المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنموذج قيادي يُحتذى به


صقر الجنوب
21/03/2006, 11:32 AM
http://212.119.67.86/okazhttp/myfiles/authors/wleedftihi.jpg
د. وليد احمد فتيحي



كتبت قبل أسبوعين في 7 صفر 1427هـ الموافق 7 مارس لعام 2006م، مقالاً في جريدة عكاظ بعنوان «حمى الضنك.. ليس الأول ولن يكون الأخير» وعقّبت في مقالي ذلك على مقال كتبته قبل ستة أعوام في شهر أكتوبر لعام 2000م، مقالاً في جريدة عكاظ بعنوان «وكشف الوباء عوراتنا» ومما ذكرت آنذاك أن ما شاهدناه من جراء وباء حمى الوادي المتصدع هو نتيجة متوقعة لأسباب قد أغفلناها أو تغافلناها... فالوصول إلى بناء نظام حياة صحي متكامل، لا يتحقق بجهود وزارة واحدة بغض النظر عن مدى الجهود التي تبذل، فبناء هذا النظام الصحي يقتضي توافر البنية التحتية الأساسية الصحية مثل توافر الصرف الصحي في كل مدينة، والقدرة على التخلص من النفايات بأسرع وقت وأفضل طريقة، وإزالة المستنقعات والبيارات الطافحة والقضاء على الفئران والبعوض، والرقابة على المنتجات الزراعية والحيوانية وغيرها كثير. وكل ذلك ليس من مهام وزارة الصحة وحدها بل وزارات أخرى مثل وزارة الزراعة والمياه ووزارات البلديات، بل لوزارات الإعلام والتعليم كذلك واجب ودور فعال في رفع الوعي الصحي عند المواطن، ويكفينا في هذا المقام أن نُذكر أنفسنا والكل يعلم بأن معظم المدن في بلادنا تفتقر للبنية الأساسية مثل الصرف الصحي، ولا تستثنى من ذلك المدن الكبرى. إن فيروس «حمى الوادي المتصدع» نبهنا مرة أخرى إلى أن سياسة الفعل ورد الفعل لابد أن تُستبدل بسياسة احترام التخصصات وتطبيق الخطط بعيدة المدى التي يقوم بها الدارسون، ودعم المسؤولين القائمين على البرامج والمشاريع الوقائية بميزانيات تليق بأهمية هذه المشاريع للمجتمع.
وأوضحت كيف أنه لا يكفي القضاء على البعوض لعلاج القضية حيث إن الفيروسات تنتقل إلى سلالة البعوض وبيض البعوض الذي يبقى مختبئاً لعدة سنوات في المناطق الجافة ولكن عند سقوط الأمطار وإن كان بعض بضع سنوات تخرج اليرقات من البيض لتكون جيلاً جديداً من البعوض الحامل للفيروس.
وما نراه اليوم من ظهور حمى الضنك بعد أكثر من خمس سنوات بإطلالة البعوضة نفسها http://212.119.67.86/okazhttp/images/new/Open-DblQ.gif نواجه تحديات كبيرة وكثيرا من القضايا تحتاج لتدخل القيادة العليا http://212.119.67.86/okazhttp/images/new/Close-DblQ.gif
Aedes لتنقل فيروساً جديداً ومرضاً جديداً لهو أحد الأمثلة الداعمة لما نقول، وأنهيت المقال بقولي «لابد أن تكون هناك خطط طوارئ وميزانيات معتمدة مسبقاً لتغطية حالات الطوارئ التي تتحقق فيها الشروط اللازمة، حيث إن عامل الوقت والقدرة على التصرف السريع من أهم عوامل النجاح والقضاء على الأمراض قبل أن يستفحل أمرها».
وكتب آخرون كما كتبت في هذه القضية، وفي اليوم التالي من نشر المقال سمعنا ورأينا موقفاً يستحق أن يكون نموذجاً لسرعة استجابة القيادة فرفعت التوصيات للمقام السامي فأمر ملك البلاد حفظه الله بتشكيل لجنة من أربعة وزراء «الصحة/ البلدية والقروية/ المياه والزراعة» وأمرهم بزيارة مدينة جدة والاجتماع مع محافظ المدينة وأمين مدينة جدة وتم الاجتماع على الفور واستعرضت الحلول الآجلة والعاجلة والتي قد درست بالتفصيل من قبل أمانة مدينة جدة، واتحدت جهود الوزارات الأربع ممثلة في وزرائها وتم التنسيق ورفعت التوصيات، واجتمع مجلس الوزراء وعُرضت عليه التوصيات ظهر يوم الاثنين 13 صفر 1427هـ الموافق 13 مارس 2006م، وعلى الفور قرر المجلس الموافقة على توصيات اللجنة سالفة الذكر والإسراع في تنفيذ المشروعات المقترحة لعلاج حمى الضنك في محافظة جدة وذلك بشكل فوري وعاجل، وصولاً إلى حل جذري فاعل وشامل لهذه المشكلة وغيرها من المشكلات الناجمة عن عدم استكمال مشروعات الصرف الصحي والتي تبلغ 1،423،950،000 ألفاً وأربعمائة وثلاثة وعشرين مليوناً وتسعمائة وخمسين ألف ريال، إضافة إلى استكمال ما سبق تخصيصه من مبالغ لإكمال مشروعات الصرف الصحي في المحافظة وقدرها 7،000،000،000 سبعة آلاف مليون ريال، وتشمل هذه المشروعات (برنامج المكافحة الشاملة للبعوض والحشرات، وبرنامج الاستكشاف الحشري ومراقبة كفاءة المكافحة، ومشروع ردم المستنقعات غير الدائمة، ومشروع شفط وسحب مياه الأمطار في حالة الطوارئ، وبرنامج الدراسات لوضع الشروط والمواصفات للمشاريع الرئيسية، وبرنامج المكافحة الشاملة للبعوض والحشرات بالمحافظات والمجمعات القروية، وبرنامج المكافحة المنزلية لنواقل حمى الضنك بالمحافظات والمجمعات القروية، ومشروع الرش الجوي والأرضي الذي تنفذه وزارة الزراعة، ومشاريع التوعية الصحية والمختبرات التي تنفذها وزارة الصحة، واستكمال وبصفة عاجلة -مشاريع الصرف الصحي لمدينة جدة وذلك باعتماد المبالغ اللازمة والمقرة سابقاً، ومشروع ترميم وتغطية مجرى السيل، ومشروع رفع السد الاحترازي ببحيرة الصرف الصحي بشرق الخط السريع، ومشروع تنفيذ شبكة تصريف للمياه السطحية في الأماكن المتضررة، ومشروع تنفيذ شبكة تخفيض منسوب المياه الجوفية، ومشروع إنشاء محطات معالجة وتنقية المياه السطحية والجوفية، ومشروع إنشاء وتوصيل شبكات الري بمحطات المعالجة، وبرنامج شامل لمعالجة التلوث البيئي ببحيرتي الأربعين والشباب وشرم أبحر والكورنيش الجنوبي والشمالي، وبرنامج المكافحة الشاملة للبعوض والحشرات بمحافظة جدة للسنوات الثلاث القادمة، وبرنامج المكافحة الشاملة للبعوض والحشرات بالمحافظات والمجمعات القروية للسنوات الثلاث القادمة).
بل وأعطى كل وزير صلاحيات استثنائية تتعدى الروتين والبيروقراطية لسرعة تنفيذ المهمة، كل ذلك تم في غضون أيام معدودة.
إن طريقة معالجة قضية حمى الضنك من قبل المقام السامي تستحق الوقوف عليها واتخاذها نموذجا للقيادة الفعّالة المؤثرة ففيها تتمثل سرعة استجابة القيادة العليا والتدخل الشخصي لتجاوز الخطوات الروتينية والبيروقراطية التي كثيراً ما تُميع القضايا الكبرى أو تؤخر في سرعة الاستجابة لها، وطريقة معالجة القضية كذلك تمثل فيها قيام الوزارات بدورها في دراسة أسباب المشكلة ووضع الحلول في دراسات ومشاريع محددة المعالم والتكاليف مما يسهل على القيادة العليا إقرارها على الفور وتخصيص الميزانيات لها، وإن الأسلوب العلمي المنظم الذي اتبع من قبل أمانة مدينة جدة في دراسة حمى الضنك ووضع استراتيجيات العمل وتحديد المشاريع العاجلة والآجلة للقضاء عليه وعلى أسباب وجذور انتشار مثل هذه الأمراض هو أنموذج يُحتذى.
إننا نواجه كما تواجه الدول التي تطمح للنمو والتطور تحديات كبيرة، وكثيراً من القضايا تحتاج لتدخل القيادة العليا وكسر الأنماط الروتينية والبيروقراطية وقد حدث هذا من قبل المقام السامي في قضية حمى الضنك. والتحدي الآن هو تطبيق هذه المشاريع بأسرع وقت ممكن على أرض الواقع فالحجة الآن على المنفذين لهذه المشاريع والبرامج، وقد أقر المقام السامي ومن ثم مجلس الوزراء الميزانيات كاملة فوراً دون تحفظ أو تأخير.
Okazreaders@imc.med.sa
فاكس: 6509659