صقر الجنوب
17/01/2006, 12:46 PM
صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية.. الواقع القياسي اللافت.. والرؤية المستقبلية
http://www.aleqt.com/admpic/4.jpg
عبد الحميد العمري - - - 17/12/1426هـ
اعتدنا في "الاقتصادية" تسليط الضوء بشكلٍ أسبوعي على أداء صناديق الاستثمار السعودية في سوق الأسهم المحلية، ونظراً لتوقف السوق عن العمل من منتصف الأسبوع الفائت وحتى منتصف هذا الأسبوع، ما ترتّب عليه عدم وجود مستجدات على أداء الصناديق الاستثمارية المحلية، أحببنا تسليط الضوء هذا الأسبوع بصورةٍ تعريفية على نشاط ووظائف تلك الصناديق الاستثمارية، والأداء المتوقع لها خلال عام 2006، آملاً أن يجد القارئ الكريم فيها الفائدة المأمولة.
كيف نشأت فكرة صناديق الاستثمار ؟
تعود فكرة إنشاء صناديق الاستثمار إلى سنواتٍ قديمة جداً، وقد مرّت بالعديد من التطورات والتغيرات التي طرأت على عالم الاقتصاد والمال في العالم حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. وقد بدأ تنفيذ فكرة صنايق الاستثمار على مستوى العالم في أوروبا وتحديداً في هولندا التي ظهر فيها أول صندوق استثماري في 1822، تلتها إنجلترا في عام 1870. غير أن البداية الحقيقية للصناديق الاستثمارية بالمفاهيم القائمة الآن تحققت في الولايات المتحدة عام 1924، وذلك حينما تم إنشاء أول صندوق في بوسطن باسم Masochists Investment Trust على يدِ أساتذة جامعة هارفرد الأمريكية، واستمرت بعدها في التوسع والتنوع حتى وصل عددها بنهاية 2005 إلى 56.1 ألف صندوق، بصافي أصول استثمارية فاق 62 تريليون ريال "16.4 تريليون دولار أمريكي"، يوجد نحو53 في المائة منها في أوروبا ، ونحو 14 في المائة في الولايات المتحدة، ونحو 12 في المائة منها في كوريا الجنوبية، ونحو 21 في المائة موزعة على بقية دول العالم. وتعد البنوك السعودية صاحبة التجربة الأولى في منطقة الشرق الأوسط في مجال إنشاء الصناديق الاستثمارية، حيث بدأت في تأسيسها وإدارتها عام 1979 من خلال إصدارها العديد من الصناديق الاستثمارية المتنوعة حتى وصل عدد صناديق الاستثمار السعودية إلى 200 صندوق استثماري بنهاية عام 2005 بإجمالي أصول تناهز الـ 130 مليار ريال تشكّل نحو 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
أنواع صناديق الاستثمار
تعددت أنواع الصناديق حسب رغبات وأهداف المستثمرين وحاجاتهم، كما اختلفت أنواعها حسب الأسواق التي تدار فيها، غير أننا سنركز على نوعين من التقسيم الأول تقسيم الصناديق حسب سياسة الشراء والاسترداد، أمّا النوع الثاني تقسيم الصناديق حسب السياسة الاستثمارية. فبالنسبة للتصنيف الأول الخاص بتقسيم الصناديق حسب سياسة الشراء والاسترداد فإنه ينقسم إلى نوعين رئيسين من الصناديق، وهما:
صناديق الاستثمار المغلقة Closed - end Funds: تقتصر على فئةٍ محددة من المستثمرين، لها هدف محدد وفترة زمنية محددة، وفي نهاية تلك الفترة تتم تصفية الصندوق وتوزع عوائده المتحققة على المشتركين فيه.
صناديق الاستثمار المفتوحة Open - end Funds: هي صناديق الاستثمار المفتوحة أمام دخول وخروج المستثمرين، ولا يوجد سقف أعلى لحجم أصول الصندوق، وبالتالي فإنه يحتوي عددٍ غير ثابت وغير محدد من الوحدات، ويخضع حجم أصول الصندوق لعمليات البيع والشراء والاسترداد، حيث ترتفع أصول الصندوق في حالة البيع وتنخفض في حالة الاسترداد.
كما يمكن تقسيم الصناديق حسب السياسة الاستثمارية، إلى الأقسام الرئيسة التالية:
صناديق النقد Money Market Funds : التي تستثمر أصولها بشكلٍ خاص في الأصول قصيرة الأجل "الودائع المصرفية وأذونات الخزانة والأوراق التجارية"، وعادةً ما يتسم هذا النوع بانخفاض المخاطرة والعائد عليها.
صناديق السندات Bonds Funds : وهي تلك الصناديق التي تستثمر أصولها في السندات بجميع أشكالها وبآجال مختلفة، وتتسم بالعائد والمخاطرة المنخفضين نسبياً.
صناديق النمو Growth Funds : يهدف هذا النوع إلى تنمية قيمة رأس المال المستثمر وتحقيق أعلى نمو رأسمالي على المدى الطويل، ممثلاً هذا العائد المتحقق في القيمة الرأسمالية وتوزيعات الأرباح.
صناديق الدخل والنمو Income & Growth Funds : ويستهدف هذا النوع من الصناديق محاولة تحسين القيمة السوقية لأصول الصندوق، ولذا فإنها عادةً ما تستثمر أصولها الاستثمارية في الأسهم العادية العائدة لشركات وقطاعات ذات معدلات نمو عالية.
الصناديق القطاعية Sector-Oriented Funds : هي تلك التي تستثمر أصولها في قطاعات معينة كالتقنية أو البتروكيماويات، ويتسم هذا النوع بالعوائد العالية في مقابل ارتفاع درجات المخاطرة بسبب افتقارها إلى التنوّع في الاستثمارات.
مزايا صناديق الاستثمار
المزايا على مستوى الأفراد المستثمرين:
توزيع المخاطر الاستثمارية: إذ إن توزيع الأموال المسـتثمرة في أكثر من مجال اسـتثماري - تجنب وضع البيض في سلة واحدة - يخفض من درجة المخاطرة، وهو المبدأ الذي تستند إليه معظم سياسات صناديق الاستثمار.
الحصول على إدارة استثمارية متخصصة: يُمكن للصناديق الاستثمارية من خلال الكفاءات المتخصصة في المجالات الاستثمارية الحديثة الاضطلاع بدور المدير الاستثماري للأفراد قليلي الخبرة الاستثمارية، وإدارة واستثمار مدخراتهم بأحدث وأفضل الطرق، وبأقل تكلفة وجهد على الأفراد.
الإعفاء من الأعباء الإدارية: تتوافر لدى صناديق الاستثمار أصول استثمارية كبيرة يمكن لها إبرام الصفقات الكبيرة بعمولات متدنية والاستفادة من اقتصاديات الحجم، وهو ما يوفر الكثير من التكاليف والأعباء على المستثمر، هذا عدا إعفائه من بعض الرسوم والتكاليف الإدارية.
السيولة: يُمكن لأي مستثمر في الصناديق المفتوحة تقديم طلب استرداد قيمة اشتراكه لمدير الصندوق في أي وقت، ومن ثم يمكنه الحصول على المبلغ حسب اتفاقية الأحكام والشروط.
التنظيم والرقابة: تعتبر صناديق الاستثمار من أكبر الخدمات الاستثمارية تنظيماً ومن أكثرها خضوعاً للرقابة اللصيقة من قبل السلطات المعنية.
تتيح صناديق الاستثمار لصغار المستثمرين فرصة الدخول في مجالات استثمارية لا يستطيعون دخولها بمفردهم.
المزايا على مستوى الاقتصاد الوطني :
تمثل صناديق الاستثمار أحد قنوات تحويل مدخرات الأفراد من أموال معطلة في الاقتصاد إلى أموال نشطة، تُسهم في رفع مستوى الاستثمارات المتاحة في الاقتصاد.
مساعدة المستثمرين على ترشيد قراراتهم الاستثمارية بما يرفع كفاءة الاستثمار الوطني، بفضل تمتع مديري المحافظ الاستثمارية بخبرات مالية واقتصادية تدعمها الممارسات العملية والدراية الواسعة بمتغيرات السوق.
تُسهم صناديق الاستثمار في دعم الأسواق المالية بإضفاء العمق المالي وتنشيطها من خلال جذب صغار المستثمرين إليها، كما توفر الحماية لكل من الأسواق وصغار المستثمرين.
تلعب صناديق الاستثمار دوراً مهما في دعم برامج التخصيص، كما تسهم في الترويج لأسهم الشركات المخصخصة، وامتصاص فائض السيولة لدى الأفراد.
الحث على إنشاء شركات جديدة سواءً شركات تقوم بإدارة هذه الصناديق أو شركات تحصل على التمويل اللازم لعملها من العمليات النهائية لهذه الصناديق، وهذا يساعد على اتساع قاعدة السوق المالية بشكلٍ عام.
مخاطر صناديق الاستثمار
على الرغم من أن صناديق الاستثمار تتمتع بالعديد من المزايا كما ذُكر أعلاه، إلا أنها قد تتعرض لمخاطر عديدة، لعل من أهمها:
مخاطر السوق المالية الناتجة عن تقلبات أسعار الأوراق المالية في البورصة.
انخفاض الأصول المقومة بالنقد الأجنبي في صناديق الاستثمار عند ارتفاع سعر صرف العملة المحلية.
مخاطر أسعار الفائدة، حيث يمكن لاحتمال انخفاض قيمة أدوات الدين الثابت مثل السندات وارتفاع أسعار الفائدة أن يؤدي إلى التأثير بدورها على قيمة الأسهم وعدم قدرة الشركات على النمو بسبب تحول المستثمرين من سوق الأسهم إلى سوق السندات.
كيف يختار المستثمر بين صناديق الاستثمار ؟
تعتمد الإجابة عن هذا السؤال حسب آراء الخبراء الاستثماريين في هذا المجال على عددٍ من المعايير التي ينبغي على المستثمر وضعها في عين الاعتبار وهي كما يلي:
هدف الاستثمار: يعتمد اختيار صندوق الاستثمار على هدف المستثمر الذي لا يخرج عن إحدى حالتين تحقيق دخلٍ دوري أو نمو رأسمالي. فالمستثمر الذي ينشد الدخل الدوري يتوقع منه أن يضع استثماراته في أوراق مالية تحقق عائداً ثابتاً بينما الذي يبحث عن نمو رأسمالي يتجه للصناديق التي تركز على أسهم النمو الرأسمالي في سوق الأسهم.
مدة الاستثمار: ما الفترة الزمنية التي يفضلها المستثمر لأجل توظيف استثماراته، وتتوزع تلك الفترات على الاستثمار قصير الأجل "أقل من سنة"، أو الاستثمار متوسط الأجل ويراوح بين سنة وثلاث سنوات، أو الاستثمار طويل الأجل "أكثر من ثلاث سنوات". وتشير التجارب إلى أن أفضل الخيارات لتحقيق نمو رأسمالي جيد هو الإبقاء على الاستثمارات لمدى زمني متوسط إلى طويل الأجل.
درجة المخاطرة: تتعرض سوق الأسهم إلى تذبذبات بدرجاتٍ متفاوتة في الأسعار في الأجل القصير، في الأجل المتوسط والطويل يُلاحظ زيادة أسعار أسهم الشركات ذات النتائج الإيجابية وانخفاض أسعار أسهم الشركات المتعثرة، كما أن تغير معدلات الفائدة في السوق يؤثر على أسعار السندات ذات العائد الثابت، فحينما ترتفع معدلات الفائدة في السوق تنخفض أسعار السندات والعكس صحيح. وتعتمد درجة المخاطرة التي يتقبلها المستثمر على عدة معايير منها الفئة العمرية والدخل والذوق والمهنة ودرجة التفاؤل في البيئة الاستثمارية المحيطة وفي متغيرات الاقتصاد الكلي. هذا إلى جانب بعض الموانع الشرعية التي تحد من التوجه إلى الاستثمارات ذات العائد الثابت وبالتالي على تقبل درجة مخاطرة أكبر.
أداء صناديق الاستثمار السعودية في 2005
جاءت نتائج أعمال صناديق الاستثمار في الأسـهم المحلية "تقليدية، ومتوافقة مع الشريعة" في عام 2005 في مستويات مرتفعة جداً وقياسية لم يسبق أن حققتها من قبل، وذلك بفضل حالة الانتعاش التي مرّت بسوق الأسهم المحلية خلال العام الماضي. حيث وصل متوسط أدائها بنهاية العام إلى 116 في المائة، مقابل 103.7 في المائة لإجمالي السوق، وبارتفاعٍ وصل إلى 42 في المائة بالمقارنة بمتوسط أدائها في 2004 الذي وصل إلى 82 في المائة. وكان متوسط أداء الصناديق التقليدية قد وصل بنهاية عام 2005 إلى 115.3 في المائة، مقارنةً بنحو 88.1 في المائة في نهاية عام 2004، أي أنه حقق زيادة نسبية بلغت 30.9 في المائة. وفي جانب الصناديق المتوافقة مع الشريعة فقد وصل متوسط أدائها بنهاية عام 2005 إلى 117.2 في المائة، مقارنة بنحو 71.9 في المائة بنهاية عام 2004، أي أنه حقق زيادة نسبية في متوسط الأداء وصلت إلى 63 في المائة.
الأداء المتوقع لصناديق الاستثمار السعودية في 2006
جدير بالقول إن الأداء المتوقع لصناديق الاستثمار السعودية في الأسهم المحلية مرتبطٌ بالدرجة الأولى بالأداء المتوقع لإجمالي سوق الأسهم المحلية خلال فترة التوقع، ويأتي قياسنا لجودة الأداء من عدمها بمقارنة أداء تلك الصناديق الاستثمارية مع أداء السوق التي تعمل فيها، ونرى أن الصندوق يتمتع بإدارة كفء ومنافسة إذا حقق عائداً خلال الفترة أفضل من أداء المؤشر الإرشادي، والعكس ينطبق على إدارة الصندوق في حال جاء هذا الأداء أقل من أداء المؤشر الإرشادي. إذاً لا يمكن أن نفصل توقعاتنا بأداء الصناديق الاستثمارية عن توقعاتنا بالأداء الإجمالي للسوق المحلية، التي تقع بدورها تحت تأثير العديد من المحددات أو العوامل الأساسية، تؤدي من خلال ديناميكياتها المستمرة "الطردية والعكسية" إلى تحديد أوضاع السوق المحلية للأسهم. ووفقاً لذلك فإن محددات أداء سوق الأسهم المحلية هي نفسها محددات أداء الصناديق الاستثمارية، مضافاً إليها كفاءة وأسلوب إدارة الصندوق الاستثماري.
وبالنظر إلى التغيرات السابقة زمنياً لتلك العوامل المحددة حسبما يظهره الجدول المرفق، ومحاولة توقع اتجاهاتها المستقبلية خلال العام الحالي، إضافةً إلى الأعوام اللاحقة من بعد عام 2006، يمكن لنا أن نؤطر بصورةٍ مبسطة الرؤية المستقبلية لأداء السوق المحلية بالدرجة الأولى والصناديق الاستثمارية المحلية بالدرجة الثانية. فمن خلال البحث في العلاقة بين تلك المحددات وأداء سوق الأسهم المحلية، يمكن أن نستشف العلاقة الإيجابية بين عددٍ من تلك المحددات والأداء الإجمالي للسوق، والتي من أبرزها الإنفاق الفعلي للحكومة داخل أروقة الاقتصاد المحلي، ونمو السيولة المحلية "ن2"، ومعدل النمو الحقيقي للاقتصاد السعودي، ونمو الأسعار العالمية للنفط. حيث كشف قياس الارتباط الإحصائي بين التغير في هذه المحددات والتغير في مؤشر السوق عن قوة الارتباط بينها، وأن العلاقة الطردية واضحة جداً بين التغير في المحددات السابقة وأداء السوق المحلية؛ والتي يمكن سحبها أيضاً على أداء الصناديق الاستثمارية. فيما أظهرت الدراسة التأثير العكسي القوي للتغير في أسعار الفائدة على نمو مؤشر السوق، وكيف أن انخفاض تكاليف التمويل لعب دوراً كبيراً في تحفيز نمو السوق المحلية. أمّا بالنسبة لعلاقة أداء السوق بنمو ربحية الشركات المساهمة، فقد أظهرت ارتباطاً ضئيلاً بما يعني أن طابع المضاربات كان الطابع الأغلب على حساب طابع الاستثمار ضمن سلوك المستثمرين في السوق.
كما اتضح من قراءة سلسلة التغيرات للمؤشرات الاقتصادية التي نحن بصددها أنها قد تفاعلت من خلال ارتفاعاتها المتوالية خلال الفترة "2000 - 2005" لتعزز من ارتقاء وتصاعد الأداء الإجمالي للسوق المحلية والصناديق الاستثمارية كجزء رئيس منها. وبالتالي فإن استمرار هذا التحسّن في المحددات السابقة مستقبلاً من شأنه أن يُعزز من أداء المتغير التابع ممثلاً في السوق والصناديق الاستثمارية، ووفقاً للمعطيات الراهنة والتوقعات الإيجابية حول مستقبل تلك المحددات؛ وعلى وجه التحديد الأسعار العالمية للنفط في منظور الأعوام المقبلة، التي تُعد المحرّك الرئيس حتى لبقية المحددات الرئيسة هنا، فإن الرؤية من هذه الزاوية تبدو مطمئنة إلى حدٍّ بعيد، خاصة مع استحضار التوقعات الدولية بتصاعد الدور السعودي في أسواق النفط العالمية، من خلال زيادة طاقتها الإنتاجية مستقبلاً بما يدعم استقرار الاقتصاد العالمي في جانب تلبية متطلباته من الطاقة، مع الأخذ في الاعتبار أن الأسعار العالمية للنفط لم يتضح بعد لدى المختصّين أنها قد تتراجع، وأنها في حال لم ترتفع إلى مستويات يدور الحديث حول توقع بلوغها سقف 100 دولار أمريكي لبرميل النفط، فمن المتوقع على أقل تقدير بقاؤها طويلاً فوق المعدلات المتوسطة الراهنة.
يضاف إلى ما سبق أهمية إدراك الدور الإيجابي للتحولات الهيكلية التي مرّت وتمر بها السوق المحلية؛ المتمثلة في زيادة ترسّخ تطبيق الأنظمة واللوائح التنفيذية لنظام السوق المالية الحديث، والتي ستؤدي حتماً إلى إضفاء مزيدٍ من الشفافية والالتزام المالي والقانوني لأطراف السوق، بما يعزز من ثقة الاقتصاد والمستثمرين على حدٍ سواء. وتبرز الأهمية الاستراتيجية لهذا الجانب في كونه يعمل باستمرار على رفع كفاءة السوق المالية المحلية، وزيادة تأهيلها للعب دورها الرئيس في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتوفير البيئة الاستثمارية المنافسة لاجتذاب رأس المال الوطني والأجنبي على حدٍ سواء. خلاصة القول؛ إن محاولة إيجاد إطارٍ مستقبلي للأداء الاقتصادي السعودي وسوقه المالية، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار اتجاهات المحددات السابقة أعلاه – وتحديداً الأسعار العالمية للنفط- مع عدم إغفال ما يطرأ على السياسة المالية للحكومة، التي أثبتت قوتها وجدية التزامها خلال السنوات الخمس الماضية، وعمق الدور الإيجابي الذي لعبته في تأسيس أرضية صلبة للاقتصاد الوطني بما يشمل السوق المالية. وحسبما تُشير إليه الاتجاهات المستقبلية للمحددات السابقة، فإنها وفقاً لواقعها الراهن الإيجابي والمتنامي تتجه للاستمرار، بما يدفع للقول المرجح لاستمرار الأداء القوي والإيجابي لسوق الأسهم المحلية بوجهٍ عام والصناديق الاستثمارية على وجه التحديد.
ختاماً، من المنتظر خلال عام 2006 أن تنتقل مهام الإشراف والرقابة على جميع أعمال الصناديق الاستثمارية من مؤسسة النقد العربي السعودي إلى هيئة السوق المالية، حسبما نصَّ عليه نظام السوق المالية في مادته التاسعة والثلاثين بأن "تؤول إلى الهيئة صلاحية تنظيم عمل صناديق الاستثمار التي تديرها البنوك خلال سنتين من صدور هذا النظام"، والذي يعزز بدوره الثقة بتطور عملها، وخضوعه لمزيدٍ من الرقابة والتنظيم. فوفقاً لنظام السوق المالية ستقوم هيئة السوق المالية بتنظيم عمل مديري المحافظ، ومستشاري الاستثمار، والإشراف عليهم، ووضع اللوائح والقواعد والتعليمات اللازمة لتحقيق تلك المهام.
http://www.aleqt.com/admpic/4.jpg
عبد الحميد العمري - - - 17/12/1426هـ
اعتدنا في "الاقتصادية" تسليط الضوء بشكلٍ أسبوعي على أداء صناديق الاستثمار السعودية في سوق الأسهم المحلية، ونظراً لتوقف السوق عن العمل من منتصف الأسبوع الفائت وحتى منتصف هذا الأسبوع، ما ترتّب عليه عدم وجود مستجدات على أداء الصناديق الاستثمارية المحلية، أحببنا تسليط الضوء هذا الأسبوع بصورةٍ تعريفية على نشاط ووظائف تلك الصناديق الاستثمارية، والأداء المتوقع لها خلال عام 2006، آملاً أن يجد القارئ الكريم فيها الفائدة المأمولة.
كيف نشأت فكرة صناديق الاستثمار ؟
تعود فكرة إنشاء صناديق الاستثمار إلى سنواتٍ قديمة جداً، وقد مرّت بالعديد من التطورات والتغيرات التي طرأت على عالم الاقتصاد والمال في العالم حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. وقد بدأ تنفيذ فكرة صنايق الاستثمار على مستوى العالم في أوروبا وتحديداً في هولندا التي ظهر فيها أول صندوق استثماري في 1822، تلتها إنجلترا في عام 1870. غير أن البداية الحقيقية للصناديق الاستثمارية بالمفاهيم القائمة الآن تحققت في الولايات المتحدة عام 1924، وذلك حينما تم إنشاء أول صندوق في بوسطن باسم Masochists Investment Trust على يدِ أساتذة جامعة هارفرد الأمريكية، واستمرت بعدها في التوسع والتنوع حتى وصل عددها بنهاية 2005 إلى 56.1 ألف صندوق، بصافي أصول استثمارية فاق 62 تريليون ريال "16.4 تريليون دولار أمريكي"، يوجد نحو53 في المائة منها في أوروبا ، ونحو 14 في المائة في الولايات المتحدة، ونحو 12 في المائة منها في كوريا الجنوبية، ونحو 21 في المائة موزعة على بقية دول العالم. وتعد البنوك السعودية صاحبة التجربة الأولى في منطقة الشرق الأوسط في مجال إنشاء الصناديق الاستثمارية، حيث بدأت في تأسيسها وإدارتها عام 1979 من خلال إصدارها العديد من الصناديق الاستثمارية المتنوعة حتى وصل عدد صناديق الاستثمار السعودية إلى 200 صندوق استثماري بنهاية عام 2005 بإجمالي أصول تناهز الـ 130 مليار ريال تشكّل نحو 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
أنواع صناديق الاستثمار
تعددت أنواع الصناديق حسب رغبات وأهداف المستثمرين وحاجاتهم، كما اختلفت أنواعها حسب الأسواق التي تدار فيها، غير أننا سنركز على نوعين من التقسيم الأول تقسيم الصناديق حسب سياسة الشراء والاسترداد، أمّا النوع الثاني تقسيم الصناديق حسب السياسة الاستثمارية. فبالنسبة للتصنيف الأول الخاص بتقسيم الصناديق حسب سياسة الشراء والاسترداد فإنه ينقسم إلى نوعين رئيسين من الصناديق، وهما:
صناديق الاستثمار المغلقة Closed - end Funds: تقتصر على فئةٍ محددة من المستثمرين، لها هدف محدد وفترة زمنية محددة، وفي نهاية تلك الفترة تتم تصفية الصندوق وتوزع عوائده المتحققة على المشتركين فيه.
صناديق الاستثمار المفتوحة Open - end Funds: هي صناديق الاستثمار المفتوحة أمام دخول وخروج المستثمرين، ولا يوجد سقف أعلى لحجم أصول الصندوق، وبالتالي فإنه يحتوي عددٍ غير ثابت وغير محدد من الوحدات، ويخضع حجم أصول الصندوق لعمليات البيع والشراء والاسترداد، حيث ترتفع أصول الصندوق في حالة البيع وتنخفض في حالة الاسترداد.
كما يمكن تقسيم الصناديق حسب السياسة الاستثمارية، إلى الأقسام الرئيسة التالية:
صناديق النقد Money Market Funds : التي تستثمر أصولها بشكلٍ خاص في الأصول قصيرة الأجل "الودائع المصرفية وأذونات الخزانة والأوراق التجارية"، وعادةً ما يتسم هذا النوع بانخفاض المخاطرة والعائد عليها.
صناديق السندات Bonds Funds : وهي تلك الصناديق التي تستثمر أصولها في السندات بجميع أشكالها وبآجال مختلفة، وتتسم بالعائد والمخاطرة المنخفضين نسبياً.
صناديق النمو Growth Funds : يهدف هذا النوع إلى تنمية قيمة رأس المال المستثمر وتحقيق أعلى نمو رأسمالي على المدى الطويل، ممثلاً هذا العائد المتحقق في القيمة الرأسمالية وتوزيعات الأرباح.
صناديق الدخل والنمو Income & Growth Funds : ويستهدف هذا النوع من الصناديق محاولة تحسين القيمة السوقية لأصول الصندوق، ولذا فإنها عادةً ما تستثمر أصولها الاستثمارية في الأسهم العادية العائدة لشركات وقطاعات ذات معدلات نمو عالية.
الصناديق القطاعية Sector-Oriented Funds : هي تلك التي تستثمر أصولها في قطاعات معينة كالتقنية أو البتروكيماويات، ويتسم هذا النوع بالعوائد العالية في مقابل ارتفاع درجات المخاطرة بسبب افتقارها إلى التنوّع في الاستثمارات.
مزايا صناديق الاستثمار
المزايا على مستوى الأفراد المستثمرين:
توزيع المخاطر الاستثمارية: إذ إن توزيع الأموال المسـتثمرة في أكثر من مجال اسـتثماري - تجنب وضع البيض في سلة واحدة - يخفض من درجة المخاطرة، وهو المبدأ الذي تستند إليه معظم سياسات صناديق الاستثمار.
الحصول على إدارة استثمارية متخصصة: يُمكن للصناديق الاستثمارية من خلال الكفاءات المتخصصة في المجالات الاستثمارية الحديثة الاضطلاع بدور المدير الاستثماري للأفراد قليلي الخبرة الاستثمارية، وإدارة واستثمار مدخراتهم بأحدث وأفضل الطرق، وبأقل تكلفة وجهد على الأفراد.
الإعفاء من الأعباء الإدارية: تتوافر لدى صناديق الاستثمار أصول استثمارية كبيرة يمكن لها إبرام الصفقات الكبيرة بعمولات متدنية والاستفادة من اقتصاديات الحجم، وهو ما يوفر الكثير من التكاليف والأعباء على المستثمر، هذا عدا إعفائه من بعض الرسوم والتكاليف الإدارية.
السيولة: يُمكن لأي مستثمر في الصناديق المفتوحة تقديم طلب استرداد قيمة اشتراكه لمدير الصندوق في أي وقت، ومن ثم يمكنه الحصول على المبلغ حسب اتفاقية الأحكام والشروط.
التنظيم والرقابة: تعتبر صناديق الاستثمار من أكبر الخدمات الاستثمارية تنظيماً ومن أكثرها خضوعاً للرقابة اللصيقة من قبل السلطات المعنية.
تتيح صناديق الاستثمار لصغار المستثمرين فرصة الدخول في مجالات استثمارية لا يستطيعون دخولها بمفردهم.
المزايا على مستوى الاقتصاد الوطني :
تمثل صناديق الاستثمار أحد قنوات تحويل مدخرات الأفراد من أموال معطلة في الاقتصاد إلى أموال نشطة، تُسهم في رفع مستوى الاستثمارات المتاحة في الاقتصاد.
مساعدة المستثمرين على ترشيد قراراتهم الاستثمارية بما يرفع كفاءة الاستثمار الوطني، بفضل تمتع مديري المحافظ الاستثمارية بخبرات مالية واقتصادية تدعمها الممارسات العملية والدراية الواسعة بمتغيرات السوق.
تُسهم صناديق الاستثمار في دعم الأسواق المالية بإضفاء العمق المالي وتنشيطها من خلال جذب صغار المستثمرين إليها، كما توفر الحماية لكل من الأسواق وصغار المستثمرين.
تلعب صناديق الاستثمار دوراً مهما في دعم برامج التخصيص، كما تسهم في الترويج لأسهم الشركات المخصخصة، وامتصاص فائض السيولة لدى الأفراد.
الحث على إنشاء شركات جديدة سواءً شركات تقوم بإدارة هذه الصناديق أو شركات تحصل على التمويل اللازم لعملها من العمليات النهائية لهذه الصناديق، وهذا يساعد على اتساع قاعدة السوق المالية بشكلٍ عام.
مخاطر صناديق الاستثمار
على الرغم من أن صناديق الاستثمار تتمتع بالعديد من المزايا كما ذُكر أعلاه، إلا أنها قد تتعرض لمخاطر عديدة، لعل من أهمها:
مخاطر السوق المالية الناتجة عن تقلبات أسعار الأوراق المالية في البورصة.
انخفاض الأصول المقومة بالنقد الأجنبي في صناديق الاستثمار عند ارتفاع سعر صرف العملة المحلية.
مخاطر أسعار الفائدة، حيث يمكن لاحتمال انخفاض قيمة أدوات الدين الثابت مثل السندات وارتفاع أسعار الفائدة أن يؤدي إلى التأثير بدورها على قيمة الأسهم وعدم قدرة الشركات على النمو بسبب تحول المستثمرين من سوق الأسهم إلى سوق السندات.
كيف يختار المستثمر بين صناديق الاستثمار ؟
تعتمد الإجابة عن هذا السؤال حسب آراء الخبراء الاستثماريين في هذا المجال على عددٍ من المعايير التي ينبغي على المستثمر وضعها في عين الاعتبار وهي كما يلي:
هدف الاستثمار: يعتمد اختيار صندوق الاستثمار على هدف المستثمر الذي لا يخرج عن إحدى حالتين تحقيق دخلٍ دوري أو نمو رأسمالي. فالمستثمر الذي ينشد الدخل الدوري يتوقع منه أن يضع استثماراته في أوراق مالية تحقق عائداً ثابتاً بينما الذي يبحث عن نمو رأسمالي يتجه للصناديق التي تركز على أسهم النمو الرأسمالي في سوق الأسهم.
مدة الاستثمار: ما الفترة الزمنية التي يفضلها المستثمر لأجل توظيف استثماراته، وتتوزع تلك الفترات على الاستثمار قصير الأجل "أقل من سنة"، أو الاستثمار متوسط الأجل ويراوح بين سنة وثلاث سنوات، أو الاستثمار طويل الأجل "أكثر من ثلاث سنوات". وتشير التجارب إلى أن أفضل الخيارات لتحقيق نمو رأسمالي جيد هو الإبقاء على الاستثمارات لمدى زمني متوسط إلى طويل الأجل.
درجة المخاطرة: تتعرض سوق الأسهم إلى تذبذبات بدرجاتٍ متفاوتة في الأسعار في الأجل القصير، في الأجل المتوسط والطويل يُلاحظ زيادة أسعار أسهم الشركات ذات النتائج الإيجابية وانخفاض أسعار أسهم الشركات المتعثرة، كما أن تغير معدلات الفائدة في السوق يؤثر على أسعار السندات ذات العائد الثابت، فحينما ترتفع معدلات الفائدة في السوق تنخفض أسعار السندات والعكس صحيح. وتعتمد درجة المخاطرة التي يتقبلها المستثمر على عدة معايير منها الفئة العمرية والدخل والذوق والمهنة ودرجة التفاؤل في البيئة الاستثمارية المحيطة وفي متغيرات الاقتصاد الكلي. هذا إلى جانب بعض الموانع الشرعية التي تحد من التوجه إلى الاستثمارات ذات العائد الثابت وبالتالي على تقبل درجة مخاطرة أكبر.
أداء صناديق الاستثمار السعودية في 2005
جاءت نتائج أعمال صناديق الاستثمار في الأسـهم المحلية "تقليدية، ومتوافقة مع الشريعة" في عام 2005 في مستويات مرتفعة جداً وقياسية لم يسبق أن حققتها من قبل، وذلك بفضل حالة الانتعاش التي مرّت بسوق الأسهم المحلية خلال العام الماضي. حيث وصل متوسط أدائها بنهاية العام إلى 116 في المائة، مقابل 103.7 في المائة لإجمالي السوق، وبارتفاعٍ وصل إلى 42 في المائة بالمقارنة بمتوسط أدائها في 2004 الذي وصل إلى 82 في المائة. وكان متوسط أداء الصناديق التقليدية قد وصل بنهاية عام 2005 إلى 115.3 في المائة، مقارنةً بنحو 88.1 في المائة في نهاية عام 2004، أي أنه حقق زيادة نسبية بلغت 30.9 في المائة. وفي جانب الصناديق المتوافقة مع الشريعة فقد وصل متوسط أدائها بنهاية عام 2005 إلى 117.2 في المائة، مقارنة بنحو 71.9 في المائة بنهاية عام 2004، أي أنه حقق زيادة نسبية في متوسط الأداء وصلت إلى 63 في المائة.
الأداء المتوقع لصناديق الاستثمار السعودية في 2006
جدير بالقول إن الأداء المتوقع لصناديق الاستثمار السعودية في الأسهم المحلية مرتبطٌ بالدرجة الأولى بالأداء المتوقع لإجمالي سوق الأسهم المحلية خلال فترة التوقع، ويأتي قياسنا لجودة الأداء من عدمها بمقارنة أداء تلك الصناديق الاستثمارية مع أداء السوق التي تعمل فيها، ونرى أن الصندوق يتمتع بإدارة كفء ومنافسة إذا حقق عائداً خلال الفترة أفضل من أداء المؤشر الإرشادي، والعكس ينطبق على إدارة الصندوق في حال جاء هذا الأداء أقل من أداء المؤشر الإرشادي. إذاً لا يمكن أن نفصل توقعاتنا بأداء الصناديق الاستثمارية عن توقعاتنا بالأداء الإجمالي للسوق المحلية، التي تقع بدورها تحت تأثير العديد من المحددات أو العوامل الأساسية، تؤدي من خلال ديناميكياتها المستمرة "الطردية والعكسية" إلى تحديد أوضاع السوق المحلية للأسهم. ووفقاً لذلك فإن محددات أداء سوق الأسهم المحلية هي نفسها محددات أداء الصناديق الاستثمارية، مضافاً إليها كفاءة وأسلوب إدارة الصندوق الاستثماري.
وبالنظر إلى التغيرات السابقة زمنياً لتلك العوامل المحددة حسبما يظهره الجدول المرفق، ومحاولة توقع اتجاهاتها المستقبلية خلال العام الحالي، إضافةً إلى الأعوام اللاحقة من بعد عام 2006، يمكن لنا أن نؤطر بصورةٍ مبسطة الرؤية المستقبلية لأداء السوق المحلية بالدرجة الأولى والصناديق الاستثمارية المحلية بالدرجة الثانية. فمن خلال البحث في العلاقة بين تلك المحددات وأداء سوق الأسهم المحلية، يمكن أن نستشف العلاقة الإيجابية بين عددٍ من تلك المحددات والأداء الإجمالي للسوق، والتي من أبرزها الإنفاق الفعلي للحكومة داخل أروقة الاقتصاد المحلي، ونمو السيولة المحلية "ن2"، ومعدل النمو الحقيقي للاقتصاد السعودي، ونمو الأسعار العالمية للنفط. حيث كشف قياس الارتباط الإحصائي بين التغير في هذه المحددات والتغير في مؤشر السوق عن قوة الارتباط بينها، وأن العلاقة الطردية واضحة جداً بين التغير في المحددات السابقة وأداء السوق المحلية؛ والتي يمكن سحبها أيضاً على أداء الصناديق الاستثمارية. فيما أظهرت الدراسة التأثير العكسي القوي للتغير في أسعار الفائدة على نمو مؤشر السوق، وكيف أن انخفاض تكاليف التمويل لعب دوراً كبيراً في تحفيز نمو السوق المحلية. أمّا بالنسبة لعلاقة أداء السوق بنمو ربحية الشركات المساهمة، فقد أظهرت ارتباطاً ضئيلاً بما يعني أن طابع المضاربات كان الطابع الأغلب على حساب طابع الاستثمار ضمن سلوك المستثمرين في السوق.
كما اتضح من قراءة سلسلة التغيرات للمؤشرات الاقتصادية التي نحن بصددها أنها قد تفاعلت من خلال ارتفاعاتها المتوالية خلال الفترة "2000 - 2005" لتعزز من ارتقاء وتصاعد الأداء الإجمالي للسوق المحلية والصناديق الاستثمارية كجزء رئيس منها. وبالتالي فإن استمرار هذا التحسّن في المحددات السابقة مستقبلاً من شأنه أن يُعزز من أداء المتغير التابع ممثلاً في السوق والصناديق الاستثمارية، ووفقاً للمعطيات الراهنة والتوقعات الإيجابية حول مستقبل تلك المحددات؛ وعلى وجه التحديد الأسعار العالمية للنفط في منظور الأعوام المقبلة، التي تُعد المحرّك الرئيس حتى لبقية المحددات الرئيسة هنا، فإن الرؤية من هذه الزاوية تبدو مطمئنة إلى حدٍّ بعيد، خاصة مع استحضار التوقعات الدولية بتصاعد الدور السعودي في أسواق النفط العالمية، من خلال زيادة طاقتها الإنتاجية مستقبلاً بما يدعم استقرار الاقتصاد العالمي في جانب تلبية متطلباته من الطاقة، مع الأخذ في الاعتبار أن الأسعار العالمية للنفط لم يتضح بعد لدى المختصّين أنها قد تتراجع، وأنها في حال لم ترتفع إلى مستويات يدور الحديث حول توقع بلوغها سقف 100 دولار أمريكي لبرميل النفط، فمن المتوقع على أقل تقدير بقاؤها طويلاً فوق المعدلات المتوسطة الراهنة.
يضاف إلى ما سبق أهمية إدراك الدور الإيجابي للتحولات الهيكلية التي مرّت وتمر بها السوق المحلية؛ المتمثلة في زيادة ترسّخ تطبيق الأنظمة واللوائح التنفيذية لنظام السوق المالية الحديث، والتي ستؤدي حتماً إلى إضفاء مزيدٍ من الشفافية والالتزام المالي والقانوني لأطراف السوق، بما يعزز من ثقة الاقتصاد والمستثمرين على حدٍ سواء. وتبرز الأهمية الاستراتيجية لهذا الجانب في كونه يعمل باستمرار على رفع كفاءة السوق المالية المحلية، وزيادة تأهيلها للعب دورها الرئيس في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتوفير البيئة الاستثمارية المنافسة لاجتذاب رأس المال الوطني والأجنبي على حدٍ سواء. خلاصة القول؛ إن محاولة إيجاد إطارٍ مستقبلي للأداء الاقتصادي السعودي وسوقه المالية، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار اتجاهات المحددات السابقة أعلاه – وتحديداً الأسعار العالمية للنفط- مع عدم إغفال ما يطرأ على السياسة المالية للحكومة، التي أثبتت قوتها وجدية التزامها خلال السنوات الخمس الماضية، وعمق الدور الإيجابي الذي لعبته في تأسيس أرضية صلبة للاقتصاد الوطني بما يشمل السوق المالية. وحسبما تُشير إليه الاتجاهات المستقبلية للمحددات السابقة، فإنها وفقاً لواقعها الراهن الإيجابي والمتنامي تتجه للاستمرار، بما يدفع للقول المرجح لاستمرار الأداء القوي والإيجابي لسوق الأسهم المحلية بوجهٍ عام والصناديق الاستثمارية على وجه التحديد.
ختاماً، من المنتظر خلال عام 2006 أن تنتقل مهام الإشراف والرقابة على جميع أعمال الصناديق الاستثمارية من مؤسسة النقد العربي السعودي إلى هيئة السوق المالية، حسبما نصَّ عليه نظام السوق المالية في مادته التاسعة والثلاثين بأن "تؤول إلى الهيئة صلاحية تنظيم عمل صناديق الاستثمار التي تديرها البنوك خلال سنتين من صدور هذا النظام"، والذي يعزز بدوره الثقة بتطور عملها، وخضوعه لمزيدٍ من الرقابة والتنظيم. فوفقاً لنظام السوق المالية ستقوم هيئة السوق المالية بتنظيم عمل مديري المحافظ، ومستشاري الاستثمار، والإشراف عليهم، ووضع اللوائح والقواعد والتعليمات اللازمة لتحقيق تلك المهام.