المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شجيرات السدر


صقر الجنوب
04/03/2006, 08:13 PM
شجيرات السدر



http://www.iraq4all.dk/sh3er/story/ligon.jpg

) أي شأن يكون في الكون شئننا، بل لسنا شيئا منه ، استرقنا الدهر حتى غرنا في أعماق بحر الضياع ، نترقب ومنذ أمد بعيد زوارق النجاة ومرفئها الزمن المجهول. (
(ويلي.. صرت شبه المجنون) ضرب بكلتا يديه على مقود سيارته ، وقد على صوته بعد ما كان يتحدث مع نفسه متنهدا :
) تبا لتلك المقادير العمياء ..عشرون عاما وأنا في هذه الغربة )الساعة تُشير إلى الرابعة عصرا.. حبات الثلج بدأت تتجمع حول زجاجة سيارته الأمامية، حملته الذكريات بعيدا ..
في طفولته كان يحب المرح عند نزول المطر ،..ياترى هل المطر الان ينزل في بلادي؟ قالها مبتسما بحزن ..الشارع خالٍ من الركاب ..
حبات الثلج أخذت بالتزايد مع نسمات هواء تأرجحها.. صار يتحسس الم الجوع ، فهو لحد الان لم يأكل شيئا منذ الصباح ، ازداد هطول الثلج ، أسرع بالسير منعطفا حول المتنزه ..أشجار الصنوبر صارت بيضاء تماما .. ذرواها تذكره بأكواخ الجنوب .. ليس هناك من ركاب بل ليس هناك اثر للمارة ..
(الشتاء وسبات الناس ) قالها ، وقد أسرع كثيرا ماسكاً مقود السيارة باليد اليسرى ، باحثا بيده اليمنى عن شئ ..عله يجمع ما حصل عليه اليوم من نقود..
لمحها تسير هويناً تقطع طريقها بين كويمات الثلج ، وهي تتذمر كثيراً حينما يعرقل الثلج مسير عربة ولدها ، فترفعها وشبه ما تضرب بها الأرض..
(أمي لاتمتلك مثل هذه العربة بل كانت تحملني على عاتقها حتى حين دخولي المدرسة ،تحملني متجاوزة برك الماء الواقعة في الطرق المؤدية إلى المدرسة..غيرابهةٍعلى نفسها البلل أو البرد أو المطر المتساقط عليها تخفيني تحت العباءة..استنشق بعمق ..لم أزل أتذكر رائحتك(..هزَ برأسه متعجباً، كالذي مر على آثار خاوية ..كانت قوية جداً عندما هاجرت وخلفتها ) لم أتوقع أن تكون بهذه الحالة التي رأيتها عليها ليته لم يُفتح ذلك الطريق السري ، ولم تكن تلك الشروط القاسية اللعينة ؛ تحمل هوية مستعارة ، تمر بين الناس كعابر سبيل تدخل كضيف إلى بيت مولدك - إلى بيت طفولتك - تجلس ولا تتكلم بأية كلمة تدل عليك تدخل أمك فتسلم على الحاضرين عند ذلك تراها.
انسابت دمعته حزينة، كيتيم مقهور خلا بنفسه لأول يتمه..( ما اقساني ياامي .. الدهر لم يبق فيك شيئا ..قد أسرع الشيب إلى ذوائبك .. عجبا ياامي ، في أول الأمر لم أعرفك ِ إلا حين كنوك باسمي ...آه.. لو علمت من الجالس قبالك . أنا هو ، ابنك الكبير.. قتلتني الغصة حينما رايتك محدودبة الظهر .. أحس بسكين تقطع حنجرتي .. جلست قبالي ولم تعرفيني ..فهل ياترى نسيتني؟! كيف وقد سمعتكِ
ترددين بصوت منخفض ( الولد للكبره نريده عبرت النهر وانطاني أيده(..
أم لأني تغيرتُ كثيراً؟! أم السبب في عينيكِ الغائرتين ؛ نعم فقد رأيتك ِ تضللين بكفكِ على عينيك حينما تنظرين إلى من يحادثك .. ضرب بجبهتهِ على المقود ..
آه يا أمي لو تعلمين ما الذي جرى لي حينما قصدت عيناكِ عيني ، ونضراتكِ ناضري .. صرت أنازع قبل موتي .. آه قتليني عندما قلتِ متسائلة : أيها الغريب صار في قلبي نحوك خطور ، من أنت ؟ كأني أعرفك.. وصوتكَ هذا كأني سمعته من زمان ؟!
صار يمسح دمعاته بكمهِ ليتضح أمامه الطريق ..ليتني صرختُ .. ليتني ناديت ُ أمي ، واقتل في حجركِ مرةً واحدة ، فها أنا تقتلني الغربة كل يوم .. بل في كل لحظةٍاتذكرُ فيها كيف مضيتُ عنكِ ، ولم أخبرك بأمري ، وأنت غير آبهة بي .. صرت كطيرٍ أضناه السفر ، واخطأ الطريق ، فسلك سبيله في سماء البحر فمتى يهدأ ، وأين يستريح ؟ (
الساعة تُشير إلى الرابعة والنصف عصراً ..الثلج صار متضائلا، توقف عن النزول ..هبت الصبيان إلى الأرصفة ، والحدائق العامة ، كما يفرح بالحرية السجناء ، يقذف بعضهم بعضاً بكرات الثلج..صار لايهتم بمن يشير إليه ليستقل سيارته ..من يعلم بالذي أعانيه ..من ينتفع بعذابي ..من الذي يجني ثمرات دمعي ، وحرق ُ فؤادي ..بل من الذي يبني من بقايا رمادي ..عشرون عاماً في حلقة الغربة المفرغة..
صرت لا اعلم شيئاً سوى انه سيأتي بعد هذا الليل الأسود نهار يخدعنا بصبغة ضياءه ..آه يا أمي..كرهت كل شيء ..كرهتُ هذه الحرية ،بل إنها غربة أو إنها حية طوقت رقبتي وأطلقت يديَ
أمي..كرهتُ عمري..أكره ا رضاً لستِ فيها.. كرهتُ الفضاء .. أود لو اهجر هذا الوجود وامضي إني كرهت البقاء ..
أوصيك ياامي ومن يوصل وصيتي.. فإذا مت ياامي في هذه الأرض الموحشة الغريبة ..وحجزتني عنكِ .. فلا تنسي أن تذهبي كل يوم قبيل الغروب إلى الجانب الشرقي من بيتنا .. حيث شجيرات السدر الماثلة هناك فهن مأوى لعبي ، ومرتع طفولتي، واجلسي عندهن فروحي تتردد هناك كل يوم لتراك...)

زينب الكناني

شتاء- 1995

عصام شبير
05/03/2006, 07:37 PM
قصة جميلة .. شكرا على القصة القصيرة الرائعة