مكتب 1007 حطم أمل الصغار في عش التقسيط .. والآباء امام المحكمة الكبرى

مكتب 1007 حطم أمل الصغار في عش التقسيط .. والآباء امام المحكمة الكبرى:

عذراً أبنائي .. ضاعت أحلامكم

ايمن السهلي (جدة)-تصوير: مديني عسيري

لم يدر في بال الموظف البسيط (مسفر) انه سيأتي عليه يوم ما ويجد نفسه وقد تخلص من عقدة الايجار التي طالما اكتوى بها حتى اجبرته على التخلي عن كثير من الضروريات التي تتعطش لها اسرته.

فالراتب الذي يعتمد عليه بعد الله عز وجل في تأمين متطلبات حياته واسرته بالكاد يكفي, واحياناً خاصة في المواسم لايكفي في ظل رغبات الصغار البريئة. ومع مرور الزمن استطاع ان يجمع الفتات الذي قد يسد في احيان عديدة باب التداوي في المستشفيات والمستوصفات.

لكن مسفر ظل على الدوام متيقظاً لأي (فوائض) يمكن ان تسقط من ميزانيته الشهرية, فيجمعها ريالاً ريالا.

وفي جلسات الزملاء والاصدقاء, تلصصت اسماع مسفر لما يدور وما يقال, فكان اجماعهم على احلام البسطاء في مسكن يؤمن مستقبل صغارهم.

وقبل ان يبادر مسفر للتداخل مع الحوار عبر السؤال التقليدي.. كيف.. كانت الاجابة تجد لها صدى وسط الجلسة..

قالوا: ان هناك مؤسسة في جدة ملأت اعلاناتها كل مكان وانتشرت في كافة الجهات, تعلن عن تبنيها نظام بيع العقار بالتقسيط.

وقالوا: ان الاعلانات ما دامت واسعة النطاق, فإن هذه الشركة باتت ايضاً ذائعة الصيت, مما يؤهلها لأن تكون مضمونة, وعلى أسس متينة.

وقبل ان تختتم الجلسة, كانت أعين مسفر تتلقف كل الاعلانات التي تصادفها عله يهتدي لعنوان شركة العقار, فاتحاً شهيته على الحلم الذي لم يخطر على باله الا على شاكلة (الكوابيس) التي يطردها المرء من ذهنه.. في ظل رفضه اياها. وما ان توصل (مسفر) للعنوان في جدة, حتى راجع الشركة, ووجدها لافتة ضخمة ومكاتب فخمة, وموظفين كثرا, استدل من احدهم على كيفية الاستفسار عن (تقسيط العقار), وقبل ان يعرضوا ابتسامتهم عليه, دعوه لقراءة الشروط اللازمة التي يتعاملون بموجبها, فإن انطبقت عليه فاز.. وان لم ينطبق احدها.. (فخيرها في غيرها)!!

التهم مسفر كافة الشروط, وبدأ يطابقها مع شخصه ووضعه, وبمجرد ان فرغ من قراءتها حتى قفز من مقعده معلناً انها فصلت لمن هم على شاكلته.

عندها استطاع ان يجد لسؤاله (كيف) محلاً من الاجابة وسط كم الموظفين.

فعلم ان القسط الشهري اللازم لن يزيد عن 1500 ريال وان المقدم الذي سيدفعه لن يتجاوز سقف احلامه وما في حوزته (50 الف ريال).

خرج مسفر وغاب عن الشركة لنحو يومين ثم عاد بعدما جمع المبلغ ريالاً ريالا مما يعد (سناماً) للصغار داعياً اياهم للانتظار لأنه سيفتح لهم باب المستقبل بهذه الدراهم المعدودات. وضع المبلغ المتواضع امام موظفي الشركة, ووقع العقد, واستلمه وسلمهم المبلغ, ثم اخذ موعداً من صاحب المؤسسة للافراغ في كتابة العدل.

راجع مسفر كتابة العدل في اليوم الموعود.. وانتظر ساعة وساعتين لكن أياً من موظفي شركة العقار الحلم لم يطل برأسه على الشارع.

انتظر ساعة ثالثة ورابعة فبدأ يتململ خاصة انه تسرب من عمله لساعة, وما ان طال الانتظار حتى آخر الدوام, حتى تضجر مسفر من المواعيد غير المسؤولة.

في المساء راجع مسفر الشركة المسؤولة التي منحها امواله, فلم يجد احداً, اعتقد انه تأخر في الوصول اليها, او ان دوامها انتهى رغم انه راجعها في الموعد نفسه الذي سبق ان راجعها فيه وكانت ابوابها مشرعة قبل خزائنها للجميع.

عاد صباح اليوم التالي الى الشركة ووجدها ايضاً مغلقة.. راجعها في مساء اليوم نفسه, ووجد نفس المشهد.. عاود المراجعة يومياً لكنه لم يعثر على احد..

ايقن انه ضحية الوهم, عاد لمنزله واحتضن صغاره وتأسف لهم ان اضاع عليهم كل شيء, واعتصر في نفسه السؤال.. كيف اجد هؤلاء واستعيد الأموال?!

ولأن الحلم لا يقتصر على مسفر وحده, بل يمتد لمن هم على شاكلته.. كانت فائزة مديرة المدرسة هي الاخرى التي تقاسمه الحلم نفسه.. وما ان سمعت بالشركة التي تحقق الاحلام المستحيلة لمثلها, حتى فكرت ان تستغني عن عشها الذي تمتلكه, لتحقق حلمها في الانجاب عبر طفل الانابيب المرتفع التكاليف, وقررت ان تخصص الفارق بين منزلها الذي ستبيعه وبين ما تشتريه من تلك الشركة لتدفعه للمستشفى, لكن الشركة اوهمتها بامكانية توسطها لبيع منزلها بـ550 الف ريال, وشرائها منزلاً آخر منهم بالتقسيط, وتسليمها بقية المبلغ, فأفرغت المنزل, وما ان سألت عن حقها حتى تفاجأت بغياب من اشتروا منزلها بلا مقابل!!

اما محسن العطاس (وكيل شرعي) فأكد ان موكلته سددت مليون ريال لشراء عمارة قيمتها ثلاثة ملايين ريال, وتجمدت احلامها بعدما ضاعت اموالها, ولا تعرف طريقاً للوصول الى صاحب الشركة او احد موظفيه.

وهو الحال نفسه الذي يصفه ماهر العطاس (وكيل شرعي) حيث كشف ان صاحب الشركة سبق ان حرر شيكات بدون رصيد لضحايا آخرين قبل عدة اشهر, واختفى عن الانظار.

أما اغرب ضحية فهو محام تطلع لامتلاك فيلا بالملايين في حي البساتين, وبادر بدفع 320 الف ريال دون ان يتثبت من اية عقود او مستندات من المفترض انها من بديهيات عمله.. ووجد نفسه ضحية قبل ان يكون مدافعاً عن حقوق الآخرين.

وامام 7 ملايين ريال طار بها صاحب الشركة, لجأ الضحايا الى المحكمة الكبرى, ورفعوا دعوى قضائية لاسترداد اموالهم.. وتبدل حلم الفيلا.. الى حلم مقارنة بقيمة الحلم الوهمي.