rola
27/01/2006, 01:59 AM
>>>>القصة جميلة جدا و مؤثرة أقراها بتمعن
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد
>>>كثيرا... ويُقال انها قصته الشخصية:
>>>
>>>لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر
>>>تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات..
>>>كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة...
>>>كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون.
>>>أذكر ليلتها أنّي
>>>أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. بإمكاني تغيير
>>>نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه.. أجل كنت أسخر من
>>>هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس
>>>يتجنّبني كي يسلم من لساني.
>>>أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... والأدهى
>>>أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما
>>>يقول.. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق..
>>>عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت
>>>في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟
>>>قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع ..
>>>كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة
>>>جداً .. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..
>>>سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي.. كان المفروض أن
>>>أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة أنّها في شهرها التاسع .
>>>حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام
>>>ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها..
>>>فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم
>>>ليبشروني.
>>>بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى
>>>فوراً.. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة
>>>التي أشرفت على ولادة زوجتي.
>>>صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم
>>>أن أرى ابني سالم.
>>>قالوا، أولاً راجع الطبيبة ..
>>>دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار .. ثم
>>>قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
>>>خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي
>>>دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.
>>>سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا
>>>أقول.. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى
>>>زوجتي ..
>>>لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف
>>>عن الاستهزاء بالناس.. كانت
>>>تردد دائماً، لا تغتب الناس ..
>>>خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به
>>>كثيراً. اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى
>>>الصالة لأنام فيها. كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما
>>>أنا فلم أكن أكرهه، لكني لم أستطع أن أحبّه !
>>>كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ
>>>يحاول المشي.. فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت
>>>زوجتي بعده عمر وخالداً.
>>>مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت.
>>>دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
>>>لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من
>>>تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم
>>>واهتمامي بباقي إخوته.
>>>كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى
>>>المدارس الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء ..
>>>عمل ونوم وطعام وسهر.
>>>في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت
>>>مبكراً بالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت
>>>بالخروج. مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة!
>>>إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً.
>>>عشر سنوات مضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع
>>>صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة. التفت ... ثم اقتربت منه. قلت: سالم!
>>>لماذا تبكي؟!
>>>حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله
>>>بيديه الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!!
>>>وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ... كان
>>>قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه
>>>.. بدأ سالم
>>>يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض.
>>>أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى
>>>المسجد. ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى
>>>عمر.. ونادى والدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى.
>>>أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع
>>>أن أتحمل بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..
>>>قال: نعم ..
>>>
>>>نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك
>>>اليوم إلى المسجد؟
>>>قال: أكيد عمر .. لكنه يتأخر
>>>دائماً ..
>>>قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..
>>>دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه
>>>بيدي وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد
>>>قريب... أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.
>>>لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى
>>>التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية.
>>>كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي وجدت لسالم
>>>مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل
>>>في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..
>>>بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو
>>>أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ناولته
>>>المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب
>>>الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها.
>>>أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ... وعيناه
>>>مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!
>>>خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت
>>>وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ... فبدأت
>>>أبكي كالأطفال.
>>>كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... خجلت منهم فحاولت أن
>>>أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...
>>>لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !!
>>>ضممته إلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى بل أنا
>>>الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار.
>>>عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل
>>>إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..
>>>من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء ..
>>>وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم. عرفت
>>>منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة
>>>ذكر أو صلاة الوتر. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. رطّبت لساني
>>>بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس. أحسست أنّي أكثر
>>>قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة
>>>التي كانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني
>>>سالم. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً على
>>>نعمه.
>>>ذات يوم ... قرر
>>>أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة.
>>>تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض...
>>>لكن حدث العكس !
>>>
>>>فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون
>>>استشارتها فسقاً وفجوراً.
>>>توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً...
>>>تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما
>>>سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ... آآآه
>>>كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني
>>>منذ سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.
>>>كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر
>>>مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..
>>>قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت...
>>>أخيراً عدت إلى المنزل. طرقت الباب. تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن
>>>فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي
>>>وهو يصرخ: بابا .. بابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.
>>>استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
>>>أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.
>>>تأمّلتها جيداً
>>>ثم سألتها: ما بكِ؟
>>>قالت: لا شيء .
>>>فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟
>>>خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على
>>>خديها...
>>>صرخت بها ... سالم! أين سالم ..؟
>>>
>>>لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح
>>>الجنّة ... عند الله...
>>>لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض،
>>>فخرجت من الغرفة.
>>>عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته
>>>زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت
>>>روحه جسده ..
>>>إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف
>>>... يا الله
>>>إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي
>>>... يا الله
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم
>>>
>>>ملاحظة : اذا كان نشرها سيرهقك فلا تنشرها فلن تستحق اخذ ثوابها لأن
>>>ثوابها عظيم
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد
>>>كثيرا... ويُقال انها قصته الشخصية:
>>>
>>>لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر
>>>تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات..
>>>كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة...
>>>كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون.
>>>أذكر ليلتها أنّي
>>>أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. بإمكاني تغيير
>>>نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه.. أجل كنت أسخر من
>>>هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس
>>>يتجنّبني كي يسلم من لساني.
>>>أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... والأدهى
>>>أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما
>>>يقول.. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق..
>>>عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت
>>>في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟
>>>قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع ..
>>>كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة
>>>جداً .. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..
>>>سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي.. كان المفروض أن
>>>أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة أنّها في شهرها التاسع .
>>>حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام
>>>ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها..
>>>فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم
>>>ليبشروني.
>>>بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى
>>>فوراً.. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة
>>>التي أشرفت على ولادة زوجتي.
>>>صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم
>>>أن أرى ابني سالم.
>>>قالوا، أولاً راجع الطبيبة ..
>>>دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار .. ثم
>>>قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
>>>خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي
>>>دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.
>>>سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا
>>>أقول.. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى
>>>زوجتي ..
>>>لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف
>>>عن الاستهزاء بالناس.. كانت
>>>تردد دائماً، لا تغتب الناس ..
>>>خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به
>>>كثيراً. اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى
>>>الصالة لأنام فيها. كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما
>>>أنا فلم أكن أكرهه، لكني لم أستطع أن أحبّه !
>>>كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ
>>>يحاول المشي.. فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت
>>>زوجتي بعده عمر وخالداً.
>>>مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت.
>>>دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
>>>لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من
>>>تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم
>>>واهتمامي بباقي إخوته.
>>>كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى
>>>المدارس الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء ..
>>>عمل ونوم وطعام وسهر.
>>>في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت
>>>مبكراً بالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت
>>>بالخروج. مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة!
>>>إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً.
>>>عشر سنوات مضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع
>>>صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة. التفت ... ثم اقتربت منه. قلت: سالم!
>>>لماذا تبكي؟!
>>>حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله
>>>بيديه الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!!
>>>وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ... كان
>>>قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه
>>>.. بدأ سالم
>>>يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض.
>>>أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى
>>>المسجد. ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى
>>>عمر.. ونادى والدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى.
>>>أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع
>>>أن أتحمل بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..
>>>قال: نعم ..
>>>
>>>نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك
>>>اليوم إلى المسجد؟
>>>قال: أكيد عمر .. لكنه يتأخر
>>>دائماً ..
>>>قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..
>>>دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه
>>>بيدي وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد
>>>قريب... أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.
>>>لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى
>>>التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية.
>>>كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي وجدت لسالم
>>>مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل
>>>في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..
>>>بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو
>>>أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ناولته
>>>المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب
>>>الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها.
>>>أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ... وعيناه
>>>مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!
>>>خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت
>>>وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ... فبدأت
>>>أبكي كالأطفال.
>>>كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... خجلت منهم فحاولت أن
>>>أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...
>>>لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !!
>>>ضممته إلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى بل أنا
>>>الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار.
>>>عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل
>>>إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..
>>>من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء ..
>>>وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم. عرفت
>>>منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة
>>>ذكر أو صلاة الوتر. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. رطّبت لساني
>>>بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس. أحسست أنّي أكثر
>>>قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة
>>>التي كانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني
>>>سالم. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً على
>>>نعمه.
>>>ذات يوم ... قرر
>>>أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة.
>>>تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض...
>>>لكن حدث العكس !
>>>
>>>فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون
>>>استشارتها فسقاً وفجوراً.
>>>توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً...
>>>تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما
>>>سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ... آآآه
>>>كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني
>>>منذ سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.
>>>كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر
>>>مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..
>>>قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت...
>>>أخيراً عدت إلى المنزل. طرقت الباب. تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن
>>>فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي
>>>وهو يصرخ: بابا .. بابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.
>>>استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
>>>أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.
>>>تأمّلتها جيداً
>>>ثم سألتها: ما بكِ؟
>>>قالت: لا شيء .
>>>فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟
>>>خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على
>>>خديها...
>>>صرخت بها ... سالم! أين سالم ..؟
>>>
>>>لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح
>>>الجنّة ... عند الله...
>>>لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض،
>>>فخرجت من الغرفة.
>>>عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته
>>>زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت
>>>روحه جسده ..
>>>إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف
>>>... يا الله
>>>إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي
>>>... يا الله
>>>
>>>
>>>
>>>
>>>لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم
>>>
>>>ملاحظة : اذا كان نشرها سيرهقك فلا تنشرها فلن تستحق اخذ ثوابها لأن
>>>ثوابها عظيم