هو حب الإمام عليّ فلا يوجد مسلم حقيقي لا يحبه، وإذا اعتبرنا «السنة» هم أهل الحديث، فلا يوجد مذهب واحد لا يعتمد عليهم، ولكن دائماً ما يحمل الفصل بكلمتي الشيعة والسنة معه رمد التمذهب، وإذا كانت أزمتنا السياسية منذ وفاة الرسول في تيار وقف مع الدولة سنة وشيعة، وتيار وقف ضدها سنة وشيعة، أي تيار حاكم، وتيار معارض، ولا ثالث لهما سوى المحايد ولا عبرة به، فلا نعقد الأمور أكثر بحجة أننا نحلها، فننتهي بفصل السنة عن الشيعة في الحكم والمعارضة، وكأن الإسلام لا يجمع بينهما على ملة دين واحدة. كلمة أخيرة: الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى من يثري فكرها السياسي المتراكم بما يكفل تطورها وحمايتها ووضوحها وثقتها بمؤسساتها وانتخاباتها وأنظمتها، وليس بمن يثري فقهها السياسي «بما» يكفل تبريره والانتفاع بتفسيره. كلمة بعد الأخيرة: النموذج الذي قدمته الدول الإسلامية المتعاقبة يبقى داخل إطارها وظروفها، ولا يتعداه إلى زمن آخر بصلاحيات ومتغيرات أخرى.




التعليــقــــات
جليل النوري، «فرنسا ميتروبولتان»، 28/04/2007
اللعب على نار الطائفية والمذهبية في الوقت الراهن لا ينفع الا العدو المشترك والمتمثل بالثالوث المشؤوم (اسرائيل - امريكا - بريطانيا)، والذي عُرِفَ بمُعاداته للاسلام بمختلف مذاهبه فهو لا يفرق بين شيعي وسني وهو ما لمسناه جليا في العراق فقد دمر الفلوجة ذات الغالبية السنية وفي الوقت نفسه قتل ابناء النجف المعروفة بشيعيتها، ولا اريد ان اتكلم بشيء اسمه سنة وشيعة ولكن اذكر لكم ما قاله السيد محمد محمد صادق الصدر في احدى خطبه: (ليس المراد في هذه المرحلة من العمل والتفكير ان نجعل الشيعيين سنيين او نجعل السنيين شيعيين وانما المهم هو التمسك بالدين المشترك وهو الاسلام والقيام ضد العدو المشترك وهو الكفر والالحاد المتمثل بالاستعمار وانصار الاستعمار).

سليم شاتيلا، «كندا»، 28/04/2007
هذا التملق ل(الفاطمية) وللشيعة سببه عبء قضية اختفاء الامام السيد موسى الصدر على القذافي ونظامه.

د/مجدى ابو السعود-المنصورة-مصر، «مصر»، 28/04/2007
مجرد مناقشة القذافي في تهويماته وخيالاته مضيعة للوقت.

جيولوجي/ محمد شاكر محمد صالح، «المملكة العربية السعودية»، 28/04/2007
أستاذة ثريا يكفي أن نقرأ بعض الصفحات عن الكتاب الأخضر الذي ألفه العقيد لنعرف كيف يفكر هذا الرجل.

مجدي أحمدحسن، «المملكة العربية السعودية»، 28/04/2007
الأخت الفاضلة الأستاذة ثريا مقال رائع وعمق نفتقده في صحفنا العربية. وفقك الله وزاد بصيرتك نوراً لخدمة قضايا المسلمين بفهم واستنارة.

مشعل الحربي، «المملكة العربية السعودية»، 28/04/2007
والله والله مقااااااااال رااااائع جدا. أشكر الاستاذة ثريا الشهري عليه. هذا المقال بالنسبة لي يلخص احداثا كثيرة متراكمة وهو يدل على عمق في التفكير والملاحظة. أين العقيد قائد الثورة والفاتح العظيم قائد الجماهيرية العظمى من هذه المقالات؟ يا رب تحفظ لنا شيخ العرب ابو متعب. وما اقول للاستاذة ثرياالا الله يعطيك العافية والى الامام.

م . إستشارى /محمد عبد الحميد خطاب ( السع، «المملكة العربية السعودية»، 28/04/2007
لم يأت القذافي بالجديد ولكنه سعى إلى توظيفه، فإذا اعتبرنا أن «التشيع» هو حب الإمام عليّ فلا يوجد مسلم حقيقي لا يحبه، وإذا اعتبرنا «السنة» هم أهل الحديث، فلا يوجد مذهب واحد لا يعتمد عليهم، ولكن دائماً ما يحمل الفصل بكلمتي الشيعة والسنة ولصالح غواة التنجيم والتربح حتى على حساب الدين والبسطاء من الناس وربما تعرف جيدا الكاتبة المحترمة القاعدة الشهيرة لكل من لا يملك شيئا يتباهى به الا وهي (خالف تعرف).

ahmad alamin، «الدنمارك»، 28/04/2007
تحية كبيرة للأخت الكاتبة أعتقد ان السيد الرئيس القذافي قد نفذت كل اوراقه كما سابقه صدام وارجو ان يثوب المسلمون الى رشدهم وأن لا يجعلوا الخلاف الفقهي مشكلة كبيرة ويصبح الدين بذلك فعلا افيون الشعوب وبذلك تتعطل الحياة ان لا يذهب الناس خلف كل ناعق يوما باسم الدين وآخر باسم المذهب والحزب او القومية فقد عمل علي وعمر معا رغم الخلاف.

محمد النهدي، «المملكة العربية السعودية»، 28/04/2007
قد يكون الرئيس القذافي مخطئا جدا في دعوته ولكن هناك من يدعو ايضا الدولة السلف وهم كذلك لا يقلون خطأ من القذافي سواء كانوا علماء دين او رجال دولة وهم ايضا يشعلون الفتنة بين السنة والشيعة
اذن المشكلة هي غياب الفكر الواضح للمستقبل.

د. يحيى الزوبعي - العراق - هولندا، «هولندا»، 28/04/2007
(الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى من يثري فكرها السياسي المتراكم بما يكفل تطورها وحمايتها ووضوحها وثقتها بمؤسساتها وانتخاباتها وأنظمتها، وليس بمن يثري فقهها السياسي «بما» يكفل تبريره والانتفاع بتفسيره) نعم سلم قلمك سيدتي الفاضلة. هذه هي الحاجة الملحة للأمة اليوم ونتمنى على من يريد ان يدلي بدولة في شؤونها ممن يحسبون انفسهم مفكرين او مثقفين ان يرفدوا بناءها السياسي والفكري بكل ما يمكنها من تثبيت وجودها كأمة حية تسعى الى تعزيز مكانتها بين الأمم وتسهم في بناء الحضارة الانسانية وتعزيز الروابط بين شعوب الارض. لقد عانت الامة ولم تزل من العابثين في مجال الفكر والعقائد والمتلاعبين بالتاريخ من محرفين ومنحرفين عن حقائقه وجوهره لتكريس ما فيه من شوائب والتصاقات ضارة والنسج على منوال الاكاذيب لتبدو للناس على انها وقائع مؤكدة بهدف التضليل وبث الفرقة والاختلاف بينهم.

د. محمد بجاوي، «الكويت»، 28/04/2007
مع قناعتي بفشل القذافي كقائد لشعبه، إلا أننا نلاحظ أنه الوحيد الذي يتكلم بكلام حول الوحدة وجمع الأمة في زمن أصبح التشرذم والانقسام الى دويلات مجتزئة وضعيفة هو الواقع المر وعنوان الضعف.


محمد سالم حسن، «المملكة العربية السعودية»، 28/04/2007
الواضح أن القذافي أصبح كالغريق الذي يتخبط ويبحث عن القشة ولكنه واجه تلا من المعدن يسحبه الى القاع.

خليفة الدليمي، «لبنان»، 28/04/2007
هل يسأل نفسه سيادة العقيد عن الرعب الذي أصابه عند دخول القوات الأمريكية إلى العراق فعمد فاراُ اليهم بحجة التغيير من سياسته الاشتراكية إلى توجهه الرأسمالي. وها هو اليوم وما يدريك أنه فزع من برنامج ايران النووي فتحول من توجهاته السنية إلى دعواه لإقامة الدولة الفاطمية الثانية التي أجزم أنه لم يقرأ عن الأولى ولو سطراٌ مكتوبا على ماء.

ياسر يحي زكريا، «المملكة العربية السعودية»، 28/04/2007
لو خلصت النوايا لله ووصلنا - حكاما ومحكومين- لقناعات الإيثار والمجادلة بالحسنى حتى لا تنحل الرابطة التي تربطنا معا -سنة وشيعة-وهي الأقرب من لك التي تربطنا بأهل الديانات الأخرى اليهود والنصارى، فعلينا الاجتهاد في تذويب الفوارق الفكرية التي تحول بيننا وأخوتنا الشيعة (أنا وأخويا على إبن عمي وأنا وإبن عمي على الغريب).

عبد الرحمن مرعشلي، «روسيا»، 28/04/2007
أن الدعوة الى دولة فاطمية لا توحّد الصف المسلم بل تشقه كمن يدعو لدوله أموية أو عباسية.

محمد حيدر، «المملكة المتحدة»، 28/04/2007
القذافي غايته من هذه الاحاديث ان تكتب عنه الصحافة وتتناوله وسائل الاعلام فهو انسان مريض وعلى الاقلام ان تتجاهله فهذه ليست المرة الاولى التي يتحدث فيها عن الاسلام والرسول ومكة والمذاهب.

اعتقد ان القذافي من الشخصيات الغريبة الغير مفهوم انتمائها ؟؟؟؟؟؟؟

مريض بالعظمة والبحث عن الزعامة ولفت الانتباه بأي طريقة كانت

انسان ارعن مثل البالونة سوف يدمر من حولةواولهم شعبة بافكارة المريضة