تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : انين حنين


جساس
12/10/2004, 10:32 AM
أنين .. حنين

الكل ينتظر ، الكل يترقب ، إنها أول جمعة بل أول خطبة سيخطبها النبي صلى الله عليه وسلم على منبره الجديد ، والذي صنعه له الأنصار ، بعد أن كان يستند إلى جذع نخلة أثناء خطبته ...
هاهو ذا المنبر يقف شامخاً في واجهة المسجد بدرجاته الثلاث ، الجميع سيرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقف خطيباً ، يعلم ويوجه الصحابة ، ينذرهم النار ، يبشرهم بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ...
اللحظات تمضي في مسجد رسول الله ، أشعة الشمس تتسلل من خلال السقف المصنوع من جريد النخل ، ظلال الأشياء توحي باقتراب وقت الزوال ، واقتراب حضور النبي صلى الله عليه وسلم ...
بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم يتحفز ينتظر الإمام ...
دوي الصحابة بالقرآن يبعث في النفوس السكينة والطمأنينة ...
منظر رائع ، الأجساد متقاربة ، والقلوب متحابة ، اجتمعت قلوبهم على محبة الله ورسوله ، فرحل الحقد والحسد والضغينة من قلوبهم ، وسكن الحب العظيم لكل شيء يقربهم من حب الله ورسوله ...
خرج النبي صلى الله عليه وسلم ، توجهت الأبصار نحوه ، تراقبه تكاد قلوبهم تطير شوقاً إليه ، ودوا لو أنهم يقومون فيقبلونه و يقفون بين يديه ، لكنهم لن يفعلوا فهو لايحب ذلك منهم ، بل لقد نهاهم عن القيام له ، و طاعته لديهم مقدمة على ما تهوى أنفسهم ...
تعلقت أبصارهم به ترقبه يسير في تواضع وخشية نحو المنبر ، تجاوز الجذع الذي كان يستند إليه قبل اليوم ، صعد الدرجة الأولى والثانية والثالثة ، ارتفع عالياً ، راح يتطلع إلى أصحابة ، سكن كل شيء ، أنصتت الجوارح ، خشعت الأبصار ، إلا صوتاً واحداً انطلق ليعلن نوبة بكاء ، ارتج لها المسجد ، بحث الجميع عن ثكلى تحن لفقد الزوج أو الولد ، أو صبي يئن شوقاً إلى أمه أو أبيه ، أو ثور جاء يشكو ظلماً فهو يخور خواراً حتى يسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فينقذه من ظلمٍ حل به ، أو ناقة جاءت تصيح لمّا علمت من رحمة محمد صلى الله عليه وسلم بالحيوانات ...
لم يعثروا على شيءٍ من ذلك ، وعادوا ليبحثوا عن مصدر الصوت من جديد ...
اتفقت الأبصار والأسماع على أن مصدر الصوت هو جذع النخلة ، الذي كان قبل اليوم منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
تنقلت أبصارهم بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الجذع ...
رق النبي صلى الله عليه وسلم للصوت ، فنزل من على منبره ، ومشى نحو الجذع أحتضنه بين يديه ، حتى سكن بكاؤه ، وهدأ خواره ، ثم عاد إلى منبره ، وقال :
لو لم احتضنه لحنّ إلى يوم القيامة ، كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها ...


كان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال : يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله شوقاً إليه لمكانه من الله ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه ...





من السيرة