تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حوار مع الشاعرة والمبدعة ( حنين عمر ) ..


بنت السعودية
13/01/2006, 01:47 AM
http://www.anhaar.com/./mempic/haneen_brown.jpg

أجرى الحوار : تغريد التركي


كيف تودّ الأديبة حنين عمر أن تُقدّم نفسها للجمهور؟
سأقول لهم باختصار مفيد أنها طفلة تريد أن تغير العالم لأنه لا يعجبها هكذا , مجرد طفلة تلعبُ وتحلمُ و تكتبْ لأنه بالكتابة وحدها يمكنها تحويل حياتها إلى كرات ثلج ملتهبة تحتفظ بها في الفريزر كما تحتفظ بكؤوس الآيس كريم إلى حين حزن , ولأنه بالكتابة وحدها.... يمكننا أن نصنع الأحلام والثورة .




هل لكِ أن تحدثينا عن حياتك ودراستك؟
أي حياة فيهما ؟ فأنا لدي حياتان إحداهما لإمرة تكتب في كل شيء والأخرى لإمرة لا تكتب شيئا !
أنا الابنة الكبرىِ في منزل عائلة صغيرة مكونة من أربعة افراد : امي وابي وانا واختي , ولهذا أتمتعُ بمساحة من السلطة والحرية منذ طفولتي, خاصة أنني كنتُ طفلة مدللة انتظرها والداها طويلا ولا بد أنهما ندما على ذلك حين ولدتُ وعرفا أنهما أنجبا شيطانا صغيرا...
أمي صديقة رائعة رغم خلافنا على ممارستي الأدب , هي تعتقد أن الشعر يفسد حياتي ولكنني أعتقدُ أنه يجعلها أجمل وأستغربُ كثيرا موقفها بعد أن كبرتُ وهي التي كانت تشتري لي دواوين نزار قباني و أنا طفلة , وهي التي كانت وما تزال تعشق رباعيات الخيام !
أما والدي فيعتقد أن كل إنسان له الحرية التامة ليفعل ما يريد ولهذا نشأت تحت رعايته السامية مثل صديقة لا مثل ابنة , لا أذكر مرة أنه تدخل في ثيابي أو في قائمة أصدقائي الأولاد أو حتى سألني وأنا أعود متأخرا للبيت أين كنت ِ . لأن ثقته في كانت بحجم وفائي لمبادئي ولأن ثقافته الفرنسية كان لها أثر عظيم ٌ في تكويني الداخلي .
ومنذ دخلت كلية الطب تعودتُ أن أفصل بين المرأتين اللتين تسكناني , وتعودتُ أن أعيش بين جدران غرفتي مثل قصيدة تبحثُ عن ورقة لتكتب نفسها و بين جدران العالم مثل أغنية تراثية تردد نفسها ولا تعرفُ تماما من أين جاءت !
هاتان الحالتان , أحب أن أفصل بينهما وألا تتعدى أي منهما الأخرى مع أنهما دائما متفقتان ومتمازجتان ومتطابقتان , ذلك إن الشعر والطب هما طريقتي في العيش مرتين بشخصيتين مختلفتين دون أن أكون مصابة بالإنفصام. فأنا أحب خلق توازنا دقيقا بين حياتي وحياتي , إنني أفسح لكل منهما مساحة من الحرية لتمارس ذاتها في هذا الجسد.

من هم أبرز الأساتذة الذين تتلمذت على أيديهم وتفتخر بهم ولماذا ؟
كان عمري تسع سنوات وكان عمرهُ ستين عاما...!
التقينا على رف مكتبة كادت تقتلني ذات يوم...وقرر أن يصطحبني معه , أن يعلمني كيف أقشر قلبي كالتفاحة لتأكل منه القصيدة.
كان اسمه : نزار قباني !
بدأ كل شيء بمحاولات صغيرة لصنع شيء مدهش مثل تلك الانفجارات التي يصنعها على الورق ْ وبتساؤلات صغيرة بين سطور لم أكن أفهمها جيدا وأمارس قراءتها من قبيل اللعب , لكن ما ظننته لعبة أصبح هاجسا تضخم في ذاتي وانفجر قبل أوان الانفجار...
أتذكر جيدا يوم موته, وكيف أجهشت بالبكاء وتمسكتُ بيده ليظل معي في الحلم .
أنني فخورة جدا بلقب "تلميذة نزار " حتى وإن كان لقبا يظلل تجربتي الذاتية ويجر الكثير من المشاكل خلفه والأحكام المسبقة. فقد تعلمتُ دائما أن أكون عادلة وشجاعة : عادلةٌ لأن نزار يستحقُ أن أقدسهُ وأفيه التبجيل , وشجاعة لأن الخوف هو عدو الإبداع الأول فليس يغريني أن أربح العالم وأخسر نفسي .
ثم أنني برهنتُ على خطأ نظرية كانت تقولُ بأن ارتباطي النزاري سيجعلني تجربة مكررة ونسخة مقلدة لأنني منذ البداية حددتُ ذاتي بالنسبة له , أنا تلميذته بمعني أنني كيان مستقلٌ ومرتبط به في آن واحد. لهذا توسعتُ كثيرا في ممارسة الكتابة و خضت تجربة الرواية التي أخشى أن يغطي نجاحها على شاعريتي التي امتدت من القصيدة العمودية إلى قصيدة النثر مرورا بكل المدارس المختلفة الأخرى رغم ولائي للمدرسة الجماهيرية النزارية , نزار رجلٌ رائع يحبُ تلميذته لذا يمسكُ بيدها ويأخذها في زيارات للمدارس الأخرى .

ما هي أبرز الإنجازات التي حققتها إلى الآن ؟
لم أحقق أي شيء بعد...!
أو على الأقل لا أشعرُ أنني فعلتُ كل ما خططتُ له منذ التاسعة من عمري, فمن المفترض وأنا اليوم في الثانية والعشرين أن أكون قد فتحتُ مدرسة الحب ثانية وأعدت ربط الجسور بين الناس والشعر وهذا هو ما سأعدهُ أهم إنجاز بالنسبة لي :
أن يصبح الشعر كعكا يوزع على الأطفال في شوارع وطني !
أن يصبح مادة أولية الإستهلاك مثل الخبز والقهوة... والحزن .
لكنني لن أكون جاحدة فللكتابة أفضال كثيرة عليّ. أجملها كمية المحبة التي أحاطني بها الكثيرون عبر العالم وكانت دفعا عظيما لحياتي , هؤلاء الناس من أصدقاء ومعجبين يمنحونك القوة لتواصل الطريق ويمنحونك الدفء في أيام الشتاء الباردة وكلما فتحتُ إيميلي ووجدت بعض الرسائل من مجهولين أو كلما رن هاتفي وإتصل بي صديق ما كان الشعر سببا في لقائي به نظرتُ إلى السماء وابتسمتْ !
إن أهم إنجاز في حياة الإنسان هو عدد القلوب التي فتحها وحافظ على مكانته فيها !
أما ما عدى ذلك , فلنقل أني كاتبةٌ مصابةٌ بانفلات صنابير الوحي إذ أنني أملكُ مخزونا شعريا ونثريا يكفي للخمسين عاما القادمة لو شئتُ أن أتقاعد من الآن...
أفكر أن أدخل موسوعة جينس ...أليست فكرة جيدة ؟؟؟
وأفكرُ في ثلاثة جوائز نوبل :
واحدةٌ في الأدب وأخرى في الطب وثالثة في السلام , ربما سأشتري بمبلغها جبلا من الشوكولا لكل أطفال العالم !

متى كانت بدايات الشاعرة حنين عمر ؟
بدايتي مع الشعر تعود إلى التاسعة من عمري ’ بينما بدايتي مع الكتابة تعود إلى السابعة أي قبل الشعر بسنتين , كنتُ حينها أمارسُ لعبة مسلية تتمثل في اختراع شخصيات أرسمها وأنسج حولها قصصا صغيرة .
كنتُ فأر كتب في طفولتي , ألتهم الكتب بشراهة أرنب وكأنني أبحثُ عن شيء ما ولا أعرفُ ماهو إلى إن وقع في يدي كتاب ٌ زهري صغير كان يجمع بعض القصائد لكبار شعراء العصر من بينهم أستاذي نزار الذي تغيرت بفضله حياتي وأصبحتُ شاعرة !
أو هذا ما يقولونه عني !
بدأت بالتدربُ على يديه من خلال تمارين شبه يومية ورغبة كبيرة في التفوق على صوره الجميلة ثم ما لبث الموضوع أن تحول من مجرد لعبة مسلية تكسر فراغ حياتي إلى حالة عجيبة من النزيف الشعري أحاول أن أتعايش معها بالكثير من المحبة .

*من أين تستمد الشاعرة حنين عمر موضوعات أدبها؟
الشاعر إنسان بالتأكيد , والإنسان كائن اجتماعي لا يمكنهُ أن يعيش خارج مجموعته الإنتمائية , لهذا فإن الشعر حتما هو نتيجة تأثر هذا الكائن بالمجتمع .
موضوعاتي الشعرية تأتي من كل شيء حولي , قد أجد موضوعا في كوب شاي كنتُ أجهزهُ في مطبخ بيتنا مثلما حدث في قصيدة "أحزان الشاي "
وقد أجدهُ في لعبة رأيتها في واجهة محل بيع العب مثلما حدث في نص " لعبة لطفل كبر قبل الأوان "
أو حتى في كعب حذائي الجديد مثلما حدث في رواية " إمرأة بكعب عال "
كل شيء حولي قابل للتحول إلى مادة للكتابة في لحظة ما لا أختارها ولكنها تختارني وتصب الصورة التي التقطتها على الورق عبر عدسة ألة تصوير تدعى " حنين " .
وغالبا ما تكون هاته الصورة مرتبطة بقيمتين أساسيتين في شعري هما الحبيب والوطن .
فإن كان أستاذي نزار قد تزوج المرأة والوطن فقد صغتُ لنفسي حالة أخرى :
أنا تزوجت حبيبي وأنجبتُ الوطن !

كيف ترى الشاعرة العلاقة بين كتاباتها وبين كتابات الآخرين؟
لا أعلمُ كيف يمكنني أن أجيب على هذا السؤال , ولكنني لا أجد تشابها كبيرا بين نصوصي ونصوص أخرى ربما لأنني من مدرسة لم يبق من تلاميذها أحد على الساحة الأدبية.
أنا أميل إلى المباشرة وإلى الكتابة بعفوية مبالغ فيها أحيانا.
هذا ما يراهُ بعض النقاد ضعفا وأراهُ أنا حالة صدق مع الورقة .
أنا لا أعرفُ كيف يمكن لكاتب أن يجد صبر تركيب قطع النص قطعة قطعة وأن يفكر أكثر من دقيقتين في كل جملة أو أن يكتبَ ويراجع ويكتب ويراجع ويختار الألفاظ وكأنما هو مهندسٌ معماري يشكل بناءا هندسيا.
إنني نافذة الصبر ودائما على عجلة من حبري...
أضع الورقة أمامي وألغي عقلي ثم اكتبْ دون وعي وكأنما هناك من يتقمصني لحظتها ويستعير يدي لبضع لحظات .
ولولا أنني أجد نفسي فيما كتبتُ لهرعتُ إلى حلقات الزار لأستخرج الجنية التي تسكنني...تلك جنية الكلمات التي لا أعرفُ من منا تلبس بالآخر.
ولعل أجمل شيء فيما أكتبه هو تلك البصمة الواضحة والمميزة التي قالت عنها أختي ذات يوم حين تذمرتُ من السرقات الأدبية التي تحدث في هاته الإيام ,
لقد قالت لي : " لن يسرقك أحد...فأي شخص يقرأ نصا لك ِ يعرفُ أنهُ لك قبل أن يصل إلى الإمضاء ,أنت ِ موجودة بين السطور وبي شعورٌ دائما أن جملك ِ تهتف باسمكِ "
شهادةٌ أعتزُ بها من أختي التي لا تحبُ الأدب ولا الأدباء !

كيف ترى الشاعرة العلاقة الجدلية بين مجال عملها وبين أعمالها الأدبية؟ وهل لتخصصها في الطب انعكاس على كتاباتها؟
أعتقد ان معظم الناس يحكمون على الطب بشكل خاطئ , هم يعتقدون أنه لا علاقة بين الأدب والطب وأنا أعتقدُ أنهما أكثر ارتباطا ببعضهما من الجرح والنزيف .
الطب يجعلني قريبة جدا من الألم الجسدي والشعر يجعلني قريبة جدا من الألم النفسي وبالتالي يمكنني أن أطوق الحالة الإنسانية بشكل مدهش !
أما الانعكاس فهو بالتأكيد واضحٌ جدا في بعض قصائدي حيث يكثر استعمالي لكلمة " النزيف " مثلا أو من خلال عنوان ديواني " الحب في زمن الآيدز ".
أو حتى من خلال حلقات قصصية بعنوان " أيمرجنسي " كنتُ جمعتُ بها كل القصص الواقعية التي شاهدتها خلال عملي في قسم الإستعجالات والجراحة .
هناك أيضا روايتي المنشورة عن دار الكتاب العربي سنة 2003
– حينما تبتسم الملائكة-
والتي تدور احداثها في مستشفى ببغداد وتسردها طبيبة عراقية تطوعت فيه أثناء الحرب الأخيرة إضافة إلى الكثير من الأعمال الأخرى التي تنتظر أعين ناقد سيشرحني ويكتشف تلك الانعكاسات...ليكتبُ في تقريره الشرعي أن سبب حياتي : أغنية ٌ قلبية !

هل ترين أن العمل الأدبي سواء أكان شعراً أم نثراً يُعبّر عن همّ الوطن بصورة واضحة؟
يظل الوطن عصفورا أخضرا ينام بين أجفاني !
إن الكتابة عن الوطن هي الكتابة عن الذات , عن الأحلام , عن الماضي وعن الأتي وعن الانتماء والهوية .
أشعر أن الله يحبني إذ أنه منحني اثنين وعشرين وطنا .
أشعر أن الله يحبني لأني قادرة على العشق والكتابة .
إن ما يمر به الوطن في هاته الفترة هو الهاجس الأكبر الذي يتجلى على الورق فلا يمكننا أن نحب في المنفى ولا يمكننا أن نكتب في المنفى ولا يمكننا أن نحلم في المنفى ...هناك دائما وطنٌ ما نحمله بداخلنا .

هل الموهبة برأيك هي أساس النتاج الأدبي أو التي تخلق الأديب المبدع أم للتعليم والثقافة دور في ذلك؟
الموهبة برأيي هي القاعدة الأساسية للحالة الشعرية إذ أن التعليم والثقافة لا يصنعان الشاعر بأي حال من الأحوال ما لم يكن بداخله ذلك الشيء المدهش الذي يسمى الإبداع !
لربما مشكلتنا الحالية في المجال ألأدبي هي كوننا نعتمد كثيرا على الأكاديمية ونهمل الجانب الروحي في النص .
إننا نقيس الإبداع بعدد الكتب التي قرأها الكاتب وعدد المهرجانات التي حضرها وعدد الجوائز التي حصدها وبعدد سنوات عمره , لهذا أفكر في الحصول على شهادة ميلاد تثبت أن عمري مئة عام حتى يسمحوا لي بالكلام .
إن الوسط الأدبي يطلب منا أن نأخذ الجمل ونحللها ونفككها ونفسرها كأنها مادة جامدة نركب منها دواءا ما لمرض الجنون بينما هي الجنون بحد ذاته !
لهذا أحب أن أكتب بحرية وألقي عرض الحائط بكل شيء .

ماذا يعني الأدب للشاعرة حنين العمر ؟
الأدب بالنسبة لي هو : ألة تصوير
ألتقط بها الجمال على الأرض وأصنع منه لافتات كبيرة أزين بها شوارع العالم الحزينة .

*ماذا تعني الهُوية للأديبة لــ// حنين عمر؟ وماذا يعني الآخر بالنسبة لها؟
الهوية هي بيت وأهلٌ وأحلامٌ دافئة أيام الشتاء !
لهذا ربما لي هوية غريبة بعض الشيء فأنا البحريةُ التي تنتمي لجزيرة النوارس ...وأنا النهرية التي تنتمي لأرض النخيل .
بين العراق الذي ينادي علي والجزائر التي تدفعني نحو المراكب أجد نفسي امرأة تمتد من المحيط إلى الخليج ...وتشبه حلم الوحدة العربية !!!
لكن..أنا لي هوية واحدة ٌ في النهاية : أنا من رعايا المحبة
الآخر بالنسبة لي : أنا بشكل مختلف .
وحياتي عبارة عن رواية أحاول كتابتها بأفضل شكل ممكن, فيها أنا شخصية ٌ ثانوية تستمتعُ بتقمص دور القصيدة وكل الآخرين حولي هم الشخصيات الرئيسية .

ما هي الأخلاقيات الأدبيّة التي يجب أن يلتزم بها الأديب في أدبه؟ وهل التزمت الشاعرة حنين عمر بهذه الأخلاقيات؟
أعتقدُ أن الأديب مسؤول أمام الله وأمام الناس عما يكتبهُ .
إن كتابة عقدنا النفسية على الورق جريمة بحق كل الذين سيشربون من كتاباتنا وتصيبهم العدوى. لهذا فانا مؤمنة جدا بضرورة وجود رسالة معينة وذات قيم سامية في النص وهذا بعيدا عن الالتزام .
فأنا لستُ أؤمن بالأستاذ تابوا الذين يدعون كسرهُ ولستُ ألتزم بأي شيء لأني أكره أن يقيد أي شيء حريتي .
أنا أكتبُ ببساطة ما أعتقدُ أنه يملكُ معنا ما قد يفيد شخصا ما في زمن ما !
إنني أكتبُ حنين عمر فقط , وحنين امرأة طيبة أحترمها كثيرا وأقدر فيها طفولتها الدائمة وأحلامها المجنونة
هي امرأة تحترم ُ نفسها وتحترم الآخرين, هي لم تلتزم...ولكنها أصيبت برؤية مثالية قضاء وقدرا !

بماذا تتميز أعمال الشاعرة الأديبة؟ وما هي الخصائص الفنية التي التزمت بها الشاعرة حنين العمر في كتاباتها؟
لعل ما يميز ُ أعمالي الأدبية هو الإرتباط العميق بالرومانسية من جهة وبالوطن من جهة أخرى فمن الصعب علي ألا أكتب غزلا في كل شيء وأنا تلميذة أكبر شاعر غزل عربي .
أما الخصائص الفنية فلم ألتزم أبدا بأي شيء , لأن حالة الكتابة لدي تأتي بشكل عفوي ومباشر لا تتدخل فيه حواسي الأخرى .
إنما الملاحظ في نصوصي هو تأثير شاعريتي على نصوصي الروائية مثلا ’ حيث أنني في الكثير من المقاطع السردية أستسلم للشعر ’ حتى أني اندهشتُ في رواية " رائحة الدم " حين لاحظتُ أن الصفحة الأولى منها جاءت شعرا موزونا مع أنني كنتُ أكتبُ نثرا لحظتها أو هكذا خيل لي !
إن كتابة الرواية عندي هو كتابة قصيدة طويلة .

من هم الأدباء الذين تأثرت بهم الشاعرة حنين العمر؟
طبعا تأثرتُ بالكثير من الأدباء بعد أستاذي نزار قباني – أسكنه الله في فراديس الفرح- ولكنه ُ كان تأثيرا غريبا تعاملتُ معه بالكثير من الندية و التحدي .
كنتُ أقرأ قصيدة الشاعر بعين الرقيب الذي يريد أن يلتقط الهفوة لكي لا يقع فيها وأقرأ الرواية وأحاول أن أتخيل نهاية أخرى لها حين لا تعجبني النهاية .
لقد كنتُ أقرأ كثيرا في طفولتي
و أنتقد كثيرا أيضا .
لي نص أحتفظ به في مكان ما من مكتبتي أتحدثُ فيه عن نظرة المنفلوطي المتشائمة للعالم ومن المضحك أن النص يبدا بجملة أحفظها : " ما تمنيتُ أن ألتقي برجل مات قبل أن ألتقيه كما تمنيتُ أن ألتقي بالمنفلوطي لعلي أغير له نظرته للحياة "
أضحكُ كلما تذكرتُ أن طفلة في الثانية عشرة تطمع في تغيير تفكير المنفلوطي !

ما هي الأعمال التي صدرت للشاعرة حتى الآن؟ وهل ستصدر أعمالاً أخرى؟
قبل سنتين صدرت لي رواية حينما تبتسم الملائكة ولي عدد من الأأعمال تحت الطبع ولكن مشكلتي تتلخص في كوني أسرع من دار النشر بكثير, مثلا ديواني الذي سيصدرُ عن دار الراية بالسعودية قريبا تحت عنوان " أريدُ أن أحبكَ " هو الديوان السادس عشر في لائحة أعمالي و قد كتبتُ بعدهُ عشرة دواوين أخرى وهو ما زال لم ينشر .
لقد وزعتُ بعضا منها على بعض الدور ومازلتُ أملك الكثير من الروايات والأعمال التي قد يكون الحل الأفضل هو انشاء دار نشر افتراضية خاصة بي على موقعي الخاص لأتمكن من حل مشكلتي .
وإن حصل وتحقق المخطط الذي في رأسي فإن عدد أعمالي التي ستنشر سيكون مخيفا.

قلتِ " لقد بنى من سبقوا جيلي من أدباء بيتا كبيرا جدا احتل كل شبر من ارض الادب العربي فارجوا ان يسمحوا لي بتغيير ديكوراته قليلا"
فماهي الأشياء التي تودين تغيرها ؟
اريد تغيير الكثير لو يسمحون !
أو حتى دون أن يسمحوا...!!!
فأثاثنا بات قديما وخزائننا اهترءت وأسرة لويس" الشيء عشر" ليست على الموضة الآن , فليدعوني أملأ المكان بالمزهريات وأشعل الشموع المعطرة و أضيف للبيت تلفازا ضخما لنشاهد أنفسنا فيه بعد أن نصبح أهم من مطربات الدرجة الثالثة.
أريدُ كمبيوتر وانترنت في بيت الأدب و حلقات نقاش حميمة حول أكواب الشاي الشهية والكعك الأسمر المحلى بالشوكولا .
أريدُ أن أطور نظام التدفئة ونكف عن إحراق الورق في المداخن لأن ماء المحبة سيسري في جهاز التدفئة المركزي .
أريدُ أن أدهن البيت بالألوان الفاتحة وأركب ورق حائط ملون و أسمح للأطفال بأكل البيتزا في الصالة .
أريد أن يصبح البيتُ ملائما للعصر وملائما لجيلنا ومريحا للقصيدة .
أريدهم أن يكفوا عن الحرب ويسمعوني قليلا :
" بدل أن تتجادلوا على ماهية الأدب الذي هو من علم ربي و تتقاتلوا على المناصب الأدبية و تتناحروا في صراعات اليمين واليسار, حاولوا أن تصنعوا منه شيئا مفيدا كالمضادات الحيوية مثلا ...ففيروسات الخيبة تأكلنا"

علاقتكِ بالشعر تقتصر على (( جنية الكلمات )) ,, إلى أين يصل هذيانكِ في الشعر ؟
" جنية الكلمات " لقب أعتز به جدا لأنه يشمل عالمي الأدبي كله بشعره ونثره وقد حصلتُ عليه بسبب شك بعض الأدباء في حالتي الذهنية وفي كوني مصابة بمس من الجن ينعكس علي بالكتابة .
ثم ما لبثتُ أن تحولتُ إلى الجنية بذاتها ,
فالأعترف : أنا فعلا جنية ٌ ولكنني جنية ٌ طيبة مثل جنيات الحكايات أعاقب السيئين واكافىء الطيبين
وأكتبُ ...لأن الكتابة تشبه السحر كثيرا !

ترين نفسك ِ مختلفة عن الآخرين وقد قلتِ أن اختلافكِ كان " نتيجة سلسلة تصادمات مع العالم في مواضع اعتاد الأدباء وغير الأدباء على تقبلها...انا هكذا والعالم هكذا لا يعجبني " , فماهي الصدمات التي واجهتيها ؟؟؟
هناك اغنية للساهر أعشقها تقول " قلبي معود عالصدعات "
لقد انصدمت ُ أكثر من مرة في حياتي فالأشياء ليست كما تبدو دائما من الخارج .
أنا بطبعي امرأة عصبية ومتمردة وعنيدة كسنجاب بري , لا أسلم بالأشياء كما هي ولا أترك الإجابات دون أسئلة . حتى حزني أحب نسج علاقات ودية معه طالما أننا مقدران على بعضنا .
أنا غير قادرة على ممارسة النفاق الإجتماعي وصراحتي تسبب لي المتاعب دائما وغير قادرة على السير في تيار الحياة كما يشاء التيار لا كما أشاء أنا .
إنصدمت ُ في أناس أحبهم!
وفي أحلام أحبها !
وفي قضايا آمنت بها !
وفي جسدي المؤنث الذي أدركت بسرعة أنه ولد بإثم لم يقترفه حاملا صليب اللعنة على كتفيه !
وفي شاعريتي التي يسخر الناس المحيطون بي منها !
و في قدرة الحب التي أراهن عليها وأعرف مسبقا أن خيولي ستخسر لكنني أتشبث بمعجزة ما قد تجعل هذا العالم أجمل !
أكبر صدمة في حياتي كانت رمادية : العالم الذي كنت أعتقد أنه أبيض وأسود كان في الواقع رماديا ومليئا بالا معنى !
فإلى غاية سن متأخرة - ربما العشرين- كنت مازلت ُ أعيش فوق غيمة طفولية ببساطة وعفوية ساذجة و لكن وجه العالم ما لبث أن انكشف لي بكل القبح الذي فيه .
أما الجميل ُ الذي فيّ فهو أنني لم أستلم , مازلت ُ أقاوم من أجل إقناع هذا العالم بإجراء عملية تجميلية !

قلتِ انكِ من مدرسة الحب فمن صانعها أذن؟
صانع مدرسة الحب هو أستاذي نزار طبعا...وما أنا إلا تلميذته التي تمردت يوما فعاقبها وجعلها شاعرة !
مدرسة الحب كانت موجودة منذ الأزل ولكن هذا الرجل شيد بنائها وحدد منهاجها وجمع الآف التلاميذ فيها بل و منح وظائف فيها لشعراء آخرين !
أحن أحيانا إلى غرفة الصف...إلى الطاولة وإلى زملائي !
أحن ُ إلى صوت أستاذي نزار قباني وهو يهمس :
لست بحاجة إلى ثورتي لتغيري هذا العالم
ولست بحاجة إلى شعري لتغيري لون البحر
فمن أنوثتك يبدأ كل شيء وبأنوثتك ينتهي كل شيء !
نزار قباني
- سايكولوجية قطة-

تجربتكِ مع الرواية ماهي ؟
لا أعلم بالضبط كيف نزلت علي تلك الفكرة المجنونة ولكنني في الثانية عشرة من عمري قرأت رواية للمنفلوطي عنوانها " الفضيلة " ولأن عقلي الصغير رفض نهايتها التي لم تكن تتفق مع مبادئ عالمي التي تقول :
أن الطيبين هم من ينتصرون في النهاية
فقد قررت ُ أن أصحح خطأ المنفلوطي – حسب اعتقادي وقتها- وأعدت كتابة الرواية بنهاية سعيدة.
ثم فجأة جاءت رواية طريق العودة التي كتبتها في نفس السنة وكانت انعكاسا انذاك للوضع الدموي الذي تعيشه الجزائر إلا إن الأحداث كانت تتداخل ببعضها بشكل غريب .
ثم بدأت طريقا طويلا مع الكتابة الروائية اخترعت خلاله أكثر من أربعين عملا لم أنشر منها إلا عملا واحدا لأسباب تاريخية مرتبطة بحرب العراق .
أما آخرها فعنوانه " رائحة الدم " الذي يتناول أحداث عمان الأخيرة و أفكر في نشره قريبا برغم أنه سيؤكد الاتهام الأول الذي حدث بعد نشر روايتي عن حرب الخليج الأخيرة : " حينما تبتسم الملائكة " والذي يدعي أنني أكتب أدبا سياسيا يرتبط بالكوارث العربية .

هل لك نصوص قصصية ؟
لي عدد صغير من القصص , بحيث لا يتعدى مجموعها حوالي الثلاثة والثلاثون قصة جمعتها في ثلاث مجموعات أفكر في نشر إحداها . وربما قلة إنتاجي القصصي له علاقة بكوني أهتم كثيرا بتفاصيل الشخصيات .
بيد أني أحب الكتابة النثرية جدا و أسهب في حياكة الخواطر والنصوص الرومانسية التي لا تعني بالضرورة شيئا سوى حالات شعرية منثورة , أفكر أيضا في جمع كل هذه الحالات في مجموعتين أو ثلاث نظرا لكثرتها .

هل ترين نفسكِ شاعرة ام قاصة أم روائية ؟
ربما أنا شاعرة , مادامت الشاعرة بداخلي هي المسيطرة على ذاتي وتفكيري في أغلب الأحيان ولكنني أعتقد أن الجدار الفاصل بين النثر والشعر قد انهار في كياني : لعلها البروسترويكا التي تنبأ بها أستاذي نزار !

ما هي أنواع الكتب التي تجذبك وتجد متعة في قراءتها ؟
أحب كتب الحكايات القديمة التي تكون غالبا مليئة بالسحر والغرابة وتدور أحداثها في غياهب ألف ليلة وليلة , تلك الكتب تريحني وتمنحني مساحة أخرى للحلم !
الأدب الواقعي الذي أقرأه لأعرفه فحسب لا يستهويني من الناحية النفسية بشكل عميق لأنني امرأة حالمة تميلُ إلى الجنون.
روايتي المفضلة هي : حدائق النور لأمين معلوف , لطالما تعاطفت مع ماني !
ثم إني أقرأ حنين عمر أحيانا ...أشعر أنه يمكنني أن أعرف منها الكثير !

هل اختصرتِ طريقك على الأدب ام ان للمجالات الاخرى مصدر من اهتمامك؟
أمارس الرسم أيضا أضافة للأدب ولكنه يظل سري الصغير و حدائقي الخفية , لقد كان لدي الكثير من الهوايات الأخرى التي كنت أمارسها في الماضي قبل أن يحتل الشعر كل وقت فراغي .
أحب أن أغوص في كل المجالات التي فيها خيال وجنون ومساحات حرية وابتكار تستهويني .
الصحافة أيضا تستهوي فضولي ولكنني أريدُ مساحة حرية !
والحرية كانت سبب خيبتي في الصحافة , كنت أمارسها هاته الأيام عبر جريدة " التعبير " الناطقة بالفرنسية و اكتشفت ُ أن الأمر ليس ممتعا كما توقعت ْ إنما هو مليء بالمتاعب والضغوطات النفسية ...
يا إلاهي كم الصحافة متعبة خاصة حينما نصادر صوتها الشاعري ونضعها في قوالب متحجرة تجبرك أن تكتب بموضوعية خرقاء !

ما هي أهم الدوريات التي نشرت فيها ؟
نشرتُ في الكثير من الصحف والمجلات العربية والأجنبية ولكن هنالك بعض المجلات التي تظل مرتبطة بذكرى جميلة لدي :
مثلا الإتجاه الآخر حيث ينشر" أحمد مطر" وقد كان الأمر مفاجئا بالنسبة لي لأنني لم أكن على علم بعملية النشر ولا بكيفية وصول النصوص إليهم !
ثم نشرت بعض أعمالي في مجلة نصف السماء الإيطالية , هناك تمت ترجمتي فيها إلى الإيطالية لأول مرة .
وطبعا لا يمكن أن أنسى مجلة أنهار الإلكترونية لسبب يجعلني دائما أبتسم كلما فتحت موقعها :
قبل حوالي خمس سنوات صادفت المجلة على النت واعجبني الموقع جدا, كنت حينها ما أزال نكرة في عالم الأدب ولكنني قلت لنفسي أنني في يوم ما سأحصلُ على مكان مع هؤلاء الأدباء في هذا الموقع وقد تحققت تلك الجملة التي قلتها في ذلك الوقت على سبيل الدعابة !
هناك أوراق تمتصنا ولا يمكننا أن ننساها , في العراق , في السعودية وحتى في اليمن وفي الأهالي المصري الذي كاد يغمى علي من الفرح حين رٍأيت صورتي فيه .
وطبعا هنا في الجزائر مثلا في جريدة الشعب , و في مجلة الثقافة التي تعد أهم مجلة على الصعيد الأدبي الجزائري وقد انتزعت بجدارة مكانا في عددها القادم مع اكبر الأدباء الجزائريين.
وطبعا هناك موقع فضاءات و موقع كاريكادنيا وموقع الحوار المتمدن حيث أني أدين لهذا الأخير بالكثير من الأشياء ...بل و أقمتُ مع حزمته الضوئية علاقة صداقة مذهلة !

يلاحظ في مسارك التعليمي كما في إنتاجاتك تنوعا كبيرا ومرورا من حقل معرفي لآخر، ما السبب في ذلك؟ هل يعود ذلك إلى رغبة مقصودة في تعديد خلفيات تكوينك وتنويعها أم أنه محاولة دائمة للبحث عن ذات لا تجد نفسها أبدا ؟
أعرف ُ أين حنين , أعرف جيدا كيف تفكرُ وماذا تريدُ وكيف تتصرفْ , تلك المرأة ليست صديقتي فحسب...إنها أنا !
والتنوع الذي يلاحظ عليها راجع لسبب بسيط هو رغبتها الطفولية في معرفة الإشياء واكتشاف العالم , إنها لا تفعل ذلك قصدا إنما فضولها يجرها نحو الأسئلة !
وفضول الأجوبة يجرها نحو القصيدة !

تجيدين اللغة الفرنسية فما محل الترجمة من الإعراب داخل كل هذا ؟
اللغة الفرنسية في الجزائر تسير جنبا إلى جنب مع اللغة العربية , إنها ضرورية للحياة العامة , وأنا تشربت بالثقافة الفرنسية منذ طفولتي بفضل والدي الذي كان يتمنى أن أميل إلى الفرنسية أكثر من العربية وكنت أحاول أقناعه بأني كذلك فأقرأ بودلير وهوجو وكل ما يقع بين أناملي من أدب فرنسي حتى لا يشعر أنني ابتعدت ثقافيا عنه .
لي بعض الأعمال الشعرية باللغة الفرنسية والسردية أيضا ولكنها تظل قليلة جدا بحيث لا يتعدى الأمر ديوانين ورواية واحدة , أما الترجمة فقد أقوم بها عند الضرورة أو من اجل متعتي الشخصية ذات يوم.

ماذا عن ترجمة النصوص الإبداعية ؟ الم تحاولي دخول للعالم الترجمة ؟
في الحقيقة لم أفكر في ذلك أبدا رغم كوني منتمية لجمعية واتا للترجمة التي أتعلم منها الكثير هاته حاليا ,غير أني قد أفعلها ذات يوم إن وجدت وقتا كافيا لممارستها .
أفكر في ترجمة شيء قوي يقنعني بأنه يستحق أن أمنحه للناس وربما سأختار أديبا فرنسيا أو عالميا لأقوم بذلك إنما المهم هو أن يكون النص قريبا من روحي .
أما في الوقت الراهن فأكتفي بكوني أنا الأديب الذي يترجم ُ إلى لغات أخرى , فلذلك نكهة خاصة : و إلى الآن تم ترجمة نصوصي إلى الأ يطالية و الفرنسية والإسبانية ,انتظر لغات أخرى... أريد أن أصل إلى أناس أخرين وثقافات أخرى !
يسكنني هاجس الذهاب حيث لم يذهب أحد !

نعود إلى الثورة الرقمية ، كيف تقيم المشهد الثقافي العربي في الأنترنت ؟
أحيانا أتسائلُ : ماذا لو لم توجد الإنترنت ؟
يا إلاهي !!!
كم كان العالم سيبدو كئيبا بالنسبة لي ...
بالتأكيد لن تكون هناك حنين عمر ولن تحصل أي معجزة في حياتي وربما كنت سأموت اختناقا بجرعة شعر زائدة لم أجد مكانا لأصبها فيه !
إن الإنترنت هي أروع اختراع في العالم , شيء يشبه السحر الذي حول العالم إلى قرية صغيرة وجعل لنا أحلاما بحجم المعجزات .
أما المشهد الثقافي العربي على شبكة المعلومات فيشكل هوية جديدة وتفكيرا جديدا وحالة جديدة علينا أن نستفيد منها بشكل مهول لبناء حضارة أعظم من حضاراتنا القديمة وأعتقدُ أن عدد المنتديات الأدبية الحالي مؤشر حسن على ارتفاع حمى الكتابة و هي حالة صحية مائة بالمائة !

هل تعتقد ين أن المبدعين العرب من أمثالك قد نالوا حقهم من الأضواء أو الانتشار؟
أتذكر سؤالا كان في مقال صديق لي كتبه منذ زمن وكان عنوانه :
لماذا يعرفون روبي ولا يعرفون حنين ؟
أجبته حينها أن روبي تفوقت علي في كم الجمهور ولكنني تفوقت عليها في كيفه فذائقة من يعرف الشعر أسمى بالتأكيد.
وأضفتُ يومها أن رقصتها تدوم خمس دقائق على الشاشة وأن رقصتي تدوم إلى الأبد في الورق !
لكنني أمام سؤالك وبعد ثلاث سنوات من هاته الحادثة أقول :
مادمت ُ لا أملؤ صالة ألبرت هال كما قد تملؤها مغنية راقصة فأنا مازلت أعيش في الظلام !

هل ترين أن للإبداع حدوداً كما يقول البعض، وأن ما يحدث- من مصادرة الكتب الإبداعية - مجرد ضبط للأمور ليس أكثر حتى لا يتجرأ أديب على إهانة الذات الإلهية؟
أعتقد أنه ما من أحد سيحاسب عن أحد , بالنهاية كل شخص مسؤول عن ذاته أمام الله وعن افعاله وبالتالي لإغن مصادرة الكتب لا تعني مصادرة الفكرة من ذهن الكاتب , الأإثم يظل موجودا .
لكن لي ملاحظتان على ما يحدث في الساحة الأدبية فمن ناحية نجد أن منع تلك الكتب خدمة لها على حد أن : كل ممنوع مرغوب .
هذا فيما يخص الكتب التي فعلا فيها أشياء لا يجدر أن تطبع كمادة يستهلكها الناس لأنها قد تتسبب في تسمم الفكر الإنساني , أما من جهة ثانية فأحيانا أجد أن التزمت والتقولب والتعلب الفكري الذي يمارسه بعض الناس الذين يصادرون الفكر الانساني ويتهمونك بالكفر لمجرد أنك قلت في لحظة ما ما يفكرون به احيانا ولا يقولونه قد آذى الكثير من الحركات الاإبداعية وحد سقف تطور الأدب , وبالتالي فإ نه من الضروري ضبط الإيقاع جيدا...ولا نعزفُ لحنا لمادونا وراء أم كلثوم !

لن يحد من حرية المبدع إلا حرية النقد، فهل من حق أيّ شخص إرهاب عملية إبداع شخص آخر من خلال النقد؟
أتذكر أستاذي نزار حين قال : الناقد رجل شرطة يطارد الشاعر بين أوراقه , وأنا مجرمة معترفة بجريمة الكتابة .
إن النقد البناء والموضوعي – وهو نادر هاته الايام - يكون غالبا في مصلحة الكاتب , ولكننا نفتقر كثيرا إلى هذا النوع الراقي من التعامل بحيث أصبح الناقد يرجم بالحجارة كل من لا يعجبه...أما من يعجبه فيرجمه بالتفاح !
إن الناقد الجيد ضرورة حتمية على الشاعر أن يمر بها كما يمر شاب يحلم بالشهرة من خلال لجنة السوبر ستار !
وعلى من يؤمن بذاته...
أن يغني دائما ولا يهتم بأي شيء : فمن الورود عرفت حجم صوتي ومن السكاكين عرفت أبعاد جسدي .

كيف تعامل النقد الأدبي مع أعمال حنين العمر؟
بالواقع أنا أحدد كثيرا معاملاتي مع النقاد بحيث لي أشخاص معينون أثق بهم وبنقدهم و هم يتعاملون معي أحيانا بقساوة ولكنها تكون غالبا في مصلحتي فأنا اثق كثيرا بهؤلاء الذين لا ينقدونني على أساس صداقة أو مجاملة أو تعامل أخر خارج النص !
لهذا فأنني خارج هذا الإطار لا اهتم كثيرا بالنقاد الذي أضحوا في أحيان كثيرة مجرد انعكاس لنفسيات مريضة ومتملقة ومهووسة.
بل وإنني أشاكسهم أحيانا و أمارس الإرهاب عليهم من خلال بعض النصوص المتفجرة في " نقد النقد" !

برأيك لماذا لا توجد نظرية عربية في النقد الأدبي؟
لا توجد نظرية عربية لسبب بسيط جدا , هو كون العربي شاعر غريزيا وبالتالي فلا يمكن لأي أحد أن يكون داخل وخارج الحيز في آن واحد .
الشاعر شاعر والناقد ناقد وهذا هو المتعارف عليه لكننا الآن نقع في لبس الوظائف واختلال الصور والثوابت...
هذا إضافة لكوننا نحن العرب نحس أكثر مما نفكر ونستعمل قلوبنا أكثر من عقولنا وهذا يحسب لصالحنا إن أردنا مقارنة خلفياتنا النقدية بخلفيات اجنبية :
الناقد الذي يحس عاجز عن وضع النظريات ولكنه الأفضل في اقتناص القيمة الحقيقية.
ثم إنني لو شئت أهدم كل هذا لقلتُ أنه لا يوجد نظريات ثابتة في النقد أصلا...لأنه لا يرتبط مهما حاولنا مغالطة أنفسنا بالموضوعية بل إنه حالة تماه في حالة تماهِ أخرى ببساطة !

قال مستشرق ألمانيّ إن الأدب العربي كله عبارة عن استنساخ أعمال الأدب الغربيّ ونقلها إلى الأدب العربي ّو إن الأدب العربي يتوقف عند أعمال الجاحظ . . فما رأيك ؟؟
رأيي أنه يجب أن يستشير طبيب عيون ليستطيع التركيز أكثر في القراءة !
صحيح أن الرومانسية بدأت تتقلص وتموت في الأدب العربي، وظهرت بشدة النظرة الواقعية ؟
اعتقدُ أن هناك الكثير من الرومانسية الصامتة, تلك التي لا تعبر عن نفسها بقصيدة ما في دفتر ما إنما بدمعة ما في جفن ما .
تلك الرومانسية الحزينة التي نمارسها قهرا لا طواعية وتغوص بنا إلى الأعماق البعيدة دون أن نعلم تماما ما الذي يجعلنا نكتب للحب رسائل طويلة تبدأ بـ " أحبكَ " وتنتهي " بـ " أحبكَ ".
لهذا...أنا شاعرة غزل !
ولعلي سأعترف اعترافا خطيرا هنا وأقولُ أن مساحة الحب في العالم تتقلص على أصابع الأدباء الذي أصبحوا يمارسون الكتابة بشكل عشوائي ومضر بالصحة لهذا اهتم كثيرا بما ورائية النص .
ماذا بعد الكتابة ؟
وأهتم أكثر بصدقه و تشكيله الإنساني و حجم البصمات التي يتركها على الذات الأخرى .
لست مع النظرة الواقعية حد الموت , إنها تعكس بشاعة الدواخل المتجمدة وتجرح أحلامنا وتتركها نازفة البكاء , فالشاعر أو الأديب عموما مهمته أن يصور الجمال إينما كان لا أن يتحول إلى جريدة إخبارية تردد دائما أننا لسنا بخير !
نحن نعلم أننا لسنا بخير !
فليصغ لنا ذلك بطريقة جميلة و ليقل لنا : إن الحب بخير على الأقل !

ما هي أهم القيم التي تدعين لها في كتاباتكِ؟
أنا ادعوا إلى الله, الوطن والحب !

كلمة اخيرة لمجلة انهار ؟
اقول لها...ذات يوم صادفتك و ذات حب صادفتني فلتبق اذن نهرا من الحب يجري على اصابع هذا الفضاء الذي ضاق في دفتري وانزلق نحو المتهات البعيدة اقول لها كل عام وانت انهار...وما احوجنا الى مياهك تسيل فوق اصابعنا وتغسل الصحراء.

منقول انتهى

عصام شبير
17/02/2006, 02:47 PM
شكرا لك بنت السعودية على الموضوع الرائع