تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بقيق.. لك أهل - د. محمد حامد الغامدي


صقر الجنوب
19/03/2006, 11:39 AM
د. محمد حامد الغامدي

بقيق.. لك أهل

د. محمد حامد الغامدي (Malghamdi@alyaum.com)

http://www.alyaum.com/images/11/11951/364596_1.jpg

حملني أبي على ظهر سيارة لوري.. من قريتي في بلاد غامد.. إلى الطائف ومنها إلى جدة.. ثم على متن طائرة داكوتا.. إلى الظهران.. ثم إلى بقيق.. كنت طفلا لم يبلغ السادسة من العمر.. كان هروبا عظيما.. نحو الأمل والمستقبل.. نحو التعليم في بقيق.. هروبا سجل قصة رحيلي.. من القرية إلى بقيق.
@ رست بكاتبكم أوجاع الرحلة في بقيق.. بعيدا عن (أمي) التي بكت بحرقة.. عشت مع أبي في سكن (أرامكو).. كنت اصغر (عزوبي) في بقيق.. كان علي أن أتدبر بعض أموري.. بعد نجاح غرسي في بقيق، وجدت حولي جميع أفراد الأسرة.. تعرضوا أيضا لنفس قصة (الرحيل).. أخيرا حصلت على الشهادة (الابتدائية) من مدرستها الوحيدة في ذلك الزمان.. شهادة تعني الكثير، كـ(خزان) الماء العملاق في بقيق.. كان مشهدا مثيرا لـ(قروي) صغير.. رأيت فيه التحدي وجبروت إمكانيات الإنسان.. كان (يعانق) السماء ليثبت للجميع أنهم في بقيق.. كنت أتساءل عن سر تلك (الرموز) في جسم الخزان.. بعد أن تعلمت القراءة، عرفت أن تلك الرموز هي حروف اسم المدينة (بقيق).. كطفل قادم من القرية، كل مشهد يثير (زوبعة) من التساؤلات، وأخرى من الدهشة.. لكن الخزان بـ(الرموز) التي كنت اجهلها، ظل (نقشا) في ذاكرتي.
@
أصبحت مدركا، أن بقيق هي (المظلة) الجديدة، لـ(مستقبل) حياتي.. (ركّز) أبي على تعليمي، ساعدته على ذلك التركيز.. بهرني عندما بدأت استوعب، تذكرت: تعبه وأمله.. تذكرت: تحفيزه، صبره، تشجيعه، وحماسه.. في بقيق نطقت بـ(أول) حروف الهجاء.. في بقيق كتبت (أولى) رسائلي.. في بقيق (عرفت) أن هناك دنيا غير دنيا قريتي.. في بقيق واصلت الدراسة.. حصلت على الشهادة المتوسطة.. انجاز كبير، ليس لي، لكن أيضا لأبي.. الدفعة رقم (3) من خريجي المدرسة بدون رسوب.. (د. منصور كدسة) عضو مجلس الشورى كان احد طلاب المدرسة.. هناك غيري حصلوا على الدكتوراة.. منهم رفيق الصبا، وزميل المدرسة (بكر الشدي) رحمه الله.. هناك رجال كثر، لا ادري أين رست بهم الحياة بعد خروجنا من بقيق في رحلة أمل جديدة.
@
في بقيق كانت (أفضل) أيام حياتي.. مكان شكل (عجين) حياتي.. أصبحت (قائدا) للكشافة في المدرسة.. كنا نطوف المدينة، في (طابور) كشفي مهيب.. متحلين بزي الكشافة الرفيع، بـ(منديله) الأخضر حول العنق.. كنت أتقدم المسيرة.. كقائد كبير (مزهوا) بكوني احد أفراد الكشافة.. كنت اعمل لـ(توجيه) نفسي نحو الكلية الحربية.. لأصبح قائدا في طوابير الدفاع عن الوطن.. وقد تجمع الناس لـ(الفخر) بهذا النشاط وهذه الهمة.. كان خلفي مباشرة الفرقة الكشفية الموسيقية تحمل الطبول بأحجامها المختلفة.. أنامل تضرب الطبول بعصا خاصة لتحريك المشاعر مع إيقاع الخطى.. يرافقها (الأطباق) النحاسية.. لتعطي للصوت بعدا أكثر عمقا وحماسا.. عصرا، نطوف الشوارع.. مندفعين بفعل حماس لا يتوقف، وتشجيع لا ينقطع.. كنا نزرع السعادة في نفوس أهل بقيق.. والفخر لنا بكوننا أبناءها.. شعور جعلني احمل الروح العسكرية في نفسي حتى اليوم.
@
في بقيق.. عرفت أنواع النشاط المدرسي.. بجانب الكشافة، شاركت في (أنشطة) كثيرة، منها: الرسم، التصوير، التمثيل، التأليف المسرحي، المسابقات العلمية والثقافية، وأيضا كنت حارس الفصل.. كنت في فريق (الجمباز).. فوق هذا، كنت من المميزين في مجال (الإلقاء).. فزت بالكثير من الجوائز.. منها المركز الأول في حفظ القرآن الكريم.. كل ذلك النشاط، كان بفضل الأستاذ عثمان الشاعر، الذي مر من بقيق، وهو ابن القدس.. الأستاذ عثمان الشاعر، بالنسبة لي، كان مثل خزان المدينة.. عملاق، لا أنساه أبدا.. زرع في نفسي بذور الطموح والأمل.. أستاذ خلد مدينة (بقيق ) في ذاكرتي، وتاريخي حتى اليوم.
@
ما زلت اذكر الرحلة المدرسية لـ(منشآت) النفط في بقيق.. رحلة في مكان اقرب إلى (الخيال).. الخزانات العملاقة مغروسة هنا وهناك.. أنابيب بأحجام مختلفة.. مدينة أخرى استوقفتني بلونها (الفضي).. تناولنا في مطعم الشركة، وجبة شهية، لا يزال طعمها في فمي حتى اليوم.. مرشد الرحلة، رجل ذكي، كان يعرف كيف يخاطب العقول الشابة.. لا ادري هل كان يخاطب العيون فينا أم العقول؟ عقول كانت صغيرة، لا تدرك أبعاد الأشياء.. لكن لنا عيونا تحمل نور المستقبل وتفاؤله.. في نهاية الرحلة قال: تعلموا.. تمنى أن (يرانا) في الشركة مهندسين وخبراء.. ودع الجميع ونحن نقول: شكرا.
@
هناك رجال.. يدفعون الشباب لـ(البناء).. عن طريق خلق الطموح والأمل بكل صنوف التشجيع.. هناك أيضا من يدفع بالشباب لـ(الهدم) عن طريق نشر فكر ضال هدّام.. وصلوا أيضا بقيق.. في رحلة الإرهاب والشر.. لـ(شواء) الناس في المدينة.. البناء، أفكار.. الهدم، أفكار.. الخير، أفكار.. الشر، أفكار.. من يزرع الأفكار؟! بقيق.. ما أحلى الحياة، في ظل العقول.
mgh7m@yahoo.com