بنت السعودية
23/03/2006, 11:44 AM
ماذا بعد السماح للمقيمين بالاستثمار في سوق الأسهم؟http://www.aleqt.com/admpic/100.jpg
عبد المحسن بن إبراهيم البدر - 23/02/1427هـ
تأثير الاستثمار الأجنبي على الأسهم هو عنوان مقال سابق قد طرحته بداية عام 2005، وكان ردا على تحقيق طرح في تلك الفترة عن معوقات الاستثمار بالنسبة للمقيمين في المملكة العربية السعودية. وكذلك الأوعية المحتملة أو المفضلة لاستيعاب المبالغ الكبيرة التي يحملها المقيمون. وكان افتراضي أن سوق الأسهم يعتبر أحد أهم الأوعية التي قد تستوعب مثل هذه المبالغ كخطوة أولى لدخول الاستثمار الأجنبي المباشر، وهنا سأترك للمختصين حسابات واستنتاجات عوائد تدوير هذه المبالغ داخل الخريطة الجغرافية والاقتصادية للمملكة العربية السعودية بدل الحوالات الموسمية التي نشهدها.
اليوم ونحن نعيش هذا التغير على أرض الواقع فإننا يجب أن نحلل هذا الموضوع مرة أخرى لكون هذا القرار قد يتبعه الانفتاح الكامل لسوق الأسهم السعودي أمام الاستثمار الأجنبي كحال الأسواق العالمية الأخرى، ومما لا شك فيه أن القائمين على الاقتصاد الوطني يدركون حق الإدراك جميع الجوانب الإيجابية والسلبية التي سيخلفها فتح سوق الأسهم بالتحديد للاستثمار الأجنبي المباشر، وحيث إن سوق الأسهم ذو حساسية كبيرة على المستويين الاقتصادي والشعبي، فإن الإدراك العميق يتضح جليا من خلال الخطوات التي سبقت قرار السماح للمقيمين بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم، والتي بدأت من خلال السماح لغير السعوديين بالاستثمار في الصناديق الاستثمارية للأسهم والتي تديرها البنوك المحلية. ويتضح جلياً أن تلك خطوة كان الهدف منها هو تجربة هذا الاستثمار وقياس درجة الإقبال عليه، ومدى النجاح الذي سيحققه والخروج بعد ذلك بتصور نهائي لاستعداد السوق لاستيعاب الاستثمار الأجنبي من عدمه, وتحديد درجة الاستيعاب هذه في حال إقرارها. وبناء على أن تلك التجربة لم تأخذ بعين الاعتبار نظرة المستثمر الأجنبي، وهو المعني بالأمر إلى مستوى الجذب الاستثماري لسوق الأسهم السعودي. فإن ذلك يقودنا إلى تساؤل آخر, هل السوق السعودي للأسهم مستعد لاستثمار أجنبي من غير المقيمين؟
نحن نعلم أن قرار الاستثمار يخضع لعدة اعتبارات، سواء الجاذب منها أو المنفر، وهي المؤثرة في أي قرار استثمار أجنبي. وهنا سنتجاوز عن تحليل الأسس العامة الأربعة في أي قرار استثماري، والتي تشمل السياسة والاقتصاد والتركيبة الاجتماعية والتطور التكنولوجي، وسنركز على المعايير المباشرة التي تؤثر في إقبال الاستثمار الأجنبي على سوق الأسهم السعودي بالتحديد، والتي منها ما يلي:
حجم السوق
لا جدل أن عدد الأسهم المطروحة للتداول في السوق السعودي وعدد الشركات المدرجة يعتبر في نظر المختصين متواضعا وقليلا مقارنة بغيره من الأسواق العالمية المتقدمة والناشئة, بل وحتى الأسواق. ومن ناحية أكثر عمقا "وعلى الرغم من تنازل الدولة عن جزء من أسهمها عن طريق التخصيص ابتداء" من "سابك" مرورا" بـ "الاتصالات" إلى الشركة التعاونية للتأمين، إلا أن الأرقام تؤكد أن ما يتم تداوله في سوق الأسهم المحلي من أسهم لا يمثل العدد الإجمالي للأسهم المسجلة في السوق. فالدولة ما زالت تملك نصيبا كبيرا من الأسهم، وهي أسهم لا يمكن تداولها مطلقا بأي حال من الأحوال إلا من خلال التخصيص الكلي. أضف إلى ذلك ملكية بعض العائلات التجارية لنسبة جيدة في الشركات المساهمة، وهي تعتبر أسهما ملكية أكثر منها أسهما استثمارية يتم تداولها. هذا الافتراض يقودنا إلى أن قلة عدد الأسهم المطروحة في السوق لا يشجع على اتخاذ قرار السماح للمستثمر الأجنبي بالدخول فيه من وجهة النظر الوطنية الاقتصادية، لأنه على المديين المتوسط والطويل سيضر بالسوق، وذلك لأنه سيكون من السهل رفع أسعار الأسهم بالدخول المكثف قد يقود إلى آثار أسوأ مما عاشها المتداولون خلال الأسابيع الماضية, وهذه حقيقة نلمسها في واقع السوق اليوم من مضاربين محليين على سهم معين وعند ارتفاعه إلى حد معين تسحب هذه الأموال لجني الأرباح ولتهوي بعدها الأسعار. أما الناحية الأخرى لتأثير ضحالة السوق فهي لأنها ربما لا تشكل إغراءا للدخول فيه من قبل المستثمر الأجنبي خوفا من السبب نفسه، وهو سهولة التأثير على السوق والتلاعب بأسعاره وفق أسس غير علمية أو معلومات غير صحيحة. وهذه حقيقة لا يمكن حجبها.
إدارة السوق
في حقيقة الأمر فإن الإدارة الحالية للسوق ممثلة في هيئة سوق المال تواجه تحدياً كبيراً. فالهيئة ما زالت في مراحلها الأولى، ومع أن وجودها مؤشر إيجابي يصب في صالح البنية المستقبلية لسوق على قدر كبير من الكفاءة، إلا أنها تحتاج إلى وقت أتمنى ألا يكون طويلا لإثبات نجاحها خصوصا من منظور المستثمر الأجنبي. وجزء لا يتجزأ من مسؤولياتها هو رفع مستوى الشفافية وإعطاء الطمأنينة للمستثمرين في الأسهم، وما يليها من الأوراق المالية في المستقبل المنظور. أضف إلى ذلك أن الآليات والأنظمة التي تدير بموجبها السوق ستكون تحت المجهر للتأكد من كفاءة إدارة السوق وهو ما يعطي المستثمر مؤشرا على مستقبل التشريعات والقرارات التي تصدر من قبل الهيئة.
الإفصاح ومستوى الشفافية
ويمثل أحد المعوقات التي تقف حائلا أمام تدفق الأموال الأجنبية على الاستثمار في السوق المحلي للأسهم, فمستوى الإفصاح والشفافية الذي تتوفر في السوق المالي يعتبر أحد مرتكزات كفاءة السوق وعوامل فاعلة في جذب الاستثمارات الأجنبية? وعلى الرغم من جهود مشرع السوق في هذا المجال، وكذلك وجود بعض القوانين والقواعد التي تلزم الشركات المساهمة على ضرورة رفع مستوى الإفصاح، إلا أن مستوى الإفصاح والشفافية في السوق المحلية لا يزال ضعيفا. أضف إلى ذلك أن ارتفاع السوق لا يخضع إلى القوانين المالية والاستثمارية المتعارف عليها في الأسواق الأكثر كفاءة? ولا تعكس بأي حال من الأحوال وضع الشركات المالي والاستثماري? بل إن السوق يتأرجح بين مضاربين قد يكونون يتمتعون بقدر أعلى من المعلوماتية. وهو ما تحاول هيئة سوق المال السيطرة عليه أو بمعنى أدق الحد منه بهدف إعطاء جميع المستثمرين المعلومة نفسها في الوقت نفسه.
وعند حديثنا عن دخول المستثمر الأجنبي إلى السوق المحلي يجب ألا نغفل عن النتائج السلبية لذلك. فمعظم المستثمرين المحليين بالسوق يتحدثون عن النتائج الإيجابية التي ستنعكس على السوق المحلي للأسهم, والسواد الأعظم منهم يتحدثون عن انتعاش كبير في السوق وعن أرباح كبيرة سيجنيها المستثمرون المحليون بسبب هذا الدخول، مما جعل بعضهم ينادي حتى بتسريع هذا الدخول حتى وإن صادف قرار السماح لهم فترة تصحيح كبيرة يشهدها السوق.
ولكن الآثار لا تقف عند هذا الحد ? فدخول أموال أجنبية إلى السوق المحلي تقود بطريقة غير مباشرة إلى درجة كبير من الارتباط بين أسواق الأسهم العالمية، وسيؤدي إلى درجة من التفاعل فيما بينها، وسيكون السوق السعودي أحدها, وستنتقل آثار الارتفاع أو الهبوط في أسعار الأسهم من سوق إلى آخر نتيجة لانتقال ما يسمى اصطلاحا "بالأموال الساخنة"، وهي الأموال التي تدخل السوق وتخرج منه بسرعة ودون قيود, مخلفة وراءها في أحيان كثيرة انهيارا لأسعار الأسهم السوقية، وهذه الجزئية بالذات قد تغير التخطيط الاستراتيجي لجميع المستثمرين المحليين الذين لم يكترثوا بالأحداث الخارجية في عالم المال والأعمال، كونهم لم يرتبطوا بها أو لم يجربوا الارتباط بها من قبل. هذا الارتباط يقودنا إلى حلقة أخرى من حلقات التأثير السلبي لدخول رؤوس الأموال الأجنبية تستهدف في الأساس المضاربة في الأسواق الناشئة لتحقيق مكاسب سريعة. مثل ما حدث للسوق الصيني عام 2001، فبعد السماح بالاستثمار الأجنبي ارتفعت الأسعار بشكل دراماتيكي خلال الأشهر الأولى للقرار، ولكن ما لبثت أن عادت إلى ما هي عليه قبل القرار من جرّاء الدخول والخروج السريعين للمستثمر الأجنبي. ولكن الحقيقة أن تضخم أسعار الأسهم وارتفاع قيمها نتيجة لدخول أموال جديدة في السوق, وكنتيجة لقلة عدد الأسهم المطروحة للتداول كما أسلفنا, كل ذلك سيسبب تضخما في أسعار الأسهم بشكل لا يعكس القيمة الحقيقية للشركات, ولا تمثل القيمة العادلة لسعر سهم معين وهو المربح للاستثمارات قصيرة الأجل فقط. وسيواجه الاستثمار المتوسط إلى طويل الأجل صعوبة في تقبل الأسعار الموجودة في السوق, وبالتالي ستؤدي إلى عزوف هذه الأموال عن الاستثمار.
إن أسوأ الآثار السلبية للاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم من وجهة نظري الشخصية، هو سهولة خروج الأموال الأجنبية كردة فعل عند حدوث أي هزة اقتصادية لبلد معين، وهو ما قد يسهم في حدوث انهيار اقتصادي إذا كانت الأموال الأجنبية تمثل نسبة عالية في سوق الأسهم، ولعل أكبر مثال على ذلك هو ما حدث للأسواق الآسيوية وأسواق أمريكا اللاتينية في عام 98م.
إن ما نحتاجه ويحتاجه السوق المحلي للأسهم في الوقت الراهن هو الوعي الكامل والتحوط للمخاطر قبل الابتهاج بالنتائج المؤقتة، ومحاولة تقليل الآثار السلبية والنتائج العكسية لمثل تلك التغيرات. وذلك من وجهة نظري يكون بما يمكن تلخيصه في التالي:
دور أكبر لهيئة سوق المال في سبيل إعطاء مزيد من الإفصاح والشفافية. وذلك عن طريق فرض جزاءات على الشركات المساهمة التي لا تلتزم بقوانين وإجراءات الإفصاح المعتمدة من الهيئة، وهو ما يحتاج إلى مراجعة أكثر تفصيلا وتطبيقا أكثر دقة وحزما، وخلق جو من الاحترافية في سوق الأسهم.
توسيع قاعدة المستثمرين المحليين في السوق عن طريق عملية تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة ومن ثم إدراجها في السوق. وكذلك الحث على الاندماجات الثنائية أو المتعددة للشركات الصغيرة التي تواجه تهديداً تنافسياً لمستقبل استثماراتها، خصوصا في ظل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وطرحها للاكتتاب كمرحلة مهمة وذلك لازدواجية الكسب, فمن جهة توسيع قاعدة الشركات المساهمة والمساهمين، ومن جهة أخرى ضمان استمرارية هذه الشركات. وكذلك الإسراع في عملية التخصيص وبيع الدولة لحصصها في الشركات المساهمة وإدراجها في السوق.
وعي استثماري على جميع الأصعدة وعلى جميع المستويات في سوق الأسهم, وذلك بأن تخضع قرارات الاستثمار في السوق إلى تحليل متكامل أساسي وفني، وأن تكون قرارات المستثمرين مبنية على تحليل وليس إشاعة، كما نشهده مع الأسف.
الجزء الأهم في طريق الانفتاح الأوسع لاستقبال الاستثمار الأجنبي يأتي عن طريق وضع قواعد تحمي السوق من تدفقات الأموال قصيرة الأجل, أي فرض قيود على الأموال الأجنبية الداخلة في السوق، وما نشهده اليوم من السماح للمقيمين في المملكة للاستثمار المباشر في سوق الأسهم يعتبر خطوة أولى مع وضع قيود ونسب محددة للدخول والخروج والاستثمار, كالتي يعمل بها في كثير من أسواق المال حول العالم. من أجل ضمان استقرار السوق على المدى الطويل.
abdulmohsen@albadr.ws
عبد المحسن بن إبراهيم البدر - 23/02/1427هـ
تأثير الاستثمار الأجنبي على الأسهم هو عنوان مقال سابق قد طرحته بداية عام 2005، وكان ردا على تحقيق طرح في تلك الفترة عن معوقات الاستثمار بالنسبة للمقيمين في المملكة العربية السعودية. وكذلك الأوعية المحتملة أو المفضلة لاستيعاب المبالغ الكبيرة التي يحملها المقيمون. وكان افتراضي أن سوق الأسهم يعتبر أحد أهم الأوعية التي قد تستوعب مثل هذه المبالغ كخطوة أولى لدخول الاستثمار الأجنبي المباشر، وهنا سأترك للمختصين حسابات واستنتاجات عوائد تدوير هذه المبالغ داخل الخريطة الجغرافية والاقتصادية للمملكة العربية السعودية بدل الحوالات الموسمية التي نشهدها.
اليوم ونحن نعيش هذا التغير على أرض الواقع فإننا يجب أن نحلل هذا الموضوع مرة أخرى لكون هذا القرار قد يتبعه الانفتاح الكامل لسوق الأسهم السعودي أمام الاستثمار الأجنبي كحال الأسواق العالمية الأخرى، ومما لا شك فيه أن القائمين على الاقتصاد الوطني يدركون حق الإدراك جميع الجوانب الإيجابية والسلبية التي سيخلفها فتح سوق الأسهم بالتحديد للاستثمار الأجنبي المباشر، وحيث إن سوق الأسهم ذو حساسية كبيرة على المستويين الاقتصادي والشعبي، فإن الإدراك العميق يتضح جليا من خلال الخطوات التي سبقت قرار السماح للمقيمين بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم، والتي بدأت من خلال السماح لغير السعوديين بالاستثمار في الصناديق الاستثمارية للأسهم والتي تديرها البنوك المحلية. ويتضح جلياً أن تلك خطوة كان الهدف منها هو تجربة هذا الاستثمار وقياس درجة الإقبال عليه، ومدى النجاح الذي سيحققه والخروج بعد ذلك بتصور نهائي لاستعداد السوق لاستيعاب الاستثمار الأجنبي من عدمه, وتحديد درجة الاستيعاب هذه في حال إقرارها. وبناء على أن تلك التجربة لم تأخذ بعين الاعتبار نظرة المستثمر الأجنبي، وهو المعني بالأمر إلى مستوى الجذب الاستثماري لسوق الأسهم السعودي. فإن ذلك يقودنا إلى تساؤل آخر, هل السوق السعودي للأسهم مستعد لاستثمار أجنبي من غير المقيمين؟
نحن نعلم أن قرار الاستثمار يخضع لعدة اعتبارات، سواء الجاذب منها أو المنفر، وهي المؤثرة في أي قرار استثمار أجنبي. وهنا سنتجاوز عن تحليل الأسس العامة الأربعة في أي قرار استثماري، والتي تشمل السياسة والاقتصاد والتركيبة الاجتماعية والتطور التكنولوجي، وسنركز على المعايير المباشرة التي تؤثر في إقبال الاستثمار الأجنبي على سوق الأسهم السعودي بالتحديد، والتي منها ما يلي:
حجم السوق
لا جدل أن عدد الأسهم المطروحة للتداول في السوق السعودي وعدد الشركات المدرجة يعتبر في نظر المختصين متواضعا وقليلا مقارنة بغيره من الأسواق العالمية المتقدمة والناشئة, بل وحتى الأسواق. ومن ناحية أكثر عمقا "وعلى الرغم من تنازل الدولة عن جزء من أسهمها عن طريق التخصيص ابتداء" من "سابك" مرورا" بـ "الاتصالات" إلى الشركة التعاونية للتأمين، إلا أن الأرقام تؤكد أن ما يتم تداوله في سوق الأسهم المحلي من أسهم لا يمثل العدد الإجمالي للأسهم المسجلة في السوق. فالدولة ما زالت تملك نصيبا كبيرا من الأسهم، وهي أسهم لا يمكن تداولها مطلقا بأي حال من الأحوال إلا من خلال التخصيص الكلي. أضف إلى ذلك ملكية بعض العائلات التجارية لنسبة جيدة في الشركات المساهمة، وهي تعتبر أسهما ملكية أكثر منها أسهما استثمارية يتم تداولها. هذا الافتراض يقودنا إلى أن قلة عدد الأسهم المطروحة في السوق لا يشجع على اتخاذ قرار السماح للمستثمر الأجنبي بالدخول فيه من وجهة النظر الوطنية الاقتصادية، لأنه على المديين المتوسط والطويل سيضر بالسوق، وذلك لأنه سيكون من السهل رفع أسعار الأسهم بالدخول المكثف قد يقود إلى آثار أسوأ مما عاشها المتداولون خلال الأسابيع الماضية, وهذه حقيقة نلمسها في واقع السوق اليوم من مضاربين محليين على سهم معين وعند ارتفاعه إلى حد معين تسحب هذه الأموال لجني الأرباح ولتهوي بعدها الأسعار. أما الناحية الأخرى لتأثير ضحالة السوق فهي لأنها ربما لا تشكل إغراءا للدخول فيه من قبل المستثمر الأجنبي خوفا من السبب نفسه، وهو سهولة التأثير على السوق والتلاعب بأسعاره وفق أسس غير علمية أو معلومات غير صحيحة. وهذه حقيقة لا يمكن حجبها.
إدارة السوق
في حقيقة الأمر فإن الإدارة الحالية للسوق ممثلة في هيئة سوق المال تواجه تحدياً كبيراً. فالهيئة ما زالت في مراحلها الأولى، ومع أن وجودها مؤشر إيجابي يصب في صالح البنية المستقبلية لسوق على قدر كبير من الكفاءة، إلا أنها تحتاج إلى وقت أتمنى ألا يكون طويلا لإثبات نجاحها خصوصا من منظور المستثمر الأجنبي. وجزء لا يتجزأ من مسؤولياتها هو رفع مستوى الشفافية وإعطاء الطمأنينة للمستثمرين في الأسهم، وما يليها من الأوراق المالية في المستقبل المنظور. أضف إلى ذلك أن الآليات والأنظمة التي تدير بموجبها السوق ستكون تحت المجهر للتأكد من كفاءة إدارة السوق وهو ما يعطي المستثمر مؤشرا على مستقبل التشريعات والقرارات التي تصدر من قبل الهيئة.
الإفصاح ومستوى الشفافية
ويمثل أحد المعوقات التي تقف حائلا أمام تدفق الأموال الأجنبية على الاستثمار في السوق المحلي للأسهم, فمستوى الإفصاح والشفافية الذي تتوفر في السوق المالي يعتبر أحد مرتكزات كفاءة السوق وعوامل فاعلة في جذب الاستثمارات الأجنبية? وعلى الرغم من جهود مشرع السوق في هذا المجال، وكذلك وجود بعض القوانين والقواعد التي تلزم الشركات المساهمة على ضرورة رفع مستوى الإفصاح، إلا أن مستوى الإفصاح والشفافية في السوق المحلية لا يزال ضعيفا. أضف إلى ذلك أن ارتفاع السوق لا يخضع إلى القوانين المالية والاستثمارية المتعارف عليها في الأسواق الأكثر كفاءة? ولا تعكس بأي حال من الأحوال وضع الشركات المالي والاستثماري? بل إن السوق يتأرجح بين مضاربين قد يكونون يتمتعون بقدر أعلى من المعلوماتية. وهو ما تحاول هيئة سوق المال السيطرة عليه أو بمعنى أدق الحد منه بهدف إعطاء جميع المستثمرين المعلومة نفسها في الوقت نفسه.
وعند حديثنا عن دخول المستثمر الأجنبي إلى السوق المحلي يجب ألا نغفل عن النتائج السلبية لذلك. فمعظم المستثمرين المحليين بالسوق يتحدثون عن النتائج الإيجابية التي ستنعكس على السوق المحلي للأسهم, والسواد الأعظم منهم يتحدثون عن انتعاش كبير في السوق وعن أرباح كبيرة سيجنيها المستثمرون المحليون بسبب هذا الدخول، مما جعل بعضهم ينادي حتى بتسريع هذا الدخول حتى وإن صادف قرار السماح لهم فترة تصحيح كبيرة يشهدها السوق.
ولكن الآثار لا تقف عند هذا الحد ? فدخول أموال أجنبية إلى السوق المحلي تقود بطريقة غير مباشرة إلى درجة كبير من الارتباط بين أسواق الأسهم العالمية، وسيؤدي إلى درجة من التفاعل فيما بينها، وسيكون السوق السعودي أحدها, وستنتقل آثار الارتفاع أو الهبوط في أسعار الأسهم من سوق إلى آخر نتيجة لانتقال ما يسمى اصطلاحا "بالأموال الساخنة"، وهي الأموال التي تدخل السوق وتخرج منه بسرعة ودون قيود, مخلفة وراءها في أحيان كثيرة انهيارا لأسعار الأسهم السوقية، وهذه الجزئية بالذات قد تغير التخطيط الاستراتيجي لجميع المستثمرين المحليين الذين لم يكترثوا بالأحداث الخارجية في عالم المال والأعمال، كونهم لم يرتبطوا بها أو لم يجربوا الارتباط بها من قبل. هذا الارتباط يقودنا إلى حلقة أخرى من حلقات التأثير السلبي لدخول رؤوس الأموال الأجنبية تستهدف في الأساس المضاربة في الأسواق الناشئة لتحقيق مكاسب سريعة. مثل ما حدث للسوق الصيني عام 2001، فبعد السماح بالاستثمار الأجنبي ارتفعت الأسعار بشكل دراماتيكي خلال الأشهر الأولى للقرار، ولكن ما لبثت أن عادت إلى ما هي عليه قبل القرار من جرّاء الدخول والخروج السريعين للمستثمر الأجنبي. ولكن الحقيقة أن تضخم أسعار الأسهم وارتفاع قيمها نتيجة لدخول أموال جديدة في السوق, وكنتيجة لقلة عدد الأسهم المطروحة للتداول كما أسلفنا, كل ذلك سيسبب تضخما في أسعار الأسهم بشكل لا يعكس القيمة الحقيقية للشركات, ولا تمثل القيمة العادلة لسعر سهم معين وهو المربح للاستثمارات قصيرة الأجل فقط. وسيواجه الاستثمار المتوسط إلى طويل الأجل صعوبة في تقبل الأسعار الموجودة في السوق, وبالتالي ستؤدي إلى عزوف هذه الأموال عن الاستثمار.
إن أسوأ الآثار السلبية للاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم من وجهة نظري الشخصية، هو سهولة خروج الأموال الأجنبية كردة فعل عند حدوث أي هزة اقتصادية لبلد معين، وهو ما قد يسهم في حدوث انهيار اقتصادي إذا كانت الأموال الأجنبية تمثل نسبة عالية في سوق الأسهم، ولعل أكبر مثال على ذلك هو ما حدث للأسواق الآسيوية وأسواق أمريكا اللاتينية في عام 98م.
إن ما نحتاجه ويحتاجه السوق المحلي للأسهم في الوقت الراهن هو الوعي الكامل والتحوط للمخاطر قبل الابتهاج بالنتائج المؤقتة، ومحاولة تقليل الآثار السلبية والنتائج العكسية لمثل تلك التغيرات. وذلك من وجهة نظري يكون بما يمكن تلخيصه في التالي:
دور أكبر لهيئة سوق المال في سبيل إعطاء مزيد من الإفصاح والشفافية. وذلك عن طريق فرض جزاءات على الشركات المساهمة التي لا تلتزم بقوانين وإجراءات الإفصاح المعتمدة من الهيئة، وهو ما يحتاج إلى مراجعة أكثر تفصيلا وتطبيقا أكثر دقة وحزما، وخلق جو من الاحترافية في سوق الأسهم.
توسيع قاعدة المستثمرين المحليين في السوق عن طريق عملية تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة ومن ثم إدراجها في السوق. وكذلك الحث على الاندماجات الثنائية أو المتعددة للشركات الصغيرة التي تواجه تهديداً تنافسياً لمستقبل استثماراتها، خصوصا في ظل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وطرحها للاكتتاب كمرحلة مهمة وذلك لازدواجية الكسب, فمن جهة توسيع قاعدة الشركات المساهمة والمساهمين، ومن جهة أخرى ضمان استمرارية هذه الشركات. وكذلك الإسراع في عملية التخصيص وبيع الدولة لحصصها في الشركات المساهمة وإدراجها في السوق.
وعي استثماري على جميع الأصعدة وعلى جميع المستويات في سوق الأسهم, وذلك بأن تخضع قرارات الاستثمار في السوق إلى تحليل متكامل أساسي وفني، وأن تكون قرارات المستثمرين مبنية على تحليل وليس إشاعة، كما نشهده مع الأسف.
الجزء الأهم في طريق الانفتاح الأوسع لاستقبال الاستثمار الأجنبي يأتي عن طريق وضع قواعد تحمي السوق من تدفقات الأموال قصيرة الأجل, أي فرض قيود على الأموال الأجنبية الداخلة في السوق، وما نشهده اليوم من السماح للمقيمين في المملكة للاستثمار المباشر في سوق الأسهم يعتبر خطوة أولى مع وضع قيود ونسب محددة للدخول والخروج والاستثمار, كالتي يعمل بها في كثير من أسواق المال حول العالم. من أجل ضمان استقرار السوق على المدى الطويل.
abdulmohsen@albadr.ws