تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأعمى.. كان معي - د. محمد حامد الغامدي


صقر الجنوب
19/03/2006, 11:43 AM
د. محمد حامد الغامدي

الأعمى.. كان معي

د. محمد حامد الغامدي (Malghamdi@alyaum.com)

http://www.alyaum.com/images/11/11937/360113_1.jpg

بالتأكيد الغرب ليس شرا.. الغرب بلاد جميلة.. وشعوب بيضاء.. تأكل بالشوكة والملعقة.. ثقافتهم عالية.. علمهم عميق.. ولهم ارض خضراء معطاءة.. الغرب حقوق إنسان.. وحضارة متقدة.. خدماته تطوق البشرية.. الغرب ناس لهم مشاعر حضارية متحضرة.. لذلك كان لهم الأهمية والأفضلية.. حتى في العيش.. وهناك اختلاف لصالحهم.. حتى في تعويضات موتاهم المالية.
@ لكن من ينكر أن الشر صناعة غربية؟.. صناعة كمواد (التجميل).. واحمر (الشفايف)، شكّلوه لـ(نساء) لا تحمر وجوههن من الخجل.. من المجنون الذي لا يعترف بوجود الخير في الغرب؟.. من ينكر عليهم ذلك؟.. أليست (الديمقراطية) صناعة غربية؟.. تحت مظلتها، أصبح (20%) من العالم يسيطر على (80%).. كـ(ديانة) جديدة يتبناها الغرب، لهداية الشعوب التي (يرونها) همجية ومتخلفة.. لا تؤمن بزواج المثليين.. والعلاقات الجنسية قبل الزواج.. كجزء من الحريات التي يفاخرون بها.. وهذه قنواتهم (الإباحية).. كجزء من (رقصة) التفاخر، الساعي لمسح (الحياء) الذي يحد من الحريات.. غرب يمارس الديمقراطية.. لكنها ديمقراطية (هيمنة) المال والنفوذ.. ليست ديمقراطية (التوازن) بين الناس.
@
عرفت (الرّجل) الغربي أول ما عرفته.. عندما كنت بـ(الصف) السادس ابتدائي في (بقيق).. وجدت مدرّس اللغة الانجليزية رجلا ابيض من الغرب.. عندما شاهدته لأول مرة، اعتقدت انه (عفريت) لا يراه احد غيري في الفصل.. رجل بسحنة جديدة، وشعر جديد، وعيون جديدة.. (لكزت) زميلي بجانبي قائلا: هل ترى ما أرى؟!.. قال: لا.. لم يكن يعتقد أنني اسأل عن الأستاذ.. تقمصني مزيد من الذعر.. تكلم العفريت.. زادت قناعتي بأن هذا عفريت بالفعل.. فهو يتكلم شيئا لا افهمه.. كررت السؤال على زميلي: هل ترى الذي يتحدث في الفصل؟.. أجاب: هذا أستاذ اللغة الانجليزية.
@
بسبب هذا الموقف وتداعياته التي يطول ذكرها.. (كرهت) اللغة الانجليزية.. أصبح عندي (عقدة) مستمرة حتى اليوم.. مثلها مثل العقد العربية الأخرى.. لكني لم اكره الأستاذ.. السبب: درست الصف الخامس بمدرسة حكومية، لا تدرس اللغة الانجليزية.. ثم انتقلت لمدرسة تابعة لـ(آرامكو) تدرس اللغة الانجليزية من الصف الخامس.. فكيف يمكن لطالب جديد أن يتفاعل مع (هيك شغله) عربية.
@
كبرت.. أصبحت (باش مهندس).. ثم وجدت نفسي في الغرب.. قبلها في أيام الثانوي.. أرسلت رسائل لبعض (السفارات) الغربية اطلب بعض الكتب والمعلومات عن هذا الغرب.. وصلني (كومة) كبيرة من الكتب (الدعائية).. شدّني صور جمال (العاملات) في المعامل والمصانع.. وكنت لا أرى إلا صور (المطربات) في جرائد العرب.. علما بأني من (قبيلة) وعائلة (محافظة).. لكن كما يقول الأخوة أهل مصر: (دي بتحصل في أحسن العائلات).. مع تلك الصور.. (شدّني) صورة لـ(دب) اسود في احدى الغابات.. لا ادري حتى اليوم سر (العلاقة) بين الصور.
@
وصلت أمريكا.. أترقب إصابتي (بطلق) ناري في لحظة عبور.. كنت اعتقد أنهم (عصابات) و(رعاة بقر) منتشرون في الشوارع.. كنت اعتقد أن القتل والتدمير يتحرك مع الناس.. كل ذلك بسبب أفلام البنادق و(المسدسات) التي تحيط (بخصر) الرجال و(الصبايا الحلوين).. لحصد الأرواح.. ثم بعد هذا، يتهمون العرب بتصدير (الإرهاب)!.. وفي (أفلامنا) لا يجدون إلا (خصرا) عربيا (يلعلع) مع (الأرداف)، (شمال ويمين..أعلى وتحت).. وأيضا بدون أي سلاح.. لكن ماذا بعد (الوصول) إلى أمريكا؟
@
لم أجد المظاهر العسكرية في الشوارع التي حملتني.. وجدت مظاهر الحياة المدنية.. أما البلاد فكانت مغطاة بغابات (الإعلانات) التجارية.. وجدت حياة هادئة غير (مكترثة).. حياة الأيس كريم.. حياة الرحلات والحدائق.. حياة الجامعات والانجاز والتخصص.. حياة المراقص والملاهي ودور السينما.. حياة الأسواق والمتاحف والمكتبات ودور السيرك والاستعراضات.. كل شيء موظف لـ(متعة) الحياة.. لكن لمن يملك (الدولار).. الناس في تنافس للعمل مثل (الآلات).. فقط لجمع الدولار لـ(الظفر) بجزء من صناعة السعادة التي يروج لها (الصنّاع).. وقمة السعادة أن يكون الفرد مشهورا.
@
وجدت ناسا (فزّاعة).. يرشدون، يتعاطفون، يساعدون، يشجعون، يشرحون، ويقدمون المشورة.. تعلمت منهم الكثير من (العلوم).. (حفزوني) على العلم والتعلم.. لقيت منهم (الصراحة) والحث والإعجاب.. قدموا لي قدراتي وأهميتي، وعرفوني بها.. الأهم اكتشفت نفسي بينهم وبهم.. لكنهم مثلي (متفرجون).. وجدت الناس وقد تم (توجيههم) حتى إلى نوعية الأكل والشرب.. وجدت أن كل شيء في الغرب (صناعة) صانع.. لتعزيز السيطرة حتى على مشاعر الإنسان وميوله ومواقفه وعواطفه.. شعوب بديمقراطية تفتح الطريق لـ(الصنّاع) لعمل ما يشاءون.
@
لكن (الصوت) و(الإيقاع)، كان (يعرش بي) عبر البحار، إلى ديار العرب.. شريط (مسجل)، يحمل صوتا من أعماق شعبيات (التراث) في بلاد (غامد وزهران).. شاعر (غامد) الشهير (الأعمى)، رحمه الله، ينشد على (الدُّفء) في زاوج (ابنته).. إلى أن يقول: (... فِيَ العَصءر.. يَعءبَوءا.. لِيَ الشَّاهِي.. ونَا.. مِتءكِي.. لهء..* ويستمر (التراث) بصوت الدُّفء: (دُبّقء دُبّقء دُبّقء).
mgh7m@yahoo.com