المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حصيلة محاكمة صدام حسين ورفاقه في قضية الدجيل


صقر الجنوب
04/03/2006, 10:11 AM
http://www.aleqt.com/nwspic/15438.jpg
السفير د. عبد الله الأشعل - - 04/02/1427هـ
انعقدت الجلستان الثالثة عشرة والرابعة عشرة لمحاكمة الرئيس السابق صدام حسين ورفاقه السبعة في قضية الدجيل يومي 28 شباط ( فبراير) والأول من آذار(مارس)2006، وقبل تقييم هذه الجلسات يجب الإشارة إلى أن ورقة صدام حسين استخدمتها واشنطن طوال العقود الأربعة الأخيرة رئيساً للعراق وحاكماً لبلد محاصر حتى تم إسقاط نظامه، ولذلك فإن ظهور صدام، وفكرة محاكمته، وتوقيت المحاكمة، وتشكيل اللجنة، وتعيين رئيسها وأعضائها، والقانون الذي يحاكم على أساسه، كلها مرتبطة إلى حد بعيد بالسياسات الأمريكية. وليس صدفة أن تجرى المحاكمات في وقت يعاني فيه العراق أسوأ موجات الحرب الأهلية الطائفية، ربما لكي تذكي هذه الموجة، وليس مصادفة أن ينحى رئيسا المحكمة السابقان، ويختار لرئاسة المحكمة مواطن عراقي كردي أضيرت أسرته ووسطه في مأساة حلبجة التي أبيد فيها الآلاف، وهو بالقطع يحمل آلام هذه المدينة المنكوبة ضد الجلاد، وهو بالقطع أيضاً لن يكون محايداً نزيهاً رغما عنه. ويجمع المراقبون على أن اختيار قضية الدجيل – وهي أخف القضايا الداخلية – يقصد بها الكثير، من ذلك أن الدجيل القريبة من الحدود الإيرانية العراقية وقعت فيها محاولة اغتيال صدام، فتم إعدام من تم اتهامهم، وهم جميعاً أعضاء في حزب الدعوة الإسلامية الذي يمثل نسبة عالية من النخبة الحاكمة الآن في العراق، فاختلط المتهمون السُنة بالقاضي الكردي بالنخبة الحاكمة الشيعية. عندما وقع حادث الاعتداء على صدام في الثامن من تموز (يوليو) 1982 تم القبض على 148 شخصاً، وإدانتهم في محكمة الثورة، التي قررت إعدامهم جميعاً، ومن بينهم 18 فتى دون الثامنة عشرة. ومن بين هذا العدد الإجمالي أعدم أربعة خطأ وهم أبرياء، كما أفلت اثنان من المتهمين سهواً، وتمت مصادرة ممتلكات المتهمين الذين أعدموا، ولكن تم تعويض من نزعت ملكيتهم في بساتين القرية، التي أكد صدام أن مصادرتها كانت أمراً قانونياً. وخلال المحاكمة قتل 52 شخصاً من المتهمين.
وقد انتهي الدفاع من تقديم عدد من الوثائق، بحيث يمكن القول إن الجلستين الثالثة عشرة والرابعة عشرة هما بداية المحاكمة الجديدة، ولذلك لم يثر صدام ورفاقه ضجيجاً في الجلسة الأخيرة التي تعودوا على إثارته، وربما صدمهم تقديم الادعاء هذه المستندات الصحيحة. ولم يعمد صدام إلى استخدام الإعلام الذي يغطي الجلسات بشكل مكثف هذه المرة، وإن حاول أن يكسب تعاطف رئيس المحكمة حين ذكره بأنه حكم العراق لما ينيف على ثلاثة عقود، حقق فيها أمجاداً أهمها الدفاع عن البلاد ضد إيران، في إشارة إلى أن كل الإجراءات التي اتخذها في الدجيل أثناء الحرب مع إيران لها ما يبررها دفاعاً عن البلاد في ظروف استثنائية. وربما أضاف صدام إلى المتهمين تهمة أخرى، بجانب التآمر على حياته، وهي العمالة لإيران، مما يزيد الحرب الأهلية اشتعالاً في ضوء دور إيران في العراق.
صحيح أن المحاكمة تأجلت حتى يوم 12 آذار (مارس) 2006، وأن مراحل المحكمة التالية تشمل قيام الادعاء بتحديد التهم الموجهة لكل من المتهمين السبعة، ومواد القانون التي تنطبق على الوصف القانوني للجريمة والعقوبة المقررة. ولكن الصحيح أيضاً أن الجلسة الأخيرة الرابعة عشرة كانت في نظري كافية لتقييم مجمل القضية. فقد بدا الادعاء جاداً في الجلسة الثالثة عشرة، وقدم عدداً من المستندات تركت الانطباع بجدية الموقف، ثم ظهر الادعاء في اليوم التالي يحاول أن يرسم قدراً أكبر من الجدية، فزعم أن لديه كمية من الوثائق الخطيرة، ولكن نظراً لحرصه على وقت المحكمة، فإنه سوف يكتفي بتقديم بعضها، ولكن الادعاء لم يقدم شيئاً ذا أهمية، وتعرض لملاحظة قانونية من صدام قبلتها المحكمة على الفور، وهي انتقال صدام لما استخلصه المدعي العام من الأدلة بما يتجاوز اختصاصه ويدخل في اختصاص المحكمة. كما قبلت المحكمة دفوع بعض المتهمين، فيما بدا أن هذا المناخ خلق جواً من الصدمة عند القاضي، فبدأ يلاطف المتهمين ويبدي تعاطفاً معهم، بعد أن خذله تظاهر الادعاء بما لديه من أوراق. ودون أن نسارع إلى نتيجة غير مضمونة، فإنه يبدو لنا أن القضية قد طويت لصالح المتهمين. ويجب أن نسجل في هذا الصدد أن محاكمة صدام حتى في ظروف الاحتلال والحرب الأهلية كان يمكن أن تكون سابقة تاريخية في الانتصار للعدالة، ولكن يبدو أن هذه الفرصة قد ضاعت إلى الأبد. فهناك – كما يقول العراقيون – مئات أو آلاف الجرائم التي ارتكبها صدام ضد شعبه وجيرانه، ولذلك يجوز التساؤل حول السبب في اختيار أتفه الجرائم رغم هولها بمقياس الاستخفاف بأرواح الناس وكرامتهم.
أما أن القضية قد طويت في نظرنا، فتفصيله هو أن الادعاء قدم وثائق حول إعدام 148 شخصاً في حادث الدجيل وتشمل الوثائق: تقرير برزان من المخابرات إلى صدام، وتأشيرة صدام للأجهزة المختصة، ومكافأة لكل من اشترك في كشف المؤامرة، ثم تقرير حول إحالة المتهمين إلى المحاكمة، وقرار الإدانة من جانب محكمة الثورة، والمرسوم الجمهوري بالمصادقة على حكم الإعدام، ومرسوم بإعفاء اثنين من تنفيذ الحكم بسبب السهو، وتأشيرة بالتحقيق في هذا السهو، ثم قرار باعتبار المعدمين خطأ شهداء، وتأشيرة بتشكيل لجنة للكشف عن تنظيم حزب الدعوة خاصة الجناح النسوي.
ثم قدم الادعاء أيضاً عدداً من شكاوى أهالي المتهمين للاستفسار عنهم، وكذلك تقارير بعض المسؤولين الحزبيين إلى قياداتهم حول بعض المتهمين في أحداث الدجيل، وقال الادعاء إن هذه التقارير هي السبب المباشر في إعدام المتهمين. وقد شكك رفاق صدام المتهمون في القضية في صحة هذه التقارير وطعنوا باختلاقها وتزوير امضاءاتهم وأسلوبها، فضلاً عن رفضهم الادعاء بأن تكون هذه التقارير هي السبب في الإعدام قفزاً فوق المحاكمات، حتى لو كانت صورية.
ودون أن يساء فهم تقييم القضية، ويظن أني أدافع عن صدام ورفاقه في هذه الجريمة، حيث إنني أشد ممن يعتقدون أن الشعب العراقي قد ابتلي من جانب النظام والاحتلال معاً، فإنه في تقديري أن كل هذه الوثائق لا يمكن أن تشكل إدانة مباشرة لصدام حسين، لأن رئيس الدولة الذي تعرض لمحاولة اغتيال قام بما تم وفقاً لقانون بلاده، يمكن أن يجد تبريره في هذه الظروف الاستثنائية. فهذه هي الإجراءات العادية حتى في الظروف العادية، كما لم نجد فيها تجريماً لأي عمل قام به مساعدوه. ولعلنا نشير إلى أن محاكمة الجنرال بينوشيه – رئيس شيلي الأسبق – عندما اعتقل في لندن عام 2002، وتأكيد المحكمة في مجلس اللوردات إدانته بقانون دولي لم يتشكل بعد Lex Ferndale، كانت تتعلق بمسؤوليته السياسية كرئيس للدولة، وليس بمسؤولياته الجنائية المباشرة.
من ناحية أخرى، أشار دان ميرفي في مقاله المنشور في Christian Science Monitor يوم 2 آذار (مارس) 2006 بعنوان: "صدام يقبل المسؤولية ولكن لا يقر بالذنب» إلى أن صدام أقر بأنه تصرف كرئيس للدولة، وأن ذلك يشير إلى استراتيجية دفاعه في الجلسة المقبلة، أي الاعتراف بالجرائم ثم تبريرها. أظن أن هذه الاستراتيجية خاطئة أيضاً إذا صح هذا الافتراض.
على أية حال، فمن الناحية القانونية الصرفة، لا أظن أن المحاكمة في ضوء هذه المستندات التي لا تقدم اتهاماً جدياً لصدام ورفاقه سوف تسفر عن إدانة أو حتى عن مجرد تقديم الاتهام.

المحترف
05/03/2006, 09:26 AM
مشكووووووووووور