صقر الجنوب
30/10/2005, 11:00 PM
الغابات الإسمنتية تغتال المدرجات الزراعية في الباحة
الباحة: عبد الله غريب
أقفرت المصاطب الزراعية في منطقة الباحة بعد ان انخرط الأبناء والأحفاد في المهن التقنية الحديثة بفضل العلم والسفر الى أمهات المدن بقصد الاسترزاق
كانت المنطقة تشتهر بالزراعة على المصاطب التي كانت تغطي مساحات كبيرة من سفوح الجبال وبطون الأودية. وساهمت قلة الأمطار التي تعتمد عليها الزراعة بشكل كبير وعدم جدوى مكننة الزراعة في اندثارها، مما جعل الأراضي الزراعية تتعرض لسطو البناء المعماري الذي حول هذه الأراضي الى غابات اسمنتية بزحف العمران في ظل غياب الرقابة البلدية والزراعية ومن خلال البناء العشوائي، وبالتالي غابت الخضرة التي كانت تميزها وانحسرت في الغابات التي تزيد على أربعين غابة منتشرة في السراة بالذات، والتي تعتبر اليوم الملاذ الوحيد لاستقطاب السياح الباحثين عن الظل الوارف المرتبط بالجو العليل وبخاصة فصل الصيف لا سيما بعد ان تشهد المنطقة شتاء يكثر فيه هطول المطر الذي يعيد النضارة لوجهها الوضاء.
وحبا الله منطقة الباحة تباينا بيئيا فريدا جعلها من اهم مقومات الزراعة. ويبدو التباين بين جبال السراة وسهول تهامة وصحاري الجزء الشرقي، وكذا يتبع هذا التباين اختلاف الجو بين الشتاء الممطر والاعتدال والحرارة الشديدة وبخاصة في تهامة والعقيق، وتماثل لأجواء السراة في جبل شدا بين البرودة والاعتدال، ايضا اختلاف التربة ومصادر الري ـ وان كانت في الغالب تعتمد على مياه المطر ـ كل هذه العوامل كانت من اهم مقومات الزراعة، وبالتالي تنوعت المحاصيل الزراعية بما في ذلك الفواكه والخضر، ففي تهامة يزرع الدخن الذي يشتهر بمحصوله المتكرر عدة مرات، ايضا السمسم والذرة والبامية والملوخية والمنقة والخوخ والليمون، في الاصدار الواقعة بين السراة وتهامة، ويذكر هنا البن الشدوي المميز عربيا، وبن الاصدار إلا ان انتاجه قل بسبب هجرة السكان وقلة الأمطار، وعدم الاهتمام بهذا المنتج من قبل الزراعة.
وتشتهر تهامة بزراعة الموز الذي قل ان يوجد له مثيل في الطعم والشكل والذي يتخذ من ذي عين والاصدار وشدا موطنا على مدار العام ومما يميز تهامة انها تكتفي احيانا من ماء المطر ولو مرة واحدة بسبب تربتها الخصبة التي عادة ما تتكون بسبب السيول الكبيرة التي تنحدر بقوة من جبال السراة وأودية تهامة.
اما السراة فتشتهر بزراعة القمح عالي الجودة وخاصة عند اعلى نقطة في جبال بيضان وبني ضبيان ودوس، كذلك الشعير والذرة البيضاء والصفراء والمشعورة وهي خليط بين الحنطة والشعير ويزرع فيها الحبش والدجر وبعض الفواكه ومن اهمها الرمان وبخاصة الذي ينتج في وادي بيدة ومراوة ومنحل ومنضحة، والخوخ ايضا وبعض الخضر التي تزرع في الصيف بعد اعتدال الجو· اما اذا ما اتجهنا نحو العقيق فإن التمر يتصدر الإنتاج الزراعي الذي يمتد الى وادي عجبة باتجاه بيشة حيث تشغل أشجار النخيل حيزا واسعا من الأراضي الزراعية ورغم قلة المياه الا ان أشجار النخيل تقاوم بشدة ما قد يكون سببا في موتها.
عندما حست وزارة الزراعة بخطر الجفاف الذي حدث بسبب قلة الأمطار او بسبب هدر المياه التي لا تجد ما يحبسها للاستفادة منها بصورة مثلى، لجأت الى إنشاء السدود التي زادت على 23 سدا موزعة في انحاء المنطقة منها ما كان له اثر في المحافظة على المحاصيل ومنه ما انشىء في مواقع لم تخضع لدراسات مستفيضة إلا ان غالبيته تحتجز كميات كبيرة من المياه على اثر سقوط الأمطار الموسمية، ومع كل هذه السدود إلا انها لم تحقق الهدف كما ينبغي فهي تمتلئ ثم تصل الى درجة خلوها من المياه دون الاستفادة رغم الذي انفق عليها من مبالغ مالية تقدر بأكثر من 120 مليون ريال، وتحتجز وراءها ملايين الأمتار المكعبة من المياه أشهرها وادي العقيق الذي تبلغ طاقته التخزينية قرابة 23 مليون م3 والذي انحصرت الاستفادة منه من خلال انشاء محطة تنقية لجلب المياه الى الباحة لتأمين مياه الشرب ضمن اكثر من 70 موقعا لهذا الغرض من بينها حفر اكثر من 100 بئر اضافة الى آلاف الابار التي حفرها المواطنون في الماضي والذي يبلغ متوسط عمرها مئات السنين والتي كانت المصدر الوحيد لسقي أراضي المسقوي التي تقع في بطون الأودية بالذات في الوقت الذي تعتبر ايضا مصدر السقيا واليوم تخضع لعملية تلوث من جراء الصرف الصحي الذي لا يخضع لاية ضوابط هندسية مما افقدها قيمتها المائية رغم انها لا تزال مصدرا لاغنى عنه في ظل شح المياه وعدم وفاء المشروعات القائمة رغم كل الجهود المبذولة لحل هذه المعضلة التي يرى المراقبون انه لا يمكن حلها إلا من خلال مشروع التحلية الذي ينتظر انشاؤه قريبا كما تقوم بدور رش الأشجار والمحاصيل من الآفات الزراعية.
ويعدد محمد مسفر الدماك مدير عام الزراعة بالباحة أسباب عزوف اهالي منطقة الباحة عن الزراعة، ويحصرها في صغر الحيازات الزراعية وتباعد الملكيات للشخص الواحد بعضها عن بعض، وقلة المياه الجوفية وقلة هطول الأمطار وكثرة الجفاف في المدة الأخيرة، الهجرة من القرى إلى المدن لتوفير أسباب العيش الكريم ومتابعة الدراسة العليا لأبناء الأسر لعدم توفرها في المنطقة وعدم توفر الفرص الوظيفية المناسبة كذلك.
ومن الاسباب ايضا وعورة الطرق وعدم وجود طرق لبعض الحيازات الزراعية مما يؤدي إلى صعوبة استخدام الأتمتة الحديثة للزراعة، والمنافسة الشديدة من المنتج الخارجي في الأسواق وقلة الأسعار أدت إلى عدم الرغبة في الإنتاج الزراعي المحلي.
وحصر الدماك الحلول المقترحة في إنشاء جمعيات تعاونية زراعية للقيام باستثمار الحيازات الزراعية الصغيرة وضمها كحيازة واحدة للاستفادة منها في المشاريع الزراعية، وتوفير مياة الشرب عن طريق التحلية والاستفادة من المياه الجوفية المتوفرة في الزراعة فقط. الى جانب ضرورة توفير فرص العمل لأهالي المنطقة ودراسة أسباب الهجرة والعمل لحلها كالتعليم والوظائف واستحداث مشاريع اقتصادية بالمنطقة، وإنشاء الخطوط الزراعية التي تخدم الحيازات الزراعية الناشيءة.
وطالب بدراسة متخصصة للاستفادة من مياة الأمطار الموسمية بإنشاء المدرجات الزراعية والسدود ومصائد المياه وكذا الاستفادة من مياه الصرف الصحي بمعالجتها لسقيا الحدائق وكذا الزراعة.
الاحد 27/9/1426
المصدر جريدة الشرق الاوسط
الباحة: عبد الله غريب
أقفرت المصاطب الزراعية في منطقة الباحة بعد ان انخرط الأبناء والأحفاد في المهن التقنية الحديثة بفضل العلم والسفر الى أمهات المدن بقصد الاسترزاق
كانت المنطقة تشتهر بالزراعة على المصاطب التي كانت تغطي مساحات كبيرة من سفوح الجبال وبطون الأودية. وساهمت قلة الأمطار التي تعتمد عليها الزراعة بشكل كبير وعدم جدوى مكننة الزراعة في اندثارها، مما جعل الأراضي الزراعية تتعرض لسطو البناء المعماري الذي حول هذه الأراضي الى غابات اسمنتية بزحف العمران في ظل غياب الرقابة البلدية والزراعية ومن خلال البناء العشوائي، وبالتالي غابت الخضرة التي كانت تميزها وانحسرت في الغابات التي تزيد على أربعين غابة منتشرة في السراة بالذات، والتي تعتبر اليوم الملاذ الوحيد لاستقطاب السياح الباحثين عن الظل الوارف المرتبط بالجو العليل وبخاصة فصل الصيف لا سيما بعد ان تشهد المنطقة شتاء يكثر فيه هطول المطر الذي يعيد النضارة لوجهها الوضاء.
وحبا الله منطقة الباحة تباينا بيئيا فريدا جعلها من اهم مقومات الزراعة. ويبدو التباين بين جبال السراة وسهول تهامة وصحاري الجزء الشرقي، وكذا يتبع هذا التباين اختلاف الجو بين الشتاء الممطر والاعتدال والحرارة الشديدة وبخاصة في تهامة والعقيق، وتماثل لأجواء السراة في جبل شدا بين البرودة والاعتدال، ايضا اختلاف التربة ومصادر الري ـ وان كانت في الغالب تعتمد على مياه المطر ـ كل هذه العوامل كانت من اهم مقومات الزراعة، وبالتالي تنوعت المحاصيل الزراعية بما في ذلك الفواكه والخضر، ففي تهامة يزرع الدخن الذي يشتهر بمحصوله المتكرر عدة مرات، ايضا السمسم والذرة والبامية والملوخية والمنقة والخوخ والليمون، في الاصدار الواقعة بين السراة وتهامة، ويذكر هنا البن الشدوي المميز عربيا، وبن الاصدار إلا ان انتاجه قل بسبب هجرة السكان وقلة الأمطار، وعدم الاهتمام بهذا المنتج من قبل الزراعة.
وتشتهر تهامة بزراعة الموز الذي قل ان يوجد له مثيل في الطعم والشكل والذي يتخذ من ذي عين والاصدار وشدا موطنا على مدار العام ومما يميز تهامة انها تكتفي احيانا من ماء المطر ولو مرة واحدة بسبب تربتها الخصبة التي عادة ما تتكون بسبب السيول الكبيرة التي تنحدر بقوة من جبال السراة وأودية تهامة.
اما السراة فتشتهر بزراعة القمح عالي الجودة وخاصة عند اعلى نقطة في جبال بيضان وبني ضبيان ودوس، كذلك الشعير والذرة البيضاء والصفراء والمشعورة وهي خليط بين الحنطة والشعير ويزرع فيها الحبش والدجر وبعض الفواكه ومن اهمها الرمان وبخاصة الذي ينتج في وادي بيدة ومراوة ومنحل ومنضحة، والخوخ ايضا وبعض الخضر التي تزرع في الصيف بعد اعتدال الجو· اما اذا ما اتجهنا نحو العقيق فإن التمر يتصدر الإنتاج الزراعي الذي يمتد الى وادي عجبة باتجاه بيشة حيث تشغل أشجار النخيل حيزا واسعا من الأراضي الزراعية ورغم قلة المياه الا ان أشجار النخيل تقاوم بشدة ما قد يكون سببا في موتها.
عندما حست وزارة الزراعة بخطر الجفاف الذي حدث بسبب قلة الأمطار او بسبب هدر المياه التي لا تجد ما يحبسها للاستفادة منها بصورة مثلى، لجأت الى إنشاء السدود التي زادت على 23 سدا موزعة في انحاء المنطقة منها ما كان له اثر في المحافظة على المحاصيل ومنه ما انشىء في مواقع لم تخضع لدراسات مستفيضة إلا ان غالبيته تحتجز كميات كبيرة من المياه على اثر سقوط الأمطار الموسمية، ومع كل هذه السدود إلا انها لم تحقق الهدف كما ينبغي فهي تمتلئ ثم تصل الى درجة خلوها من المياه دون الاستفادة رغم الذي انفق عليها من مبالغ مالية تقدر بأكثر من 120 مليون ريال، وتحتجز وراءها ملايين الأمتار المكعبة من المياه أشهرها وادي العقيق الذي تبلغ طاقته التخزينية قرابة 23 مليون م3 والذي انحصرت الاستفادة منه من خلال انشاء محطة تنقية لجلب المياه الى الباحة لتأمين مياه الشرب ضمن اكثر من 70 موقعا لهذا الغرض من بينها حفر اكثر من 100 بئر اضافة الى آلاف الابار التي حفرها المواطنون في الماضي والذي يبلغ متوسط عمرها مئات السنين والتي كانت المصدر الوحيد لسقي أراضي المسقوي التي تقع في بطون الأودية بالذات في الوقت الذي تعتبر ايضا مصدر السقيا واليوم تخضع لعملية تلوث من جراء الصرف الصحي الذي لا يخضع لاية ضوابط هندسية مما افقدها قيمتها المائية رغم انها لا تزال مصدرا لاغنى عنه في ظل شح المياه وعدم وفاء المشروعات القائمة رغم كل الجهود المبذولة لحل هذه المعضلة التي يرى المراقبون انه لا يمكن حلها إلا من خلال مشروع التحلية الذي ينتظر انشاؤه قريبا كما تقوم بدور رش الأشجار والمحاصيل من الآفات الزراعية.
ويعدد محمد مسفر الدماك مدير عام الزراعة بالباحة أسباب عزوف اهالي منطقة الباحة عن الزراعة، ويحصرها في صغر الحيازات الزراعية وتباعد الملكيات للشخص الواحد بعضها عن بعض، وقلة المياه الجوفية وقلة هطول الأمطار وكثرة الجفاف في المدة الأخيرة، الهجرة من القرى إلى المدن لتوفير أسباب العيش الكريم ومتابعة الدراسة العليا لأبناء الأسر لعدم توفرها في المنطقة وعدم توفر الفرص الوظيفية المناسبة كذلك.
ومن الاسباب ايضا وعورة الطرق وعدم وجود طرق لبعض الحيازات الزراعية مما يؤدي إلى صعوبة استخدام الأتمتة الحديثة للزراعة، والمنافسة الشديدة من المنتج الخارجي في الأسواق وقلة الأسعار أدت إلى عدم الرغبة في الإنتاج الزراعي المحلي.
وحصر الدماك الحلول المقترحة في إنشاء جمعيات تعاونية زراعية للقيام باستثمار الحيازات الزراعية الصغيرة وضمها كحيازة واحدة للاستفادة منها في المشاريع الزراعية، وتوفير مياة الشرب عن طريق التحلية والاستفادة من المياه الجوفية المتوفرة في الزراعة فقط. الى جانب ضرورة توفير فرص العمل لأهالي المنطقة ودراسة أسباب الهجرة والعمل لحلها كالتعليم والوظائف واستحداث مشاريع اقتصادية بالمنطقة، وإنشاء الخطوط الزراعية التي تخدم الحيازات الزراعية الناشيءة.
وطالب بدراسة متخصصة للاستفادة من مياة الأمطار الموسمية بإنشاء المدرجات الزراعية والسدود ومصائد المياه وكذا الاستفادة من مياه الصرف الصحي بمعالجتها لسقيا الحدائق وكذا الزراعة.
الاحد 27/9/1426
المصدر جريدة الشرق الاوسط