المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جيمس جويس رائد الرواية النفسيّة المبدع مجنون مؤقت إلى أن ينتهي من الكتابة


صقر الجنوب
04/10/2004, 12:22 PM
جيمس جويس رائد الرواية النفسيّة المبدع مجنون مؤقت إلى أن ينتهي من الكتابة

http://www.alriyadh.com.sa/Contents/04-10-2004/Mainpage/images/t17.jpg

ولد الروائي جيمس جويس رائد الرواية النفسيّة، وأحد روّاد الرواية العالميّة في دبلن عاصمة إيرلندا بتاريخ الثاني من فبراير عام 1882، وتوفي عام 1941في زيوريخ .
تلقّى أثناء حياته تربية دينيّة صارمة في مدرسة داخليّة يشرف عليها رهبان متزمّتون ممّا أورثه صراعاً فكريّاً وعقائديّاً وعاطفيّاً، وردّة فعل متمرّدة ضد التعصب والتزمت الديني . كان في فترة شبابه معتل الصحّة وضعيف البصر، ومع ذلك تميّز بذكاء شديد، وتفوّق في دراسته الجامعيّة، إلا أنّه كان متمرّداً في بعض الأحيان، وكان زملاؤه يعجبون بشجاعته الفكريّة، وتمرّده على الفكر النمطي الكاثوليكي، ومناقشة صحّة وشرعيّة ديانته، ومع ذلك عانى العزلة بين أترابه، وتعرّض لازدراء الأولاد الآخرين الذين استضعفوه.
نشأ جويس في بيئة كاثوليكيّة متعجرفة كئيبة، في عائلة انهارت أحوالها الماديّة والاجتماعيّة بسبب أوضاع البلاد، وتصرّفات أفراد عائلته الرعناء من تعاطي والده للكحول، وتبذير أخيه دخل الأسرة، ممّا أدّى إلى ملاحقة الدائنين وموظّفي الحجر لأفراد العائلة، لكن الجوائز الماليّة التي كان يكسبها بين حين وآخر باجتهاده عند حصوله على معدّلات عليا في الدراسة كانت تساعد قليلاً في ميزانيّة الأسرة.
عانى من الفجوة الثقافيّة بينه وبين والديه، وهذا زاد من شعوره بالعزلة، إلى جانب تجاربه العاطفيّة الفاشلة والمحبطة، مع أنّ هذه النوبات كان يعقبها تكفير على شكل حضور مكثّف لمواعظ الكنيسة الذي تحدّث كثيراً عن الجحيم والعذاب الذي ينتظر العصاة في نار جهنّم بتفصيل ممل، ممّا سبّب له آلاماً نفسيّة لا تطاق، كان يلجأ بعدها إلى جلسات الاعتراف بالكنيسة، حيث ينعم عليه أرباب الكنيسة بالغفران إلى درجة اعتقاده أنّه صار نقيّاً إلى درجة السعي إلى الفضيلة من خلال الانضمام الى القساوسة اليسوعيّين، حيث يكتشف السطحية في حياتهم رغم نفوذهم الاجتماعي، ويقرّر الانسحاب من نمط حياتهم.
من مؤلّفاته مجموعة شعريّة عام 1907، ومجموعة قصص قصيرة بعنوان "أهالي دبلن" عام 1913، و" صورة الفنّان في شبابه" عام 1917، و"بعث آل فينيغان" التي ترجمها الى العربية الراحل الدكتور طه محمود طه والتي حملت سمات جويس العصبية، وتميزت بتضمينها لأكثر من لغة داخل النص الإنجليزي، حيث استخدم في الرواية مفردات من 37لغة الى جانب استخدام العديد من الكلمات المنحوتة، قال عالم اللسانيات حمدي عبد الرازق أن طول الكلمة المنحوتة في روايتي بعث آل فينيغان وعوليس أو يوليسيز بلغت في بعض الأحيان 16حرفاً. (رواية يوليسيس 1922التي افترض البعض أنها مطابقة لشخصيته) مع أن أخاه الأصغر سناً نفى ذلك، وهي أشهر رواياته على الإطلاق ويجب قراءتها على أساس أنها عمل أدبي غير تاريخي أو توثيقي .
تعتبر كتابات جيمس جويس مَثلا حيا على العلاقة بين الآداب وعلم النفس، فهي متّصلة بموضوع الجنون، وهذا الموضوع ليس من السهل على الكاتب أن يغوص في أعماق التجربة ويكتب عنها، ويعود بنفس قدراته الذهنيّة التي كان عليها من قبل.
اهتم جيمس جويس بالكتابة النفسيّة من خلال معاناة ابنته التي كانت تعاني من الفصام، حيث كان يطلب نصيحة المحلّل النفسي الشهير كارل جوستاف بونغ حول تصرّفات ابنته التي أثارت بنفسه القلق، وعندما شخّصها الدكتور يونغ أنّها تعاني من الخبل المبكّر، وسأله جويس كيف استطاع أن يشخّص حالتها، قال الطبيب أنّ تفكيرها وكلامها يتّسمان بالتشويه والانحراف الشديدين. احتج جويس على تشخيص يونغ بأنّ قال أنّه في نمطه الخاص من الكتابة حاول أن يصل بشكل متعمّد من خلال حدود اللغة إلى ما يجعلها تبدو منحرفة ومشوّهة، وتساءل عن الفرق، وكان شرح يونغ أنّ جويس وابنته مثل شخصين ذهبا إلى قاع النهر، وبينما استطاع جويس أن يغوص إلى أعماق النفس ويعود منها، فإنّ ابنته غرقت هناك، حيث لا يستطيع المريض أن يفكّر ويتكلّم ويعبّر ويربط، بينما جويس استطاع أن يطوّر هذه الأمور من خلال كتاباته الإبداعيّة. أي أنه يعتبرّ المبدع بمثابة مجنون مؤقت طيلة كتابة النص، وهذا برأي جويس يمثّل خطراً على الكاتب في كلّ مرّة يتماهى في فعل الإبداع من حالة الجنون، وأنّه على المبدع أن يكون قادراً على الانسحاب من المكان الذي يأخذه إليه النص، فكلّما زاد انغماسه في أعماق النفس زاد تورّطا
ً في غرق قد لا ينجو منه، ويبدو أنّ رفض جويس لتشخيص يونغ لحالة ابنته كان بمثابة دفاع عن النفس.
كان جويس يميل إلى المذاهب الأدبيّة والفنيّة التي كانت في طور النشأة في أوروبا، تأثر كثيراً بمؤلّفات الفرنسي جوستاف فلوبير رائد الواقعيّة السيكولوجيّة مؤلّف رواية "مدام بوفاري" التي جذبت جويس بشكل كبير، كما أعجب بكتابات المسرحي النرويجي هنريك إبسن.
عمد جويس إلى أسلوب حديث في كتابة الرواية، صار يسمّى فيما بعد تيّار الوعي أو الحوار الداخلي المتمثّل في سرد الشخصيّة الروائيّة للأفكار والأحداث بعفويّة ودون نظام أو قيود أو ترتيب في الأحداث. الأسلوب يعتمد على توارد الأفكار وربطها على شكل أفكار للشخصيّات مكتوبة دون تدخّل من قبل الكاتب، كما يظهر أسلوبه هذا في روايته يوليسيس أو عوليس التي مع أنّها رواية طويلة إلا أنّها عبارة عن خواطر وحوارات داخليّة لبطل الرواية خلال فترة يوم واحد فقط بصياغة متميّزة فنيّاً.
تلاحظ في مادّته عقليّة متمرّدة على القيم الاجتماعيّة والدين النصراني المحافظ في تلك الفترة التي كانت قبضة الدين فيها قويّة، لذلك حملت رواياته مضامين اجتماعيّة إلى جانب المضامين الفكريّة والثقافيّة والفنيّة. يميّز أسلوبه الروعة في التعبير والتصوير في تجسيد الصراع الداخلي للشخصيات والتعبير عنها عن طريق الخطاب من وعي الشخصيّة إلى القارئ مباشرة دون أن يبدو هناك أي تدخّل من جانب الكاتب.
في رواية يوليسيس نجد بطلها ستيفين ديدالوس يميل في طفولته إلى السعادة، وبعضها الآخر إلى الخوف والرهبة كما كانت حال جويس أثناء طفولته، حيث تعرّض للكثير من الترهيب من الوقوع في الخطأ مهما كان صغيراً، ومن خلال شخصيّة ستيفين تكاد تقرأ بعض ملامح شخصيّة جويس خصوصاً في انسحابه من العالم الذي عرفه في صباه من خلال أسرته ومدينته، ووطنه إيرلندا، ومن ديانته الكاثوليكيّة، حيث وصل مرحلة عدم الاستعداد لخدمة ما لا يؤمن به.
التناقض في شخصيّة ستيفين تشبه شخصيّة جويس فهي شخصيّة ديناميكيّة متحرّكة متغيّرة بين الجرأة والخوف، بين عدم الشعور بالأمان، والتعالي، والوحدة، والانعزال، والبطولة بين الأقران عند مناقشة شرعيّة السلطة المرفوضة، وبين الورع ورفض كل ما يمت إلى الدين بصلة.
هذه الرواية (يوليسيس أو عوليس)، ظهرت في باريس عام 1922لأنها كانت محظورة في بريطانيا وأمريكا، حيث نظر إليه الإنجليز على أنهّ شاذ غريب الأطوار، بينما اعتبره الأيرلنديون كما قال عنه ييتس "كاتباً فاحشاً مجنوناً"، قام بترجمة هذه الرواية الأستاذ صلاح نيازي عام 2001عن دار المدى.
الفضل يعود في نشر كتاب عوليس أو يوليسيس رغم الرقابة الإنجلوسكونيّة عليه إلى نساء التقى بهن، منهن مارتا فليتشمان التي ألهمته العديد من كتاباته، التي التقاها في زيوريخ عندما اندلعت الحرب العالميّة الأولى عام 1914، وثلاث نساء التقاهن عام 1920في باريس هن أندريه مونييه، وسيلفيا بيتش، ومرغريت أندرسون الذي استطاع بفضلهن نشر كتابه الشهير يوليسس بعد أن اعتبرتها الصحافة البريطانيّة غير ملتزمة أخلاقيّاً، ومن هنا جاء قرار منعها في إنجلترا.
ترجم رواية يوليسيس إلى اللغة الفرنسيّة الكاتب المعاصر جاك أوبير مع أنّها ترجمت للمرّة الأولى للفرنسيّين عام 1929على يد فاليري لاربو.