المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عرض كتاب : الدر الثمين في سيرة الرسول الأمين


صقر الجنوب
15/10/2005, 12:03 PM
بقلم / معيض بن عبدا لله الزهراني

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لقد وفق الله كثير من الكتاب لتعطير صفحات كتبهم بأريج _ سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم _ الزاكي ، فكانت السير والمغازي لابن إسحاق ، والسيرة النبوية لابن هشام ، من الأقدمين ثم تبعهم واقتدى بنهجهم خلق كثير ممن جاء بعدهم ، كل يدلي بدلوه ويكتب من زاويته مستعرضاً جوانب مضيئة من حياة معلم البشرية وخاتم الأنبياء ، معددين مناقبه الجمة وإرثه الخالد ، فقد وجد أولئك الكتاب ضالتهم المنشودة في اقتفاء سننه القولية والفعلية والتقريرية ، وأناخوا رواحلهم عند مورده العذب فنهلوا من معينه الصافي الثر جرعات إيمانية ونفحات روحانية ، محلقين في فضاءات القيم العليا والمثل العظيمة .

والكتاب الذي بين أيدينا يأتي في هذا الإطار ولكنه بأسلوب مختلف وبأدوات مختلفة كذلك حيث اعتمد طريقة السؤال والجواب كعنصر تشويق وجذب تحبب للناشئة سيرة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ، وتبعد هم عن جو الرتابة و والملل ، وتسهل عليهم حفظ الوقائع والأحداث بطريقة سلسة وجذابة .

وقد جاء الكتاب في ثمانية وعشرين وثلاثمائة صفحة ، وهو من إصدارات دار طيبة الخضراء ، بمكة المكرمة ، وقد قام بتقسيم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء سماها أقسام ، وقد كان المغزى من تأليف الكتاب والدافع وراء إخراجه بهذه الصورة يقول عنها المؤلف ) أما السبب المباشر لهذا البحث فقد كلفت من قبل فضيلة مدير معهد الحرم المكي الشريف الشيخ / صالح بن محمد المقوشي أمد الله في عمره بتدريس مادة السيرة النبوية ، ومن خلال تدريسي لهذه المادة الشيقة بدا لي العمل على صياغة المقرر في المعهد بهذه الصورة مع إضافة يسيرة لبعض الأمور المهمة التي لم يذكرها المصنف رحمه الله أو ذكرت بشكل مختصر جداً .)

القسم الأول: من التوحيد في ذرية آدم إلى وصول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً .

وعن مناسبة ذكر التوحيد في ذرية آدم عليه السلام مع أن المقام هو دراسة سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام ، يقول المؤلف : " لما كان التوحيد هو أعظم وأفضل ما جاءت به الرسل ودعت إليه ناسب ذكر نبذة تاريخية عن التوحيد عند البشرية ، منذ آدم عليه السلام وذريته ، حتى حدث الشرك الأول في الأرض ، وإعادة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وكانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم في جانبها العقدي ، امتداداً للرسالات السماوية السابقة ، قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) ( النحل:36) . لهذا ناسب ذكر هذا الجانب قبل الخوض في سيرته عليه الصلاة و السلام .

ثم تناول المؤلف التحولات التي طرأت على عقيدة ذرية آدم حيث شابها الشرك فلم تعد خالصة لله تعالى كما كانت في عهد أبيهم وذلك بعد عشرة قرون من وفاة أبو البشر آدم عليه السلام ، فانحرفت ذريته عن المسار الصحيح وارتمت في أحضان الشرك ووساوس الشيطان الذي أوحى إليهم فكرة عبادة مجموعة من الصالحين فصوروا صورهم ليتذكروا عبادتهم وما كانوا عليه من الصلاح ، ومع تقادم العهد وطول الفترة استحسنوا فكرة اتخاذهم أنداداً من دون الله والعياذ بالله ، بفعل مكر الشيطان وإغوائه لهم فدب الشرك منذئذ في ذرية آدم ، ولذا بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وداعين إلى الله ، لينتشلوا خلق الله من وهدة الضياع وحمأة الضلال التي تردوا إليها ، فجاء نوح وتتابعت قوافل المرسلين تترى ، كل يخوف بالله ويرغب في نعيمه وما ادخره لعباده المخلصين ، وما أعده من العذاب المقيم لمن كفر بآياته وصد عنها واستهوته الشياطين حيران لا يقر له قرار ، ثم عرج المؤلف على ذكر أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي ابتعثه الله تعالى حين انعدم التوحيد الخالص ولم يبق على ظهر البسيطة من يعبد الله حق عبادته ، فكانت سيرته كما سردها القرآن الكريم معدداً مآثره ومناقبه وقوته في قول الحق وجرأته على تكسير أصنام المشركين ، وتصديه لباطلهم فنصره الله ونجاه من مكرهم وجعل النار التي ألقوه فيها برداً وسلاما ً ، ورزقه على الكبر بعد أن شاخ وأصيبت زوجته بالعقم كوكبة من الأبناء والأحفاد وجعل في ذريتهم النبوة والكتاب ، وهكذا يجيء سيدنا وحبيبنا خاتم الأنبياء والمرسلين من نسل إبراهيم عليه السلام ومن ذرية إسماعيل التي استوطنت- مكة حرسها الله – ثم تطرق المؤلف لمولده الشريف عليه السلام وما يحمله من دلالات عظيمة حيث بدأت بمولده قصة كفاح وصبر ومجالدة بغية إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ويضع عنهم أوزار الجاهلية وأغلالها التي كبلت خطاهم نحو السير الحثيث باتجاه جادة الصواب ، كما تطرق لحادثة الاسترضاع وماتخللها من كرامات وبشريات لآل الحارث بن عبدالعزى ، بدءً بفيضان اللبن في ثدي حليمة السعدية ، ورفع الأثقال التي كانت تكبل سرعة عدو ناقتها الضامر ، وغنيماتها اللاتي يأتينها شباعاً بطاناً وقد كن هزالاً ، بينما غنم القوم في جفاف وقلة زاد ، ثم تطرق المؤلف لحادثة شق صدره الشريف ، وما انتاب حليمة وزوجها من الذعر والهلع لما أصاب إبنهم ، وقصة إعادته لأمه ثم وفاة جده وكفالة عمه له ، وسفر أمه في زياة أخوالها من بني النجار بيثرب وفي طريق عودتها أدركتها الوفاة فعاش في كنف عمه أبي طالب ردحاُ من الزمن ، إلى أن شب عن الطوق وبلغ أشده وبدأ في تجارة خديجة يسوسها بكل أمانة وإخلاص ثم قصة زواجه منها رضي الله عنها ، ثم عرج بالحديث عن بناء الكعبة وكيف هيأه الله تعالى لأن يكون محل إجماع بعد أن بدأت نذر الحرب تلوح في الأفق بين بطون قريش أيها يحوز قصب السبق ويضع الحجر الأسود في مكانه المعد له ، فتجتمع الكلمة عليه رضينا بالأمين ، وينزع بذلك فتيل أزمة كادت أن تعصف بقومه من قريش ، ثم تطرق إلى تحنثه في الغار وتعبده وانعزاله عن الناس ، ثم قصة نزول الملك وبدء الوحي ، وقصة خديجة مع زوجها النبي الأمي الذي هالها ما رأت من حاله ، فأخذته إلى ابن عمها ورقة الذي طمأنها وهدأ من روعها ، وبشرها بأن هذا هو الناموس الذي كان ينزل على موسى عليه السلام وأنه نبي هذه الأمة ، ثم قصة مكابدته في سبيل إيضاح دعوته وعرض رسالته على قريش ، وسخريتها منه ، واستهزائها به وبما جاء به فرموه بالسهر والجنون والشعر ، وقالوا إنما يعلمه بشر ، وأثاروا لغطاً وضجيجاً حوله ، يصدون الناس عن دعوته ، وما عاناه _ فداه أبي وأمي _ من عنت وجبروت قريش وإيذاءهم له بالقول وإلقاء الأذى على جسده الطاهر وهو ساجد يناجي ربه ، وتعرضهم له بسافل القول وحرمانه من نشر دعوته ، وقيامه بواجب التبليغ ، وتعذيبهم لكل من يلتحق بهذه الدعوة المباركة ويحتمي بحماها ، ثم ذكر هجرته إلى المدينة بعد أن ضاقت أزقة مكة و شعابها -التي سيطرت عليها قريش - عن حمل دعوته فكان مهاجره المبارك إلى يثرب حيث ارتضاها الله تعالى لتكون المحضن الأول لهذه الرسالة الخاتم وموطناً لدار النبوة والدولة الإسلامية الفتية .

ثم تطرق المؤلف بشيء من التفصيل لجهود الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء دولة الإسلام ، ووضع ميثاقاً للتعايش مع قاطنيها من اليهود وغيرهم ، وبذلك هيأ الأرضية الخصبة للتفرغ لعدوه الخارجي ، فكانت الغزوات الجهادية التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأولها غزوة بدر ، وهي الفرقان ، وهي الغزوة الفاصلة والمفصلية في تاريخ الإسلام كيف لا وأصحابه كانوا قلة وعدوهم كثير ، وقد تكالبت جحافل المشركين للقضاء على الإسلام وأهله ، واستئصال شأفته ، وإسكات صوت الحق ، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون فقد حمى الله نبيه ونصره وأتباعه على المشركين وأذل كبرياءهم وخضد شوكتهم وهزم باطلهم ، وسرد قصتهم في قرآن يتلى إلى يوم الدين ، ثم تتالت الغزوات والفتوحات والانتصارات ، فأعز الله دينه وأعلى كلمته ، وهزم الأحزاب وحده ، ورد كيدهم في نحورهم خاسئين ذليلين ، إلى أن جاء الفتح المبين ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، زرافات ووحداناً ،وصدح بلال بصوت الحق ، الله أكبر، الله أكبر ، وانجلى ليل الظلام البهيم ، وسطع فجر الحق المبين ، وأثلج الله صدر المؤمنين برؤية الحق يعلو في سماوات وفضاءات جزيرة العرب ، ودخل الناس كلهم طوعاً في دين الله القويم ، وقطع دابر الكافرين ، والحمد لله رب العالمين ، ثم أطاف المؤلف على شيئا من معجزات الرسول الأمين ، وأعظم هذه المعجزات القرآن العظيم ، ثم بعد أن شرح الله صدر نبيه بالنصر والتمكين ، كان ختام هذه الرحلة المباركة ، وما أتت به من الثمار اليانعة ، والمعجزات الباهرة ، أن اصطفى الله رسوله إلى جواره ، فالتحق الحبيب المصطفى بالرفيق الأعلى ، بعد جهاد وصراع مع الباطل ، وبعد أن أصبح الإسلام هو دين جزيرة العرب ، بعد أن كانت تعج بالتماثيل والأوثان والكهان ،والطواغيت ، فالله الحمد والمنة . وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم( يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة أحد عشر من الهجرة ، وقد تم له من العمر ثلاثة وستون سنة بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، وجاهد في الله حق جهاده ، وربى أمته على تقلد مهام الدعوة وصيانة الدين من التحريف فقال تعالى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ) ( آل عمران :110) .

وفي الختام لا يسعنا إلا أن ندعو للمؤلف بالخير الجزيل ، لقاء ما قدم للمكتبة الإسلامية من إضافة قيمة ، وبأسلوب مشوق وجاذب ، بعيداً عن الإسهاب والإطناب والسرد الممل ، والكتاب كما أسلفنا في المقدمة هو من إصدارات دار طيبة الخضراء بمكة المكرمة ، ومتاح ومتداول في المكتبات .

والله الموفق ،،،

صوت العقل
15/10/2005, 04:45 PM
الله يحفظك يامدير على الطرح المتميز