تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المثقف والرؤية النقدية للتراث


صقر الجنوب
14/03/2006, 11:49 AM
http://212.119.67.86/okazhttp/myfiles/najeeb.jpg

أ. نجيب الخنيزي


المثقف والرؤية النقدية للتراث

في الفلسفة والفكر عموماً الأسئلة دائماً أهم من الأجوبة فالسؤال يظل منطلق كل معرفة. المثقف والخطاب الثقافي لا يكتفي بالسؤال عن ما كان أو ما هو كائن فقط، وإنما إلى ما ينبغي أن يكون ووصل الحي (من الماضي) بالحي (الحاضر) وليس إحياء الميت لإماتة الحي فينا ولا بديل هنا عن امتلاك الرؤية والروح النقدية العلمية والموضوعية لمجمل إرثنا وتراثنا الثقافي والحضاري فليس الماضي مقدساً بكليته بالمطلق وليس الحاضر مدنساً وموبوءاً برمته بالجملة باستثناء النص والكتاب المقدس (القرآن الكريم) وصحيح السنة والشريعة المتفق عليها إنها قاطعة الدلالة ليس هنالك شيء مقدس ومتعال وهو ما يتطلب التفريق وفك الاشتباك والتداخل بين جوهر الدين (السماوي) وبين الفكر الديني (الأرضي) الذي هو اجتهاد بشري قابل للصواب والخطأ والتجاوز وهو ما أجمع عليه العديد من كبار العلماء والفقهاء المسلمين ولنا في قول الإمام علي أسوة حسنة حين ذكر بأن «القرآن لا ينطق ولكن ينطق به الرجال» وما كتبه الإمام الشافعي بأن «قولي صحيح لكنه يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ لكنه يحتمل الصواب» فالإسلام لا يعترف بطبقة رجال الدين (الأكليروس) المعصومين والمقدسين على الشاكلة التي عرفتها الكنيسة في أوروبا في العصور الوسطى حيث كانوا يملكون صكوك (الغفران) الجنة وصكوك (الحرمان) جهنم بحق البشر وكانوا يطوبون الملوك باعتبارهم أنصاف آلهة يحكمون باسم الله والكنيسة حيث ترسخ الحكم المطلق وسادت محاكم التفتيش من قبل حراس العقيدة الذين جعلوا أنفسهم فوق منزلة البشر وسوغوا لأنفسهم حق محاكمة الضمائر والأفكار والتحكم بأرواح الناس عبر تكفير وتبديع كل رأي وفكر يختلفون معه وما أشبه اليوم بالبارحة. لقد شهد الإسلام أزهى عصوره من خلال تعدد القراءات والاجتهادات وتنوع المذاهب والنحل والطرق الدينية وتباين التفسيرات والفتاوى الفقهية ومعظم ممثلي تلك المذاهب والمدارس الفقهية كانوا يتحاورون ويتفقون حول مسائل ويختلفون ويتباينون حول قضايا أخرى. ولم يستنكف العلماء والمسلمون الأقدمون التفاعل مع ثقافات وحضارات وعلوم عصرهم والعصور التي سبقتهم كالحضارة الإغريقية والفارسية والرومانية من خلال النقل والترجمة ثم عبر الإضافة والتجديد والابتكار والتجاوز التي تمثلت في الحضارة العربية/ الإسلامية التي وصل تأثيرها معظم أرجاء العالم القديم، ذلك التفاعل الخلاق استمر وأثمر ذلك العصر الزاهر قبل أن تسود عصور الانحطاط والظلام والجهل وهيمنة ثقافة القمع والاستبداد، وتصدر فقهاء ووعاظ السلاطين لتفسير وتأويل الدين والشريعة وفقاً للأهواء والمصالح.
هناك حاجة ملحة إلى إحداث قطيعة معرفية مع تلك الجوانب والمفاهيم والأفكار المعتمة التي لم تعد تتواءم وتستجيب مع متطلبات وتحديات الحاضر ومتطلبات المستقبل والتي شكلت الأرضية والبيئة الحاضنة والمفرخة لثقافة أحادية إقصائية تمارس التكفير والتبديع إزاء الآخر المسلم وغير المسلم وتنظر للعنف والإرهاب تحت عناوين ودعاوى زائفة.