المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق الأسهم إلى أين؟ .. مناقشة هادئة


صقر الجنوب
06/02/2006, 10:25 AM
سوق الأسهم إلى أين؟ .. مناقشة هادئةhttp://www.aleqt.com/admpic/33.jpg
محمد بن عبد الله الشريف - كاتب في الشأن العام 07/01/1427هـ
لا أحد يشك في صدق النوايا لدى المسؤولين عن شؤون الاقتصاد بعامة, والسوق المالية بخاصة, وما يجري في سوق الأسهم على وجه الخصوص, من جموح وتسارع نحو المجهول, وأجدني مضطرا إلى إيراد العبارة الأخيرة, لأنه لا أحد ممن يتحدث عما يجري, حتى أكثر الناس اتزانا, إلا ويقول إنه لا بد أن تكون هناك ردة فعل معاكسة لما يحصل, اتساقا مع المنطق وطبيعة الأمور. صحيح أن الكل, ممن ذاق عسيلة السوق, مبتهج, وهو يرى المؤشر يتخطى كل التوقعات والتحليلات, والكل يدعو الله ألا تقوم الحكومة, ممثلة في الجهات المسؤولة عن الوضع, بعمل أي شيء من شأنه أن يكبح جماح السوق, ويحيطها بسياج أمني يحول دون القفز على الأسوار واختراقها, ولكن, بلا شك, فإن الكل سيلوم الحكومة على سكوتها وعدم تدخلها لحمايتهم فيما لو أصيبت السوق بأي نكسة أو تراجع, وكأني بالمسؤولين يراقبون الوضع, ويرون البالون يزيد انتفاخا, ويتمنون لو تمكنوا من تهدئته, وتخفيض ضغط الهواء فيه, ولكنهم يخشون من ردة فعل تستغل لإحباط أي تصرف يتسم بالتهدئة والترشيد, والقصد واضح!!
الوضع محير حقا, فعندما كان المؤشر يحاول اختراق الخمسة عشر ألف نقطة, كان الكل ومنهم من يدعون البراعة في التحليل, يتوقع ألا يتم ذلك بسهولة, خاصة مع بداية عام 2006, واستقرار أو تباطؤ الأسواق المحيطة, وإذا بالسوق مع بداية العام تنطلق بشكل غير متوقع, وكأن عام 2005 لم يضف إلى حجم السوق أكثر من الضعف؟! وعندما بلغت قيمة التداول اليومي 25 مليار ريال في آخر العام فغر الناس أفواههم دهشة وظنوا أن السوق بلغت نهايتها في حجم التدوير اليومي للسيولة؟!, وإذا بها مع بداية العام الجديد تتخطى حاجز الأربعين مليارا, وربما تناطح الخمسين قريبا؟! وعندما كان عدد الشركات التي تقفل على النسبة ارتفاعا لا يتجاوز الشركتين أو الثلاث يوميا, نرى الرقم وقد وصل العشرات, وعندما نتمعن في وضع الشركات الطائشة نجد أن أغلبها شركات لا تملك من المقومات ما ينهض مبررا واحدا لما يجري!!
والمحصلة أن الكل يلهث, ولم يعد أحد يفكر في وضع السهم الذي يشتريه, سواء من حيث المركز المالي, أو القيمة الدفترية, أو مكرر الربحية, أو حتى الربح الموزع, فلم يعد هذا يساوي شيئا أمام إغلاق السهم على النسبة ارتفاعا يوما بعد آخر!!

من هو الرابح الأكبر؟
الرابح الأكبر في السوق هم المؤسسون, سواء في الشركات الجديدة, أو المتحولة إلى مساهمة, الذين تضاعفت أموالهم عشرات المرات وهم متكئون على الوسائد, يراقبون الكل يضاربون من أجلهم, ويتصارعون على الحصة الضئيلة من رأس المال المطروحة للتداول لمصلحتهم, يبيعون ويشترون, ويروجون الشائعات لجني أرباح لا تساوي شيئا, مع ضخامة حجمها, نسبة لما يتراكم في حسابات المؤسسين, الذين بلا شك يحمدون الله أن تضمن النظام قيدا يتمثل في عدم جواز بيع حصصهم قبل مضي عدة سنوات من بداية التداول, كان الهدف منه بثّ الطمأنينة والاستقرار في نفوس مساهمي الشركة.
انعكست الآية, وأصبح من مصلحة السوق إلغاء مثل هذا القيد لضمان ضخ الجزء الأكبر من رؤوس الأموال التي ينام عليها المؤسسون, علها تشبع, ولو قليلا, نهم المتعطشين للاستثمار, وتهدّئ من الطيشان الحاصل في القدر الكبير, الذي فاضت منه الأموال وتدفقت إلى الأسواق المحيطة, ودعت صغار المستثمرين يلهثون وراء أي ريح تهب حاملة نبأ اكتتاب جديد.

ومن هو الخاسر؟
الخاسر مما يجري في السوق هو المواطن الذي قدر له أن يسهم في أي من الاكتتابات التي طرحت خلال السنوات الأخيرة, ولم يحصل سوى على عدد ضئيل من الأسهم لا يتجاوز أصابع اليد, لم يجد أنها تشكل استثمارا يستأهل الاحتفاظ به, فآثر التخلي عنها بالبيع بمجرد تحرك السهم بعد التداول لكي تتجمع وتنتهي في أيدي الكبار, ولو قدر أن المهتمين, وأولهم هيئة السوق المالية, أجروا بحثا ميدانيا يهدف إلى استكشاف نسبة المكتتبين الذين احتفظوا بأسهمهم لجاءت النتيجة غير متوقعة.
إن وضع الاكتتابات الأخيرة, وآخرها شركة الدريس, وما تؤدي إليه من تصارع الملايين من المواطنين على نسبة ضئيلة من رؤوس الأموال لا تتعدى في الغالب 30 في المائة, كلها تجري لمصلحة الكبار من المؤسسين من ناحيتين, الأولى أنها تتسبب في مضاعفة حصص المؤسسين خلال برهة وجيزة من بدء التداول, والثانية أن العدد الضئيل من الأسهم الذي سيخصص للمواطن سيرحل في النهاية إلى حسابات الكبار, كما ذكرنا, ولست أدري كيف سيتم تخصيص أسهم شركة الدريس بعدما تبين بوضوح أنه ليس بالإمكان أن يحصل المواطن حتى على سهم واحد, رغم أن العدد الأكبر من المواطنين أحجم عن الاكتتاب لمعرفته مسبقا بالنتيجة, وكان الأولى ألا يتم طرح هذه النسبة القليلة من الأسهم دون انتظار اكتتابات جديدة وطرحها متزامنة, أملا في حصول المكتتب على عدد معقول من الأسهم, وفي هذا رفع للحرج الذي ستواجهه هيئة السوق, إزاء عملية تخصيص أسهم الشركة!!

لنأخذ العبرة من "الريان"
إن ما حصل أثناء اكتتاب بنك الريان في قطر لهو دليل واضح على ما تعانيه السوق لدينا من وضع يحتاج إلى التدخل, وقد حاول الإخوة في قطر الاستفادة من هذا الوضع, واستعملوا ذكاءهم عدة مرات, الأولى عندما لم يتيحوا مجالا لمشاركة البنوك الخليجية في إدارة عملية الاكتتاب استئثارا بالأتعاب واستغلالا للسيولة المتدفقة إليهم دون حساب إلى أطول فترة ممكنة, لتعقد عملية إعادة الفائض, فضلا عن اشتراط الدفع بشيكات مصدقة, ضمن إجراءات مغلفة بالشك من ألفها إلى يائها !! والثانية عندما أرادوا أن يتعلموا من عمليات اكتتاب سابقة, وتوقعوا أن يتدفق عليهم مواطنو الخليج بأعداد غير منتظرة, وهو ما حصل بالفعل, فسارعوا إلى ابتكار لم يسبقهم إليه أحد, حين فتحوا للمكتتبين بوابات ملعب كرة قدم بحجة تحاشي الازدحام, وضنوا عليهم بالأماكن المظللة الدافئة, وتركوا المكتتبين يجولون في ساحات الملعب المكشوفة, تحت وطأة جو شتوي قارص, لا يجدون ما يتكئون عليه غير صبات الأسمنت يتوسدونها طلبا للراحة!! أما المرة الثالثة فهي الإصرار على الاكتتاب بجوازات السفر, وكأن بطاقات الهوية التي يسمح بالتنقل بها عبر حدود بعض الدول غير معترف بها, وهو الأمر الذي دفع بالآلاف من جوازات السفر إلى الهجرة دون أصحابها, مما عرضها للسرقة والضياع وربما التأجير والرهن!! وأما المرة الرابعة التي كسب فيها الإخوة في قطر فهي إشغال الفنادق والشقق والزوايا, وكأنه لا يوجد وسيلة لإشغالها غير الالتفاف على مفهوم السياحة, وإجبار الناس على المجيء والإنفاق مكرهين!!
والخلاصة المستقاة مما جرى أن عملية الاكتتاب هذه كانت تبعث على الرثاء والشفقة وتجسد بكل وضوح معاني البدائية والاستخفاف بكرامة الناس ووقتهم, ولم يخرج منها المواطن الخليجي بغير الأسف والإحباط, لما آل إليه مفهوم التكامل والتعاون الذي يرعاه مجلسهم!ّ!
ما الذي يمكن عمله؟
كل ينظر إلى وضع السوق من زاويته, فالمستفيدون مما يجري يتمنون ألا يحدث ما يعكر صفو ابتهاجهم, والخاسوون ينحون باللائمة على الجهات المسؤولة عن الوضع لعدم تدخلها لحمايتهم, غير أن المراقب الغيور على المصلحة ينتابه شعور بأن الوضع غير طبيعي البتة, وأنه بحاجة إلى علاج هادئ وسريع يستهدف تحقيق العدالة في توزيع الفرص لمصلحة السواد الأعظم من المواطنين, ويتحاشى ردود الفعل المعاكسة, أو الإضرار بفئة دون أخرى, لأن التأجيل, وترك الوضع على ما هو عليه سيزيد الوضع تعقيدا, وسيجعل الحل أصعب مما يبدو الآن! والمؤمل أن يكون هناك حزمة من الإجراءات يتم اتخاذها تدريجيا, وفي أوقات مختلفة, بحيث لا تؤثر سلبا على وضع السوق, وإنما تعمل على تهدئة الوضع, وزيادة عوامل الرشد فيه, ومن بين تلك الإجراءات ما يأتي:
1 ـ المبادرة إلى خفض هامش الصعود والنزول اليومي المسموح به إلى 5 في المائة بدلا من 10 في المائة, سعيا لتهدئة حدة الصعود والنزول المحتمل لأي سهم من 60 في المائة في الأسبوع الواحد كحد أقصى, كما يحدث أحيانا, إلى 30 في المائة, فضلا عن أن هذا النظام معمول به في بعض الأسواق المجاورة, ويعد نظاما ملائما للأسواق الناشئة أو المتذبذبة.
2 ـ ألا يقل ما يطرح للاكتتاب العام من رأسمال أي شركة, سواء كانت جديدة أو متحولة إلى مساهمة عامة, عن 50 في المائة من رأس المال, توسيعا لقاعدة المساهمين, وتحقيقا للعدالة في توزيع الفرص, وزيادة المعروض في السوق, ومنع السيطرة والاحتكار.
3 ـ أن يؤخذ في الاعتبار, عند تحول الشركات الخاصة إلى مساهمة عامة, أن تكون ذات نفع عام, يهم الشريحة الأكبر من المواطنين, وتؤدي خدمات شاملة مما يحتاج إليه عامة الناس, فليس في شركة تقتصر على المتاجرة في سلعة واحدة أي فائدة يجنيها المواطن, وذلك تحقيقا للهدف العام من قيام الشركات المساهمة.

والله من وراء القصد.