صقر الجنوب
17/01/2006, 12:55 PM
ميناء رابغ الجدي
دhttp://www.aleqt.com/admpic/19.jpg
محمد بن عبد الكريم بكر - كاتب سعودي 17/12/1426هـ
مبدأ التكامل من الأسس التي استقر العمل بها في منظومة الموانئ السعودية منذ 30 عاما ونأمل استمراره ونحن نحتفل بمولد ميناء جديد كي تصبح جميع موانئنا بوابات فاعلة تبحر من خلالها تجارة المملكة في الألفية الثالثة.
كان إعلان الثلاثاء الموافق 18/11/1426هـ عن إطلاق مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ بشرى سارة لمواطني المملكة العربية السعودية لما يحمله هذا المشروع من رؤية متكاملة ناضجة للتعامل مع أحد الملفات الرئيسية في استراتيجية الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد السعودي التي رسمها ويشرف على بلورتها وتنفيذها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. إن ملف جذب استثمارات إلى السوق المحلية سيظل محورا أساسا في هذه الاستراتيجية لتنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل مجزية للآلاف من الشباب. ولعل من حسن الطالع أن يتزامن إطلاق هذا المشروع مع البرنامج الحضاري الطموح الذي أطلقه أيضا الملك عبد الله لتشجيع الابتعاث للدراسة في الخارج لتأهيل كوادر متخصصة تشارك في بناء مستقبل الوطن. والأمل هنا أن تبادر وزارة التعليم العالي والهيئة العامة للاستثمار إلى التنسيق معا كي تتناغم مخرجات برنامج الابتعاث وجامعاتنا مع احتياجات المدن الاقتصادية التي ستشهدها المملكة تباعا.
لم تقتصر بشرى الثلاثاء على مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ فقط، بل هناك أربع مناطق أخرى ستحتضن مشاريع مشابهة في شمال غربي المملكة، وجنوبها، وشرقها، ووسطها. وقد أحسنت الهيئة العامة للاستثمار في اختيار "رابغ" كمحطة أولى لبناء هذه المجمعات الضخمة لما تملكه من مقومات للتنمية تعزز فرص نجاح الاستثمارات كقربها من مدن رئيسية (جدة، مكة المكرمة، المدينة المنورة) تستطيع مدها بمخزون كبير من الأيدي العاملة وسوق استهلاكية جيدة، وكذا قربها من مصادر للطاقة ومنافذ بحرية عالمية في جدة وينبع ورابغ نفسها.
إلا أن أكثر ما لفت نظري في المخطط العام لمدينة الملك عبد الله الاقتصادية فكرة إنشاء ميناء بحري يضاهي أكبر موانئ العالم، إذ يقع الميناء الجديد المقترح على مسار ميناء جدة الإسلامي نفسه تفصل بينهما مسافة لا تزيد على 100 كيلو متر فقط، بمعنى أن الميناء الجديد سيخدم السوق نفسها التي يخدمها ميناء جدة الإسلامي منذ 1400 عام، والذي يستقبل اليوم أكثر من 60 في المائة، من واردات المملكة التجارية، مع حصة تقارب 80 في المائة من مجموع حركة الحاويات في موانئ المملكة، وبهذه المقاييس يعد ميناء جدة الإسلامي أحد أكبر الموانئ في الشرق الأوسط كما كان أول ميناء عربي (قبل موانئ دبي، عدن، وصلالة) يستقبل الجيل الجديد من السفن العملاقة، (سوبر بوست باناماكس) عندما استقبل قبل سبع سنوات السفينة "رجينا ميرسك" التي مازالت أعماق الكثير من الموانئ حول العالم لا تسمح باستقبالها!
إن الموانئ بوابات التجارة والتنمية، وهي من أول المواقع التي تتفاعل على ساحتها أدوات المنافسة الاقتصادية لأي دول مع العالم الخارجي، لذا لم يكن من سبيل الصدفة أن اختار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الموانئ السعودية لإطلاق أول برنامج للتخصيص في المملكة يوم أن كان وليا للعهد عندما أصدر أمره الكريم في 6/11/1417هـ بإسناد جميع أعمال التشغيل وصيانة وإدارة الأرصفة البحرية والمعدات إلى القطاع الخاص لإدارتها بأسلوب تجاري وإعطاء حوافز للمستثمرين لتطوير التجهيزات وفق ضوابط حددها القرار مع استمرار ملكية الدولة للموانئ والمنشآت وبقاء دورها الإشرافي. وقد حقق برنامج التخصيص نقلة نوعية في الموانئ السعودية جنى ثمارها الاقتصاد الوطني، إذ تضاعفت إنتاجية التشغيل وازدادت كميات البضائع المناولة ما أدى إلى الكثير من الإيجابيات، منها انخفاض أسعار شحن الصادرات الصناعية إلى الأسواق العالمية، وكذلك الحال بالنسبة لواردات المملكة المنقولة بحرا.
اليوم نتطلع إلى نقلة أخرى جديدة في الموانئ البحرية تعزيزا لبرنامج التخصيص. فميناء رابغ الذي سينشأ بتمويل من القطاع الخاص، يمكنه إذا أُحسن التخطيط له، أن يلعب دورا رئيسيا في جذب حركة بضائع إضافية قد تضاهي في حجمها ما تتم مناولته في ميناء جدة الإسلامي لا سيما في مجال نقل حاويات المسافنة Transshipment بين الشرق والغرب، لكن تحقيق مثل هذا الإنجاز لا يعتمد على توافر تجهيزات حديثة فحسب، بل لا بد من إعطاء مرونة للمستثمرين لإدارة وتشغيل الميناء على أسس تجارية. كما لا بد من منح الميناء حزمة من المزايا والتسهيلات في الإجراءات وغيرها على أن تمتد مظلة هذه المزايا لبقية الموانئ السعودية الأخرى كي نوفر فرصا متكافئة للمنافسة أمام جميع المستثمرين.
إن التخطيط السليم لبناء مرافق ميناء رابغ يقتضي مراعاة طاقة المرافق البحرية القائمة والتوسعات القادمة لكل من جدة وينبع لتجنب الازدواجية أو بناء طاقات فائضة يدفع تكلفتها الاقتصاد الوطني ويتكبد المستثمرون في رابغ والموانئ الأخرى جراءها خسائر كبيرة قد تفضي بهم جميعا إلى الخروج النهائي من السوق. انظروا إلى تجربة ميناءي راشد وجبل علي اللذين يقعان على مقربة من بعضهما في دبي، كلا الميناءين مملوكان بالكامل لإمارة دبي بإدارة حكومية، وكلاهما يخضعان لإشراف جهة حكومية واحدة، ويتمتعان بالمزايا نفسها، كما يطبقان معايير عمل موحدة. بمعنى آخر يعمل الميناءان بشكل مكمل لبعضهما بعضا ومنافس للآخرين. ومبدأ التكامل من الأسس التي استقر العمل بها في منظومة الموانئ السعودية منذ 30 عاما، ونأمل استمراره ونحن نحتفل بمولد ميناء جديد كي تصبح جميع موانئنا بوابات فاعلة تبحر من خلالها تجارة المملكة في الألفية الثالثة.
دhttp://www.aleqt.com/admpic/19.jpg
محمد بن عبد الكريم بكر - كاتب سعودي 17/12/1426هـ
مبدأ التكامل من الأسس التي استقر العمل بها في منظومة الموانئ السعودية منذ 30 عاما ونأمل استمراره ونحن نحتفل بمولد ميناء جديد كي تصبح جميع موانئنا بوابات فاعلة تبحر من خلالها تجارة المملكة في الألفية الثالثة.
كان إعلان الثلاثاء الموافق 18/11/1426هـ عن إطلاق مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ بشرى سارة لمواطني المملكة العربية السعودية لما يحمله هذا المشروع من رؤية متكاملة ناضجة للتعامل مع أحد الملفات الرئيسية في استراتيجية الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد السعودي التي رسمها ويشرف على بلورتها وتنفيذها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. إن ملف جذب استثمارات إلى السوق المحلية سيظل محورا أساسا في هذه الاستراتيجية لتنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل مجزية للآلاف من الشباب. ولعل من حسن الطالع أن يتزامن إطلاق هذا المشروع مع البرنامج الحضاري الطموح الذي أطلقه أيضا الملك عبد الله لتشجيع الابتعاث للدراسة في الخارج لتأهيل كوادر متخصصة تشارك في بناء مستقبل الوطن. والأمل هنا أن تبادر وزارة التعليم العالي والهيئة العامة للاستثمار إلى التنسيق معا كي تتناغم مخرجات برنامج الابتعاث وجامعاتنا مع احتياجات المدن الاقتصادية التي ستشهدها المملكة تباعا.
لم تقتصر بشرى الثلاثاء على مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ فقط، بل هناك أربع مناطق أخرى ستحتضن مشاريع مشابهة في شمال غربي المملكة، وجنوبها، وشرقها، ووسطها. وقد أحسنت الهيئة العامة للاستثمار في اختيار "رابغ" كمحطة أولى لبناء هذه المجمعات الضخمة لما تملكه من مقومات للتنمية تعزز فرص نجاح الاستثمارات كقربها من مدن رئيسية (جدة، مكة المكرمة، المدينة المنورة) تستطيع مدها بمخزون كبير من الأيدي العاملة وسوق استهلاكية جيدة، وكذا قربها من مصادر للطاقة ومنافذ بحرية عالمية في جدة وينبع ورابغ نفسها.
إلا أن أكثر ما لفت نظري في المخطط العام لمدينة الملك عبد الله الاقتصادية فكرة إنشاء ميناء بحري يضاهي أكبر موانئ العالم، إذ يقع الميناء الجديد المقترح على مسار ميناء جدة الإسلامي نفسه تفصل بينهما مسافة لا تزيد على 100 كيلو متر فقط، بمعنى أن الميناء الجديد سيخدم السوق نفسها التي يخدمها ميناء جدة الإسلامي منذ 1400 عام، والذي يستقبل اليوم أكثر من 60 في المائة، من واردات المملكة التجارية، مع حصة تقارب 80 في المائة من مجموع حركة الحاويات في موانئ المملكة، وبهذه المقاييس يعد ميناء جدة الإسلامي أحد أكبر الموانئ في الشرق الأوسط كما كان أول ميناء عربي (قبل موانئ دبي، عدن، وصلالة) يستقبل الجيل الجديد من السفن العملاقة، (سوبر بوست باناماكس) عندما استقبل قبل سبع سنوات السفينة "رجينا ميرسك" التي مازالت أعماق الكثير من الموانئ حول العالم لا تسمح باستقبالها!
إن الموانئ بوابات التجارة والتنمية، وهي من أول المواقع التي تتفاعل على ساحتها أدوات المنافسة الاقتصادية لأي دول مع العالم الخارجي، لذا لم يكن من سبيل الصدفة أن اختار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الموانئ السعودية لإطلاق أول برنامج للتخصيص في المملكة يوم أن كان وليا للعهد عندما أصدر أمره الكريم في 6/11/1417هـ بإسناد جميع أعمال التشغيل وصيانة وإدارة الأرصفة البحرية والمعدات إلى القطاع الخاص لإدارتها بأسلوب تجاري وإعطاء حوافز للمستثمرين لتطوير التجهيزات وفق ضوابط حددها القرار مع استمرار ملكية الدولة للموانئ والمنشآت وبقاء دورها الإشرافي. وقد حقق برنامج التخصيص نقلة نوعية في الموانئ السعودية جنى ثمارها الاقتصاد الوطني، إذ تضاعفت إنتاجية التشغيل وازدادت كميات البضائع المناولة ما أدى إلى الكثير من الإيجابيات، منها انخفاض أسعار شحن الصادرات الصناعية إلى الأسواق العالمية، وكذلك الحال بالنسبة لواردات المملكة المنقولة بحرا.
اليوم نتطلع إلى نقلة أخرى جديدة في الموانئ البحرية تعزيزا لبرنامج التخصيص. فميناء رابغ الذي سينشأ بتمويل من القطاع الخاص، يمكنه إذا أُحسن التخطيط له، أن يلعب دورا رئيسيا في جذب حركة بضائع إضافية قد تضاهي في حجمها ما تتم مناولته في ميناء جدة الإسلامي لا سيما في مجال نقل حاويات المسافنة Transshipment بين الشرق والغرب، لكن تحقيق مثل هذا الإنجاز لا يعتمد على توافر تجهيزات حديثة فحسب، بل لا بد من إعطاء مرونة للمستثمرين لإدارة وتشغيل الميناء على أسس تجارية. كما لا بد من منح الميناء حزمة من المزايا والتسهيلات في الإجراءات وغيرها على أن تمتد مظلة هذه المزايا لبقية الموانئ السعودية الأخرى كي نوفر فرصا متكافئة للمنافسة أمام جميع المستثمرين.
إن التخطيط السليم لبناء مرافق ميناء رابغ يقتضي مراعاة طاقة المرافق البحرية القائمة والتوسعات القادمة لكل من جدة وينبع لتجنب الازدواجية أو بناء طاقات فائضة يدفع تكلفتها الاقتصاد الوطني ويتكبد المستثمرون في رابغ والموانئ الأخرى جراءها خسائر كبيرة قد تفضي بهم جميعا إلى الخروج النهائي من السوق. انظروا إلى تجربة ميناءي راشد وجبل علي اللذين يقعان على مقربة من بعضهما في دبي، كلا الميناءين مملوكان بالكامل لإمارة دبي بإدارة حكومية، وكلاهما يخضعان لإشراف جهة حكومية واحدة، ويتمتعان بالمزايا نفسها، كما يطبقان معايير عمل موحدة. بمعنى آخر يعمل الميناءان بشكل مكمل لبعضهما بعضا ومنافس للآخرين. ومبدأ التكامل من الأسس التي استقر العمل بها في منظومة الموانئ السعودية منذ 30 عاما، ونأمل استمراره ونحن نحتفل بمولد ميناء جديد كي تصبح جميع موانئنا بوابات فاعلة تبحر من خلالها تجارة المملكة في الألفية الثالثة.