صقر الجنوب
11/01/2006, 04:00 AM
قائمة التدفق النقدي ومنح الأسهم ـ سحر البيان
http://www.aleqt.com/admpic/88.jpg
د. محمد أل عباس - كاتب اقتصادي 06/12/1426هـ
إنها لوحة رائعة أبدعتها أياد ماهرة وتجلت فيها عبقرية فذة. عندما تتأملها فكأنما ترى لوحة من الفن التجريدي الرفيع أو قطعة ألماس ذات أبعاد أخاذة. ماذا أقول عنها إنها قوس قزح البيانات المالية تتيه بالعقل الحائر في التحولات اللانهائية من حزم الضوء المبهر إلى تجليات ألوانه. إنها السيمفونية التي تذهل كل متعامل بالأوراق المالية على تنوعها, وعلى كل مستثمر أو مقرض أن يطرب لسماعها و يتعلم فنونها. إنها مسرحية من الأدب المحاسبي لا يُمل من روايتها و ترديد أناشيد فصولها. إنها قائمة التدفق النقدي عروس القوائم المالية وأجملها. وعلى رغم هذا الجمال وسحر البيان قلما تُقرأ من المتعاملين في سوق الأسهم السعودية وقلما يُدرك ما فيها من تفصيلات تُدهش من يطلب الإفصاح ويسال عن الشفافية.
هذه الفرضية تم استقراؤها من الاهتمام الزائد عن الحد برقم الأرباح المعلن في قائمة الدخل وعدم الحديث عن التدفقات النقدية وقدرة الشركة على الاستمرار في خلق هذه التدفقات من أنشطتها الرئيسة بالذات. ومع قبول الاهتمام برقم الأرباح لابد من التسليم بقدرة الإدارة على التلاعب به عن طريق العديد من أساليب إدارة الأرباح وتمهيد الدخل وقد يغالى فيه بعمليات البيع بالأجل أو عمليات بيع وهمية ـ إذا لم يستطع المراجع الخارجي اكتشافها - أو رسملة العديد من المصروفات والفوائد. وعلى الرغم من كل هذه التحفظات على رقم الأرباح كثيرا ما يعتمده المحللون للتنبؤ بالعديد من القضايا التي تتعلق بالشركات وأسعار أسهمها.
لا شك أنه من المهم أن تحقق الشركة أرباحا. لكن درجة هذه الأهمية تختلف من مدير إلى موظف في الشركة إلى مساهم أو مقرض. وإذا كانت الإدارة تهتم برقم الأرباح لارتباطه بهيكل المكافآت, فإن القضية تختلف بالنسبة إلى الشرائح الأخرى, فالمهم ليس أن تحقق أرباحا وتعلن عنها فحسب بل في قدرتك على أن توزعها, ولن تستطيع توزيعها إلا إذا حققت تدفقات نقدية كافية. في الشركات المساهمة تعتبر الأرباح المتراكمة غير الموزعة مؤشرا غير جيد على قدرة الإدارة على خلق النقد الكافي لتوزيع مثل هذه الأرباح. قد تقوم الشركة ببيع أحد أصولها لتحقيق تدفقات نقدية لمواجهة التزامات آنية لكن المهم أن تكون التدفقات النقدية دائمة Stream وهذا لن يتحقق إلا من العمليات الأساسية للشركة, فالمقياس الحقيقي للتدفقات ليس بيع الأصول أو الحصول على قروض إنما في القدرة على تحويل مخزون الشركة (ومخزون خدمات الأصول) إلى تدفقات نقدية. قائمة التدفق النقدي تقدم معلومات عن هذا التشريح.
عندما تواجه الشركة قرارات توسعية و ترغب في الاقتراض لمواجهة مثل هذه المشاريع تواجه عادة أسئلة عنيفة حول القدرة على دفع الأقساط المستحقة في الأوقات المناسبة. فإذا أظهرت قوائمها المالية تضخما في رقم الأرباح المحتجزة مع عدم القدرة على خلق النقد لتوزيع جزء منها ولفترات طويلة فإن البنك المقرض سوف يفرض تكاليف كبيرة على الشركة لإقراضها. لأن عجز الشركة عن دفع المستحقات للمساهمين على شكل توزيعات أرباح قد يشير إلى عدم قدرتها على دفع مستحقات البنك أو على الأقل سوف تواجه قرارات صعبة في إدارة النقدية.
للتغلب على هذه الإشكالية تقوم بعض الشركات بالتخلص من رقم الأرباح المحتجزة عن طريق توزيع منح على شكل أسهم ـ رسملة الأرباح - بدلا من توزيع الأرباح نقدا وذلك لتخفيف وطأة تراكم الأرباح وإخفاء عدم القدرة على التوزيع النقدي ولتقنع الشركاء المحتملين بعدم وجود مشاكل كبيرة في إدارة النقدية. المشكلة أن هذا المنح قد يؤثر في التوزيعات المستقبلية فيشكل عامل ضغط كبيرا على ربحية السهم ـ لازدياد عدد الأسهم المستحقة للتوزيعات - وإذا أخذنا في الحسبان عدم قدرة الشركة على خلق النقد لتوزيع أرباح فإن منح أسهم مجانية مؤشر غير جيد ولا معنى لارتفاع أسعار الشركات التي تعلن عن مثل هذه الخطوة ـ في المدى البعيد على الأقل.
الأخطر عندي ليس مجرد عدم قدرة السوق على قراءة وفهم قائمة التدفق النقدي بل إن تجهل الشركات نفسها أهمية هذه القائمة. أن قائمة التدفق النقدي تعد بمثابة بوصلة أعمال الشركة التي تحدد اتجاهاتها. قد تقع إدارة الشركة فريسة سهلة لمشكلة فقدان الرؤية فبدلا من أن تكون شركة زراعية مثلا فإنها توجه معظم نقديتها إلى عمليات استثمارية في سوق الأسهم كعامل جذاب ومربح لاستغلال النقد المتاح وهي بذلك تتحول من شركة زراعة إلى مؤسسة مالية. إن فقدان البوصلة يعد مؤشرا خطيرا حول مدى إنتاجية الأصول وصدق تقييمها المعلن في القوائم المالية. لذا لابد من أن تتخذ هيئة المحاسبين القانونيين وهيئة السوق المالية خطوات أوسع في التعريف بهذه القائمة وتعد دورات تدريبية أكثر على عمليات إعدادها وقراءتها. يطول الحديث عن قائمة التدفق النقدي وتبقى دليلا على أن من البيان لسحرا.
http://www.aleqt.com/admpic/88.jpg
د. محمد أل عباس - كاتب اقتصادي 06/12/1426هـ
إنها لوحة رائعة أبدعتها أياد ماهرة وتجلت فيها عبقرية فذة. عندما تتأملها فكأنما ترى لوحة من الفن التجريدي الرفيع أو قطعة ألماس ذات أبعاد أخاذة. ماذا أقول عنها إنها قوس قزح البيانات المالية تتيه بالعقل الحائر في التحولات اللانهائية من حزم الضوء المبهر إلى تجليات ألوانه. إنها السيمفونية التي تذهل كل متعامل بالأوراق المالية على تنوعها, وعلى كل مستثمر أو مقرض أن يطرب لسماعها و يتعلم فنونها. إنها مسرحية من الأدب المحاسبي لا يُمل من روايتها و ترديد أناشيد فصولها. إنها قائمة التدفق النقدي عروس القوائم المالية وأجملها. وعلى رغم هذا الجمال وسحر البيان قلما تُقرأ من المتعاملين في سوق الأسهم السعودية وقلما يُدرك ما فيها من تفصيلات تُدهش من يطلب الإفصاح ويسال عن الشفافية.
هذه الفرضية تم استقراؤها من الاهتمام الزائد عن الحد برقم الأرباح المعلن في قائمة الدخل وعدم الحديث عن التدفقات النقدية وقدرة الشركة على الاستمرار في خلق هذه التدفقات من أنشطتها الرئيسة بالذات. ومع قبول الاهتمام برقم الأرباح لابد من التسليم بقدرة الإدارة على التلاعب به عن طريق العديد من أساليب إدارة الأرباح وتمهيد الدخل وقد يغالى فيه بعمليات البيع بالأجل أو عمليات بيع وهمية ـ إذا لم يستطع المراجع الخارجي اكتشافها - أو رسملة العديد من المصروفات والفوائد. وعلى الرغم من كل هذه التحفظات على رقم الأرباح كثيرا ما يعتمده المحللون للتنبؤ بالعديد من القضايا التي تتعلق بالشركات وأسعار أسهمها.
لا شك أنه من المهم أن تحقق الشركة أرباحا. لكن درجة هذه الأهمية تختلف من مدير إلى موظف في الشركة إلى مساهم أو مقرض. وإذا كانت الإدارة تهتم برقم الأرباح لارتباطه بهيكل المكافآت, فإن القضية تختلف بالنسبة إلى الشرائح الأخرى, فالمهم ليس أن تحقق أرباحا وتعلن عنها فحسب بل في قدرتك على أن توزعها, ولن تستطيع توزيعها إلا إذا حققت تدفقات نقدية كافية. في الشركات المساهمة تعتبر الأرباح المتراكمة غير الموزعة مؤشرا غير جيد على قدرة الإدارة على خلق النقد الكافي لتوزيع مثل هذه الأرباح. قد تقوم الشركة ببيع أحد أصولها لتحقيق تدفقات نقدية لمواجهة التزامات آنية لكن المهم أن تكون التدفقات النقدية دائمة Stream وهذا لن يتحقق إلا من العمليات الأساسية للشركة, فالمقياس الحقيقي للتدفقات ليس بيع الأصول أو الحصول على قروض إنما في القدرة على تحويل مخزون الشركة (ومخزون خدمات الأصول) إلى تدفقات نقدية. قائمة التدفق النقدي تقدم معلومات عن هذا التشريح.
عندما تواجه الشركة قرارات توسعية و ترغب في الاقتراض لمواجهة مثل هذه المشاريع تواجه عادة أسئلة عنيفة حول القدرة على دفع الأقساط المستحقة في الأوقات المناسبة. فإذا أظهرت قوائمها المالية تضخما في رقم الأرباح المحتجزة مع عدم القدرة على خلق النقد لتوزيع جزء منها ولفترات طويلة فإن البنك المقرض سوف يفرض تكاليف كبيرة على الشركة لإقراضها. لأن عجز الشركة عن دفع المستحقات للمساهمين على شكل توزيعات أرباح قد يشير إلى عدم قدرتها على دفع مستحقات البنك أو على الأقل سوف تواجه قرارات صعبة في إدارة النقدية.
للتغلب على هذه الإشكالية تقوم بعض الشركات بالتخلص من رقم الأرباح المحتجزة عن طريق توزيع منح على شكل أسهم ـ رسملة الأرباح - بدلا من توزيع الأرباح نقدا وذلك لتخفيف وطأة تراكم الأرباح وإخفاء عدم القدرة على التوزيع النقدي ولتقنع الشركاء المحتملين بعدم وجود مشاكل كبيرة في إدارة النقدية. المشكلة أن هذا المنح قد يؤثر في التوزيعات المستقبلية فيشكل عامل ضغط كبيرا على ربحية السهم ـ لازدياد عدد الأسهم المستحقة للتوزيعات - وإذا أخذنا في الحسبان عدم قدرة الشركة على خلق النقد لتوزيع أرباح فإن منح أسهم مجانية مؤشر غير جيد ولا معنى لارتفاع أسعار الشركات التي تعلن عن مثل هذه الخطوة ـ في المدى البعيد على الأقل.
الأخطر عندي ليس مجرد عدم قدرة السوق على قراءة وفهم قائمة التدفق النقدي بل إن تجهل الشركات نفسها أهمية هذه القائمة. أن قائمة التدفق النقدي تعد بمثابة بوصلة أعمال الشركة التي تحدد اتجاهاتها. قد تقع إدارة الشركة فريسة سهلة لمشكلة فقدان الرؤية فبدلا من أن تكون شركة زراعية مثلا فإنها توجه معظم نقديتها إلى عمليات استثمارية في سوق الأسهم كعامل جذاب ومربح لاستغلال النقد المتاح وهي بذلك تتحول من شركة زراعة إلى مؤسسة مالية. إن فقدان البوصلة يعد مؤشرا خطيرا حول مدى إنتاجية الأصول وصدق تقييمها المعلن في القوائم المالية. لذا لابد من أن تتخذ هيئة المحاسبين القانونيين وهيئة السوق المالية خطوات أوسع في التعريف بهذه القائمة وتعد دورات تدريبية أكثر على عمليات إعدادها وقراءتها. يطول الحديث عن قائمة التدفق النقدي وتبقى دليلا على أن من البيان لسحرا.