صقر الجنوب
04/03/2006, 10:16 AM
http://www.aleqt.com/admpic/393.jpg
محمد بن إبراهيم بن عيسى العيسى - محامٍ ومستشار قانوني - - 04/02/1427هـ
مما لا شك فيه أن قيام السوق المالية، وصدور نظام السوق المالية بالمرسوم الملكي رقم (م/30) وتاريخ2/6/1424هـ كان له أهمية وغاية سامية لتنظيم السوق المالية السعودية بشكل يكفل الانضباط والتوازن، والهيئة هي المخولة بالرقابة والإشراف بما لها من صلاحيات إصدار اللوائح والقواعد والتعليمات فضلاً عن تطبيق النظام حسب مقتضى نص الفقرة (أ) من المادة الخامسة من نظام السوق المالية، وبمزاولة الهيئة لمسؤولياتها ومن ذلك القرارات الصادرة بشأن مجازات المخالفين، فإن كثيراً من الناس تطرح سؤالاً على الهيئة عن تعويض المتضررين من جراء قيام المخالفين بالمضاربات غير النظامية والاحتيال والتضليل، التي أضرت بالمستثمرين حسني النية، وذلك حسب نص المادة (57) من نظام السوق المالية عندما قضت بأن أي شخص يرتكب مخالفة مما نص عليه في المادة (49) من النظام ذاته " يكون مسؤولاً عن تعويض أي شخص يشتري أو يبيع الورقة المالية التي تأثر سعرها سلباً بصورة بالغة نتيجة لهذا التلاعب...إلخ" وواضح من نص المادة (59) من النظام نفسه أن الهيئة هي المخولة بإقامة الدعوى ضد كل مخالف أمام اللجنة لاستصدار قرار بالعقوبة المناسبة ومن ذلك ما نصت عليه الفقرة (4) من النص الذي جعل من ضمن العقوبات " تعويض الأشخاص الذين لحقت بهم أضرار نتيجة للمخالفة المرتكبة ، أو إلزام المخالف بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه المخالفة إلى حساب الهيئة " فالنص واضح حول مسألة التعويض.
فقبل بضع سنوات كان المتداولون للأسهم لا يتجاوز عددهم الخمسون ألف شخص، والآن يتجاوز العدد مليوني شخص، فهناك عدد كبير من العامة –عامة المواطنين - دخلوا في معترك تداول الأسهم من بيع وشراء، فهم يتبادلون الأحاديث عن شخصيات ضاعفوا أموالهم عشرات المرات، وأشخاص أصبحوا من أصحاب الملايين والثروات، وذلك بغمضة عين والتفاتتها... إلى آخر ما يقال من أحاديث لا تخلو من هذه القصص وهذه الأحلام، وهذا ما جعل الأغلبية من طبقات المجتمع ومختلف أعمارهم وأجناسهم يدخلون هذا المعترك طمعاً في اللحاق بقطار هذه الطفرة قبل فواته، ومن ثَمَ لا يبقى سوى التحسر والندم لمن لم يركب هذا القطار.
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل هؤلاء في مأمن من الخداع والاحتيال؟، الكل قرأ وسمع عن بيانات هيئة السوق المالية، فهناك من صدر بحقه قرار من قبل لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بتغريمه مبالغ بالملايين، وهناك من أوقف تعامله نتيجة قيامه بعمليات مخالفة لنظام السوق المالية... إلى آخر ما قرأنا من بيانات لا جدوى من الإطالة فيها، ولكن يتضح أن في السوق محتالين كثرا!!، وما حصل من قِبل هؤلاء المحتالين هو مخالفة صريحة لأحكام نظام السوق المالية، حدد فيه ما يعد مخالفة في المادة (49) سالفة الذكر، وكذلك ما ورد في المادة(الثانية) و(الثالثة) من لائحة سلوكيات السوق، ولكن هل يعد ما قامت به هيئة السوق المالية كافياً؟ وهي المعنية بتنظيم السوق المالية وتطويرها، وهي الجهة المسؤولة عن إصدار اللوائح والقواعد والتعليمات وتطبيق أحكام نظام السوق المالية.
وسأعود بما بدأت به في مقالي هذا، عن عامة المتداولين للأسهم، ما هو التعويض الذي حكم به لصالحهم نتيجة الاحتيال الذي وقع عليهم؟ أليس لهم الحق بالمطالبة بالتعويض؟ أليس لهم الحق في جبر ضررهم ومطالبة المخالفين؟. النظام أعطاهم هذا الحق، وهذا ما نصت عليه المادة (57/أ) من النظام المذكورة سابقاً، ولكن ماذا عملت هيئة السوق المالية لأجلهم؟ فهي لم تقم بتوضيح ما تم فعلاً بالنسبة إلى المخالفين، ولم تبين ما للمتضررين من تعويضات عما أصابهم من ضرر صادر من المخالفين، أو على الأقل من ثبتت عليه المخالفة وصدر بحقه قرار من قبل اللجنة، ومع أن المشتري للسهم الذي حدث فيه الخداع والاحتيال، هو الطرف الرئيسي في العلاقة إلا أن هيئة السوق المالية لم توضح حقه بالمطالبة بأي تعويض أو جبر للضرر وكان دورها في ذلك سلبياً، إذ لم تذكر في بياناتها أسماء المخالفين وخاصة من ثبتت عليهم المخالفة وصدر بحقهم قرار؟ وقد يقول قائل إن النظام لم ينص صراحة على التشهير كنوع من أنواع العقوبة، إلا أن التشهير ضروري لأجل قيام المتضررين برفع دعوى التعويض على الشخص الذي قام بالتلاعب ومخالفة النظام إذا لم تقم الهيئة بدورها، فلا يعقل أن ترفع دعوى على شخص مجهول!!، والأدهى والأمر من ذلك أنها قامت فقط بفرض غرامات، وهذا ما أعلنت عنه في الصحف وما سمعت به، ولم تقم بتفعيل المادة (59/أ/4) من النظام والمذكورة سابقاً، التي تكلمت صراحة عن حق الهيئة برفع دعوى ضد المخالف لأجل استصدار قرار بالعقوبة المناسبة، وقد تكون طبقت الشق الثاني من الفقرة المذكورة دون النظر إلى الشق الأول، وإلا لسمعنا وقرأنا عن موضوع التعويض وهو ما لم نطلع عليه.
إن عملية تداول الأسهم مثلها مثل عمليات البيع المختلفة كافة، فنجد من يخادع ويحتال فيها، فالعملية ترتكز على نظرية العقد، أي أن تداول السهم مبني على عقد يتراضى فيه الطرفان البائع والمشتري، ويقترن فيه الإيجاب بالقبول، والمحل هنا هو بيع السهم، والسبب هو امتلاك السهم، وهذه النظرية تتم على جميع التعاملات وبمختلف أنواع البيوع (1)، والعقد بطبيعته قد يتخلله عيب من عيوب الإرادة، أو يختل فيه شرط من شروط صحة التراضي، وهذا ما يسمى بالبطلان النسبي، حيث إن رضا أحد العاقدين مشوب بعيب، وذلك بأن وقع هذا العاقد - المشتري - في غلط أو دُلس عليه أو غُبن. وقد حصل أن تناقشت مع بعض زملاء المهنة عن تكييف المخالفات من الناحية الشرعية والنظامية، وأنا أتكلم عن مخالفة رفع سعر السهم أو قيمة الورقة المالية، فقال أحدهم إنها قريبة من النجش: وهو أن يتواطأ صاحب السلعة مع مزايد صوري، يدفعه للمزايدة في سلعة حتى يغلي ثمنها (2)، وقال آخر إنها غبن: وهو الجهل بقيمة الشيء، بحيث لو تبين المشتري هذه القيمة للسهم على حقيقتها لما أقدم على التعاقد وشراء السهم ودفع هذه القيمة لهذا السهم، وقال ثالث إنها تدخل من باب التدليس: وهو إيهام الشخص بغير الحقيقة بقصد حمله على التعاقد والشراء، وتطرقي إلى أشكال اختلال العقد فذلك لأجل أن أبين ما للمشتري من حقوق نتيجة الضرر الذي لحق به، وحقه بالمطالبة بالتعويض بموجب الأحكام الشرعية والأنظمة المرعية المطبقة.
وبعد هذا السرد لأحداث مجتمع الأسهم، فإن لدي هذه الملحوظات والاستفسارات الموجهة إلى هيئة السوق المالية:
* إن أكبر المتضررين من هذا الاحتيال ومخالفة الأنظمة هم المشترون للسهم ومالكوه عند نزول سعر السهم، وهم الطرف الوحيد الذي لم يعوض ويجبر ضرره، فقد تمت تسوية النزاع بين المخالفين الثلاثة وبين هيئة السوق المالية، بأن يدفع المخالفون للهيئة مبلغا وقدره (169.199.169)، لأجل حل هذا النزاع باعتبار هذا المبلغ غرامة أو جزاء، فما هو معيار هذه الغرامات؟، وماذا بشأن أكبر المتضررين، ملاك السهم عند السقوط وهم الطرف الأضعف؟، وهل للهيئة الحق في المساومة بحقوق المتضررين؟.
* نصت المادة (13/أ/3) من النظام " أن من ضمن الموارد المالية للهيئة هي (3) الغرامات والجزاءات المالية التي تفرض على المخالفين لأحكام هذا النظام" ، فهل هذه المادة حافزة ودافعة لكي تترك الهيئة المخالف يغلو في مخالفاته لكي تكون الغرامة كبيرة وتستفيد هي من ذلك؟، وذلك لضمان عدم وجود مطالبات من المتضررين، حيث نلاحظ أن الهيئة تذكر في بياناتها بأنها لاحظت المخالف يقوم بعمليات مشبوهة ومخالفة لمدة طويلة تصل فتراتها إلى الأسابيع.
* لماذا لم يطرح توضيح وبيان لإجراءات تقديم الاعتراضات ومطالبات التعويض من قبل المتضررين الذين يملكون السهم عند سقوطه؟، وذلك في خضم الحملة الإعلامية الكبيرة والإعلانات المرئية والمقروءة التي وجهت كيفية التداول والابتعاد عن الشائعات فقط.
* في بيانات الهيئة الأخيرة قامت بإيقاف عدد من المخالفين ومنعتهم من الشراء، وهذا جزء من نص البيان" بحيث لا ينفذ له أوامر شراء في أسهم الشركات المدرجة في السوق"، أليس من الأولى أن يمنع من البيع، أو من البيع والشراء معاً، فالغاية من القرار منع المخالف من الاستمرار في مخالفته لحين التأكد من ثبوت المخالفة، وما قام به المخالف غايته رفع قيمة السهم بطريقة غير نظامية لأجل بيع الأسهم التي يمتلكها – وهي كمية كبيرة-بسعر عالِ، فنلاحظ أن الهيئة اتخذت قراراً يعد من صالح المخالف، ويسبب ضرراً لمالكي الأسهم، حيث سيقوم المخالف ببيع جميع الأسهم التي لديه وإغراق السوق فتقل قيمة السهم بصورة كبيرة وهو المستفيد الوحيد من ذلك.
* ذكرت المادة (5/أ/4) في النظام " الأعمال التي تقوم بها الهيئة ... (4) حماية المواطنين والمستثمرين في الأوراق المالية من الممارسات غير العادلة، أو غير السليمة، أو التي تنطوي على احتيال، أو غش، أو تدليس، أو تلاعب "، فأنا لا أنكر دور هيئة السوق المالية وما تبذله من جهد، ولكن ما أراه هو أن متضررين لم تتم حمايتهم ولم يتم جبر ضررهم، ومخالفين لم تردعهم العقوبات، حيث إن ما وقع عليهم من عقوبات وغرامات لا تمثل شيئاً بما حققوه من أرباح غير مشروعة نتيجة لاحتيالهم، فما جنوه بفعلتهم يغريهم بتكرار المخالفات.
فلعلي في هذا المقال أوضحت وجهة نظري فيما قرأته وسمعته من بعض المستثمرين فيما لوحظ من دور غير كاف تقوم به هيئة السوق المالية، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
ــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر إلى الوسيط في شرح القانون المدني – مصادر الالتزام –للدكتور السنهوري، جزء(1) ص(170)، وكذلك انظر إلى مصادر الحق في الفقه الإسلامي-للدكتور السنهوري جزء(1) ص (40).
(2) انظر إلى المغني لابن قدامة، جزء(4)، وكذلك إلى مصادر الحق في الفقه الإسلامي، السنهوري، جزء (2).
محمد بن إبراهيم بن عيسى العيسى - محامٍ ومستشار قانوني - - 04/02/1427هـ
مما لا شك فيه أن قيام السوق المالية، وصدور نظام السوق المالية بالمرسوم الملكي رقم (م/30) وتاريخ2/6/1424هـ كان له أهمية وغاية سامية لتنظيم السوق المالية السعودية بشكل يكفل الانضباط والتوازن، والهيئة هي المخولة بالرقابة والإشراف بما لها من صلاحيات إصدار اللوائح والقواعد والتعليمات فضلاً عن تطبيق النظام حسب مقتضى نص الفقرة (أ) من المادة الخامسة من نظام السوق المالية، وبمزاولة الهيئة لمسؤولياتها ومن ذلك القرارات الصادرة بشأن مجازات المخالفين، فإن كثيراً من الناس تطرح سؤالاً على الهيئة عن تعويض المتضررين من جراء قيام المخالفين بالمضاربات غير النظامية والاحتيال والتضليل، التي أضرت بالمستثمرين حسني النية، وذلك حسب نص المادة (57) من نظام السوق المالية عندما قضت بأن أي شخص يرتكب مخالفة مما نص عليه في المادة (49) من النظام ذاته " يكون مسؤولاً عن تعويض أي شخص يشتري أو يبيع الورقة المالية التي تأثر سعرها سلباً بصورة بالغة نتيجة لهذا التلاعب...إلخ" وواضح من نص المادة (59) من النظام نفسه أن الهيئة هي المخولة بإقامة الدعوى ضد كل مخالف أمام اللجنة لاستصدار قرار بالعقوبة المناسبة ومن ذلك ما نصت عليه الفقرة (4) من النص الذي جعل من ضمن العقوبات " تعويض الأشخاص الذين لحقت بهم أضرار نتيجة للمخالفة المرتكبة ، أو إلزام المخالف بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه المخالفة إلى حساب الهيئة " فالنص واضح حول مسألة التعويض.
فقبل بضع سنوات كان المتداولون للأسهم لا يتجاوز عددهم الخمسون ألف شخص، والآن يتجاوز العدد مليوني شخص، فهناك عدد كبير من العامة –عامة المواطنين - دخلوا في معترك تداول الأسهم من بيع وشراء، فهم يتبادلون الأحاديث عن شخصيات ضاعفوا أموالهم عشرات المرات، وأشخاص أصبحوا من أصحاب الملايين والثروات، وذلك بغمضة عين والتفاتتها... إلى آخر ما يقال من أحاديث لا تخلو من هذه القصص وهذه الأحلام، وهذا ما جعل الأغلبية من طبقات المجتمع ومختلف أعمارهم وأجناسهم يدخلون هذا المعترك طمعاً في اللحاق بقطار هذه الطفرة قبل فواته، ومن ثَمَ لا يبقى سوى التحسر والندم لمن لم يركب هذا القطار.
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل هؤلاء في مأمن من الخداع والاحتيال؟، الكل قرأ وسمع عن بيانات هيئة السوق المالية، فهناك من صدر بحقه قرار من قبل لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بتغريمه مبالغ بالملايين، وهناك من أوقف تعامله نتيجة قيامه بعمليات مخالفة لنظام السوق المالية... إلى آخر ما قرأنا من بيانات لا جدوى من الإطالة فيها، ولكن يتضح أن في السوق محتالين كثرا!!، وما حصل من قِبل هؤلاء المحتالين هو مخالفة صريحة لأحكام نظام السوق المالية، حدد فيه ما يعد مخالفة في المادة (49) سالفة الذكر، وكذلك ما ورد في المادة(الثانية) و(الثالثة) من لائحة سلوكيات السوق، ولكن هل يعد ما قامت به هيئة السوق المالية كافياً؟ وهي المعنية بتنظيم السوق المالية وتطويرها، وهي الجهة المسؤولة عن إصدار اللوائح والقواعد والتعليمات وتطبيق أحكام نظام السوق المالية.
وسأعود بما بدأت به في مقالي هذا، عن عامة المتداولين للأسهم، ما هو التعويض الذي حكم به لصالحهم نتيجة الاحتيال الذي وقع عليهم؟ أليس لهم الحق بالمطالبة بالتعويض؟ أليس لهم الحق في جبر ضررهم ومطالبة المخالفين؟. النظام أعطاهم هذا الحق، وهذا ما نصت عليه المادة (57/أ) من النظام المذكورة سابقاً، ولكن ماذا عملت هيئة السوق المالية لأجلهم؟ فهي لم تقم بتوضيح ما تم فعلاً بالنسبة إلى المخالفين، ولم تبين ما للمتضررين من تعويضات عما أصابهم من ضرر صادر من المخالفين، أو على الأقل من ثبتت عليه المخالفة وصدر بحقه قرار من قبل اللجنة، ومع أن المشتري للسهم الذي حدث فيه الخداع والاحتيال، هو الطرف الرئيسي في العلاقة إلا أن هيئة السوق المالية لم توضح حقه بالمطالبة بأي تعويض أو جبر للضرر وكان دورها في ذلك سلبياً، إذ لم تذكر في بياناتها أسماء المخالفين وخاصة من ثبتت عليهم المخالفة وصدر بحقهم قرار؟ وقد يقول قائل إن النظام لم ينص صراحة على التشهير كنوع من أنواع العقوبة، إلا أن التشهير ضروري لأجل قيام المتضررين برفع دعوى التعويض على الشخص الذي قام بالتلاعب ومخالفة النظام إذا لم تقم الهيئة بدورها، فلا يعقل أن ترفع دعوى على شخص مجهول!!، والأدهى والأمر من ذلك أنها قامت فقط بفرض غرامات، وهذا ما أعلنت عنه في الصحف وما سمعت به، ولم تقم بتفعيل المادة (59/أ/4) من النظام والمذكورة سابقاً، التي تكلمت صراحة عن حق الهيئة برفع دعوى ضد المخالف لأجل استصدار قرار بالعقوبة المناسبة، وقد تكون طبقت الشق الثاني من الفقرة المذكورة دون النظر إلى الشق الأول، وإلا لسمعنا وقرأنا عن موضوع التعويض وهو ما لم نطلع عليه.
إن عملية تداول الأسهم مثلها مثل عمليات البيع المختلفة كافة، فنجد من يخادع ويحتال فيها، فالعملية ترتكز على نظرية العقد، أي أن تداول السهم مبني على عقد يتراضى فيه الطرفان البائع والمشتري، ويقترن فيه الإيجاب بالقبول، والمحل هنا هو بيع السهم، والسبب هو امتلاك السهم، وهذه النظرية تتم على جميع التعاملات وبمختلف أنواع البيوع (1)، والعقد بطبيعته قد يتخلله عيب من عيوب الإرادة، أو يختل فيه شرط من شروط صحة التراضي، وهذا ما يسمى بالبطلان النسبي، حيث إن رضا أحد العاقدين مشوب بعيب، وذلك بأن وقع هذا العاقد - المشتري - في غلط أو دُلس عليه أو غُبن. وقد حصل أن تناقشت مع بعض زملاء المهنة عن تكييف المخالفات من الناحية الشرعية والنظامية، وأنا أتكلم عن مخالفة رفع سعر السهم أو قيمة الورقة المالية، فقال أحدهم إنها قريبة من النجش: وهو أن يتواطأ صاحب السلعة مع مزايد صوري، يدفعه للمزايدة في سلعة حتى يغلي ثمنها (2)، وقال آخر إنها غبن: وهو الجهل بقيمة الشيء، بحيث لو تبين المشتري هذه القيمة للسهم على حقيقتها لما أقدم على التعاقد وشراء السهم ودفع هذه القيمة لهذا السهم، وقال ثالث إنها تدخل من باب التدليس: وهو إيهام الشخص بغير الحقيقة بقصد حمله على التعاقد والشراء، وتطرقي إلى أشكال اختلال العقد فذلك لأجل أن أبين ما للمشتري من حقوق نتيجة الضرر الذي لحق به، وحقه بالمطالبة بالتعويض بموجب الأحكام الشرعية والأنظمة المرعية المطبقة.
وبعد هذا السرد لأحداث مجتمع الأسهم، فإن لدي هذه الملحوظات والاستفسارات الموجهة إلى هيئة السوق المالية:
* إن أكبر المتضررين من هذا الاحتيال ومخالفة الأنظمة هم المشترون للسهم ومالكوه عند نزول سعر السهم، وهم الطرف الوحيد الذي لم يعوض ويجبر ضرره، فقد تمت تسوية النزاع بين المخالفين الثلاثة وبين هيئة السوق المالية، بأن يدفع المخالفون للهيئة مبلغا وقدره (169.199.169)، لأجل حل هذا النزاع باعتبار هذا المبلغ غرامة أو جزاء، فما هو معيار هذه الغرامات؟، وماذا بشأن أكبر المتضررين، ملاك السهم عند السقوط وهم الطرف الأضعف؟، وهل للهيئة الحق في المساومة بحقوق المتضررين؟.
* نصت المادة (13/أ/3) من النظام " أن من ضمن الموارد المالية للهيئة هي (3) الغرامات والجزاءات المالية التي تفرض على المخالفين لأحكام هذا النظام" ، فهل هذه المادة حافزة ودافعة لكي تترك الهيئة المخالف يغلو في مخالفاته لكي تكون الغرامة كبيرة وتستفيد هي من ذلك؟، وذلك لضمان عدم وجود مطالبات من المتضررين، حيث نلاحظ أن الهيئة تذكر في بياناتها بأنها لاحظت المخالف يقوم بعمليات مشبوهة ومخالفة لمدة طويلة تصل فتراتها إلى الأسابيع.
* لماذا لم يطرح توضيح وبيان لإجراءات تقديم الاعتراضات ومطالبات التعويض من قبل المتضررين الذين يملكون السهم عند سقوطه؟، وذلك في خضم الحملة الإعلامية الكبيرة والإعلانات المرئية والمقروءة التي وجهت كيفية التداول والابتعاد عن الشائعات فقط.
* في بيانات الهيئة الأخيرة قامت بإيقاف عدد من المخالفين ومنعتهم من الشراء، وهذا جزء من نص البيان" بحيث لا ينفذ له أوامر شراء في أسهم الشركات المدرجة في السوق"، أليس من الأولى أن يمنع من البيع، أو من البيع والشراء معاً، فالغاية من القرار منع المخالف من الاستمرار في مخالفته لحين التأكد من ثبوت المخالفة، وما قام به المخالف غايته رفع قيمة السهم بطريقة غير نظامية لأجل بيع الأسهم التي يمتلكها – وهي كمية كبيرة-بسعر عالِ، فنلاحظ أن الهيئة اتخذت قراراً يعد من صالح المخالف، ويسبب ضرراً لمالكي الأسهم، حيث سيقوم المخالف ببيع جميع الأسهم التي لديه وإغراق السوق فتقل قيمة السهم بصورة كبيرة وهو المستفيد الوحيد من ذلك.
* ذكرت المادة (5/أ/4) في النظام " الأعمال التي تقوم بها الهيئة ... (4) حماية المواطنين والمستثمرين في الأوراق المالية من الممارسات غير العادلة، أو غير السليمة، أو التي تنطوي على احتيال، أو غش، أو تدليس، أو تلاعب "، فأنا لا أنكر دور هيئة السوق المالية وما تبذله من جهد، ولكن ما أراه هو أن متضررين لم تتم حمايتهم ولم يتم جبر ضررهم، ومخالفين لم تردعهم العقوبات، حيث إن ما وقع عليهم من عقوبات وغرامات لا تمثل شيئاً بما حققوه من أرباح غير مشروعة نتيجة لاحتيالهم، فما جنوه بفعلتهم يغريهم بتكرار المخالفات.
فلعلي في هذا المقال أوضحت وجهة نظري فيما قرأته وسمعته من بعض المستثمرين فيما لوحظ من دور غير كاف تقوم به هيئة السوق المالية، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
ــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر إلى الوسيط في شرح القانون المدني – مصادر الالتزام –للدكتور السنهوري، جزء(1) ص(170)، وكذلك انظر إلى مصادر الحق في الفقه الإسلامي-للدكتور السنهوري جزء(1) ص (40).
(2) انظر إلى المغني لابن قدامة، جزء(4)، وكذلك إلى مصادر الحق في الفقه الإسلامي، السنهوري، جزء (2).