صقر الجنوب
21/03/2006, 11:04 AM
عليك اللعنة يا ماسح الأحذيةhttp://www.aleqt.com/admpic/77.jpg
صالح الشهوان - 21/02/1427هـ
لم أقرأ مذكرات رجل المال والأعمال الأمريكي الشهير السيد روكفلر لكن حكايته مع ماسح الأحذية عرضت لي في قراءاتي أكثر من مرة, فقد نسب عن السيد روكفلر أنه كان يمر في طريقه إلى مكتبه كل صباح بماسح أحذية ليلمع له حذاءه, وذات يوم فوجئ السيد روكفلر بماسح الأحذية يسأله المشورة عن أفضل الشركات في سوق نيويورك المالية لكي يستثمر فيها نقوده, فذكر له بعضها ثم مضى إلى مكتبه وطلب من موظفيه بيع جميع ما يملك من أسهم في السوق فورا, بعدئذ انهارت السوق. ويعلل السيد روكفلر تصرفه آنذاك كونه أحسّ بأن شيئا على غير ما يرام في السوق ما دام الحال وصل بماسح أحذية لكي يفكر بالمضاربة فيها.
لقد أسهمت رواية السيد روكفلر للحكاية بحشد الإدانة العالمية لماسح الأحذية واعتبرها المحللون الماليون والاقتصاديون رمز شؤم ونذير كارثة, وحمّلوه, ولو مجازيا, ذنب انهيار سوق نيويورك المالية في عشرينيات القرن الماضي, فلولا تطفله للمضاربة في تلك البورصة لما حلت الكارثة!!
هذا هو "الطُعم" الذي ألقمه السيد روكفلر في أفواه الجميع فتلقفوه, وبسببه صلبوا على خشبة التاريخ سمعة ماسح الأحذية المسكين. وإلا فإن للحكاية وجها آخر, يقول إن الأولى بالصلب على خشبة التاريخ هي سمعة السيد روكفلر نفسها, وأن من يستحق الإدانة في الواقع هو روكفلر لأنه تصرف بطيش وحماقة وأنانية بحتة, إن لم يكن بدافع الغرور والتكبر، فسارع إلى بيع جميع ما يملك من أسهم. وطبعا تكفل الموظفون في مكتبه والعاملون في السوق بنشر الخبر على أوسع نطاق, فسرى الذعر في الجميع وتدافعوا للتخلص من أسهمهم فانهارت السوق.
لا أدري عن صحة الحكاية ولا عن صحة نسبتها إلى السيد روكفلر لكني بالتأكيد غير قابل لابتلاع الإهانة والحط من مكانة الآخرين لمجرد أنهم ليسوا مثل السيد روكفلر الذي قد لا يكون تعمد الإهانة وإنما ضرب الأمثولة أو تخيلها للتدليل على خطورة التعامل مع السوق حين يصل حجم التغرير بالكسب السريع, من خلاله, حدا يدفع عامة الناس وبسطاءهم وفقراءهم إلى التصديق بأن بينهم وبين الفردوس مجرد قفزة مؤشر سوق الأسهم, ليس إلا.
إن الجزء المسكوت عنه في الحكاية, أو لنقل الجزء المغمور من جبل الجليد, هو الحالة الإنسانية التي دفعت بماسح أحذية احدودب ظهره وتعرقت يداه وتلطخ هندامه ببقع البوية, وربما فقد حاسة الشم وشح بصره بفعل الروائح الكريهة التي كان يضطر للصبر على شمها لالتقاط رزقه. تلك حالة غض عنها السيد روكفلر الطرف أو أنها لم تكن تعنيه أو لم ينتبه إليها, كحالة كثيرين يكدحون في المتاح من المهن وسبل العيش مهما كانت شاقة وموجعة نفسيا, يضطرون إليها اضطرارا, وحين تلوح لهم بارقة أمل في أن يجربوا حظوظهم كالقادرين لا يترددون في أن يركبوا أقدامهم سراعا, باعتبار أنهم سيلاقون مغنما, وإلا فإنهم سيعاودون لعق جراحهم على مضض كالمعتاد!!
صالح الشهوان - 21/02/1427هـ
لم أقرأ مذكرات رجل المال والأعمال الأمريكي الشهير السيد روكفلر لكن حكايته مع ماسح الأحذية عرضت لي في قراءاتي أكثر من مرة, فقد نسب عن السيد روكفلر أنه كان يمر في طريقه إلى مكتبه كل صباح بماسح أحذية ليلمع له حذاءه, وذات يوم فوجئ السيد روكفلر بماسح الأحذية يسأله المشورة عن أفضل الشركات في سوق نيويورك المالية لكي يستثمر فيها نقوده, فذكر له بعضها ثم مضى إلى مكتبه وطلب من موظفيه بيع جميع ما يملك من أسهم في السوق فورا, بعدئذ انهارت السوق. ويعلل السيد روكفلر تصرفه آنذاك كونه أحسّ بأن شيئا على غير ما يرام في السوق ما دام الحال وصل بماسح أحذية لكي يفكر بالمضاربة فيها.
لقد أسهمت رواية السيد روكفلر للحكاية بحشد الإدانة العالمية لماسح الأحذية واعتبرها المحللون الماليون والاقتصاديون رمز شؤم ونذير كارثة, وحمّلوه, ولو مجازيا, ذنب انهيار سوق نيويورك المالية في عشرينيات القرن الماضي, فلولا تطفله للمضاربة في تلك البورصة لما حلت الكارثة!!
هذا هو "الطُعم" الذي ألقمه السيد روكفلر في أفواه الجميع فتلقفوه, وبسببه صلبوا على خشبة التاريخ سمعة ماسح الأحذية المسكين. وإلا فإن للحكاية وجها آخر, يقول إن الأولى بالصلب على خشبة التاريخ هي سمعة السيد روكفلر نفسها, وأن من يستحق الإدانة في الواقع هو روكفلر لأنه تصرف بطيش وحماقة وأنانية بحتة, إن لم يكن بدافع الغرور والتكبر، فسارع إلى بيع جميع ما يملك من أسهم. وطبعا تكفل الموظفون في مكتبه والعاملون في السوق بنشر الخبر على أوسع نطاق, فسرى الذعر في الجميع وتدافعوا للتخلص من أسهمهم فانهارت السوق.
لا أدري عن صحة الحكاية ولا عن صحة نسبتها إلى السيد روكفلر لكني بالتأكيد غير قابل لابتلاع الإهانة والحط من مكانة الآخرين لمجرد أنهم ليسوا مثل السيد روكفلر الذي قد لا يكون تعمد الإهانة وإنما ضرب الأمثولة أو تخيلها للتدليل على خطورة التعامل مع السوق حين يصل حجم التغرير بالكسب السريع, من خلاله, حدا يدفع عامة الناس وبسطاءهم وفقراءهم إلى التصديق بأن بينهم وبين الفردوس مجرد قفزة مؤشر سوق الأسهم, ليس إلا.
إن الجزء المسكوت عنه في الحكاية, أو لنقل الجزء المغمور من جبل الجليد, هو الحالة الإنسانية التي دفعت بماسح أحذية احدودب ظهره وتعرقت يداه وتلطخ هندامه ببقع البوية, وربما فقد حاسة الشم وشح بصره بفعل الروائح الكريهة التي كان يضطر للصبر على شمها لالتقاط رزقه. تلك حالة غض عنها السيد روكفلر الطرف أو أنها لم تكن تعنيه أو لم ينتبه إليها, كحالة كثيرين يكدحون في المتاح من المهن وسبل العيش مهما كانت شاقة وموجعة نفسيا, يضطرون إليها اضطرارا, وحين تلوح لهم بارقة أمل في أن يجربوا حظوظهم كالقادرين لا يترددون في أن يركبوا أقدامهم سراعا, باعتبار أنهم سيلاقون مغنما, وإلا فإنهم سيعاودون لعق جراحهم على مضض كالمعتاد!!