تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العجوز والحيتان سمير* عطالله الشرق الاوسط


مشهور
10/10/2006, 05:25 PM
العجوز والحيتان

كان القرن الماضي قرن الجنازات والمواكب الكبرى: ايزنهاور، تشرشل، ماو، ديغول، ستالين، كينيدي، نهرو، غاندي، ايامون دوفاليرا (مؤسس ايرلندا المستقلة)، هو شي منه. صف طويل من العمالقة والمنقذين والمحررين والقادة وبناة الأمم، في مواجهة صف من الهدامين والعدميين والمهلوسين. وإذا كانت النعوش تطمر لم يكن يظهر في الأفق خلق له نفس الحجم والمكانة في التاريخ. مؤسسون رواد تركوا إرثا يدار على نحو لائق. وبعضهم، مثل ستالين وماو، نقضوا ارثهم تماما، لكنهم ظلوا في ذاكرة التاريخ في صف العمالقة ومقابر العظماء.

عندما أدخل فيدل كاسترو المستشفى في حالة حرجة مرفقة بتجيير السلطة إلى شقيقه، التقطت قرب سريره صورة له مع هوغو شافيز، رئيس فنزويللا. وتساءل المعلقون: هل يخلف شافيز الزعيم الكوبي؟ لا يمكن الإجابة منذ الآن. ولكن من أين لنا أن نتدبر للسنيور شافيز مرحلة مثل مرحلة كاسترو وتاريخا في الجبال مثل تاريخ كاسترو وحربا رومانسية شغلت العالم، مثل حروب كاسترو في سييرا نيفادا؟ إن كاسترو ينتمي إلى تلك المرحلة في القرن العشرين التي كان فيها الرجال السحرة يغيرون تاريخ شعوبهم، سواء كان النظام رأسماليا تماما مثل أميركا، أو اشتراكيا محزنا مثل كوبا التي لا تزال بيوتها الجميلة دون طلاء وأساتذة جامعاتها لا تصل رواتبهم إلى 120 دولارا في الشهر. بل لا تزال كوبا تذهب إلى الإغاثة كل آخر شهر من اجل كيلو من الزبدة أو الأرز؟

لقد صنع هالة كاسترو العالمية كتاب مثل ارنست همنغواي وغبريال غارسيا ماركيز وريجيس دوبريه. ولا يبدو القومندان شافيز قادرا على اجتذاب مثل تلك الكوكبة حوله. ذلك عصر مضى. عصر همنغواي الذي اختار أن ينتحر في كوبا، حيث كتب أجمل أعماله: «الشيخ والبحر». وهي قصة صياد سمك كوبي أمضى في البحر 84 يوما دون أن يقع على شيء. وفي اليوم الخامس والثمانين، وهو بعد بعيد عن الشاطئ، يقع على سمكة راموح ضخمة. وبعد صراع يدوم يومين يتمكن من السيطرة على السمكة. وفجأة تظهر الحيتان فيبدأ القتال معها لردها. وبعد أن يقتل بعضها ينكسر نصله فيعود إلى الشاطئ حزينا ولم يبق من السمكة الكبيرة سوى رأسها الذي لا يؤكل. واعتبر الكثيرون أن هذه الملحمة الصغيرة هي حياة الإنسان وصراعه مع الحيتان التي تحيط به وتسابقه. خصوصا إذا كان فقيرا ويائسا. لكن ثمة شيئا لا يفقده الصياد العجوز في صراعه مع البحر والحيتان: كرامته وشجاعته. لقد تناهش أصحاب الأنياب غنيمة الرجل الفارس.