صقر الجنوب
03/12/2005, 12:26 PM
مسألة تحديد مدة بقاء العامل الأجنبي في الخليج
http://www.aleqt.com/SiteImages/RayAuthors/364.jpg
د. جاسم حسين
يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي تتجه لوضع سقف أعلى لمدة بقاء العامل (أو الوافد) الأجنبي. أما السبب الرئيسي لوجود مقترح من هكذا نوع في هذه الفترة بالتحديد فمصدره نمو المطالب الدولية التي تطالب بمنح الوافدين الإقامة الدائمة بل ربما الجنسية.
ولوحظ أن وزراء العمل والشؤون الاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي تبنوا مقترح تحديد إقامة العامل الأجنبي. جاء ذلك خلال اجتماع الدورة الثانية والعشرين التي عقدت في البحرين في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فقد وافق الوزراء على رفع مقترح إلى القمة المقبلة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي بخصوص تحديد مدة بقاء العامل الأجنبي. ويقضي الاقتراح بتحديد مدة بقاء العامل الوافد بست سنوات مع بعض الاستثناءات. وحسب الخطة فإن المجلس الوزاري لوزراء الخارجية سيناقش المقترح قبل رفعه إلى قادة المجلس في قمتهم المقبلة في أبو ظبي في نهاية الشهر الجاري.
الجدير ذكره أنه تمت مناقشة المقترح في قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في المنامة في عام 2004. إلا أن القادة طلبوا إجراء المزيد من الدراسات حول المقترح. وبالفعل قام العديد من الخبراء والمرتبطين بوزارات العمل والشؤون الاجتماعية بدراسة الموضوع من كل جوانبه من خلال عدة اجتماعات عقدت في مقر الأمانة في الرياض.
الخوف من التوطين
كان لدى وزير العمل البحريني الدكتور مجيد العلوي ما يقوله بخصوص العمالة الأجنبية: "إن العمالة الوافدة في الخليج البالغ عددها 14 مليون عامل, تخرج من المنطقة سنويا ما قيمته 25 مليار دولار, إضافة إلى كونها خطرا اجتماعيا وسياسيا في ظل التوجه العالمي نحو الضغط من أجل توطينهم".
يفهم من هذا الكلام أن التوجه الخليجي نحو تحديد مدة بقاء العامل الأجنبي يعود بالضرورة إلى وجود ضغوط دولية تنادي بتوطينهم، إضافة إلى تهديد التوطين توجد تبعات أخرى لا تقل أهمية مرتبطة بوجود العمالة الأجنبية. على سبيل المثال هناك موضوع التمثيل المبالغ فيه للعمالة الأجنبية في إحصاءات القوى العاملة. تشكل العمالة الأجنبية أكثر من 80 في المائة من حجم القوى العاملة في كل من الإمارات، قطر، والكويت.
من جهة أخرى يعتقد أن توفر العمالة الأجنبية "الرخيصة نسبيا والتي تكون عادة على استعداد لقبول العمل بشروط مجحفة نسبيا من حيث الراتب ومكان الإقامة" له دور في التسبب في ظاهرة البطالة في أوساط المواطنين. على سبيل المثال تبلغ نسبة البطالة في البحرين 14 في المائة في أوساط القوى العاملة الوطنية، فقد كشفت دراسة أعدها مركز البحري لدراسات والبحوث أن هناك 20199 مواطنا عاطلا عن العمل من بين 143300 عدد أفراد القوى العاملة الوطنية.
التكلفة المالية
المؤكد أن سببا رئيسيا لمجيء الكثير من الأجانب للعمل في دول التعاون الخليجي يعود إلى الحاجة إلى تأمين لقمة العيش لأحبتهم في أوطانهم. أما بالنسبة لدول الخليج فإن المشكلة تكمن في حجم الأموال المرسلة إلى الخارج. فتشير أحدث الإحصائيات إلى أن قيمة الأموال المرسلة ربما بلغت 30 مليار دولار في السنة, نصفها من السعودية وحدها.
وليس غريبا في ظل ارتفاع حجم الأموال المرسلة أن يلاحظ وجود توجه خليجي نحو تشجيع العمالة الوافدة على إبقاء جانب من أموالها داخل المنطقة. ويتطلب الأمر السماح للأجانب بالاستثمار في سوق الأوراق المالية فضلا عن منحهم حق شراء العقار. لا شك في أن السماح للأجانب بالتعامل في العقارات يعتبر موضوعا حساسا بالنسبة للمواطن العادي وذلك على خلفية ارتفاع أسعار الأراضي. بمعنى آخر فإن أحد أسباب تغيير السياسات الاقتصادية في دول الخليج يعود إلى فكرة الحد من ظاهرة خروج الأموال إلى الخارج من قبل العمالة الوافدة.
إضافة إلى ذلك هناك متغير تكلفة كل أجنبي يعيش أو يعمل في المنطقة. حسب شركة ماكينزي تبلغ تكلفة كل أجنبي موجود في البحرين 40 دينار شهريا (أي نحو 106 دولار). ويغطي هذا الرقم أمورا مثل الأمن العام والصحة والكهرباء والماء. ويتحمل المجتمع هذه التكلفة عن طريق استخدام (وسوء استخدام) الخدمات المدعومة من الحكومات لغرض تقديم الرفاهية لمواطنيها. لا شك في أن صرف هذا المبلغ بهذه الطريقة يمنع الحكومات من توظيفه في مجالات أخرى ربما تكون الفائدة فيها أكثر. وعلى كل حال فقد تبين أن المجتمع البحريني تحمل تكلفة قدرها 129 مليون دينار (341 مليون دولار) في العام 2004 بسبب وجود الأجانب والبالغ عددهم نحو 270 ألف فرد.
ختاما يبدو أن ساعة اتخاذ بعض القرارات الحاسمة بخصوص مدة بقاء الوافد الأجنبي قد حلت بكل تأكيد، فالضغوط متنوعة وفي مقدمتها وجود تهديد خارجي يطالب بالتوطين. كما أن هناك ضغوطا اقتصادية مثل البطالة والتكلفة التي تتحملها الموازنات لدعم الخدمات التي يستفيد منها الجميع فضلا عن بعض التعقيدات الاجتماعية.
رئيس وحدة البحوث الاقتصادية (جامعة البحرين)
http://www.aleqt.com/SiteImages/RayAuthors/364.jpg
د. جاسم حسين
يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي تتجه لوضع سقف أعلى لمدة بقاء العامل (أو الوافد) الأجنبي. أما السبب الرئيسي لوجود مقترح من هكذا نوع في هذه الفترة بالتحديد فمصدره نمو المطالب الدولية التي تطالب بمنح الوافدين الإقامة الدائمة بل ربما الجنسية.
ولوحظ أن وزراء العمل والشؤون الاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي تبنوا مقترح تحديد إقامة العامل الأجنبي. جاء ذلك خلال اجتماع الدورة الثانية والعشرين التي عقدت في البحرين في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فقد وافق الوزراء على رفع مقترح إلى القمة المقبلة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي بخصوص تحديد مدة بقاء العامل الأجنبي. ويقضي الاقتراح بتحديد مدة بقاء العامل الوافد بست سنوات مع بعض الاستثناءات. وحسب الخطة فإن المجلس الوزاري لوزراء الخارجية سيناقش المقترح قبل رفعه إلى قادة المجلس في قمتهم المقبلة في أبو ظبي في نهاية الشهر الجاري.
الجدير ذكره أنه تمت مناقشة المقترح في قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في المنامة في عام 2004. إلا أن القادة طلبوا إجراء المزيد من الدراسات حول المقترح. وبالفعل قام العديد من الخبراء والمرتبطين بوزارات العمل والشؤون الاجتماعية بدراسة الموضوع من كل جوانبه من خلال عدة اجتماعات عقدت في مقر الأمانة في الرياض.
الخوف من التوطين
كان لدى وزير العمل البحريني الدكتور مجيد العلوي ما يقوله بخصوص العمالة الأجنبية: "إن العمالة الوافدة في الخليج البالغ عددها 14 مليون عامل, تخرج من المنطقة سنويا ما قيمته 25 مليار دولار, إضافة إلى كونها خطرا اجتماعيا وسياسيا في ظل التوجه العالمي نحو الضغط من أجل توطينهم".
يفهم من هذا الكلام أن التوجه الخليجي نحو تحديد مدة بقاء العامل الأجنبي يعود بالضرورة إلى وجود ضغوط دولية تنادي بتوطينهم، إضافة إلى تهديد التوطين توجد تبعات أخرى لا تقل أهمية مرتبطة بوجود العمالة الأجنبية. على سبيل المثال هناك موضوع التمثيل المبالغ فيه للعمالة الأجنبية في إحصاءات القوى العاملة. تشكل العمالة الأجنبية أكثر من 80 في المائة من حجم القوى العاملة في كل من الإمارات، قطر، والكويت.
من جهة أخرى يعتقد أن توفر العمالة الأجنبية "الرخيصة نسبيا والتي تكون عادة على استعداد لقبول العمل بشروط مجحفة نسبيا من حيث الراتب ومكان الإقامة" له دور في التسبب في ظاهرة البطالة في أوساط المواطنين. على سبيل المثال تبلغ نسبة البطالة في البحرين 14 في المائة في أوساط القوى العاملة الوطنية، فقد كشفت دراسة أعدها مركز البحري لدراسات والبحوث أن هناك 20199 مواطنا عاطلا عن العمل من بين 143300 عدد أفراد القوى العاملة الوطنية.
التكلفة المالية
المؤكد أن سببا رئيسيا لمجيء الكثير من الأجانب للعمل في دول التعاون الخليجي يعود إلى الحاجة إلى تأمين لقمة العيش لأحبتهم في أوطانهم. أما بالنسبة لدول الخليج فإن المشكلة تكمن في حجم الأموال المرسلة إلى الخارج. فتشير أحدث الإحصائيات إلى أن قيمة الأموال المرسلة ربما بلغت 30 مليار دولار في السنة, نصفها من السعودية وحدها.
وليس غريبا في ظل ارتفاع حجم الأموال المرسلة أن يلاحظ وجود توجه خليجي نحو تشجيع العمالة الوافدة على إبقاء جانب من أموالها داخل المنطقة. ويتطلب الأمر السماح للأجانب بالاستثمار في سوق الأوراق المالية فضلا عن منحهم حق شراء العقار. لا شك في أن السماح للأجانب بالتعامل في العقارات يعتبر موضوعا حساسا بالنسبة للمواطن العادي وذلك على خلفية ارتفاع أسعار الأراضي. بمعنى آخر فإن أحد أسباب تغيير السياسات الاقتصادية في دول الخليج يعود إلى فكرة الحد من ظاهرة خروج الأموال إلى الخارج من قبل العمالة الوافدة.
إضافة إلى ذلك هناك متغير تكلفة كل أجنبي يعيش أو يعمل في المنطقة. حسب شركة ماكينزي تبلغ تكلفة كل أجنبي موجود في البحرين 40 دينار شهريا (أي نحو 106 دولار). ويغطي هذا الرقم أمورا مثل الأمن العام والصحة والكهرباء والماء. ويتحمل المجتمع هذه التكلفة عن طريق استخدام (وسوء استخدام) الخدمات المدعومة من الحكومات لغرض تقديم الرفاهية لمواطنيها. لا شك في أن صرف هذا المبلغ بهذه الطريقة يمنع الحكومات من توظيفه في مجالات أخرى ربما تكون الفائدة فيها أكثر. وعلى كل حال فقد تبين أن المجتمع البحريني تحمل تكلفة قدرها 129 مليون دينار (341 مليون دولار) في العام 2004 بسبب وجود الأجانب والبالغ عددهم نحو 270 ألف فرد.
ختاما يبدو أن ساعة اتخاذ بعض القرارات الحاسمة بخصوص مدة بقاء الوافد الأجنبي قد حلت بكل تأكيد، فالضغوط متنوعة وفي مقدمتها وجود تهديد خارجي يطالب بالتوطين. كما أن هناك ضغوطا اقتصادية مثل البطالة والتكلفة التي تتحملها الموازنات لدعم الخدمات التي يستفيد منها الجميع فضلا عن بعض التعقيدات الاجتماعية.
رئيس وحدة البحوث الاقتصادية (جامعة البحرين)