تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بدر شاكر السياب رؤية اسلوبية


صقر الجنوب
20/12/2005, 07:23 PM
بدر شاكر السياب رؤية اسلوبية


كتبه : عصام شرتح

يعتبر الشاعر بدرشاكر السياب رائدا« من رواد حركة التطور في شعرنا المعاصر كما يعتبر شعره حداً فاصلاً بين مرحلتين : المرحلة المحافظة على شكل القصيدة القديمة , وعلى نظامها التقليدي في البناء

الملتزم بعمود الشعر , والمحافظ على العروض العربي بأوزانه وبحوره , والخاضع لنظام البيت الشعري المنقسم الى شطرين على طول القصيدة , والمرحلة التي حاولت التحررمن هذا النظام ورأت عدم الإلتزام بالشطر الشعري المنقسم الى قسمين والمحافظ على عدد التفعيلات , واعطت لنفسها حرية الحركة وحرية التوزيع في تفعيلات القصيدة وفي قافيتها‏

هذا الشعر الجديد الذي ثار على شكل القصيدة القديمة يطلق عليه النقاد احياناً شعر التفعيلة واحياناً الشعر الحر‏

ولم يكن بدر شاكر السياب وزميلته نازك الملائكة ,اول من حاول هذه المحاولة الجديدة , فقد سبقت هذه محاولات اخرى كثيرة قامت بدور كبير في سبيل تطوير شكل القصيدة منذ بدأت حركة التجديد والدعوة اليها عند شعراء مرحلة الانتقال على يد شعراء الديوان وجماعة ابو للو ومدرسة شعراء المهجر . لكن هذه المحاولات برغم ما احرزته من تطور لم تستطع ان تحقق الاستقرار على شكل جديد للقصيدة حتى استطاع بدر شاكر السياب وزميلته نازك الملائكة ومن بعدهما شعرا ء آخرون مثل صلاح عبد الصبور وعبد المعطي حجازي . ان يستقروا على هذا الشكل الجديد .‏

وعلى الرغم مما ارتكزت عليه حركات التطور السابقة عند شعراء ابو للو والمهجر وغيرهم من فلسفات فردية او ذاتية لم تستطع ان يكون لها الاثر الايجابي في تحرير الجماهير الشعبية في العالم العربي التي كانت ترزح تحت اعباء واقع قاس ومظلم وقد كانت هذه الجماهير في اشد الحاجة الى انتشالها او على الاقل تبصيرها بواقعها المظلم الذي كانت تستبد به سيطرة المستعمر الغاصب من ناحية والعلاقات الاجماعية الظالمة من ناحية اخرى 00 أضف الى ذلك ان النظام السياسي كان شيئاًً معاداً , ولكن ما لبثت الشعوب العربية في مرحلتها الاخيرة ان خطت خطوة حاسمة فاستيقظت على وعي جماهيري ايقظه التحرر من سيطرة الاجنبي والتخلص من سلطانه , ثم شد من ازره تيار القومية العربية ووحدة الكفاح والهدف واحتلال اسرائيل لهذه البقعة العزيزة من الارض العربية‏

ومن هنا بدأ تطورنا نحو خطوة اخرى فبعد ان كنا نرزخ تحت أثقال الجهاد السياسي وحده ونضع جهودنا في مناورات المستعمر ومفاوضاته , بدأ كفاحنا يتجه نحو معركة الحياة واخذ يلتفت بعنف نحو واقعنا الاجتماعي 000وهذا ما جاء به شعراؤنا الشباب وعلى رأسهم بدرشاكر السياب ليقودوا حركة بناء جديدة تهدف في بدايتها الى التغيير والتجديد والنظرة الواقعية الى الحياة والمجتمع وتعرية الواقع وابرازه في صورته الحقيقية , حتى ولو ادى ذلك الى خدش الجمال او الاخلال بجمال الاسلوب , ولقد كان للسياب دور كبير في بداية نشاطه الفني في الاهتمام بقضايا المجتمع والواقع‏

من ذلك قصيدته »المومس العمياء « وهي قصيدة تجد نفسك فيها امام مشكلة تتصل بصميم البناء الاجتماعي ولكنها لا تخرج عن المعنى الانساني العام فهي مشكلة امرأة اضطرتها اوضاع المجتمع الى البغاء , فلا يسع الشاعر وهو يصور مأساة هذه المرأة الا ان يعري الحقيقة من غير اشفاق فهو لا يحاول ان يستخدم الاقنعة التي كان يضعها الرومانسيون على مشكلة الدعارة بل هو يحاول ان يقتلع عنها كل طلاءمن شأنه ان يكسو القبيح ثوباً براقاً وخادعاً , وهو هنا يذكرنا بما فعل جورج برناردشو في مهنة السيدة ورن فهو من هذا النوع الذي لايشفق من تعرية الحقائق وابرازها سافرة مهما بلغت حدتها ثم هو يرجعها من حيث لاتشعر الى اخطاء في بنية المجتمع ذاته 0000‏

وانظر الى السياب الذي لايكتفي بالقاء المسؤولية على هذه المرأة التعسة , وحدها وانما يحمل العراق كله هذه المسؤولية عندما يصور هذه المرأة وهي تستأجر المصباح الذي تدفع ثمن زيته من سهام مقلتيها الضريرة في الوقت الذي يفيض فيه العراق بالزيت العميم‏

» ويح العراق أكان عدلاً فيك انك تدفعين‏

سهاد مقلتيك الضريرة‏

ثمناً لملءيديك زيتاً من منابعه الغزيرة‏

كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين«‏

ويقف السياب من مشكلة حفار القبور في قصيدة اخرى بهذا العنوان نفس الموقف الذي يقفه من قصيدة المومس العمياء , فمأساة حفار القبور هي مأساة رجل ضائع بين الضائعين يحس بتمزق في واقعه ويتطلع الى أعلى والثورة والحقد كالبركان يتدفقان من نفسه يدق باب الحياة بعنف فيوصدونه , ثم ينتهي امره بأن يواري التراب من كان يؤنس لياليه الرخيصة. والقصيدة بمجملها عالم مليء بالفيض النفسي الذي يتردد من خلال صورومواقف تتجمع خيوطها على مأساة من واقع الحياة .‏

والى جانب هذا الاتجاه الواقعي في شعر السياب فثمة ظاهرتان هامتان في شعره تحتاجان لكثير من التعمق والتأمل كما تحتاجان الى دراسة متأنية و هما ظاهرة الشعور بالغربة , وظاهرة الحياةو الموت 0 و في الظاهرتين معاًتلعب حياة السياب ومعاناته ومرضه وآلامه دورا كبيرا , وقد كانت آلام السياب الكثيرة ضربا من المعاناة المتصلة التي يرجع جزءا منها الى احساسه بوطأة الفقر والجوع والعبودية والظلم الذي وقع على كاهل الناس في مجتمعه او يرجع الجزء الاخر منها الى معاناة شخصية وقع فيها اسيرا للمرض الذي طالت قسوته واتصلت زماناً لم ينقطع حتى الموت .فحياة السياب لقاء مستمر. بين التفتت والنمو بين عالم يتراجع واخر يتقدم .هذا التفتت والنمو في آن واحد هو ما نراه يتجسد في قصائد كثيرة مثل » مدينة السندباد , مدينة السراب , قافلة الضياع , مدينة بلا مطر « اما ظاهرة الغربة عنده فتظهر اول ما تظهر عندما كره حياته في المدينة , وكشف عن ابعادها التي عانى منها الكثير منها البعد الاجتماعي , كما تعبر عنه قصيدة »عرس في القرية« , والبعد الحياتي البرجوازي كما تعبر عنه قصيدة قافلة الضياع , والبعد السياسي الثوري كما تعبر عنه »رسالة من مقبرة «, وهكذا تتحول المدينة الى مقبرة الى جبال من طين ونار يمضغن قلب الشاعر .‏

هذه الغربة التي نراها متمثلة في احساس الشاعر بالمدينة هي انعكاس واضح للغربة الداخلية انه اليأس الذي يغمر روحه لدرجة كان يرى فيها الحب نفسه مدنة عذاب وسراب .‏

اما موضوع الحياة والموت فالواضح انه موضوع يمثل خيطا متصلا ورؤية خاصة عند السياب , فالموت يأخذ شكلا رمزيا يجسد الحنين الى الخلاص من ناحية ويتجه الى البحث عن الحقيقة , فالموت من اجل الحقيقة يعبر عن الرغبة في الوصول الى عمق الحقيقة التي لم يستطع الشاعر ان يحققها في الحياة‏

وفي قصيدة » النهر والموت « يكتشف الشاعر ان الموت في النهر حياة يتجاوز الموت ,وفيه الخلاص وفيه البدء و الإعادة , كما ان الموت في النهر سفر مزدوج , سفر في الذات وخارج الذات والماء أمومة والموت في الماء عودة الى رحم الأم 0‏

متعب الزهراني
21/12/2005, 03:59 PM
عشت يابو احمد على هذه الاضافه التي بوزنك....جعلك سالم.

احســـــــاس
30/12/2005, 06:32 AM
اتحفتنا يا صقر الجنوب

اتمنى لك المزيد من الابداع يامبدع

تحياتي