المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السندات وحلول استثمارية بديلة


صقر الجنوب
15/03/2006, 06:59 PM
http://www.aleqt.com/admpic/410.jpg
أ. ريــم محمد أســعد - محللة استثمارية - - 15/02/1427هـ
تحدثت في مقال سابق عن محدودية قنوات الاستثمار المتوافرة لجمهور المستثمرين العام في المملكة وأن أحد أهم أسباب التضخم في قطاعات محدودة أبرزها سوق الأسهم، هي السيولة العالية مصحوبة بقلة المنافذ الاستثمارية وسهولة الدخول في سوق الأسهم عموماً. وقد يتساءل البعض: أين البديل؟ وفي الحقيقة أنه على المستوى العالمي توجد بدائل عدة، أهمها سوق السندات التي تعد أداة استثمارية أساسية في تكوين المحافظ الاستثمارية، ولها أسواق عالمية محكمة التنظيم ويسهل الدخول فيها بشكل عام.
ومن دواعي الأسف أن جمهور المستثمرين وواضعي السياسات والإجراءات الاستثمارية لدينا يتصفون بطبيعة "رد الفعل وقت الأزمات" دون التحسب لها مبكراً. فالحديث الآن سيكثر عن بدائل الاستثمار الموجودة في المملكة بسبب هبوط سوق الأسهم وكأن السندات أو العقار أو غيرها - التي ظلت طويلاً على الأجندات وطاولات النقاش والبحث دون تفعيل - هي مجرد حلول فورية ينبغي ارتجالها "لفك الأزمة".

وبالرغم من أن السندات هي خيار استثماري إضافي مهم ويشيد به جميع الاقتصاديين والمحللين، إلا أن الكثير من المستثمرين وعامة القراء لم يتعرفوا على آلية عمل السندات وأسباب شحها في الاقتصاد السعودي ومدى أهميتها في إثراء المحافظ الاستثمارية.
ولأنه من الصعب تغطية هذه المواضيع بالتفصيل سوف أكتفي في هذا المقال بتقديم نظرة عامة على ماهية السندات وآخر الإحصاءات عنها في المنطقة العربية والسعودية خاصة.

مقدمة عامة في السندات
تماماً كما يحتاج الفرد إلى النقود فإن المؤسسات والحكومات كذلك تحتاج إليها. فالمؤسسات تحتاج إلى السيولة للتوسع والتطوير والحكومات تحتاج إلى السيولة لتمويل جميع برامجها التنموية والهيكلية والاجتماعية. والمشكلة التي غالباً ما تواجهها الشركات هي أنها تحتاج إلى سيولة أكثر مما توفره لها البنوك والمصارف ويكون الحل بالتالي في إصدار سندات (أو صكوك مديونية) في السوق، حيث يقوم المستثمرون بشراء هذه السندات ويتم بذلك توفير السيولة اللازمة للمنشأة. ولأن المقرض يرغب في المقابل التعويض عن إقراض أمواله، فإن مشتري السند lender يعتبر هو المقرض مصدر السند issuer يعتبر هو المقترض.
ثمة عدة فوارق بين الأسهم والسندات من حيث الحقوق والالتزامات والعائد والمخاطر على كل منهما.
فالسند يعتبر صك مديونية له قيمة اسمية (مثل سعر الاكتتاب الأولي للسهم) وتاريخ استحقاق (انتهاء)، ويتم استرداد قيمته الاسمية بحلول هذا التاريخ من المنشأة المصدرة. وفي حال وجود سوق ثانوية فإنه يمكن لحامل سند بيعه في السوق الثانوية - إن وجدت - أو الاحتفاظ به إلى تاريخ الاستحقاق، حيث يسترجع المستثمر قيمته الاسمية من المنشأة المصدرة، أما في حالة الأسهم فإنه لا يمكن استرداد القيمة المدفوعة للسهم ويمكن فقط بيعه في بورصة الأسهم أو الاحتفاظ به كاستثمار طويل الأجل والاستفادة من توزيع الأرباح - إن وجدت. أما من حيث المخاطر والعائد، فإن السندات تتصف بمستوى أقل من المخاطر والعائد مقارنة بالأسهم، أما قيمتها السوقية للسندات فترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعدلات الفائدة وذلك بمقارنة عائد الكوبون (العائد الدوري للسند) بأسعار الفائدة السائدة في ذلك الوقت. فمثلاً إذا ارتفعت أسعار الفائدة السائدة في فترة معينة إلى مستوى أعلى من مقدار الكوبون، فإن سعر السند ينخفض في السوق لهذه الفترة والعكس صحيح. وينبغي هنا ملاحظة أن مقدار الكوبون الثابت لا يتغير بتغير معدلات الفائدة، حيث إنه عبارة عن نسبة ثابتة متفق عليها في عقد السند ولكن الذي يتغير هو العائد الكلي Yield على السند منذ تاريخ شرائه وحتى تاريخ استحقاقه.
بالطبع هناك أنواع مختلفة من السندات من حيث الخصائص والعوائد وتواريخ الاستحقاق ومستوى المخاطر إلا أنني سوف أكتفي هنا بهذا القدر من التعريف لنتمكن من الانتقال إلى النقاط التي تهم المستثمر مباشرة ويمكننا الإسهاب في موضوع السندات في مقالات أخرى.

سوق السندات السعودية
لحكومة المملكة العربية السعودية - ممثلة في وزارة المالية - تاريخ قديم نسبياً في إصدار سندات حكومية بتواريخ استحقاق مختلفة تسمى "سندات التنمية الحكومية " وهي سندات أصدرت للمرة الأولى عام 1988 بغرض تمويل المشاريع التنموية وبقيمة اسمية للسند الواحد قدرها مليون ريال للبنوك و50 ألف ريال للمستثمرين من الأفراد وبتواريخ استحقاق تراوح بين سنتين وعشر سنوات.
وتوجد سوق ثانوية لتداول السندات وذلك بين البنوك بشكل رئيسي ووصل حجم التداول في سندات الحكومة السعودية هذا إلى 26 مليار ريال سعودي بنهاية عام 2004 (مقارنة بأكثر من تريليون ريال لسوق الأسهم قبيل الهبوط الحاد الأخير). أما بالنسبة لسندات الشركات فقد أصدر أخيراً اثنان من البنوك السعودية سندات خاصة بهما: البنك السعودي الهولندي "تاريخ الإصدار كانون الأول (ديسمبر) 2004 وبحجم 700 مليون ريال"، والبنك السعودي البريطاني تاريخ الإصدار آذار (مارس) 2005 وبحجم 500 مليون ريال. ومن المعروف أن سوق السندات السعودية متاحة للشركات المساهمة فقط وعلى رأسها البنوك الـ 11 و"سابك" و"الكهرباء" و"الأسمدة" و"صافولا" بجانب بعض الشركات الأخرى من الشركات التي تتميز بتصنيفات ائتمانية عالية نسبياً، حيث إن التصنيف الائتماني المعتمد دولياً يمثل أحد العوامل الرئيسية في إصدار السندات، فإن مؤسسة النقد العربي السعودي قد أوصت الشركات المساهمة بالتماس التصنيف الائتماني المناسب من شركات التصنيف العالمية المعروفة مثل S&P أو Moodys.

وقد أعلنت شركة أخيراً كذلك "سابك" عن عزمها على إصدار صكوك "سندات" محلية بهدف تنويع مصادر هيكلتها المالية بعيداً عن التمويل المباشر من البنوك. وتبلغ قيمة هذه الصكوك التي يحتمل أن يبدأ طرحها في الربع الثاني من 2006 مليار ريال قابلة للزيادة.
ويجدر هنا التعريف بأن الصيغة الشرعية للسندات تسمى "صكوك" حيث إن العديد من المستثمرين يعزف عن الاستثمار في السندات، بحكم أنها استثمار لا يتوافق مع الضوابط الشرعية.
ويمكن تبسيط تعريف الصكوك بالرجوع إلى الشرح السابق لتعريف السندات في أول المقال، حيث إن الميكانيكية تختلف بأن "الصكوك" السندات الشرعية تعتمد بصفة عامة على أصل معرف يولد دخلاً ثابتاً "مثل العقار أو إجارة الآلات والمعدات وغيرها من الأصول المدرة للدخل". ويمكن إدراج السندات في المحافظ الاستثمارية أو الاستثمار فيها مباشرة لضمان ثباتية الدخل والأداء المعتدل على المدى المتوسط إلى الطويل.

سوق السندات في المنطقة العربية
ما زال التمويل البنكي المباشر هو المصدر الأول لتمويل الشركات في المنطقة العربية ومنطقة الخليج بشكل خاص. ووفقاً لآخر الإحصاءات عام 2005 فإن سندات البنوك والشركات تمثلان 14 في المائة و4 في المائة على التوالي من إجمالي حجم سوق السندات في المنطقة. أما بالنسبة لفترات الاستحقاق فمتوسطها يقدر بثلاث سنوات ونصف ويقل كثيراً عنه في السندات الدولية، أما لمتوسط العائد على هذه السندات فهو في حدود 6 في المائة.
وقد أصدرت حكومات قطر والإمارات والبحرين سندات حكومية عام 2000 وعام 2004 بحجم إجمالي يقارب 4.5 مليار دولار وقد تم شراء 70 في المائة من سندات الإمارات من قبل مستثمرين من غير المسلمين في بورصة لوكسمبورج. كذلك أصدرت الحكومة الإيرانية سندات تنمية عام 2002 بحجم إصدار قدره 500 مليون يورو وفترة استحقاق خمس سنوات. بينما شهدت لبنان، مصر، والمغرب إصدار سنداتهم الحكومية بشكل غير متصل خلال السنوات الأربع الماضية.

التمويل بواسطة السندات
من وجهة نظر المنشأة أو الشركة، فإن السندات تتصف ببعض الخصائص المميزة، منها انخفاض التكلفة عن التمويل البنكي المباشر والوجاهة الاقتصادية للمنشأة عند إصدارها السندات وتنويع مصادر التمويل وليونة متطلبات التمويل مقارنة بالقروض البنكية.
أما من وجهة نظر المحافظ الاستثمارية فإنها توفر خياراً استثمارياً طويل الأجل لمديري المحافظ، مما ينتج عنه تخفيض تذبذب أداء المحافظة واستمرارية العوائد على المدى الطويل. ولا يخفى بالطبع الدور المهم الذي تلعبه السندات في امتصاص السيولة العالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط وعودة الكثير من رؤوس الأموال المختزنة سابقاً خارج المنطقة، إضافة إلى دورها المهم في إسباغ القوة والمصداقية على قطاع المؤسسات الخليجي.
وبصفة عامة، فإن المستثمر السعودي لا يميل إلى الاستثمار في الودائع أو السندات بالطبع لأسباب منها فنية وأخرى توعوية وأخرى نفسية. وفي ظل حمى سوق الأسهم كان من الصعب جداً توعية المستثمر بأهمية التنويع الاستثماري أولاً لغياب البدائل والروتين البيروقراطي الذي عطل إنشاء سوق ثانوية للسندات وثانياً للعوائد الخيالية لسوق الأسهم التي انتهت الآن بشكل مؤلم للأغلبية الساحقة من صغار المستثمرين.

نداء
أناشد صناع القرار بالتعجيل في الانتهاء من إرساء قواعد هذه السوق لأهميتها، فما كان ينبغي لنا انتظار هذا الهبوط الحاد لنوجد البديل. أما صغار المستثمرين فعليهم الكف عن المضاربة والاقتراض للمضاربة والالتفات للمستقبل لبناء اقتصاد سليم غير حافل بالمخاطر التي لا داعي لها.