تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مستعرب عارب سمير عطالله


مشهور
07/10/2006, 04:17 AM
مستعرب عارب

كما ان هناك عربَين، عاربة ومستعربة، هناك نوعان من الاستعراب: التراثي والحديث. الاول يملأ لغات العالم في المصطلحات العلمية، كأن تقول «سايفر» من صفر بمعنى حل الرموز المعقدة، او الجبر بمعنى ربط الرموز المفككة (جبر العظام وجبر الخواطر المكسورة). اما الاستعراب الحديث فهو حالة وبائية خطرة. ومن نماذجها ورموزها أم المعارك عندما هزم النظام العراقي ورفع رئيسه يديه علامة النصر. ومنذ ان قام جورج بوش بزيارة بغداد وعلامات العدوى الوبائية بائنة وبينة، كلما وقف على منصة في جامعة او ولاية او دولة اجنبية رفع يده وقال انتصرنا. وآخر تصريحاته او خطبه يوم الخميس الماضي ان انتصاره في العراق علامة فارقة او فاصلة. ولم يحدد ماذا يعني بذلك، بل كاد يستطرد ويحيي الماجدين والماجدات والناشمين والنشامى، وهو يقف على ضريح العراق المستقر.

لا يكف جورج بوش عن الحديث عن انتصاره في العراق. ولست اعرف من يخاطب. فالشعب الاميركي ليس في مثل هذه السذاجة. والشعب العراقي لا يسمع لأنه في الشوارع يلملم اشلاء ضحاياه في اكياس عاجلة. والشعب العربي مربوط الى الفضائيات تضيء له طرق الخلاص القومي ودروب الوحدة والتوافق ولا تمطر عليه سموم الفرقة والقسمة والتحريض على النوم.

يحسن بنا ان نعرف، الشعب الاميركي ونحن، من يخاطب جورج بوش. عندها نعرف ماذا يعني عندما يقف مبتسماً ويتراجع قليلاً الى الوراء ثم يقول: «انتصرنا». وعندها أيضاً نفهم لماذا يختبئ ديك تشيني ستة اشهر كاملة مثل أهل الكهف ثم يظهر علينا فجأة ليشرح لنا معالم الفوز والربح والعزة في حرب العراق! ويشرح لنا لماذا قرر رئيسه القيام بزيارة مظفرة الى العراق بعد مقتل احمد الخلايلة، وكأنه انتصر في بيرل هاربور او في معركة برلين.

يجب إخضاع جورج بوش الابن لفحص الحمض النووي الريبي للتأكد من مدى الاصابة الاستعرابية خلال الرحلة الى بغداد، ذلك ان الاستعراب الحديث حالة شديدة التعقيد ولا تفهم ببساطة. فقد خرجت الجماهير تمجد للرجل الذي خسر سيناء باباء وشمم وعروبة صافية، وخرجت تشتم الرجل الذي استعادها كاملة بذل وخنوع وعمالة. وحتى عندما حقق انور السادات اول انتصار عسكري واضطر كل اميركا الى اقامة جسر جوي الى اسرائيل، قالت العرب هذه يا اخوان بولوتيكا وسيما اونطة. ولذلك حكم عليه الاسلامبولي بالموت على منصة 6 اكتوبر وهو يستعرض رجال العبور. وكوفئ الاسلامبولي البطل باطلاق اسمه على شارع بأكمله في طهران الثورة.

انها مسألة معقدة جداً، مسألة الاستعراب. ومن الغريب ان يجيدها بوش الى هذا الحد. فليس معروفاً عنه كل هذا الابداع. في اي شيء.