تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل التعمية عكس التنوير ؟


صقر الجنوب
15/03/2006, 01:39 PM
http://212.119.67.86/okazhttp/myfiles/authors/abdmohsnhelal.jpg

عبدالمحسن هلال


هل التعمية عكس التنوير ؟

قبل نحو عشرين عاما، كان الهجوم على الصحافة منحصرا على الصحف التي تبنت الحداثة كمصطلح ادبي ضيق، مع ان الحداثة كمفهوم اشمل من ذلك بكثير، وشن كثير من النشامى الحملات ضد كل من تسول له نفسه التلاعب بنائيا أو تفكيكاً بنصوصنا «الكلامية» وأساليبنا التعبيرية، وتركوا الحبل على الغارب لكل من سولت له نفسه التلاعب، تفكيكا واعادة بناء، بصيغنا ونصوصنا الفكرية ونظمنا الاجتماعية، بل والسياسية ايضا. يومها نجح خصوم الحداثة «الادبية» في اسكات خصومهم، وظن الجميع ان الساحة قد سكنت للادب التقليدي، الذي سرعان ما سمى بالادب الاسلامي، تمييزا له عن ادب «الاغيار» حينها ظن الجميع ان الرضا قد حل على الصحافة المحلية، لكن الذي يبدو ان المعركة مازالت مستمرة ضد الصحافة وضد كل وسائل الاعلام، حداثية كانت ام غير حداثية، رسمية ام غير رسمية، ملتزمة ام غير ملتزمة، ما دامت مغايرة لتوجهات فئة تروم فرض ما تراه هي صوابا.تعجب من هذا العداء المستحكم ضد الصحافة والاعلام، كمصدر للمعرفة العامة والمعلومة الراجحة، وتعجب اكثر ممن يريد احتكار المعرفة ليكون هو المصدر الوحيد للمعلومة. هذا العداء الذي يصل حد المواجهة لاسكات الصوت الاخر، ولن استخدم حادثة ملتقى معرض الرياض الثقافي كمثال، وما يهمني هنا هو دور الصحافة التنويري، مع اهمية ادوارها الاخرى، كسلطة رابعة للرقابة، ونشر الابداع وصياغة الرأي العام. من نافل القول ايضا ان التنوير ليس مهمة الصحافة وحدها، معها، وربما قبلها، تأتي الجامعات ومنتديات الفكر وملتقيات الحوار، ومؤسسات المجتمع المدني، والمسرح وكافة الفنون الاخرى، غير ان جهود هذه الجهات اما معطلة او انها لم توجد بعد. لو سألتموني عن دور المسجد، لقلت انه اهم مورد للتنوير، غير انه ابتسر، وعلى مدى قرون في تاريخنا الاسلامي على التنوير الديني، الذي رغم اهميته القصوى كحجر تأسيس في معرفة الفرد لدينه الموصلة الى معرفته لدنياه، غير انه وحده لايكفي لانتاج افراد فاعلين في علوم الدنيا التي بها تقوم الامم ماديا للتمتع باجوائها روحيا، اكثر من هذا المسجد صار اليوم، للاسف، منبرا يستغله بعضهم لمهاجمة الصحافة والكتاب الصحفيين الرافضين لمدرسة الرأي الواحد في المسائل الخلافية، وكل هذا يتم للاسف مرة اخرى باسم الدين ضد التنوير.والتنوير، من قبل ومن بعد، لايعني التكفير، فهو اشعاع بينما الكفر اظلام وتضليل، فاذا خلط بعض دعاة اليوم كأسلافهم من دعاة الامس، بين التنوير كمفهوم وبين التنوير كحدث تاريخي اوروبي ارتبط بسطوة وجهل الكنيسة، فعليهم الا يثيروا امر المقارنة مجددا، فيجهروا بجهلهم، اذ ليس بين التنويريين من دعا الى الغاء الدين، والعياذ بالله، وليس بينهم من دعا الى الخروج على ثوابت الامة، وليس بينهم من حكم على النية، التنوير، في ابسط معانيه، الاخذ بالمفيد من العلوم والفنون الاخرى، المعينة على تقدم الامة ورقيها، ومما لايتعارض مع ثوابت شرعها، شرعها الذي يقدر العلم ويسمو بالعمل. هل تراني بحاجة الى تعداد ثوابت الشرع؟ هل اضاف احد ركنا سادسا للاسلام او ركنا سابعا للايمان؟ هل احدث احد في امرنا هذا؟ فاذا احدث فهو رد، وهو مبتدع فتجنبوه بل حاسبوه، ولاتحاسبوا من التزم بتلك الثوابت ايا كان مذهبه او توجهه او فكره.التنوير، ولنا في محاولات النهضة العربية الموءودة خير مثال على سوء الفهم الذي لازمه منذ بداياته، هو محاولة جادة لربط الماضي بالحاضر للانطلاق نحو المستقبل، بدلا من مجرد البحلقة في هذا الماضي بحنين مرضي. التنوير ليس رفضا للماضي، لكنه رفض للعيش فيه والتمسك به لحل مشاكل الحاضر، لطول العهد بين ماضينا التليد وحاضرنا البليد. نحن تركنا هذا الماضي يتجمد في فترينة التاريخ، قطعنا شريانه عن الواقع المعاش، ولم نجدد فقهنا حسب نبوءة نبي الامة، صلى الله عليه وسلم، بظهور مجدد كل مائة عام، او كما قال عليه السلام والحل لايكون بالقفز على الماضي، بل بالبناء عليه وتطويره وعصرنته، مرة اخرى هل يعني هذا خروجا على ثوابت الشرع او ثوابت الامة؟ هل تحديث الفكر الديني او تجديد الفقه الديني يعني تغيير ثوابتهما؟ فهذا التحديث هو جزء من عملية التنوير، تنوير الجموع، وليس النخبة، بحقائق العصر المعاش.قلت انني لن استخدم حادثة ملتقى معرض الرياض كمثال، أضيف الآن انني ارحب بما حدث فيها لو انه تم بطريقة اسلامية، حتى لا اقول حضارية، فالاسلام هو التحضر، وهو الجدال بالتي هي احسن مع الغير، فما بالكم بشريك الدين والوطن. لن استعدي السلطة على احد، ولن اطالب باخراس احد، بل اقول دعوا الجميع يتحاجون، وليكن صراع افكار لا صراع ديكة يتهافت الى استخدام التكبير والتهليل في غير محلهما سعيا لمآرب اخرى. لنفتح الساحات والصدور لكل ذي رأي، مع الحماية القانونية والامنية من فرض الآراء، او الزعم بملك الحقيقة. لنفتح نوافذنا للشمس وعقولنا للتنوير فهو الكفيل بطرد كل الافكار الظلامية فهي لاتعيش في النور، دعوهم يخرجون من جحورهم وكهوفهم سيحرقهم النور، نور المعرفة، والله متم نوره.