صقر الجنوب
30/01/2006, 07:35 PM
http://www.sayidaty.net/images/NewHeader/Header_Newest_04.jpg (http://www.sayidaty.net/index.asp)
في ندوة.. مواجهة بين الفتيات وأولياء الأمور لماذا تدفعون البنات الى الهرب من بيوتهن؟
http://www.sayidaty.net/SiteImages/News/470.jpg
هزّت المجتمع السعودي بداية العام الماضي عدّة حوادث عن حالات هروب بعض الفتيات، كان لها وقع الصاعقة في قلوب الكثيرين، وبحسب المتخصصين في علم النفس والاجتماع أن الأسلوب الذي تتخذه الأسرة كمنهج في التربية واعتماد القسوة والعنف والتأنيب، بالإضافة إلى عدم الفهم لحاجات الفتاة في سن المراهقة للحب والانتماء هو أبرز أسباب اتخاذها هذا القرار الانفعالي بالانفصال عن الأهل، فيما يكون سبب هروب الفتيات الأكبر سناً واللاتي تخطين سن المراهقة هو وضع العراقيل أمام إتمام مشروع تزويجها ممن ترغبه أو تزويجها بمن لا ترضاه.
«سيدتي» اختارت مواجهة صريحة بين آباء يمثلون رأي وموقف الأهل، وفتيات يمثلن موقف البنات من الاهل الذين يعوقون زواجهن ويضيقون عليهن الخناق. الجديد في الندوة مشاركة «حالة» حقيقية لفتاة تفكر بالهرب من أهلها كما قالت لنا بصراحة أثناء النقاش.
جدة ـ أعد الندوة وأدارها: اميمة سند وجمال عبد الخالق تصوير: سلمان المرزوقي
1 المحور الأول:
هل يعوق الكثير من الآباء زواج بناتهم حقا؟ وما هي اسبابهم؟ وما وقع هذا الموقف على بناتهم؟
بداية تقول دانية الكويتي: في السابق كان الأهل يميلون إلى تزويج الفتاة لأنهم يسعون إلى سعادة ابنتهم وهذا هو الأمر الطبيعي، لكن في بعض الأحيان يمنع الأب ابنته من الزواج بسبب جشعه لأنها تعمل وتتقاضى راتبا وهو يطمع في هذا الراتب، وهذه لا تعتبر ظاهرة يمكن أن نطبقها على كل الآباء وإنما هناك أقلية تفعل ذلك وبالتالي يلزم لهم علاج نفساني، كما أن الفتاة يجب أن تكون مؤهلة نفسيا واجتماعيا حتى تتمكن من تقييم الرجل الذي اختارته ليكون شريكا لها مستقبلا، وقد يحدث أن يكون اختيار الفتاة للشخص غير موفق لأن حكمها عليه مبني نتيجة انطباعات أولية غير ناضجة أو مسؤولة، وبالتالي تكون حتمية فشل الزواج مما يجعل تدخل الأهل ضروري جدا لمنع هذا الزواج، وبرأيي اذا كانت الإشكالية الكبرى أو المنع بسبب الراتب أو غيره من المصالح فمن الممكن أن يصل الطرفان إلى حل ودي يرضيهما معا، وهو أن تتنازل الفتاة عن راتبها كله أو جزء منه لوالدها حتى لا يكون هذا المال نقمة عليها وعلى سعادتها.
المال نقمة
في حين تؤكد نجود باكدو أن الثروة والجاه يمكن أن يكونا حائلا للفتاة من تكوين أسرة مثلها مثل غيرها من الفتيات، وتضيف قائلة: المصالح والمنافع المادية التي تحكم بعض الآباء من الأسر الغنية يمكن أن تجهض أحلام الفتيات، بعد أن تصبح نظرة الأهل المصوبة نحو العريس المتقدم بأنه صائد الثروات ومنتهز الفرص وبالتالي يرفضونه، هذا الرفض غيرالمبرر من جانبهم يمكن أن يحطم الفتاة نفسيا ويجعلها تصل إلى مرحلة تكره فيها أهلها وثروتها التي أصبحت نقمة عليها، وفي أوقات كثيرة يحدد الأهل مهرا معينا يفوق إمكانات الخاطب . هذا التصرف يشعر الفتاة بأنها سلعة لدى أهلها ومن يدفع أكثر «يشيل البضاعة»، عندها تبدأ تفكر في طرق كثيرة للانتقام من أهلها ويكون خيار الهروب أحد البدائل في تصورها، خاصة إذا تعدت سن الثلاثين مما يعني بأن فرصتها في الزواج والإنجاب تتناقص كثيرا.
2 المحور الثاني:
ما الذي يدفع فتاة للهرب من اهلها؟ وهل موقفهم من زواجها يبرر لها مثل هذا التصرف؟ وهل يكون هذا هو الحل الوحيد لأية فتاة تكون في مثل هذا الوضع؟
أمل (طالبة) تقول: عمري تسعة عشر عاما اختار قلبي شابا اقتنعت به وتمنيت أن يكون زوجي وبادلني هو ذات الشعور، لكنه عندما تقدم للزواج مني قوبل بالرفض من أسرتي رغم أنهم يعرفونه جيدا، وعندما تحدثت مع أهلي وأبديت رغبتي في الارتباط بهذا الشاب حولوا حياتي إلى جحيم واتهموني بأنني على علاقة به، وبدأ مسلسل الضرب والشك يدخل حياتي ولا يكاد يمر يوم دون أن أصاب في وجهي من شدة الضرب، خاصة من شقيقي، قد تتساءلون أين والدي حتى يسمح لشقيقي بأن يضربني ويعذبني هكذا؟! الحقيقة أن والدي رغم أنه يعيش معنا في نفس المنزل إلا أنه لا يعرف ما يدور حوله، ووالدتي سيدة بسيطة لا تستطيع أن تفعل شيئا وإذا حدث وتكلمت معه بخصوصنا يكون مصيرها الضرب مثلنا! كل هذه الأمور والمعاناة التي أعيشها جعلتني أفكر جديا في الهرب من المنزل، أي أنني لن أهرب بسبب الشاب الذي أحبه فقط رغم أنني وجدت لديه الحب والحنان.
الأهل يدافعون ويرفضون
محمد الزهراني الذي يمثل الآباء في هذه الندوة لم يجد بدا بعد سماعه اعتراف امل، الا ان يدافع عن موقف الأهل: «في بعض المناطق والمجتمعات المحافظة في السعودية لا يتقبل الأهل أو مجتمع القبيلة صراحة الفتاة في مفاتحة أهلها ورغبتها في الارتباط بشخص ما، وأنا شخصيا لا أقبل أن تأتي ابنتي وتخبرني برغبتها في الزواج من شاب تعرفت إليه، لكنني كأب سأسعى بالتأكيد للبحث عن مصلحة ابنتي لذا سأكون دقيقا في فحص من يتقدم طالباً الزواج منها، وليس هناك ما يعيبني إذا أنا بحثت لها عن زوج يصلح للزواج بها مثلما سأبحث عن زوجة مناسبة لولدي، وإذا وجدت أن الشخص المتقدم للزواج من ابنتي لا يصلح لها أو غير مناسب من وجهة نظري عندها سأرفض طلبه، وأحاول شرح الأسباب التي جعلتني أرفضه وأنا متأكد من أنها ستتقبلها في نهاية الأمر، ولن يقودها تفكيرها إلى الهرب، لكننا نجد في بعض الأسر أن «الآباء والإخوة» يكونون متسلطين ومتعسفين في استعمال حقوقهم تجاه بناتهم، متناسين تماما تعاليم ديننا وشريعتنا التي تطالبنا باستئذانها قبل زواجها ممن تقدم لها.
الجفاف العاطفي
من جانبها تقول التربوية حنان أحمد عبد السلام التي تمثل الامهات: رغم أنني متفهمة للكثير من الأمور إلا أنني لن أقبل أن تأتي ابنتي وتخبرني بأنها تحب «فلانا» من الناس وتريد الارتباط به، إلا بعد أن يتم السؤال عنه بشكل واف. وإذا اتضح أنه غير كفء فلن يتم الزواج وأنا متأكدة بأن ابنتي ستسمع رأيي وإن كنا نجد في أوقات كثيرة أن بعض الآباء والأولياء يمارسون لوناً جديداً وعنيفاً من ألوان الوأد الذي حرمه الإسلام ألا وهو العضل الذي يعد وأدا لآمال الفتاة.
اختلاف الأجيال
وتقول الدكتورة والكاتبة الصحافية عائشة نتو: هروب الفتيات يوجد في أي مجتمع من المجتمعات والسعودية ليست بمعزل عن هذه المجتمعات، وعلينا أن نعترف بأنه لدينا مشاكل عديدة في المجتمع أدى بعضها إلى بروز ظاهرة هروب الفتيات من أسرهن، ومما لا شك فيه أن مجتمعات القبيلة أكثر محافظة وتمسكا بعاداتها وتقاليدها عن مجتمعات المدن المنفتحة، لذا نجد بأن الانفتاح والوضوح والتبسط في العلاقة بين الأم وابنتها غير موجود في المجتمع القبلي كما هو الحال في المدينة، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث مشاكل بسبب الفجوة التي وجدت بين الأجيال، الأمر الذي يجعل الفتاة عرضة للوقوع في براثن الضياع والانحراف ويتبع ذلك الهرب من المنزل عند ظهور أول بوادر خلاف، لكن إذا تلاشت الفجوة القائمة بين الأجيال وحل التفاهم محل الضرب والنقاش الهادىء والواعي فإنه لن تكون هناك حالات هروب وانحراف وغيرها من الأمور التي يمكن أن تحدث للفتيات.
تغيير المفاهيم
وتتفق معها في الرأي فائزة عباس ـ مديرة نادي الفتيات للصم والبكم بجدة، قائلة: من واقع عملي فإنني كنت الحظ بأن الأهل يمنعون بناتهم من الخروج للحياة العامة، خوفا عليهن لأنهن يعانين من بعض الإعاقات مما يجعلهن عرضة للمشاكل بسهولة، لكننا استطعنا أن نمتص خوفهم وقلقهم بالأنشطة والبرامج التي نقيمها في النادي بحيث لا تتاح للفتاة فرصة التفكير في الهرب من أسرتها، وكأم أقول بأن أحد الأسباب القوية لهروب الفتاة هو جهل الأسر بالخصائص النفسية لمرحلة المراهقة، وليس شرطاً أن يحصل الهروب في الأسر المفككة، فقد تكون الأسرة متماسكة ولكن أسلوبها التربوي الخاطيء يجعل الفتاة تصل لمثل هذه القرار.
ويجب على الأسر أن تغير من منظورها ومفاهيمها السابقة لأن الجيل الجديد لا يقبل ولن يقبل بأي شكل من الأشكال الطاعة العمياء.
لا مبرر للهرب
إحسان طيب ـ مدير الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة، يقول: هناك عائلات تتميز بالتساهل وأخرى بالتشديد أو تتميز بالوسطية، وعلى ضوء هذه الثقافة تتحدد ردود الفعل بالنسبة للأهل عندما يتقدم لهم خاطب أو تخبرهم ابنتهم بأنها تحب شخصا ما وتريد الارتباط به، وعلينا أن نسأل عن الخاطب لنعرف هل هو رجل كفء للزواج منه أم لا قبل أن نمتنع عن تزويج بناتنا، لأن امتناع الأهل عن تزويج بناتهم من رجال مشهود لهم بالصلاح والتقوى أمر ليس بالسهل، ويناقض جميع الأعراف والشريعة الإسلامية.
3 المحور الثالث:
كيف تتعامل الجهات المختصة مع حالات هرب الفتيات؟
عن الدور الذي تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية في حالة هرب الفتيات يوضح إحسان طيب قائلا: في الآونة الأخيرة ثارت مشاكل العنف الذي يتعرض له الأبناء لذا أوجدنا دارا للحماية الاجتماعية في جدة، وعندما ترد إلينا حالة يقوم فريق من الإختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين باستقبالها ويعملون على امتصاص الصدمة الأولى إذا كانت الحالة معرضة للإيذاء، وبعد ذلك يبحث الوضع مع ولي الأمر لمعرفة سبب المشكلة ونتمكن في بعض الأحيان من إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، وفي أوقات أخرى يجعل الهروب من المنزل ولي الأمر يعيد التفكير في القرارات التي كان يظن بأنها قطعية، ويتخذ بدلا منها تدابير أقل ضررا وحدة حتى لا تتكرر واقعة الهرب لأنها تكون بمثابة جرس إنذار، وفي حالة عدم الصلح بينهما فإننا نقوم باحتواء الحالة ونعيد تأهيلها من جديد حتى تستعيد رشدها وتتبصر بالخطأ الواقع منها ومن أسرتها في نفس الوقت.
4 المحور الرابع:
اليس هناك من خطورة نفسية على فتاة تغصب او تجبر او تمنع من الزواج لتعنت من ولي امرها؟
الدكتورة منى الصواف ـ الاستشارية النفسية ورئيسة القسم النفسي بمستشفى الملك فهد بجدة تقول: ينبغي أن نعي أمرا في غاية الاهمية وهو أن إجبار الفتاة على الزواج يزيد من حالات الطلاق، هروب الفتيات من أسرهن وزيادة حالات الانتحار خاصة إذا لم تجد من ينصفها ويستمع إليها، كما يقع الطلاق النفسي بين الزوجين رغم أنهما يعيشان تحت سقف واحد، وبالتالي يجب أن تعطى المرأة حقا من حقوقها وهو اختيارها لشريك حياتها مع ضرورة توفر بعض الشروط مثل العقل السليم وأن يكون الرجل الذي اختارته متوافقا معها اجتماعيا وثقافيا، ولا تكره على الزواج بسبب العرف والتقاليد (ابن العم) الأمر الذي ينشىء خلافات عميقة داخل القبيلة إذا كان الطرفان لا يقبلان ببعضهما البعض.
5 المحور الخامس:
ما هو موقف القانون من أب يغصب ابنته على زواج أو يعوق زواجها من رجل صالح؟
المحامي نايف يماني يعتبر أساس مشكلة «الهرب» هي الولاية سواء كانت من الأب أو الأخ أو من الجد، ويشرح وجهة نظره قائلا: بعض الجهلة بأحكام الشرع أساءوا استخدام الولاية وجعلوا من بناتهم سلعة تباع لمن يدفع أكثر مما ترتب عليه آثار سيئة في المجتمع، ومن حق الفتاة إقامة دعوى العضل على الأب لرفع الظلم الذي يهدر حقوقها التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وقد شهدت ساحات المحاكم بعض قضايا العضل وجاء الحكم فيها لصالح الفتيات.
في ندوة.. مواجهة بين الفتيات وأولياء الأمور لماذا تدفعون البنات الى الهرب من بيوتهن؟
http://www.sayidaty.net/SiteImages/News/470.jpg
هزّت المجتمع السعودي بداية العام الماضي عدّة حوادث عن حالات هروب بعض الفتيات، كان لها وقع الصاعقة في قلوب الكثيرين، وبحسب المتخصصين في علم النفس والاجتماع أن الأسلوب الذي تتخذه الأسرة كمنهج في التربية واعتماد القسوة والعنف والتأنيب، بالإضافة إلى عدم الفهم لحاجات الفتاة في سن المراهقة للحب والانتماء هو أبرز أسباب اتخاذها هذا القرار الانفعالي بالانفصال عن الأهل، فيما يكون سبب هروب الفتيات الأكبر سناً واللاتي تخطين سن المراهقة هو وضع العراقيل أمام إتمام مشروع تزويجها ممن ترغبه أو تزويجها بمن لا ترضاه.
«سيدتي» اختارت مواجهة صريحة بين آباء يمثلون رأي وموقف الأهل، وفتيات يمثلن موقف البنات من الاهل الذين يعوقون زواجهن ويضيقون عليهن الخناق. الجديد في الندوة مشاركة «حالة» حقيقية لفتاة تفكر بالهرب من أهلها كما قالت لنا بصراحة أثناء النقاش.
جدة ـ أعد الندوة وأدارها: اميمة سند وجمال عبد الخالق تصوير: سلمان المرزوقي
1 المحور الأول:
هل يعوق الكثير من الآباء زواج بناتهم حقا؟ وما هي اسبابهم؟ وما وقع هذا الموقف على بناتهم؟
بداية تقول دانية الكويتي: في السابق كان الأهل يميلون إلى تزويج الفتاة لأنهم يسعون إلى سعادة ابنتهم وهذا هو الأمر الطبيعي، لكن في بعض الأحيان يمنع الأب ابنته من الزواج بسبب جشعه لأنها تعمل وتتقاضى راتبا وهو يطمع في هذا الراتب، وهذه لا تعتبر ظاهرة يمكن أن نطبقها على كل الآباء وإنما هناك أقلية تفعل ذلك وبالتالي يلزم لهم علاج نفساني، كما أن الفتاة يجب أن تكون مؤهلة نفسيا واجتماعيا حتى تتمكن من تقييم الرجل الذي اختارته ليكون شريكا لها مستقبلا، وقد يحدث أن يكون اختيار الفتاة للشخص غير موفق لأن حكمها عليه مبني نتيجة انطباعات أولية غير ناضجة أو مسؤولة، وبالتالي تكون حتمية فشل الزواج مما يجعل تدخل الأهل ضروري جدا لمنع هذا الزواج، وبرأيي اذا كانت الإشكالية الكبرى أو المنع بسبب الراتب أو غيره من المصالح فمن الممكن أن يصل الطرفان إلى حل ودي يرضيهما معا، وهو أن تتنازل الفتاة عن راتبها كله أو جزء منه لوالدها حتى لا يكون هذا المال نقمة عليها وعلى سعادتها.
المال نقمة
في حين تؤكد نجود باكدو أن الثروة والجاه يمكن أن يكونا حائلا للفتاة من تكوين أسرة مثلها مثل غيرها من الفتيات، وتضيف قائلة: المصالح والمنافع المادية التي تحكم بعض الآباء من الأسر الغنية يمكن أن تجهض أحلام الفتيات، بعد أن تصبح نظرة الأهل المصوبة نحو العريس المتقدم بأنه صائد الثروات ومنتهز الفرص وبالتالي يرفضونه، هذا الرفض غيرالمبرر من جانبهم يمكن أن يحطم الفتاة نفسيا ويجعلها تصل إلى مرحلة تكره فيها أهلها وثروتها التي أصبحت نقمة عليها، وفي أوقات كثيرة يحدد الأهل مهرا معينا يفوق إمكانات الخاطب . هذا التصرف يشعر الفتاة بأنها سلعة لدى أهلها ومن يدفع أكثر «يشيل البضاعة»، عندها تبدأ تفكر في طرق كثيرة للانتقام من أهلها ويكون خيار الهروب أحد البدائل في تصورها، خاصة إذا تعدت سن الثلاثين مما يعني بأن فرصتها في الزواج والإنجاب تتناقص كثيرا.
2 المحور الثاني:
ما الذي يدفع فتاة للهرب من اهلها؟ وهل موقفهم من زواجها يبرر لها مثل هذا التصرف؟ وهل يكون هذا هو الحل الوحيد لأية فتاة تكون في مثل هذا الوضع؟
أمل (طالبة) تقول: عمري تسعة عشر عاما اختار قلبي شابا اقتنعت به وتمنيت أن يكون زوجي وبادلني هو ذات الشعور، لكنه عندما تقدم للزواج مني قوبل بالرفض من أسرتي رغم أنهم يعرفونه جيدا، وعندما تحدثت مع أهلي وأبديت رغبتي في الارتباط بهذا الشاب حولوا حياتي إلى جحيم واتهموني بأنني على علاقة به، وبدأ مسلسل الضرب والشك يدخل حياتي ولا يكاد يمر يوم دون أن أصاب في وجهي من شدة الضرب، خاصة من شقيقي، قد تتساءلون أين والدي حتى يسمح لشقيقي بأن يضربني ويعذبني هكذا؟! الحقيقة أن والدي رغم أنه يعيش معنا في نفس المنزل إلا أنه لا يعرف ما يدور حوله، ووالدتي سيدة بسيطة لا تستطيع أن تفعل شيئا وإذا حدث وتكلمت معه بخصوصنا يكون مصيرها الضرب مثلنا! كل هذه الأمور والمعاناة التي أعيشها جعلتني أفكر جديا في الهرب من المنزل، أي أنني لن أهرب بسبب الشاب الذي أحبه فقط رغم أنني وجدت لديه الحب والحنان.
الأهل يدافعون ويرفضون
محمد الزهراني الذي يمثل الآباء في هذه الندوة لم يجد بدا بعد سماعه اعتراف امل، الا ان يدافع عن موقف الأهل: «في بعض المناطق والمجتمعات المحافظة في السعودية لا يتقبل الأهل أو مجتمع القبيلة صراحة الفتاة في مفاتحة أهلها ورغبتها في الارتباط بشخص ما، وأنا شخصيا لا أقبل أن تأتي ابنتي وتخبرني برغبتها في الزواج من شاب تعرفت إليه، لكنني كأب سأسعى بالتأكيد للبحث عن مصلحة ابنتي لذا سأكون دقيقا في فحص من يتقدم طالباً الزواج منها، وليس هناك ما يعيبني إذا أنا بحثت لها عن زوج يصلح للزواج بها مثلما سأبحث عن زوجة مناسبة لولدي، وإذا وجدت أن الشخص المتقدم للزواج من ابنتي لا يصلح لها أو غير مناسب من وجهة نظري عندها سأرفض طلبه، وأحاول شرح الأسباب التي جعلتني أرفضه وأنا متأكد من أنها ستتقبلها في نهاية الأمر، ولن يقودها تفكيرها إلى الهرب، لكننا نجد في بعض الأسر أن «الآباء والإخوة» يكونون متسلطين ومتعسفين في استعمال حقوقهم تجاه بناتهم، متناسين تماما تعاليم ديننا وشريعتنا التي تطالبنا باستئذانها قبل زواجها ممن تقدم لها.
الجفاف العاطفي
من جانبها تقول التربوية حنان أحمد عبد السلام التي تمثل الامهات: رغم أنني متفهمة للكثير من الأمور إلا أنني لن أقبل أن تأتي ابنتي وتخبرني بأنها تحب «فلانا» من الناس وتريد الارتباط به، إلا بعد أن يتم السؤال عنه بشكل واف. وإذا اتضح أنه غير كفء فلن يتم الزواج وأنا متأكدة بأن ابنتي ستسمع رأيي وإن كنا نجد في أوقات كثيرة أن بعض الآباء والأولياء يمارسون لوناً جديداً وعنيفاً من ألوان الوأد الذي حرمه الإسلام ألا وهو العضل الذي يعد وأدا لآمال الفتاة.
اختلاف الأجيال
وتقول الدكتورة والكاتبة الصحافية عائشة نتو: هروب الفتيات يوجد في أي مجتمع من المجتمعات والسعودية ليست بمعزل عن هذه المجتمعات، وعلينا أن نعترف بأنه لدينا مشاكل عديدة في المجتمع أدى بعضها إلى بروز ظاهرة هروب الفتيات من أسرهن، ومما لا شك فيه أن مجتمعات القبيلة أكثر محافظة وتمسكا بعاداتها وتقاليدها عن مجتمعات المدن المنفتحة، لذا نجد بأن الانفتاح والوضوح والتبسط في العلاقة بين الأم وابنتها غير موجود في المجتمع القبلي كما هو الحال في المدينة، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث مشاكل بسبب الفجوة التي وجدت بين الأجيال، الأمر الذي يجعل الفتاة عرضة للوقوع في براثن الضياع والانحراف ويتبع ذلك الهرب من المنزل عند ظهور أول بوادر خلاف، لكن إذا تلاشت الفجوة القائمة بين الأجيال وحل التفاهم محل الضرب والنقاش الهادىء والواعي فإنه لن تكون هناك حالات هروب وانحراف وغيرها من الأمور التي يمكن أن تحدث للفتيات.
تغيير المفاهيم
وتتفق معها في الرأي فائزة عباس ـ مديرة نادي الفتيات للصم والبكم بجدة، قائلة: من واقع عملي فإنني كنت الحظ بأن الأهل يمنعون بناتهم من الخروج للحياة العامة، خوفا عليهن لأنهن يعانين من بعض الإعاقات مما يجعلهن عرضة للمشاكل بسهولة، لكننا استطعنا أن نمتص خوفهم وقلقهم بالأنشطة والبرامج التي نقيمها في النادي بحيث لا تتاح للفتاة فرصة التفكير في الهرب من أسرتها، وكأم أقول بأن أحد الأسباب القوية لهروب الفتاة هو جهل الأسر بالخصائص النفسية لمرحلة المراهقة، وليس شرطاً أن يحصل الهروب في الأسر المفككة، فقد تكون الأسرة متماسكة ولكن أسلوبها التربوي الخاطيء يجعل الفتاة تصل لمثل هذه القرار.
ويجب على الأسر أن تغير من منظورها ومفاهيمها السابقة لأن الجيل الجديد لا يقبل ولن يقبل بأي شكل من الأشكال الطاعة العمياء.
لا مبرر للهرب
إحسان طيب ـ مدير الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة، يقول: هناك عائلات تتميز بالتساهل وأخرى بالتشديد أو تتميز بالوسطية، وعلى ضوء هذه الثقافة تتحدد ردود الفعل بالنسبة للأهل عندما يتقدم لهم خاطب أو تخبرهم ابنتهم بأنها تحب شخصا ما وتريد الارتباط به، وعلينا أن نسأل عن الخاطب لنعرف هل هو رجل كفء للزواج منه أم لا قبل أن نمتنع عن تزويج بناتنا، لأن امتناع الأهل عن تزويج بناتهم من رجال مشهود لهم بالصلاح والتقوى أمر ليس بالسهل، ويناقض جميع الأعراف والشريعة الإسلامية.
3 المحور الثالث:
كيف تتعامل الجهات المختصة مع حالات هرب الفتيات؟
عن الدور الذي تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية في حالة هرب الفتيات يوضح إحسان طيب قائلا: في الآونة الأخيرة ثارت مشاكل العنف الذي يتعرض له الأبناء لذا أوجدنا دارا للحماية الاجتماعية في جدة، وعندما ترد إلينا حالة يقوم فريق من الإختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين باستقبالها ويعملون على امتصاص الصدمة الأولى إذا كانت الحالة معرضة للإيذاء، وبعد ذلك يبحث الوضع مع ولي الأمر لمعرفة سبب المشكلة ونتمكن في بعض الأحيان من إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، وفي أوقات أخرى يجعل الهروب من المنزل ولي الأمر يعيد التفكير في القرارات التي كان يظن بأنها قطعية، ويتخذ بدلا منها تدابير أقل ضررا وحدة حتى لا تتكرر واقعة الهرب لأنها تكون بمثابة جرس إنذار، وفي حالة عدم الصلح بينهما فإننا نقوم باحتواء الحالة ونعيد تأهيلها من جديد حتى تستعيد رشدها وتتبصر بالخطأ الواقع منها ومن أسرتها في نفس الوقت.
4 المحور الرابع:
اليس هناك من خطورة نفسية على فتاة تغصب او تجبر او تمنع من الزواج لتعنت من ولي امرها؟
الدكتورة منى الصواف ـ الاستشارية النفسية ورئيسة القسم النفسي بمستشفى الملك فهد بجدة تقول: ينبغي أن نعي أمرا في غاية الاهمية وهو أن إجبار الفتاة على الزواج يزيد من حالات الطلاق، هروب الفتيات من أسرهن وزيادة حالات الانتحار خاصة إذا لم تجد من ينصفها ويستمع إليها، كما يقع الطلاق النفسي بين الزوجين رغم أنهما يعيشان تحت سقف واحد، وبالتالي يجب أن تعطى المرأة حقا من حقوقها وهو اختيارها لشريك حياتها مع ضرورة توفر بعض الشروط مثل العقل السليم وأن يكون الرجل الذي اختارته متوافقا معها اجتماعيا وثقافيا، ولا تكره على الزواج بسبب العرف والتقاليد (ابن العم) الأمر الذي ينشىء خلافات عميقة داخل القبيلة إذا كان الطرفان لا يقبلان ببعضهما البعض.
5 المحور الخامس:
ما هو موقف القانون من أب يغصب ابنته على زواج أو يعوق زواجها من رجل صالح؟
المحامي نايف يماني يعتبر أساس مشكلة «الهرب» هي الولاية سواء كانت من الأب أو الأخ أو من الجد، ويشرح وجهة نظره قائلا: بعض الجهلة بأحكام الشرع أساءوا استخدام الولاية وجعلوا من بناتهم سلعة تباع لمن يدفع أكثر مما ترتب عليه آثار سيئة في المجتمع، ومن حق الفتاة إقامة دعوى العضل على الأب لرفع الظلم الذي يهدر حقوقها التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وقد شهدت ساحات المحاكم بعض قضايا العضل وجاء الحكم فيها لصالح الفتيات.