تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : متى سيقرأ جيل أمة «اقرأ» ؟ - د وليد أحمد فتيحي


صقر الجنوب
14/03/2006, 11:35 AM
http://212.119.67.86/okazhttp/myfiles/authors/wleedftihi.jpg

د. وليد احمد فتيحي


متى سيقرأ جيل أمة «اقرأ» ؟

كتبت قبل أسبوعين في 28 فبراير 2006، مقالاً بعنوان (جيل أمة «اقرأ».. جيل لا يقرأ)، تحدثت فيه عن مأساة هذا الجيل في مجتمعاتنا العربية من حيث عدم حبهم للقراءة والكتاب، وانهيت المقال بقولي (إنه بالنجاح في تكوين جيل محب عاشق للقراءة والكتاب والقلم ترتقي الأمة لفهم وإدراك وتطبيق المفهوم الشامل المتعمق لكلمة «اقرأ» من قراءة الكتاب وقراءة الكون والتفكر والتأمل والنظر في آيات الله، وما يتوجب لتحقيق ذلك من بحث ودراسات مما يزيد من تعلق المخلوق بخالقه، وعمق فهم الدور والرسالة التي خُلق الإنسان من أجلها وتحقيق مفهوم العبادة الشامل الكامل.
لقد كان أول الوحي كلمة «اقرأ»، ومن ثم فإن أولى أولويات القائمين على أمانة تدريس أبنائنا في المدارس هي أن يجعلوا أبناء هذا الجيل محبين وعاشقين للقراءة لعلنا نرتقي يوماً لتحقيق قدر من الطاعة لأمر السماء لنا في أول كلمة نزل بها الوحي «اقرأ»).
ويبدو أنني بمقالي هذا قد وضعت اصبعي على جرح عميق فانهالت علي المراسلات، وكثير منها استرسل أصحابها في سرد قصص مؤثرة ومعان جميلة ونظرة عميقة لحال مجتمعاتنا مع الكتاب، ويقول أحدهم في رسالته (أخي الحبيب الدكتور وليد: مقالك عن القراءة مقال مهم لأنه معني بأمر مهم في حياتنا أتلمس فيه أسباب تخلفنا عرباً ومسلمين، مثلك تماماً نشأت محباً للقراءة ابتداءً من القصص وكتب التاريخ التي كنت أتسلل إليها في مكتبة والدي حفظه الله فألتهمها التهاماً، ولقد أكرمني الله بالزواج المبكر من زوجة تشاركني ذات الاهتمام بالقراءة، حيث تزامنت أيام زواجي الأولى مع وصول البث الفضائي إلى المملكة، لا أدري كم من الساعات أمضيت وزوجتي على المحطات الفضائية السبع التي كانت موجودة في ذلك الوقت على بساطة ما تبث، ولكنني أمضيت الكثير حتى احتل التلفاز مكان الكتاب في حياتنا، وبعد فترة من هذا التدهور قررت زوجتي أن تطرد هذا الضيف الثقيل من البيت إلى غير رجعة وكانت الفرصة عندما انتقلنا إلى منزلنا الجديد مع طفلنا الوليد «ملاحظة لا علاقة لهذا القرار بالتدين والالتزام وإنما القراءة فحسب». عدنا إلى الكتاب، وإلى المناقشات الحامية واللطيفة والودودة بعد كل كتاب تقرأه هي أو أقرأه أنا، نتفق ونختلف في وجهات النظر ولكننا في آخر المطاف نزداد ألفة ومحبة وتفاهماً، ننظر إلى يومنا السابق دون المعلومة التي تعلمناها اليوم فنحمد الله على نعمة الكتاب. نشأ صغيرنا في هذا الجو، كنا نشتري له الكتب البلاستيكية التي تمكنه من تقليدنا، ومع تقدمه في السن كنا «زوجتي هي الأكثر اهتماماً بهذا الجانب» نوفر له ما يناسبه على قدر معرفتنا، فتعلق الصغير بالكتاب، وعقوبته القصوى اليوم أن يبات ليلته دون قصة يطالعها، ربما هو ليس الأول في فصله ولكنني أفضل أن يكون طفلي مثقفاً عن أن يكون الأول في فصله ولكن من باب اجترار المعلومة، وهم ينادونه في مدرسته اليوم في الصف الأول المتوسط «المؤرخ الصغير» وهو فعلاً كذلك، حتى أنا أعود إليه عندما تستشكل عليّ معلومة تاريخية «ماشاء الله تبارك الله» ولله الحمد والفضل والمنة. أما ابنتي فقد تعلمت القراءة في سن الثالثة والنصف من خلال القاعدة النورانية، وهي الآن في الصف الأول الابتدائي -وما شاء الله- تقرأ كطفل في السادس ابتدائي بل إنها اختبرت لدى إدارة الموهوبــــــــــــين في وزارة التربية والتعليم قبل أن تلتحق بالصف الأول «كنا نحاول أن تتدرج في السنة الثانية مباشرة» إلا أن الوزارة رفضت ذلك بحجج واهية رغم أنها تحصلت على ما يقارب الـ95? في الاختبار. أما أصغر أبنائي فقد بدأ للتو مشوار القاعدة النورانية. وقدوته في هذا أخته وأخوه، فهو لا ينام دون قصة في يده مثلهما تماماً وإن كان لا يفهم منها إلا الصور. أخي وليد، لم نكن لنصل لكل هذا لولا فضل الله أولاً وأخيراً ثم قرار زوجتي الحاسم بطرد «الدش» من حياتنا «رغم معارضتي في أول الأمر»، نحن لدينا تلفاز صغير وفيديو جيد وجهاز دي في دي وأيضاً جهاز بلاي ستيشن الذي ألعب فيه مع ابني كرة القدم، ولكننا نتحكم في ما يدخل إلى بيتنا ووقت مشاهدته بدلاً من أن نترك له العنان في أن يتحكم هو فينا. لا أقول اطردوا الدش فوراً، ولكن احبسوه في غرفة بعيداً عنكم لمدة شهر واحد وشاهدوا الفرق... ستعيشون في جنة من جنان أيام زمان... آسف على الإطالة وشكراً على قراءتكم لهذا المرسال).
وآخر كتب لي من كندا يقول (عزيزي الدكتور وليد.. إنني شعرت بالفخر عند قراءتي لمقالتك عن «القراءة» والتي أرسلت إلي عن طريق البريد الإلكتروني من أحد معارفي في جدة، علماً أنني عشت في جدة قرابة تسع سنوات قبل هجرتي إلى كندا فإنني وجدت في كندا مكتبة لكل مواطن «لا مولاً لكل مواطن كما هو الحال في جدة»، الكتب هنا في كل مكان، وكتب مجانية للأطفال، ويوجد كذلك جلسات سرد قصص مجانية للأطفال في كل مكان، استعارة الكتب تتم بكل سهولة ويسر، تتوفر كوبونات لشراء الكتب للأطفال بأسعار زهيدة رمزية، يوجد كتاب يحفظ أسماء الطلبة الذين يدخلون المكتبات لتشجيعهم ومكافآتهم، ويوجد جوائز للطلبة القراء، وهنا الطلبة يتنافسون على قراءة الكتب وتلخيصها ومناقشتها وسردها في المدرسة والمكاتب العامة، عوضاً عن الألعاب Play Station وأفلام الفيديو. إنني في غاية السعادة لأن أبنائي يسألونني ويحثونني على الذهاب إلى المكتبة لقضاء وقت ممتع، وأجمل وأقيم هدية بالنسبة لهم هو كتاب جديد. إنني أتطلع لأمثالك أن يقدموا لأبنائنا في جدة برامج مشابهة وأتطلع لكرمك وعطاء الأثرياء في مجتمعاتنا أن يحملوا هذه المسؤولية).
وأخرى تقول في خطابها (أخي الدكتور وليد.. أشكرك على مقالك وإنه كما تصف بحق، فولدي كل دقيقة يقول لي «أنا طفشان» حتى وإن قضى ساعات أمام التلفاز والفيديو وألعاب الكمبيوتر، وإنني الآن أعيش في بريطانيا لتحضير الدكتوراه وقد لاحظت أنهم في المدارس هنا يشجعون الطلبة على القراءة وكتابة آرائهم، وليس الحال كما هو في مدارسنا من حفظ ما في الكتب دون تفكير. وإنهم هنا في بريطانيا يدربون الطلبة على أسلوب القراءة السريع ويسمونها (Readathone) أي ماراثون القراءة، وعندما ينتهي الطالب من قراءة كتاب فإن العائلة تعطيه نقوداً ومن ثم تجمع النقود من قبل مدرس المدرسة لتخصص لشراء الكتب للطلبة الفقراء ولفعل الخير. وإنني أتمنى أن تطبق في بلادنا يوماً هذه العادات الحميدة عوضاً عن تقليد العادات السيئة من الغرب وإغفال ما يستحق أن يُقلّد).
وعدة مقالات ورسائل عديدة كلها تصب في هذا المجرى...
إنني أنادي أثرياء مجتمعاتنا.. من لها؟ من الذي سيكتب له الله أن يعيد للكتاب مكانته في مجتمعنا هذا ومن ثم لأمة لم ولن يكن عزّها إلا طاعة أمر أول كلمة من وحي السماء لها «اقرأ» فهل من مجيب؟ اللهم قد بلغت اللهم فاشهد..
Okazreaders@imc.med.sa
فاكس: 6509659
د .وليد أحمد حسن فتيحي
أستاذ سابق في جامعة هارفرد بأمريكا