صقر الجنوب
15/03/2006, 01:34 PM
http://212.119.67.86/okazhttp/myfiles/authors/alitwati.jpg
د. علي بن حسن التواتي
ومضى زمن المعجزات الفردية
اليوم الخامس عشر من فبراير الماضي نشرت «عكاظ» مقالتي المعنونة (معجزة دبي تتخطى الإقليمية) والتي استعرضت فيها بعض جوانب شراء شركة (دبي العالمية للموانئ) للشركة البريطانية للملاحة البحرية التي تعرف اختصاراً بمسمى (P&M) والتي تعتبر رابع أكبر شركة عالمية للملاحة البحرية والمالكة لعقود تشغيل وإدارة العديد من الموانئ العالمية التي من ضمنها أكبر ستة موانئ أمريكية.وفي تلك المقالة استعرضت بعض جوانب الحملة الإعلامية التي بدأتها قناة فوكس نيوز ومن بعدها السي.إن.إن التلفزيونيتان الأمريكيتان ومن ورائهما بقية نافخي أبواق التطرف الأمريكي لإحباط الصفقة وتعطيلها بدواعي الحفاظ على أمن الموانئ الأمريكية من تغلغل الإرهابيين العرب إلى عمق القواعد والأساطيل والأراضي الأمريكية من خلال تلك الموانئ في حالة تسليم إدارة تشغيلها لشركة تملكها حكومة عربية.وفي تلك المقالة أبديت التخوف من الأهداف الخطيرة -بعيدة المدى- المنشودة من تعطيل تلك الصفقة التي وإن بدت أمنية في ظاهرها إلا أنها ترمي في حقيقتها إلى تحجيم التجارب العربية الناجحة وحصرها في نطاق إقليمي محدود وعدم تمكينها من التمدد في أي اتجاه تمهيداً لخنقها أو توجيهها في مسارات محددة مرسومة سلفاً لضمان استمرار بقاء اقتصاديات الدول العربية في نطاق الاقتصاد الريعي وعدم تمكينها من تطوير قدرات تكنولوجية وإدارية يمكن أن تنقلها إلى مصاف الدول القائدة اقتصادياً على المستوى العالمي.وقد حدث بالفعل ما تخوفت منه حيث ما لبث الجدل بشأن الصفقة أن احتدم في ردهات مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين لعدة أسابيع لم تفلح الإدارة الأمريكية خلالها في إقناع مختلف الأطراف التي ناصبت الصفقة العداء من كلا الحزبين بجدواها ومشروعيتها وعدم تهديدها للأمن القومي، ولم تفلح أيضاً تهديدات الرئيس الأمريكي باستخدام حق النقض الرئاسي (الفيتو) في منع صدور تشريع يلغي الصفقة لتتشبث كافة الأطراف المؤيدة والمعارضة بمواقفها بانتظار معجزة قد تفتح مخرجاً من الأزمة وتحفظ ماء وجه الجميع.وبالفعل حدثت المعجزة هذه المرة بإعلان الشركة الإماراتية يوم الجمعة الماضي وعلى طريقة -بيدي لا بيد عمرو- عن تخليها عن الجانب الأمريكي من الصفقة وبيعها لطرف أمريكي لتنهي بذلك الجدل وتحرق ورقة من أهم أوراق المساومات الانتخابية التي بدا أن الديمقراطيين كانوا سيوظفونها بشكل فعّال لإسقاط خصومهم الضعفاء القابعين في البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة. وهنا أبدى الرئيس بوش ارتياحه وأظن لو أنه قابل المسؤول عن إلغاء الصفقة ذلك اليوم لطبع قبلة امتنان كبيرة على أنفه مثلما يفعل أهل الخليج للتعبير عن امتنانهم واحترامهم لكبرائهم.وبانتهاء مغامرة الصفقة المثيرة للجدل تثور عشرات التساؤلات التي تبحث عن إجابات شافية فعلى المستوى الأمريكي يمكن أن يكون أهم تساؤل هو: لماذا فشلت الإدارة الأمريكية في تمرير الصفقة رغم إجازتها من لجنة أمنية رسمية تمثّل مختلف الأجهزة الأمريكية المعنية بما فيها وزارة الدفاع؟ والإجابة على هذا التساؤل تكمن في حجم الشحن النفسي والعداء الشديد الذي عملت الإدارة الأمريكية الحالية على غرسه وتعميقه في نفوس الأمريكيين تجاه العرب والمسلمين ووسمهم بالإرهاب والتطرف والعمل على تدمير أمريكا، وبالتالي عندما حاولت تلك الإدارة أن تخطو من خلال هذه الصفقة أول خطوة باتجاه المصالحة مع العرب وإعادة مدّ جسور الاستثمار واستقطاب أموال الطفرة النفطية الحالية للاقتصاد الأمريكي بدت وكأنها تلبس ثوباً غير ثوبها وتحاول الالتزام بمواقف مخالفة لتوجهاتها فأصبح موقفها ضعيفاً وهشاً وغير قابل للدفاع عنه بل كادت أن تودي مبكراً بمستقبل الانتخابات القادمة لولا تدخل الطرف الإماراتي في الوقت المناسب وإزالة الحرج عنها بالتخلي عن الجانب الأمريكي من الصفقة.أما على المستوى العربي والإسلامي فأهم التساؤلات التي يمكن أن تطرح تدور حول ضرورة إعادة النظر في المداخل التنموية هل تكون قطرية فردية أو إقليمية جماعية؟ فقد ثبت من خلال فشل هذه الصفقة أن أي دولة من الدول النامية لا يمكن أن تتحرك على المستوى العالمي بمفردها وأن الانتماء لتكتل اقتصادي موحد يزيد من القدرات التفاوضية لأعضائه وأن الانتماء للهيئات التجارية العالمية مثل منظمة التجارة العالمية أو تجاوز الترتيبات الإقليمية نحو الترتيبات الثنائية مع الدول المتقدمة مثل اتفاقات التجارة الثنائية الحرة لا يشفع لأي دولة نامية في التعامل مع مختلف الأطراف على أسس متساوية.ويبقى التساؤل الأهم الذي لابد من طرحه وهو: ماذا أعددنا للرد على ما حصل؟ هل نتعامل مع الموضوع من منطلقات تصالحية كما هي عاداتنا التي اشتهرنا بها بين الأمم حتى فيما يختص بامتداد أراضينا ومصالح شعوبنا؟ أو أننا سنعمل على تجميع صفوفنا والتعامل مع الآخرين استناداً على مبدأ المعاملة بالمثل فنمتنع عن توقيع عقود مع أي شركات أمريكية لإدارة وتشغيل المنشآت ذات الحساسية الاقتصادية والاستراتيجية في مختلف الدول العربية والخليجية منها على وجه الخصوص.وماذا عن المبالغ التي يتوقع أن تخصصها (دول الخليج) من وفورات الطفرة النفطية الحالية والتي تقدر بثلاثين (30) مليار دولار؟ هل سنتجه بها نحو السوق الأمريكية التي ترفض استثماراتنا المباشرة فيها كما كان الحال إبان طفرة السبعينات أو أن بعض الكرامة يمكن أن تعترينا فنتجه بها لفتح قنوات استثمارات محلية وإقليمية جديدة ونطور المزيد من المشاريع الاقتصادية المشتركة مثل مدينة (الملك عبدالله) أو نوجه تلك الاستثمارات على أسوأ تقدير نحو دول تمدّ إلينا يد الصداقة وتكن لنا المودة وتبدي لنا الاحترام.altawati@hotmail.com
د. علي بن حسن التواتي
ومضى زمن المعجزات الفردية
اليوم الخامس عشر من فبراير الماضي نشرت «عكاظ» مقالتي المعنونة (معجزة دبي تتخطى الإقليمية) والتي استعرضت فيها بعض جوانب شراء شركة (دبي العالمية للموانئ) للشركة البريطانية للملاحة البحرية التي تعرف اختصاراً بمسمى (P&M) والتي تعتبر رابع أكبر شركة عالمية للملاحة البحرية والمالكة لعقود تشغيل وإدارة العديد من الموانئ العالمية التي من ضمنها أكبر ستة موانئ أمريكية.وفي تلك المقالة استعرضت بعض جوانب الحملة الإعلامية التي بدأتها قناة فوكس نيوز ومن بعدها السي.إن.إن التلفزيونيتان الأمريكيتان ومن ورائهما بقية نافخي أبواق التطرف الأمريكي لإحباط الصفقة وتعطيلها بدواعي الحفاظ على أمن الموانئ الأمريكية من تغلغل الإرهابيين العرب إلى عمق القواعد والأساطيل والأراضي الأمريكية من خلال تلك الموانئ في حالة تسليم إدارة تشغيلها لشركة تملكها حكومة عربية.وفي تلك المقالة أبديت التخوف من الأهداف الخطيرة -بعيدة المدى- المنشودة من تعطيل تلك الصفقة التي وإن بدت أمنية في ظاهرها إلا أنها ترمي في حقيقتها إلى تحجيم التجارب العربية الناجحة وحصرها في نطاق إقليمي محدود وعدم تمكينها من التمدد في أي اتجاه تمهيداً لخنقها أو توجيهها في مسارات محددة مرسومة سلفاً لضمان استمرار بقاء اقتصاديات الدول العربية في نطاق الاقتصاد الريعي وعدم تمكينها من تطوير قدرات تكنولوجية وإدارية يمكن أن تنقلها إلى مصاف الدول القائدة اقتصادياً على المستوى العالمي.وقد حدث بالفعل ما تخوفت منه حيث ما لبث الجدل بشأن الصفقة أن احتدم في ردهات مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين لعدة أسابيع لم تفلح الإدارة الأمريكية خلالها في إقناع مختلف الأطراف التي ناصبت الصفقة العداء من كلا الحزبين بجدواها ومشروعيتها وعدم تهديدها للأمن القومي، ولم تفلح أيضاً تهديدات الرئيس الأمريكي باستخدام حق النقض الرئاسي (الفيتو) في منع صدور تشريع يلغي الصفقة لتتشبث كافة الأطراف المؤيدة والمعارضة بمواقفها بانتظار معجزة قد تفتح مخرجاً من الأزمة وتحفظ ماء وجه الجميع.وبالفعل حدثت المعجزة هذه المرة بإعلان الشركة الإماراتية يوم الجمعة الماضي وعلى طريقة -بيدي لا بيد عمرو- عن تخليها عن الجانب الأمريكي من الصفقة وبيعها لطرف أمريكي لتنهي بذلك الجدل وتحرق ورقة من أهم أوراق المساومات الانتخابية التي بدا أن الديمقراطيين كانوا سيوظفونها بشكل فعّال لإسقاط خصومهم الضعفاء القابعين في البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة. وهنا أبدى الرئيس بوش ارتياحه وأظن لو أنه قابل المسؤول عن إلغاء الصفقة ذلك اليوم لطبع قبلة امتنان كبيرة على أنفه مثلما يفعل أهل الخليج للتعبير عن امتنانهم واحترامهم لكبرائهم.وبانتهاء مغامرة الصفقة المثيرة للجدل تثور عشرات التساؤلات التي تبحث عن إجابات شافية فعلى المستوى الأمريكي يمكن أن يكون أهم تساؤل هو: لماذا فشلت الإدارة الأمريكية في تمرير الصفقة رغم إجازتها من لجنة أمنية رسمية تمثّل مختلف الأجهزة الأمريكية المعنية بما فيها وزارة الدفاع؟ والإجابة على هذا التساؤل تكمن في حجم الشحن النفسي والعداء الشديد الذي عملت الإدارة الأمريكية الحالية على غرسه وتعميقه في نفوس الأمريكيين تجاه العرب والمسلمين ووسمهم بالإرهاب والتطرف والعمل على تدمير أمريكا، وبالتالي عندما حاولت تلك الإدارة أن تخطو من خلال هذه الصفقة أول خطوة باتجاه المصالحة مع العرب وإعادة مدّ جسور الاستثمار واستقطاب أموال الطفرة النفطية الحالية للاقتصاد الأمريكي بدت وكأنها تلبس ثوباً غير ثوبها وتحاول الالتزام بمواقف مخالفة لتوجهاتها فأصبح موقفها ضعيفاً وهشاً وغير قابل للدفاع عنه بل كادت أن تودي مبكراً بمستقبل الانتخابات القادمة لولا تدخل الطرف الإماراتي في الوقت المناسب وإزالة الحرج عنها بالتخلي عن الجانب الأمريكي من الصفقة.أما على المستوى العربي والإسلامي فأهم التساؤلات التي يمكن أن تطرح تدور حول ضرورة إعادة النظر في المداخل التنموية هل تكون قطرية فردية أو إقليمية جماعية؟ فقد ثبت من خلال فشل هذه الصفقة أن أي دولة من الدول النامية لا يمكن أن تتحرك على المستوى العالمي بمفردها وأن الانتماء لتكتل اقتصادي موحد يزيد من القدرات التفاوضية لأعضائه وأن الانتماء للهيئات التجارية العالمية مثل منظمة التجارة العالمية أو تجاوز الترتيبات الإقليمية نحو الترتيبات الثنائية مع الدول المتقدمة مثل اتفاقات التجارة الثنائية الحرة لا يشفع لأي دولة نامية في التعامل مع مختلف الأطراف على أسس متساوية.ويبقى التساؤل الأهم الذي لابد من طرحه وهو: ماذا أعددنا للرد على ما حصل؟ هل نتعامل مع الموضوع من منطلقات تصالحية كما هي عاداتنا التي اشتهرنا بها بين الأمم حتى فيما يختص بامتداد أراضينا ومصالح شعوبنا؟ أو أننا سنعمل على تجميع صفوفنا والتعامل مع الآخرين استناداً على مبدأ المعاملة بالمثل فنمتنع عن توقيع عقود مع أي شركات أمريكية لإدارة وتشغيل المنشآت ذات الحساسية الاقتصادية والاستراتيجية في مختلف الدول العربية والخليجية منها على وجه الخصوص.وماذا عن المبالغ التي يتوقع أن تخصصها (دول الخليج) من وفورات الطفرة النفطية الحالية والتي تقدر بثلاثين (30) مليار دولار؟ هل سنتجه بها نحو السوق الأمريكية التي ترفض استثماراتنا المباشرة فيها كما كان الحال إبان طفرة السبعينات أو أن بعض الكرامة يمكن أن تعترينا فنتجه بها لفتح قنوات استثمارات محلية وإقليمية جديدة ونطور المزيد من المشاريع الاقتصادية المشتركة مثل مدينة (الملك عبدالله) أو نوجه تلك الاستثمارات على أسوأ تقدير نحو دول تمدّ إلينا يد الصداقة وتكن لنا المودة وتبدي لنا الاحترام.altawati@hotmail.com