هيئة كبار العلماء ستبحث في فتوى رمي الجمرات قبل الزوال (2-2)

هيئة كبار العلماء ستبحث في فتوى رمي الجمرات قبل الزوال (2-2)

حوار: عبدالعزيز المبحل - - 18/12/1426هـ
الرمي تعريض النفس للهلاك في بعض الأوقات، ألا يشفع هذا بل يكون أكثر إلحاحا أن يوسع فيه؟
أولا: لا شك أن الرمي أحد واجبات الحج والذي عليه جمهور أهل العلم ولا أعلم في ذلك خلافا، أن من ترك الرمي أو ترك بعضا من الرمي فعليه دم، والرمي مجموعة من أهل العلم يرون أن الرمي وقته من بعد وقت الإفاضة من مزدلفة إلى نهاية أيام التشريق، كل ذلك وقت للرمي. ومن أخر رميه جميعه إلى رميه آخر يوم من أيام التشريق ثم رمى مرتبا بحيث رمى اليوم الأول ثم بعد ذلك رمى اليوم الثاني مرتبا ثم رمى اليوم الرابع الذي هو اليوم الثالث من أيام التشريق كذلك مرتبا فرميه صحيح ورميه لا يعتبر قضاء وإنما هو أداء بمعنى ذلك الوقت كله وقت للرمي، وبناء على هذا فالذين يقولون بجواز الرمي قبل الزوال قالوا إننا لا نقول إننا رمينا قبل الوقت وإنما الوقت للرمي كل أيام التشريق وقت للرمي ومن رمى في أي وقت من أوقاتها من أوقات أيام التشريق فهو قد أدى الرمي أداء وليس قضاء، هذا من أدلة القائلين بجواز الرمي قبل الزوال، ولا يخفى أن المذهب الحنبلي كغيره من بعض المذاهب هم في الواقع يقولون إن الرمي لا يكون إلا بعد الزوال، ومع ذلك لا يتردد واحد منهم في أنه يجوز أن يؤخر رميه إلى آخر يوم من أيام التشريق ثم بعد ذلك يأتي به رميا مرتبا عن اليوم الأول ثم عن اليوم الثاني ثم اليوم الثالث، وبناء على هذا فهذا في الواقع ملحظ من الملاحظ التي ممكن أن تكون مصدرا من مصادر الاستدلال على صحة جواز الرمي قبل الزوال.

فضيلة الشيخ، الصلاة وهي أعظم من رمي الجمرات تؤخر وتقدم لمطر أو برد أو مرض، لماذا الجمرات بالذات اختلف عليها الفقهاء؟
الواقع مسألة الاختلاف كذلك موجودة في الصلاة، فهناك مع جمهور أهل العلم من يرون أن الأعذار القائمة في الجمع جمع الظهر مع العصر أو جمع المغرب مع العشاء ولو لم يكن هناك سفر بأن كان هناك مرض أو هناك برد شديد أو مطر وأوحال ونحو ذلك فيجوز جمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، كذلك ممكن أن يكون من الأسباب كأن يكون طبيبا وأمامه فريق مساعديه ويضطر لإجراء عملية أو يقوم بإجراء عملية هذه العملية بضع ساعات ست ساعات سبع ساعات ثمان ساعات فلا شك أن هذه المدة في إجراء العملية سيدخل خلالها وقت صلاة الظهر مثلا ويخرج ويدخل وقت صلاة العصر، هذه من العوامل أو من الأسباب التي تجيز جمع الظهر مع العصر تقديما أو جمع تأخير، فنقول ما يتعلق بجواز جمع الصلاة ظهراً مع العصر أو المغرب مع العشاء على اعتبار وجود هذه الأسباب استدل بذلك مجموعة من أهل العلم على جواز الرمي قبل الزوال وأن الأمر قد يكون أيسر من القول بجواز جمع الظهر مع العصر أو المغرب مع العشاء لأسباب قد لا تصل إلى أدنى نسبة من نسبة ارتفاع الإشكال والمشقة القائمة في الرمي. رخص الرسول صلى الله عليه وسلم للرعاة والسقاة برمي جمار اليومين من أيام التشريق متقدماً أو متأخراً وكان العدد لا يتجاوز 5 في المائة من عددهم الآن، ألا تكون الحاجة ملحة الآن أكبر في هذه الرخصة، لا شك أن الحاجة ملحة وأن الغرض أو العلة في جواز تقديم الرعاة والسقاة للرمي قبل أو بعد لا شك أن الغرض من ذلك أو السبب في ذلك لا يصل إلى ما هو عليه الآن، فتلك مشقة لكنها مشقة لا يجتمع معها هلاك ونحو ذلك بينما المشقة القائمة الآن عندنا هنا أو في وقتنا هذا لا شك أنها مشقة قد يقترن معها الموت، ما يقترن وهذه السنوات التي نشاهد الغالب كل عام فيه وفيات نتيجة الازدحام.

للعبادات وقت من أوله إلى آخره، ما رأيكم في أول وقت لرمي الجمرات وما آخره؟

هو معلوم أن الذي عليه مجموعة من أهل العلم على أن وقت رمي جمرة العقبة من جواز الإفاضة من مزدلفة إلى غروب الشمس، وهناك من أهل العلم من وسع في ذلك فقال إلى طلوع الفجر فجر اليوم الأول من أيام التشريق وقالوا كذلك إن وقت الرمي في أيام التشريق يبدأ أمن بعد الزوال إلى غروب الشمس في اليوم الأول واليوم الثاني واليوم الثالث من أيام التشريق، وأما الرمي بعد غروب الشمس في الليل الذي عليه جمهور أهل العلم أن ذلك لا يجوز ولكن نظراً لتغير الأحوال وتزايد الحجاج تزايداً ملحوظاً لا يتصور قبل قرنين أو ثلاثة أو أربعة بحيث كان في السابق لا يصل إلى 200 ألف حاج بينما الآن ولنا أكثر من 15 سنة والحجاج أقل عدد يأتي لا يقل عن مليون وتزايد وتزايد لغاية سنتنا هذه بلغ قرابة الثلاثة ملايين فلا شك أن هذا العدد يجعل الأمر فيه متسع ويجعل فيه تلمسا للاتساع وللتيسير والتسهيل على الحجاج ولا سيما نحن لا نجد نصا صريحا من قول من كتاب الله أو قول في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل أو ينص على تحديد بدء وقت الرمي وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتحين الزوال وكان أصحابه رضوان الله عليهم يتبعون سنته صلى الله عليه وسلم وكان يقول خذوا عني مناسككم إلا أن تحديده الرمي بوقت محدد بعد الزوال يقول على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، فهذا في الواقع ليس موجوداً فبناء على هذا نحن نقول إن الرمي وقته الذي عليه الجهور في ذلك الوقت هو ما ذكرناه ولكن نظرا لتغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان وليس مصادمة لنص صريح من كتاب الله أو سنة رسوله فنقول إن الأمر يقتضي التوسيع والتيسير والتسهيل في رفع الحرج والمشقة عن حجاج بيت الله الحرام في توسيع الوقت والله أعلم.

فضيلة الشيخ ما الوقت الذي يعد وقتا للاختيار وما الوقت الذي يندرج تحت ظرف الاضطرار ويكونان كلاهما جائزا في الرمي؟

أولاً لا شك أن الوقت وقت العبادة، بعض العبادات يكون لها وقت اختبار ووقت اضطرار فنحن ننظر مثلا إلى صلاة الفجر فينبغي أن يكون الوقت الاختياري عند طلوع الفجر ولا يتأخر لكن الوقت الاضطراري يمتد إلى طلوع الشمس، فقبل طلوع الشمس بقليل وأسفرت الدنيا إسفاراً كاملا نقول إن هذا الوقت لا ينبغي للإنسان أن يؤخر الصلاة إلى هذا الوقت لكن لو أخرها وصلى نقول إن صلاته صلاة قضاء وإنما هي صلاة أداء لكنه صلى في وقت اضطراري وكذلك صلاة العصر من دخول صلاة العصر إلى منتصف العصر ونحو ذلك هذا وقت اضطراري لكن حينما يتأخر في صلاة العصر لغاية الشمس قد أقبلت على الغروب ونحو ذلك فهذا وقت اضطرار، وكذلك وقت العشاء من دخول وقت العشاء إلى منتصف الليل هذا وقت اختيار ومن منتصف الليل إلى طلوع الفجر هذا وقت اضطرار، ونحن كذلك نقول فيما يتعلق بالرمي الرمي الوقت الاختياري الذي هو الأفضل والأتم والأبرأ للذمة أنه من بعد زوال الشمس إلى غروب الشمس هذا وقت اختياري من بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر نقول وقتا اضطراريا من بعد طلوع الفجر إلى زوال الشمس نقول إن هذا وقت كذلك اضطراري فنحن في الواقع حينما نجد الحال تقتضي أن نأخذ بأداء العبادة في الوقت الاضطراري، فهذا والحمد الله الأمر فيه جائز والعبادة التي تؤدى في الوقت الاضطراري لا يعتبر القيام بها قضاء وإنما أداء لأنها حيث صليت في وقتها كان على سبيل الاضطرار وكان الأخذ بالاضطرار مبنيا على وجود العذر.

لو نظمت الإنابة بحيث يُنيب كل حاج آخر لقل عدد الحجاج في رمي الجمرات إلى النصف, ما رأيكم في هذا؟

نعم يجوز أن ينيب عنه بشرط العجز، والعجز عن الرمي يدركه العاجز نفسه وهو يتعامل مع رب العالمين فهو لا يمكن أن يقبل منه دعوى العجز وهذه عبادة لله تعالى فإن كان عاجزا حقيقة فإنابته صحيحة وإن كان غير عاجز ومترفعا عن الرمي فهو بحكم من لم يرم وبناء على هذا يجب عليه الدم.

التيسير في كامل الليل مع كامل النهار أيام التشريق هل هو قرار لهيئة كبار العلماء وعارضه أحد أم لم يعارضه؟

أما ما يتعلق بالرمي بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر فهذا رأي لهيئة كبار العلماء وقد أخذ المسلمون به الآن وصار الإفتاء على جواز ذلك. والحمد لله وأما بعد طلوع الفجر إلى زوال الشمس فهذا لا يزال محل نظر لدى هيئة كبار العلماء وحتى الآن لم يصدر منهم ما يجيز ذلك ولعل إعادة النظر في ذلك, إن شاء الله, يكون فيها شيء من التيسير على المسلمين في الرمي.


لماذا لا يؤخذ بقرار هيئة كبار العلماء بجواز الرمي في الليل ويتفق الناس عليه حتى يخف الزحام ولا تقتل النفوس فيه؟

لا يوجد أي واحد من علماء الأمة فيما أعلم يقف أمام جواز الرمي بالليل وأصبح محل نظر ومحل قبول ومحل اعتبار وتنفيذ وأما فيما يتعلق بالرمي قبل الزوال إذا صدر شيء سيعمم ويتيسر به الأمر, إن شاء الله.

عندما رم الرسول, صلى الله عليه وسلم, في هذا الوقت بعد الزوال هل هو على سبيل الاستحباب أو الأمر؟

لا شك أن فعله صلى الله عليه وسلم, يتردد بين الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة, الوجوب لا يمكن أن يقال به إلا بنص صريح وهذا غير موجود.

هل عارض أحد من العلماء رأي الرمي قبل الزوال, ولماذا؟
أولا, إخواننا علماء بلادنا الذين لهم رأي بالتمسك بالقول إن الرمي لا يصح قبل الزوال هم أخذوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, الفعلية, وبقوله, صلى الله عليه وسلم, "خذوا عني مناسككم" وأخذوا بقول أهل العلم وهم مجتهدون محاولون أن تبرأ ذممهم من القول بما يخالف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبناء على هذا لا يجوز أن نحملهم مسؤولية ما حدث فهم مجتهدون فالمجتهد إن أصاب فله أجر اجتهاده وله أجر الصواب, وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد وخطؤه مغفور, بإذن الله, فهم ـ جزاهم الله خيرا ـ ما قالوا ما قالوا إلا طلبا لبراءة ذممهم ومن الجائز أن يكونوا في موقفهم هذا على حق ومن الجائز أن يكون الحق والراجح غير ما اتجهوا إليه.

هل ترون أن اجتهادهم هذا هو غير المرجح أو غير الصواب أم أنه اجتهاد فقط وله أجر الاجتهاد؟

الواقع أنه في وقت من الأوقات هو الراجح ولكن تأتي ظروف وأحوال وأزمنة من شأنها أن يكون الراجح مرجوحا وبناء على هذا ونحن نرى الآثار المترتبة على تضييق الوقت والحال أن الأمر يقتضي التيسير والتسهيل على المسلمين, فإذا قلنا إن الراجح الآن تفاديا لهذه الأضرار والمشقة البالغة أصبح مرجوحا وأن الراجح هو توسيع الوقت فلعل هذا, إن شاء الله, له نصيب من الصحة.