مشاهدة النسخة كاملة : مقالات الكاتب سمير عطالله
مشهور
01/11/2006, 03:00 PM
السذاجة في خدمة الخبث
الإشاعة ثلاث مراحل: رديء يؤلفها، وساذج يصدقها وغبي ينقلها. والناس في الغالب تميل إلى تصديق الإشاعات ضد من لا تحب، مهما بدت غير معقولة، أو بعيدة عن التصديق. وعندما تنتقل الإشاعة وتنتشر، تصبح أكثر إلحاحاً على الجماعة برمتها، لا فرق بين ساذج وذكي. وقد شهدت كيف بدأت حرب لبنان بالإشاعات قبل المدافع. وكان لكل حارة إشاعتها ولكل منطقة أكذوبة تخضها أو تثيرها. وكانت الناس تصدق وتظل مصدقة حتى بعد مرور الوقت والتأكد من أن ما قيل كان كذباً أو افتراء أو تحريضاً.
وأسوأ علامات الحال في لبنان اليوم عودة الإشاعات. وظهور الرديء والساذج والغبي. وكانت كليات الإعلام تعرض في دروسها فيلماً للباحث الاميركي «ابير». وهو فيلم قصير يروي قصة بسيطة جداً من حياة أميركا في الماضي: رجل ابيض ورجل اسود يتشاجران، فيقدم الأبيض على قتل الأسود. وخرج أول مشاهد من الفيلم وروى الحكاية مع قليل من المبالغة. وأضاف إليها الثاني قليلاً من التفاصيل. واستخدم الثالث مخيلته. أما الرجل السابع الذي سمع القصة فقد رواها على أن الرجل الأسود هو الذي قتل الرجل الأبيض.
حدث لي مرة أن أخبرت صديقاً لي أن صديقاً سياسياً ذهب إلى العراق لمقابلة أقربائه هناك. وفيما نحن جالسان في المقهى وصل رفيق ثالث، وقبل أن يلقي التحية هب صاحبي واقفاً وقال له، «هل تدري أين السياسي فلان؟ لقد ذهب إلى العراق للتآمر». وما أن حل المساء حتى كان هذا العبيط قد حوّل روايته إلى أن السياسي لن يعود إلى لبنان لأنه حاول تدبير انقلاب واعتقل. وفي اليوم التالي التقيت السياسي الذي كان صديقاً حميماً. وقلت له، ماذا حدث، الم تسافر إلى العراق، فقال: «لقد تغيرت كل مشاريعنا. بدل أن نذهب نحن لزيارة الأقرباء قرروا أن يأتوا هم، لأنهم هكذا يقابلون جميع أفراد العائلة ويرتاحون قليلا من حر بغداد».
وبعد أيام التقيت الصديق العبيط. وكان له شدقان مثل وحيد القرن. وقبل أن يتخذ مقعده في المقهى، قال «هل عرفت آخر خبر. صاحبك معتقل في العراق ولا بد أن تقوم أزمة دبلوماسية مع لبنان». وضحكت. وذكّرته بأنني أنا من اخبره برحلة العراق. ثم قلت: «وأنا مدين لك باعتذار شديد. لقد غير صديقنا جميع مشاريعه وبقي هنا وسوف ينضم الينا بعد قليل». وقام وحيد القرن ومشى معتذراً بأنه على موعد. ثم هرول. ثم اختفى. ثم تاب عن نقل حتى أخبار الأعراس.
مشهور
22/11/2006, 01:03 AM
مسألة اكتفاء
في تراث الشعوب دعابات كثيرة على بعضها البعض. وأحيانا ضمن الشعب الواحد. فالمصريون يركبون النكات ثم ينسبونها الى الصعايدة. والسوريون يحولونها الى نقاش بين أهل حماة وأهل حمص. والبريطانيون ينكتون على الايرلنديين. والفرنسيون على البلجيكيين. والألمان على البولنديين. وأهل الولايات الكندية على مقاطعة نيوفاوندلاند.. وهلم جرا. غير أن بعض الشعوب التي يقوم بينها عداء تاريخي وحروب، تميل الى مزج الدعابة بالسخرية الحادة، أو الجارحة، كما هو الأمر بين الفرنسيين والإنكليز. أو العكس. ويعود ذلك الى زمن بعيد. وكان صامويل جونسون واضع القاموس الذي يحمل اسمه (القرن الثامن عشر) يزدري جيرانه عبر القنال. وكان مرة يشرح لأستاذه السابق في أوكسفورد كيف انه سوف ينهي قاموسه في ثلاث سنوات. فقال الأستاذ «لكن الأكاديمية الفرنسية، المؤلفة من 40 عضواً، أمضت اربعين عاماً لاستكمال قاموسها». فأجاب جونسون: «هذه هي النسبة على وجه الضبط. دعنا نعمل حساباً صغيراً: أربعون مرة أربعين تساوي 1600. ونسبة ثلاثة على 1600 هي نسبة المقارنة بين الفرنسي والإنكليزي».
ودارت دعابات كثيرة حول القاموس الإنكليزي الأشهر وصاحبه، ومنها انه بعد صدوره التقى جونسون سيدتين معروفتين قالتا له: «كم نريد أن نشكرك لأنك لم تدرج الكلمات الملعونة في قاموسك». فرد على الفور: «أيتها الملعونتان. لقد أمضينا وقتاً طويلاً في تقليب الصفحات للتأكد من ذلك».
وسألته سيدة عن معنى كلمة معينة ولماذا اختار تفسيراً معيناً. وكانت تتوقع منه الدفاع عن وجهة نظره، لكنه قال: «إنه الجهل يا سيدتي. الجهل ولا شيء سواه». وعرف عنه انه لا يحب الموسيقى إطلاقا. واضطر مرة حضور حفل عزف على «الهارب». ولما انتهت العازفة سألته اذا كان يحب الموسيقى، فأجاب: «اطلاقاً. لكنها الأقرب الى قلبي بين جميع انواع الضجيج». وكما كان جونسون يزدري الفرنسيين كان يتعالى على الاسكوتلنديين. وفي إحدى الجلسات قال له صديق اسكوتلندي: «انك تتجاهل دائماً ما لهذا البلد من آفاق». فأجاب جونسون على الفور: «الأفق الوحيد المفتوح أمامكم هو انكلترا». وسئل مرة ان كان احد يمكن ان يجاري شاعراً اسكوتلندياً شهيراً فقال: «طبعاً. الكثيرون من الرجال ومن النساء ومن الاطفال». وقيل له مرة ان صديقاً له تزوج مرة ثانية بعد طلاقه فقال: «هذا يحدث دائماً. الأمل ينتصر على التجربة».
وروي له مرة أن خطيباً بالغ في رثاء احد الوجهاء، فقال: «ولم لا؟ إن الخطباء لا يؤدون القسم». وكان معاونه في وضع القاموس أكثر دقة منه، فانتفض في وجهه ذات يوم قائلاً: «اسمع يا بوزويل ـ ليس لديك سوى موضوعين: انت وأنا. وقد سئمت الاثنين معاً».
جاءه مرة شاب متعال وقال: «قل لي يا دكتور جونسون. ماذا تعطي مقابل ان تكون شاباً ووسيماً مثلي؟». فأجاب: «ايها الشاب لن اطمح الى كل ذلك. سوف اكتفي بأن أكون غبياً ومدعياً».
مشهور
26/11/2006, 12:51 PM
اغتيال ابتسامة
هناك تعابير بليدة في المصطلحات العربية ولغة الاعلام اليومي، منها ان فلانا «قتل بوحشية»، مما يعني تضمينا ان ثمة قتلا انسانيا. وآخر من اغتيل «بوحشية» في يوميات العراق كان الكوميدي الشعبي وليد الحسن، الذي اضحك العراقيين على انفسهم وعلى مآسيهم وعلى نزاعاتهم القاتلة. وقبل ذلك كانت عصابة من القتلة قد هاجمت محطة تلفزيونية وقتلت المذيعين والمحررين والحرس. وهؤلاء الضحايا هم من نعرف هوياتهم ،لأن لهم شهرة اجتماعية ما. لكن في سبيل عدم قيام أي شكل من اشكال الدولة، تشمل يوميات العراق ايضا قتل عمال القمامة، وهو اقصى حد من حدود الوحشية، اذا كانت للهمجية المدبرة او العفوية من مقاييس ودرجات. تذّكر هذه العدمية بما حدث في الجزائر طوال اعوام، ولكن مع فارق مرعب في اعداد الضحايا والوحوش معا. فأكثر الارقام تشاؤما وضعت عدد قتلى الجزائر عند 250 الفا، وظل العدد الرسمي المعترف به نحو 50 الفا. لكن الارقام العراقية شبه الرسمية تقول ان مجمل الضحايا يزيد على 650 الفا، جميعهم عراقيون، وجلهم بأيد عراقية، مقابل نحو 3 آلاف من جنود الاحتلال. هذه العدمية المتظللة بالنضال شهدناها في الجزائر من قبل، مرحلة مرحلة. وعندما تصل المسألة الى الفنانين والذين يحاولون اضحاك العراقيين، وهم غارقون في الدم والدموع، يتخذ المصطلح البليد بعدا سقيما اضافيا، اذا ما تبقى هناك من سقم وبلادة ووحشية لوصف حال الانحطاط الانساني، التي يغرق فيها العالم العربي.
على ان ثمة فارقا واضحا بين ما كان عليه الوضع في الجزائر وبين ما هو الوضع في العراق اليوم. ففي الجزائر كانت هناك مؤسسة عسكرية قوية تحمي الدولة والمؤسسات وتحول دون انهيارها. وكان القتلة هناك يتقنعون بثياب الدرك لارتكاب المجازر. اما في العراق فلم يعد معروفا ان كانوا حقا من الشرطة ام انهم مزورون. وقد اعلن وزير الدفاع العراقي يوم الاثنين الماضي، اكتشافا مدويا تعليقا على حصيلة الموت ذلك النهار، اذ قال «ان العراق في حالة حرب»! لا، لا، لا. كنا نعتقد ان العراق في نزهة على دجلة يتمشى ويقرأ قصائد احمد الصافي النجفي، الذي تكهن، شعرا، بما يحدث وهو يافع بعد. وقبل ان يهاجر نهائيا الى بيروت ليعيش بعباءه بسيطة في مقهى الحاج داود على البحر وشقته المعزولة.
هل غادر الشعراء من متردم؟
انهم لا يطيقون مشاهد القسوة الرسمية او الشعبية. ولذلك عاش الجواهري في الخارج ايضا. وهرب البياتي الى العواصم. ومات بلند الحيدري في لندن. وترك بدر شاكر السياب جيكور الى بيروت والكويت. وجميعهم لم يعيشوا ليروا فنانا مضحكا يقتل بثلاث رصاصات في الرأس على طريقة اعدامات المافيا. ماذا كان السياب سيكتب تحت عنوانه النائح الشهير يا عراق!
مشهور
29/11/2006, 10:44 PM
المعلمون
كتب استاذ عراقي جامعي في «الواشنطن بوست» قبل يومين، انه غادر بلاده هربا بسبب حملة مؤكدة ضد المعلمين، أدت حتى الآن الى اغتيال نحو 265 معلما ومعلمة في تعمد وتقصد واضحين. ويقول الكاتب ان الفئات التي تقف خلف عمليات الاغتيال هي السنة والشيعة والبعث، لأنها تلتقي على هدف ابادة المدرسين المستقلين والذين لا ينضوون ضمن منهج ايديولوجي معين، والرقم مرشح للتصاعد.
لا ادري كم مرة كتبت هنا عن ديكتاتورية فيدل كاسترو والغاء الحريات في كوبا واقامة سلالة شيوعية. ولكن أول وأهم ما فعله كاسترو بعد نجاح الثورة هو جعل التعليم إلزاميا. ذهب الى حقول قصب السكر والى المناجم والى الجبال، وقال لشعبه لا يجوز ان يبقى أمي واحد في هذه الجزيرة. والشيء الآخر الذي فرضه وعمل من اجله كان الصحة والطب. وقال لشعبه ما لم نكن أصحاء لا نستطيع ان نكون منتجين.
مجازر العراق ليست في حق المعلمين فقط. لقد فتح الاحتلال ابواب الجحيم امام القتلة من جميع الفئات، والضحايا من جميع الفئات أيضا. لكن هذا العدد المرتفع بين المدرسين يوضح التوافق على تجهيل الناس ومعاداة الأمل المستقبلي الوحيد في أي صراع، وهو العلم. لقد ادرك كاسترو ان صراعه مع الجار الهائل لا يقوم على سهول القصب ولا أوراق التبغ، وان الصغير يستطيع مواجهة الكبير بسلاح واحد، هو العلم. وعندما قامت الكاتبة الاوسترالية جيرمين غرير برحلة الى كوبا قالت انها لاحظت ثلاثة اشياء: فقراء لا يستعطون، وفقراء يتعلمون، وفقراء أصحاء.
نسبة الأمية في العالم العربي تفوق 60%. وكلما ذكرتنا تقارير الأمم المتحدة بهذه الأرقام والنسب نقول ان الصهيونية تحرك واضعي التقارير. وأنا اعتقد ان الصهيونية هي التي تقتل المدرسين وتريد تعميم الجهل والبطالة وقتل الناس كالبرغش. ويقول لي صديق كبير «انك تنتقد ما يجري في العراق وكأن الاحتلال بريء». وقلت له ليس هناك احتلال بريء، ولكن ايضا ليس هناك جريمة مبررة ولا قتل جماعي مفهوم. واذا كان الاحتلال قد اشاع السرقة والفساد والقتل، فأين هي مناعة الشعب العراقي، وكيف يمكن ان نفهم ان مجموعة خطفت بريئا من الشارع من «اجل التدرب على ذبحه قبل خطف رهينة اميركي». كيف يجوز لأي عربي ان يسكت عما يحدث في العراق لمجرد انه تحت الاحتلال؟ وكيف نبرر المغامرة الاميركية الغبية، بقتل الاساتذة والمعلمين؟ وكيف نقبل هذا التناوب على المذابح بين الشيعة والسنة و«المقاومة»، كأن العراق شيء من الماضي لم تعد لنا علاقة به وبأهله وبأطفاله؟
مشهور
09/12/2006, 01:09 AM
في تبرير الرهان
عرفت السياسة الاميركية بقدر ما يعرفها اي متابع عادي. وادركت منذ ان بدأت متابعتها انها عملية معقدة مثل الدولة الاميركية، التي قامت على تجارة العبيد ودستور الحرية، وعلى رجال يستشهدون مثل ابراهام لنكولن ضد العنصرية، وحرب اهلية تقوم بسبب الموقف من الافارقة المستعبدين. ولكن ايضاً على دولة تذهب، بكل قواها العسكرية الضارية، الى القتال في بلاد لا تعرفها إلا على الخريطة في الفيتنام واللاوس وكمبوديا.
في مثل هذه المشاهد المعقدة لا يمكن لأحد ادعاء التحليل السياسي والضرب بالودع واعتماد التنجيم. ولا يمكن ايضاً المراهنة على شيء. ففي وقت ما اقترعت اميركا لمزارع يدعى هاري ترومان. وهاري ترومان اتخذ قراراً لم يتخذه بشري من قبل ولا من بعد ـ حتى الآن ـ وذلك باستخدام المبيد البشري المعروف ايضاً بالسلاح الذري. واميركا انتخبت بأكثرية ساحقة ممثلاً محترفاً لرئاسة الجمهورية. واميركا اغتالت افضل رؤسائها: جون كينيدي بعد ابراهام لنكولن. لكنها عزلت ريتشارد نيكسون لمجرد انه كذب في شهادة امام القانون. واقالت رجلاً ارعن يدعى دونالد رامسفلد مع انه يملك نفوذاً لم يملكه اي وزير دفاع سابق في البنتاغون. وابعدت مندوبها في الامم المتحدة لأنه عين في غفلة عن الحزب الديمقراطي. وغرمت شركات التبغ بحوالى 200 مليار دولار بسبب إلحاق الضرر بصحة الناس. وحكم قاض منفرد ضد بيل غيتس، اغنى رجل في تاريخ اميركا. وتبرع اغنى اثنين بيل غيتس ووليم بافت، بنصف ثروتيهما لعمل الخير. اي حوالى 60 مليار دولار. لكن الكثيرين من اثرياء اميركا يتركون اموالهم للكلاب.
راهنت على جيمس بيكر عندما جاء مع جورج بوش وزيراً للخارجية، لسبب وحيد. لقد اعلن انه يريد لاميركا الخلاص من نير اللوبي الاسرائيلي، ليس من اجل العرب، بل من اجل اميركا. فلا يجوز لبلده ان يظل رهين قوة خارجية مرة كل اربع سنوات. وعندما يتحرر الرئيس او مرشح الرئاسة من الهاجس الاسرائيلي يستطيع ان يقيم سياسة متوازنة في الداخل والخارج. وبالفعل بدأ جيمس بيكر عمله بإقامة مؤتمر مدريد الذي كان يفترض ان يكون المدخل الى حل شامل في المنطقة. لكن ايام جورج بوش الاب وجيمس بيكر الثالث لم تطل. واسقط الاميركيون، في هذا النظام المعقد، الرجل الذي اشرف على نهاية الاتحاد السوفياتي وتفكك الكتلة الشرقية، وانتخبوا رجلاً هارباً من الخدمة العسكرية يوم لا تزال إلزامية.
عندما جاء جورج بوش الابن أبعد جيمس بيكر وابتعد عن كل من قال كلمة نقد في السياسة الاسرائيلية واحاط نفسه بغلاة مؤيديها. وراح يتنقل من مغامرة عسكرية الى اخرى. ومن إخفاق مبطن الى فشل معلن. وها هو جيمس بيكر يطل من جديد. ليس من اجل العرب ولا من اجل العراق، بل من اجل اميركا ووحدتها. يريد اولاً انقاذ بلاده من هذا الانزلاق والتدهور وفقدان الهيبة الدولية. انه حكيم آخر من صف الحكماء التاريخيين في واشنطن: دين اتشيسون وافريل هاريمان وجورج مارشال، الذين ادركوا ان قوة اميركا في العلاقات الودية مع الشعوب.
مشهور
15/12/2006, 01:18 AM
معقولة يا محمود!
لكي تعرف كم تغيرت القاهرة، يجب ألا تكتفي بالذهاب الى «ريش» والفيشاوي. يجب ان تذهب ايضا الى «غروبي». وفي غروبي البلاط الأبيض قد اسودّ واهترأ. وجناح الشوكولاتة والحلويات شبه مهجور. وعلى المدخل إعلان يقول «8 جنيهات الحد الأدنى الإلزامي للطلبات»، أي حوالي دولار ونصف. ولا حرج. فعندما ذهبت إلى مقهى فندق بلازا في نيويورك أول مرة عام 1973 كان الإلزامي 5 دولارات ويتضمن القهوة والحلوى وموسيقى الاوركسترا. وفوق «غروبي» على واجهة المبنى القديم يافطة عريضة تعلن مرور سنة على اعتقال أيمن نور زعيم حزب الغد المعارض.
وقد تسربلت القاهرة بالزحام. أو بالأحرى بالمزيد منه. ولذلك اضطر الزميل محمود عوض أن يغير مكان الغداء من كافيتريا نقابة الصحافة، التي يطيب لجميع المتظاهرين التجمع أمامها، إلى مطعم لفتة الكوارع والموزة والاستاكوزا قرب شارع عماد الدين. وأرجو ألا يسألني احد ما هي ـ أو هو ـ الاستاكوزا. لكن يا مولاي هي دي الاستاكوزا على اللائحة ومعها البتيلو والجيلاتي. وشكوت لمحمود عوض من أنني أجد صعوبة في التعرف إلى القاهرة التي أعرفها. الحشود تغطيها. ومباني شارع عماد الدين المطرزة بالشرفات نصف المستديرة، تغطيها طبقة هائلة من نفث العوادم. وفوق كل مربع من ألف متر مربع ألف سيارة تاكسي ترسل ألف زمور في الثانية الواحدة. وليس بلا سبب، كما في بيروت، بل لألف سبب، وألف إنسان يحاولون عبور الشوارع والساحات من جهة إلى جهة من دون أن يفرقوا بين الرصيف والإشارة والطريق. إنني أكتب عن الازدحام في القاهرة كما يكتب الرحالة والمستشرقون لكنني، برغم كوني قادما من بيروت وزماميرها وعتي سائقيها، منبهر بهذا العدد من الناس والسيارات والزمامير وعابري الطرقات على كل الإشارات في كل الشوارع والساحات والميادين. ولا مفاجأة طبعا. فالقاهرة خمس مرات بيروت. وربما هذا يفسر أنها آخر مدينة في العالم يستخدم فيها الشرطي صفارة حتى اليوم. طبعا بلا جدوى. فقط للإيقاع.
هرعنا ندخل إلى مطعم فتة الكوارع والموزة (فخذ الخروف). وطلبت صحن فلافل، فوقف النادل حائرا وحزينا إلى أن ترجم له محمود عوض بأن المقصود هو الطعمية. وطلبنا يا مولاي «فول إسكندراني». وإذ حضر ذكر الإسكندرية تذكر محمود يوم قضى عشرة أيام في أحد فنادقها ضيفا على أم كلثوم. وبعد أيام ذهب يسهر عند محمد عبد الوهاب. وأخذ موسيقار الشرق يتحدث في كل شيء، ثم توقف فجأة وقال: «صحيح يا محمود أن أم كلثوم دفعت عنك أجرة الأوتيل؟» وتهرب محمود من الجواب. وتحدث عبد الوهاب عن ذكرياته مع شوقي ثم توقف وقال: «ما قولتليش يا محمود، هي أم كلثوم فعلا دفعت أجرة الأوتيل»، وأعطى محمود جوابا مبهما. ثم دندن عبد الوهاب إحدى أغانيه لكي يخدر أعصاب صديقه، وبعدها وضع العود جانبا وقال: «معقولة دي يا محمود، أم كلثوم بتدفع أجرة أوتيل»؟ وقال محمود «عشرة أيام». فقام الموسيقار وخرج تاركا محمود في بيته ومشى لا يصدق. معقولة يا محمود.
إلى اللقاء
مشهور
15/12/2006, 05:12 PM
حياة بلدنا
أكرر دائما ما كتب شوقي وغنى عبد الوهاب «النيل نجاشي حليوة أسمر»، وارتكب في ذلك خطأ في حق الثلاثة الكبار من ينابيع مصر: النيل وشوقي ومحمد عبد الوهاب. وصحيح شوقي هو: «النيل نجاشي، حليوة اسمر، عجب للونه، دهب ومرمر، أرغوله فى ايده يسبح لسيده، حياة بلدنا، يارب زيده». وقد قرأت النص فى مقالة للأستاذ مرسي سعد الدين في «الأهرام» متحدثا عن صدور كتاب جديد عن النيل. كانت مصر هبة النيل وستبقى. واعتقد ان جزءا كبيرا من حل مشكلاتها الاقتصادية لا يزال فى النيل. وكما ادخلت دبي البحر في البر والبر في البحر، لا بد ان تمد مصر المزيد من النيل في المزيد من الصحراء. وتملك مصر بحرا آخر، هو بحر الاهرام والاقصر ووادي الملوك وسبعة آلاف سنة من التاريخ. لكن فما يأتي الى إسبانيا من السياح ما يزيد على عدد سكانها لا يأتي الى مصر منهم ما يوازي عدد سكان الجيزة. أو المعادي. وهناك أيضا ألف سبب، اولها ان التطرف يستهدف دائما ضرب مرافق الاقتصاد والحياة وينابيع الدخل. ويريد ان تظل الدولة مفتقرة لكي يحل مكانها في تقديم المساعدات والمعونات، وهي في الغالب لا تزيد على شيء من اللقمة والعلاج. لكن في بلد مثل مصر يشكل ذلك الكثير. فاللقمة صعبة على الألوف والعلاج بعيد عليهم. وتستخدم التنظيمات في مخاطبة الفقراء لغة الأدعية والروح وكيف شبعت مصر في عصر يوسف الصديق. وهذه لغة ممنوع على الدولة استخدامها. فهي عبارة عن وزارات وادارات ملزمة.
كيف تحل المعضلة الكبرى في مصر؟ اياك ان تقترح تنظيم الأسرة. وليس الانفتاح هو الحل، كما يقول الدكتور جلال أمين في «ماذا حدث للمصريين» (دار الشروق). وليس طبعا النموذج اللبناني. فهو يحمل معه الفوضى والمال الأجنبي والخروقات السياسية ويجعل البلد سريع العطب. ولا أدري إلى أي مدى ذلك دقيق. فالدولة الثانية في تقديم المساعدات لمصر مثلا، هي ايطاليا. دولة غير سياسية. ولست أرى ما هو الضرر في الاستثمارات الضخمة التي تقوم بها دولة الإمارات. وهناك طبعا من أساءوا الى مصر كما هناك من يسيئون من جميع الأمم في كل الأزمات. وثمة قضايا فساد كثيرة. لكن ذاكرة الناس قصيرة جدا ولا تستطيع أن تقارن بين ما كانت عليه مصر قبل الحرية وبعدها. ولم يحقق حسني مبارك الدولة النموذجية، لكنه الرجل الذي أعاد الأحزاب والصحف وخفف من وطأة السجون، ولكن لم يغلقها. وليس من ذنبه ان تستغل بعض الصحف الحرية وتحولها الى شتم وسب يعطل عمل المحاكم المليئة بالدعاوى. ولكن لماذا يضيق صدر الدولة بالمظاهرات وحركة «كفاية» وطلاب حرم الجامعة الأمريكية. لا أدري. لكنني ايضا لا أدري كيف سيستقبل 20 مليون بشري نزول آلاف الناس إلى شوارع المدينة، المختنقة اصلا بالناس والمشلولة بالزحام.
إلى اللقاء..
متعب بن سعود
16/12/2006, 05:50 PM
حياة بلدنا
واعتقد ان جزءا كبيرا من حل مشكلاتها الاقتصادية لا يزال فى النيل. وكما ادخلت دبي البحر في البر والبر في البحر، لا بد ان تمد مصر المزيد من النيل في المزيد من الصحراء.
التطرف يستهدف دائما ضرب مرافق الاقتصاد والحياة وينابيع الدخل. ويريد ان تظل الدولة مفتقرة لكي يحل مكانها في تقديم المساعدات والمعونات،
كيف تحل المعضلة الكبرى في مصر؟ ولست أرى ما هو الضرر في الاستثمارات الضخمة التي تقوم بها دولة الإمارات. .
مصر جزء من الهم العربي
ماذا يمكن ان يحل مشكلاتنا في السعوديه
في الخليج
في الوطن العربي
في العالم الاسلامي
اليس هناك من رجل حكيم
شكرا
مشهور
18/12/2006, 02:29 PM
القاهرة تغمر وتعاتب
عندما يكتب الصحافي عن نفسه يبدو في أحسن الأحوال وأضمن الحالات مهرجا. وانا أعد الآن كتابا بعنوان «مترحل في صحافة العرب» لا يرد ذكري فيه إلا كمؤلف. او صاحب توقيع على حوالي 400 صفحة، او يزيد. ولست أتحاشى الحديث عن النفس من قبيل التواضع الكاذب، بل من قبيل حماية النفس. وانا اشعر بامتنان مطلق لمسؤول البريد في «الشرق الاوسط» باعتباره حارسي الاول. فهو من اصل كل مائة رسالة واردة إليَّ على الانترنت لا ينشر أيا منها. ولذلك كلفت زميلا في بيروت أن يطبع لي ما يرد، لأنه لا يزال بيني وبين استخدام الانترنت عصر أو دهر. سوف أغامر بالخروج على هذا الالتزام، معتذرا سلفا من مسؤول البريد في «الشرق الاوسط»، فقط من قبيل الاضطرار الطارئ. فقد غمرتني القاهرة حتى أحرجتني. وأحرجني الطلاب السعوديون فيها. وأحرجني الزملاء. وقد اعطيت من المقابلات ما استطعت. ثم اعتذرت عن كل كلام. وقلت لمعدة برنامج تلفزيوني، اخشى ان ابدو مثل مسحوق غسيل أو معجون أسنان، أو كأنني مفوض الدعاية في الحزب الشيوعي السوفيتي.
لكن ليس كل من اتصل من الزملاء كان يريد لي امتداحا. وقد اتصل بي زميل من مكتب «الحياة» في الرياض، وهو على ما يبدو خارجا من «خناقة» مع مدير المكتب، او مع زوجته. وبدا من لهجته ان «الخناقة» ما زالت قائمة. وأراد ان يعرف لماذا كتبت عن الاستاذ جمال مبارك ما كتبت، وكيف أرشحه لرئاسة الجمهورية. وقلت للزميل الفاضل، ان الافضل، لكلينا، ان يعيد قراءة المقال. وكما هو مكتوب لا كما قرأه، او كما طاب له ان يقرأه. لكنه عاد يشدد لاهثا على ما يريد قوله. وأطول حوار اجريته خلال الزيارة كان مع الزميلة رانيا بدوي من «المصري اليوم». وسألتني إن كنت اعرف جمال مبارك شخصيا. وقلت لها «لا يا ستي ما حصلش الشرف». وسألتني إن كنت قابلت الرئيس مبارك. وقلت لها «تقاليد الرئاسة تقضي ان يقابل الرئيس رؤساء التحرير. اذن، لماذا أويد مبارك في كتاباتي. وتكرر السؤال. وفي النهاية قلت لها: «اذا كنت تريدين مني الحصول على نقد للرجل، فالأمر صعب. انا لا اقول ان مصر بلد نموذجي ودولة مثالية وازدهار مثير. كل ما اريد قوله ان عبد الناصر اخذ مصر الى اقصى اليسار وان انور السادات اخذها الى اقصى اليمين. وحسني مبارك اعادها الى حيث يجب ان تكون. الأول اخذها الى اقصى الانقباض والثاني اخذها الى اقصى الانفتاح. والرئيس مبارك حاول اعادتها الى التوازن. والأول سجن اهل اليسار واهل اليمين والثاني سجن جميع المعارضين، ومبارك اكثر حاكم مصري يعطي هذا القدر من الحريات. ثم انني يا عزيزتي لا اصنع الانتخابات في مصر. انا انسان لي موقفي ومشاعري ورؤيتي. وبين الطلاب الذين يدخلون الى الجامعة منقبين على طريقة محرري العراق ومنقذيه، وبين دعوة جمال مبارك الى الازدهار والحرية والعمران، خياري واضح. وبين هذا النوع من الطلاب وبين مصر التي كان وزير التربية فيها طه حسين، انا يا ستي مع مصر». واعتذر تكرارا من الزميل في مكتب «الحياة» في الرياض.
الى اللقاء
متعب بن سعود
19/12/2006, 11:49 AM
معقولة يامشهور
هل تصدق ان مدننا في القريب العاجل سوف تكون كلها قاهرة
جده - الرياض - مكه
الله يعين ويستر
شكرا
مشهور
19/12/2006, 03:03 PM
الموضوع ومافيه يعني البخل والبخل كان من طبع اللوء محمد عبدالوهاب الموسياقار والملحن المعروف وهو كان يحب الجنيه ولا يحب التبذير «ما قولتليش يا محمود، هي أم كلثوم فعلا دفعت أجرة الأوتيل»، وأعطى محمود جوابا مبهما. ثم دندن عبد الوهاب إحدى أغانيه لكي يخدر أعصاب صديقه، وبعدها وضع العود جانبا وقال: «معقولة دي يا محمود، أم كلثوم بتدفع أجرة أوتيل»؟ وقال محمود «عشرة أيام». فقام الموسيقار وخرج تاركا محمود في بيته ومشى لا يصدق. معقولة يا محمود.
وقد استغرب كيف ان ام كلثوم دفعة اجر اأةتيل لمدة عشرة ايام ياسلام اغنا اغنيا العلم والبخل وراهم سامحهم الله ورحمهم اجمعين
هرعنا ندخل إلى مطعم فتة الكوارع والموزة (فخذ الخروف). وطلبت صحن فلافل، فوقف النادل حائرا وحزينا إلى أن ترجم له محمود عوض بأن المقصود هو الطعمية. وطلبنا يا مولاي «فول إسكندراني». وإذ حضر ذكر الإسكندرية تذكر محمود يوم قضى عشرة أيام في أحد فنادقها ضيفا على أم كلثوم. وبعد أيام ذهب يسهر عند محمد عبد الوهاب. وأخذ موسيقار الشرق يتحدث في كل شيء، ثم توقف فجأة وقال: «صحيح يا محمود أن أم كلثوم دفعت عنك أجرة الأوتيل؟» وتهرب محمود من الجواب. وتحدث عبد الوهاب عن ذكرياته مع شوقي ثم توقف وقال: «ما قولتليش يا محمود، هي أم كلثوم فعلا دفعت أجرة الأوتيل»، وأعطى محمود جوابا مبهما. ثم دندن عبد الوهاب إحدى أغانيه لكي يخدر أعصاب صديقه، وبعدها وضع العود جانبا وقال: «معقولة دي يا محمود، أم كلثوم بتدفع أجرة أوتيل»؟ وقال محمود «عشرة أيام». فقام الموسيقار وخرج تاركا محمود في بيته ومشى لا يصدق. معقولة يا محمود.
إلى اللقاء
مشهور
20/12/2006, 03:13 PM
الحكماء دوماً يبحثون
هناك مشكلة ملازمة هذه الأيام وهي ان الذين تحب الإصغاء اليهم يديرون مواقع الكراسي ويطرحون الأسئلة عن البلد الذي يقلق جميع العرب. واعتقد ان جميع العرب، خصوصاً المسؤولين، يفضلون الاصغاء الى الدكتور اسامة الباز، مستشار الرئيس مبارك للأمن القومي، ولذلك اعتذرت عن الاجابة على اسئلته حول لبنان، وصمدت في كرسي الصحافي الصاغي، واذا عثرت على شبيه لأسامة الباز في قصور الحكم العربية فمن الصعب ان تعثر على خبرة مشابهة في سياسات الشرق الأوسط. كذلك من الصعب ان تعثر على صاحب موقع في هذه الأهمية يصرُّ على ان يودّع ضيوفه حتى باب الحديقة، كأنما التواضع وحده يزيد في رفعة الرجل.
لم اجد عند اسامة الباز خلال ساعة كاملة سوى القلق. لبنان شديد التعقيد. والانزلاق الفلسطيني المتسارع بعيد التصديق والجسم العربي العام معتل، فهل من وسيلة لمعالجته. ويتساءل اسامة الباز، لماذا لا تبحث عن حكماء وخبراء في كل بلد عربي. وتطلب منهم الاجتماع. ثم بعد الاجتماع ينقلون افكارهم الى اصحاب القرار في السلطة وفي المعارضة ونخرج من هذه الانفاق والمآزق. أو على الأقل، نحاول الخروج. ثم تساءل: لماذا لا نسمع نحن في مصر الى غسان سلامة مثلاً، تسمعون انتم في لبنان الى محمد بن عيسى، ونبحث عن اسم في تونس وآخر في الجزائر.
وأجبت: ان الفكرة جميلة. لكن قبل مصر يجب ان نسمح لغسان سلامة بالعودة إلى لبنان. ويجب ان نقنع اللبنانيين بالاصغاء الى غسان سلامة بدل الاضطرار الى تلويث آذانهم بما يطل عليهم كل يوم حديثو النعمة السياسية من صبية فاقعين.
يقول الدكتور الباز ان الضياع العربي سببه الأول تعنت اسرائيل وجهلها بأحوال العرب، خصوصاً جهلها بمصلحتها. فكلمة السلام لا تزال ترعبها.
ومنظروها لا يزالون يحلمون بأن يسيطر خمسة ملايين على 350 مليوناً، ولا يدركون ان ثمة طريقاً واحداً هو طريق الحقوق الشرعية والقانون الدولي والمفهوم الكوني للسلام والعدالة. واعطي مثالاً ما تعرض له اسماعيل هنية عند معبر رفح. وقال ان الرجل صرَّح بالأموال التي يحملها للجانب المصري، فما شأن اسرائيل في الأمر.
أجبت اسرائيل دولة عدوة وتتصرف كعدو مستكبر ومتجبرة لكنني لا افهم كيف يسمح رئيس حكومة لنفسه بأن ينقل اموال شعبه في شوالات. اموال الشعب ُتحوَّل عن طريق البنك المركزي. واذا تعذر ذلك او استحال، تُحوَّل عن طريق مصر. او عن طريق فرنسا. لكن كيف يمكن لمسؤول ان يحمل مال الناس نقداً في حقائب معرضة لعوامل كثيرة، ابسطها خطر المصادرة من دولة تدوس قوانين الأرض. وقال الدكتور الباز ان اعمال اسرائيل تغير المقاييس في المنطقة وتزرع الفتن وقد كان ردها على خطف جنديين في لبنان بعيداً عن اي قاعدة في التعامل حتى بين الأعداء. لقد دمرت لبنان وخلخلت توازناته السياسية. وعاد يكرر السؤال. ما هو أقرب الحلول في لبنان. وقلت لا ادري. نحن لسنا في حالة طبيعية او عادية. ولا يبدو ان في نية الفرقاء الوصول إلى تسوية. وفي مثل هذه الحال تُرفض اهم الحلول لأصغر الاسباب. والدليل ان الفريق الذي يطالب بانتخابات مبكرة في لبنان يرفضها رفضاً قاطعاً في فلسطين. والفلسطينيون على حافة حرب اهلية لأن حماس لا تريدها في حين ان قوى المعارضة في لبنان تضع البلد على حافة حرب اهلية لأنها مصرة على الانتخابات المبكرة. وهذه القوى ترى في الدعوة الى انتخابات حقا شرعياً بينما ترى في الدعوة الى انتخابات رئاسية كفرا موصوفاً. ثمة غائب اساسي في السياسات العربية هو القانون. فعندما يكون هناك قانون يكون هناك وضوح. لكننا غارقون في التأويل لا في التفسير. والتأويل سبيل من سبل الفتنة والمواجهة. والعياذ بالله مما نرى ومما لا نرى.
إلى اللقاء
متعب بن سعود
20/12/2006, 03:56 PM
نسال الله القدير ان ينصر الاسلام والمسلمين وان ينتبه حكام امتنا الى ماتقوم به اسرائل من الاعيب
النصر قادم ان شاء الله
شكرا
مشهور
21/12/2006, 08:53 PM
فليحيا عرفة»
أمضيت المساء الأخير في القاهرة في حديقة «الماريوت» التي عرفها جيلي بحديقة عمر الخيام ـ الزمالك، وفي الماضي كان كل شيء في الزمالك، نادي الجزيرة هناك، وعبد الحليم حافظ هناك. وشم النسيم هناك، والحب الضائع هناك ايضا. ولمن يهمه كيف يتذكر الشباب شبابهم في عمر الخيام ونسائم الزمالك، عليه ان يقرأ «المجلة»، ومن لا يهمه الأمر، يجب ان يقرأها ايضا، لأن فيها اموراً كثيرة اخرى، وفيها جورج جرداق ونبضه الصاعق ابدا، ولغته الأصمعية وخفة ظل مثل نسائم النيل في انتقالها من الضفة اليسرى الى الضفة اليمنى. وعاد إلى «المجلة» الطيب صالح بأعماقه وتجاربه الانسانية والادبية، ما بين ضفاف النيل قبل «الهجرة الى الشمال» وضفاف «التيمز» بعد الهجرة من الجنوب، وفيها خالص جلبي، الذي له في مباضع الحبر أكثر بكثير مما يصرف في مباضع الدماء.
ولكن ليست «المجلة» موضوعنا، فهذا المساء النسمة باردة في حديقة عمر الخيام ـ الزمالك، وأنا الف عنقي بشال شتوي كما كان البدو ايام الفاقة يرخون شعرهم اتقاء لظلم الشمس وتماديها. وقد ترفق الله ورحم عندما جعل نهار الصحراء قصيراً بعكس نهارات الدول الباردة، حيث تطول احيانا بلا نهاية.
منذ ان جئت القاهرة هذه المرة وانا آتي الى حديقة عمر الخيام كلما تسنى لي. أولاً من أجل أن امشي، ذهابا وايابا. وثانياً من أجل رفقة النيل في المساء. ثم من اجل تفقد اشجار الزمالك التي هرمت وتضخمت مثل بائعات الخبز على الأرصفة، في الأزبكية، ثم لا ادري لماذا فالحديقة هنا لها حكايات، ولها ظلال. ولها اغان. ومنذ ان جئت في المساء الأول، يقوم على العناية بطاولتنا نادل يدعى عرفة. وعرفة مصري 24 قيراطاً. يرد الممازحة بأدب ويقدم الأشياء بكرم وعندما تحاول ان تتجاوز قليلا مألوف المزاح، يهزمك باللكمة القاضية، قائلاً: «أنا تحت أمرك»؟.
وكنت اسأل عرفة في بعض الأشياء والتواريخ وجغرافية مصر، ويجيب بتواضع، وفي هذا المساء لا أدري لماذا جاء ذكر رواية «أولاد حارتنا» ووقف عرفة يعرض ويناقش. ثم جئنا على حديث المحاولة التي تعرض لها، فراح عرفة يشرح «ما قاله لنا استاذنا الكبير الدكتور أحمد سامح. وأحمد سامح هو الطبيب الذي اكتشف العرق سبب النزف في كتف نجيب محفوظ. وقلت في نفسي وأنا اتناول «الهامبورغر» الذي احضره عرفة، من اين لهذا الرجل ان يعرف «أولاد حارتنا» اكثر بكثير مما اعرف. ثم لماذا يشير الى الدكتور أحمد سامح على انه «استاذنا الكبير». ماذا يجمع بين نادل في «الماريوت» وبين استاذ في الطب.
وقلت في نفسي انه الادعاء. لا احد في هذه الدنيا يرضى بما هو فيه. كل رجل يريد ان يكون شيئاً آخر، وقاطعت عرفة في حديثه عن «شطحات نجيب محفوظ» في «أولاد حارتنا» لأطلب منه المزيد من البصل المحروق مع الهامبورغر. وذهب وعاد بالبصل المحروق. وقلت له، يبدو يا عرفة انك تقرأ كثيراً، لكنني لم افهم حكاية أحمد سامح «واستاذنا». لماذا هو استاذك. وضحك عرفة، وقال ان احمد سامح كان استاذه في كلية الطب. وابلغني انه هو، عرفة، طبيب اطفال في النهار ونادل في الليل. ولم اصدق لكنه اوضح ان على المرء ان يختار احيانا بين ان يكون طبيباً غير قادر على تأمين حياة عائلته وبين ان يكون طبيباً قبل الظهر ونادلا في المساء من اجل اهله وكرامته. وقلت له، عرفة «فلتحيا يا عرفة».
العمدة
23/12/2006, 10:20 AM
أفكارك دائما تتحفنا بها
مشهور
23/12/2006, 02:30 PM
أنف بلا إمبراطورية
يخيل اليّ ان أنفي كان دائما كبيرا بين الأنوف، حتى ضمن اللجوء الى نظرية النسبية، اي أن يقال لك من باب التعزية، ان الوجه الكبير في حاجة الى أنف كبير، وكان اصحاب النخوة كثيرين. منهم من يقول إن ديغول كان كبير الأنف. ومنهم من يتبرع بأن ذوي العقول لهم دائما أنوف كبيرة، ولكن لا براهين ولا أدلة، وكان هناك اجماع بأن الأنف الكبير والمعكوف ـ مثلما أحمل ـ هو في نهاية الأمر الأنف الروماني.
وكدت أجد عزاء كبيرا في هذا الشرح لولا انني اكتشفت ان ليس لي من الامبراطورية الرومانية سوى الانف اعلاه، أو الانف الآنف الذكر. وفيما كدت اصدق حكاية الأنف الروماني ويوليوس قيصر وانطونيو انا وانا انطونيو، اكتشفت عندما تعرفت الى وزير الاعلام الكويتي السابق العزيز يوسف السميط، انني اقرب اليه شبها مني الى عاشق كليوباترة ويقع انفي في الجغرافيا الخياشمية، بين انف يوسف السميط المتمادي في خط العرض وبين انف النائب اللبناني أوغست باخوس المتمادي في خط الطول.
وهناك انف وزير الخارجية اللبنانية السابق ايلي سالم، ويقع على خط الاستواء.
لم يطل يوسف السميط البقاء في وزارة الاعلام في الكويت، واعتقد، غير جازم، او بالأحرى ويخيل اليّ أو يتزاول لي، ان رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الأحمد سوف يلغي هذه الحقيبة ويدمجها في وزارة الريّ. فلا تكاد ترسل برقية تهنئة الى وزير للاعلام حتى يستجوب في اليوم التالي ويستقيل في اليوم الذي يليه. وتراوح مدة بقاء وزير الاعلام بين هجرة البط في فصل الصيف وهجرة اسراب مالك الحزين (وقد سمي كذلك لأنفه) في الشتاء. وقد تخليت عن عادة ارسال البرقيات الى معارفي أو اصدقائي من الوزراء منذ سنوات. وكان الوزير الشيخ سعود الناصر قد استقبلني مرة باعطائي محاضرة عن عظمة الصحف الغربية وضآلة الصحافة العربية، التي اوضح انه لا يضيع الوقت في قراءتها. وشعرت يومها ان الشيخ سعود يجب ان يكون وزيرا للاعلام في بريطانيا أو اميركا أو ايطاليا. لكنها جميعا ألغت هذه الوزارة للأسف. وبعد ايام اضطر الوزير الى الاستقالة بناء لاستجواب حول كتب في معرض. وبدل ان أشعر بشيء من الرضا شعرت بالكثير من الخيبة. لقد كان الاستجواب مضحكا والاستقالة درامية. وكرت من بعده سلسلة الاستجوابات وسلسلة الاستقالات. ويخيل اليَّ ان المعارضة الكويتية منصرفة بكليتها الى قضيتين قوميتين: الأولى حسب الأهمية الاستراتيجية، حفلات نانسي عجرم وأجر نجوى كرم، والثانية اسقاط وزير الاعلام قبل ان يعتاد على لقب معالي الوزير. وكانت اقصر مدة قضاها وزير في لبنان عشرة أيام، لكن وزيرا آخر سرق الرقم وارسله الى كتاب غينيس، ممضيا تسعة أيام على كرسي المعالي. وكان ذلك وقفا على اللبنانيين، لكن المصريين استطابوا هذه التسمية واضافوها الى «الباشا» و«البيه» و«الباش مهندس»، وعندما تدخل الآن اي مطعم أو تترجل من السيارة أمام أي فندق، ثمة من يسرع نحوك مرحبا مهللا ممتلئا بأنوارك البراقة: نورت مصر معاليك. ومعاليك تعني جنابك. حاذر ان تخطئ.
مشهور
26/12/2006, 08:52 PM
حكايته مع الورق
أجمل ما يضعه الكتَّاب الذين يفوزون بجائزة نوبل هو الخطاب الذي يتقبلون به الجائزة في حفل التسلم. لا أدري كم يمضون من الوقت في وضعه. ولا كم مرة يعيدون كتابة ما كتبوا وما صححوا وكم يختصرون وكم يضيفون ثم كم يختصرون الاضافة أو الاختصار. أحيانا يكون الخطاب مطولا، أحيانا يكون مقتضبا مثل خطاب نجيب محفوظ، لكنه يرتكز غالبا على عنصرين: شخصي، وفيه شرح لأسباب الكتابة في المقام الأول، وعام، وفيه موقف من سلام العالم أو حضاراته وأحواله في صورة إجمالية.
خطاب الروائي التركي أورهان باموك كان مطولا الى حد ما. روى فيه حكايته مع الكتابة. وهي حكاية تشبه الى حد بعيد قصة نجيب محفوظ مع الرواية: لقد أثر فيه اثنان: والده، واسطنبول. كل شيء وكل شخص وكل متخيل يجيء من اسطنبول من ضفاف البوسفور، والمدينة التي كانت ذات يوم الاستانة، مركز (الباب العالي) أيام الامبراطورية التي دامت خمسة قرون، وهزمت بيزنطيا، وحلت مكانها. وأذكر في كتابه المعنون «اسطنبول»، كيف يروي باموك حكاية الطبقة البورجوازية في المدينة التي أخذت تخسر موقعها في العواصم الامبراطورية وما عادت أبوابها وقناطرها عالية.
الكتابة بالنسبة الى باموك ليست مجرد عمل آخر إنها دائما من صنع رجلين، واحد خارجي وآخر داخلي. وهي تحدث عندما يدخل الرجل الخارجي الى عزلته الداخلية، الى نفسه، ويروح يستقرئها وحيدا ومعزولا: «انه الكاتب، الشخص الذي يغلق الباب على نفسه، ويجلس الى طاولة ويتجه الى الداخل. وفيما هو بين الظلال المتحركة حوله، يبني عالما جديدا بالكلمات»، وهذا الكائن، رجلا أو امرأة، بعدما يدخل الى نفسه، يمكن ان يعيش بأي وسيلة: الطابعة أو الكومبيوتر أو القلم، كما يمكن ان يكتب اي شيء، القصيدة أو الرواية أو المقال.
ويبدو باموك رجلا «حديثا» في كل شيء، خصوصا في مظهره، لكنه في الخلوة مع الذات، لا يزال يستخدم الحبر والورق. «عندما أجلس خلف طاولتي لأيام أو شهور أو سنين، اضيف الكلمات الى الصفحات الخالية، اشعر وكأنني انقل الى الوجود ذلك الشخص الآخر الذي في داخلي، بنفس الطريقة التي يبني فيها المرء جسرا أو قبة، حجرا حجرا»، ان سر الكاتب ـ والكتابة ـ عند باموك ليس الاستلهام، ولكن الثبات والاستمرار. وقاعدته في ذلك مثل شعبي تركي «حفر بئر بإبرة» ويرى ان الكاتب يشبه في عمله الدؤوب حكاية البطل الشعبي فرحات في الاساطير التركية، الذي يحفر الجبال من أجل حبيبته.
لكن العمل الكتابي يظل أكثر صعوبة. ففي حين يثق رسام المنمنمات بما يفعل، يظل الكاتب يشكك في ما حقق، غير واثق بأن هذا ما أراد حقا بلوغه، ولذلك يرى باموك ان الشرط الأهم في فعل الكتابة، ليس الكّد والبحث: «علينا أولا ان نشعر بأن علينا الهرب من الجماعات والاجتماعات واشياء الحياة العادية، وان نغلق الغرفة على أنفسنا». فأفضل محاوري الكاتب عنده، هما الذات والكتب: «فعندما نغلق الباب على أنفسنا نكتشف اننا لسنا بمفردنا بل برفقة الكلمات التي تركها اولئك الذين سبقونا، الروايات التي تركها الآخرون، الكتب التي وضعها الآخرون، أي ذلك الشيء الذي نسميه التراث». وثمة قاعدة أزلية في عالم الادب: على الكاتب ان يعرف كيف يروي قصته وكأنه يروي حكاية سواه، وكيف يروي حكايته وكأنه يروي حكاية غيره.
مشهور
26/02/2007, 02:04 AM
مداخل التفتت وأبواب الوحدة
يروي الشيخ جميل الحجيلان انه كان في بلغراد عام 1961، لحضور قمة عدم الانحياز. ورأى جمال عبد الناصر يقف باسما الى جانب نهرو وتيتو واحمد سوكارنو وقادة العالم الثالث. كان ذلك في بدايات شهر ايلول وفي 28 منه انفصلت سورية عن مصر وانتهت «الجمهورية العربية المتحدة» واختفت ابتسامة الزعيم العربي واصيب المشروع الوحدوي بنكسة لم يخرج منها.
لقد انضمت رومانيا، بلاد تشاوشيسكو الى الوحدة الاوروبية ونحن لا نزال بعيدين عن الوحدة العربية الف عام. والتفتت لا يبعد الوحدة الكبرى وحدها، بل يفتت الوحدة الصغرى ايضا ويزعزع الدول ويهدد استقرار شعوبها وهنائها ومصيرها. لماذا سقطت الوحدة العربية وانهارت الوحدة السوفياتية وقامت الوحدة الاوروبية وصمد الاتحاد الاميركي؟ لماذا يتحد 300 مليون اوروبي بألوانهم ولغاتهم وثقافاتهم، ويتفرق 300 مليون عربي يتكلمون لغة واحدة ويتحدرون من اصول متشابهة وتربطهم ثقافة واحدة؟
فلنتأمل المشهد التاريخي قليلا: نجحت الوحدة فقط، حيث هناك نظام ديموقراطي وقانون ورخاء. اشترت الولايات المتحدة الاسكا من روسيا ونيو اورليانز من فرنسا وضمت هاواي ولكنها ابقت لها حريتها وشاركتها في الرخاء. وضمت موسكو المانيا الشرقية اليها وحولت الالمان ذوي الطاقات الصناعية الهائلة الى رجال مخابرات وضمت اهل بخارى وقالت لهم انسوا تاريخكم وتراثكم وتعالوا الى جامعة لومومبا. واذا كان الدين وعبادة الله مستحيلين بالاكراه فكيف بعبادة رئيس المخفر.
لم تعد اوروبا ذات لون واحد ولا ذات دين واحد. هناك بريطانيون من الهند وفرنسيون من الكاميرون وايرلنديون من بولندا. الرخاء والحرية يتسعان لكل شيء. وكانت ايرلندا من افقر دول العالم ويهاجر شبابها الى بريطانيا واميركا وترزح هي في البطالة. وعندما اصبحت جزءا من اوروبا صار البريطانيون يهاجرون اليها وصار اقتصادها باهرا واستقر شبابها فوق ارضها يثرون ويعملون ويمتعون النفس باحدى اجمل البلدان.
البطالة تفرَّغ العالم العربي من شبانه وطاقاته. والدمار السياسي يحول العرب الى لاجئين غير معلنين في بلاد الناس وعلى اعتابهم. اللبنانيون على ابواب السفارات والعراقيون على ابواب الخروج الجماعي والفلسطينيون يطلبون العمل عند الاسرائيليين. الفقر والقهر والقمع ليست ابوابا الى الوحدة. انها مداخل التفتت الواسعة. وقد كتب اكاديمي من القصيم يتخيل لو عاد صلاح الدين اليوم. وتبين له انه سوف يمنع من الدخول في اماكن كثيرة لأنه... كردي.
مشهور
26/02/2007, 02:07 AM
واحد في الأرض وواحد في السماء!
الإنجليز لا يملون الكتابة عن شاعرهم شيكسبير..
والالمان عن شاعرهم جيته..
والفرنسيون عن شاعرهم هيجو..
ونحن نمل الكتابة عن اي احد. او نظل نكتب عن احد من الناس صباحا ومساء واذاعة وتلفزيونا وصحافة حتى نمل ذكر اسمه ورسمه واليوم الذي ولد فيه! واليهود لا يملون الكتابة عن هتلر واينشتين. هتلر يلعونه ويجرحونه وينبشون قبره وقبر ابيه وأمه.. ويهلون التراب على الشعوب الجرمانية. وكلما فرغوا من تهمة اتجهوا الى فضيحة اخرى. فهو ابن حرام. وهو مريض. وله خصية واحدة مثل الحبيب بورقيبة.. ولم يكن الاسد الذي تهابه كل وحوش الغابة فقد كانت زوجته ايفا عشيقة لأحد الضباط.. ثم اذا فرغوا من هتلر انقلبوا على الذين حوله من قادة وساسة وفلاسفة.. ولم يحدث في السبعين عاما الماضية ان خلت المكتبات من كتاب جديد عنه. وكذلك الأفلام التاريخية والوثائقية. او الوعد بمفاجأة جديدة عن قرارات الحرب والدمار.. ومن الذي ضحك عليه ومن الذي خدعه.. وأسخف ما قرأت عن هتلر علاقته بالفيلسوف الوجودي هيدجر.. فهذا الرجل العظيم قلبوا عليه الدنيا وشككوا في علمه واستاذيته حتى ان احدهم يؤكد ان تلميذته اليهودية حنا ارنت هي التي (ساعدته؟!)
وعن ايام هتلر والحماس له كتب الاستاذ العقاد مقالات من نار قال فيها: ان الذي يقول ان هتلر سوف ينتصر هو انسان قد (نظر) الى جيوشه التي تجتاح اوروبا.. اما الذي يقول ان هتلر سوف ينهزم فهو انسان قد (رأى) مصير الطغيان. وكان العقاد اشجع الناس عندما (رأى) ان هتلر سوف ينهزم. والفرق الكبير بين من (نظر) وبين من (رأى) او بين من يلمس بالعين وبين من يرى بالعقل.. واما الشخصية الفريدة الثانية فهى اينشتين الفيزيائي العظيم صاحب نظرية النسبية العامة والخاصة وصاحب ارشق المعادلات الرياضية في التاريخ وهى: الطاقة = الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء. وبمقتضى هذه المعادلة عرفنا طاقة القنبلة الذرية. وكان اينشتين ضد استخدامها..
واينشتين يهودي صهيوني عرضوا عليه ان يكون رئيسا لاسرائيل، كما عرض عبد الناصر على لطفي السيد باشا العالم بالفلسفة ان يكون اول رئيس لمصر فاعتذر.. اما اينشتين فقال انه يفهم المادة بصعوبة فكيف يفهم البشر ملايين البشر. واعتذر. ولا احد يعرف عدد الكتب والدراسات والابحاث والافلام التي صدرت عن اينشتين. وكيف انها تغاضت تماما عن عيوبه الاخلاقية.. من معاملته السيئة لزوجاته وابنه في مستشفى الامراض العقلية.. ولا كيف ان اينشتين لا يطيق ان يستحم عاما كما ان الناس لا تطيق ان تشم رائحته..
فهتلر هو الشيطان الاكبر في التاريخ..
واينشتين هو نصف الالة او الثلاثة ارباع.. هذا في السماء وهتلر في الأرض وما بين السماء والارض كتب عنهما!
مشهور
02/03/2007, 02:19 AM
مطاردة (ودية) في الرياض
مساء أمس الأول، ذهبت لزيارة صديق قديم برفقة أحد الزملاء. وعندما مر بي هذا الزميل اعتذر عن التأخير قائلا إنه كان عليه الانتهاء من تغطية خبر جريمة المدينة المنورة. وما أن مضينا قليلا في شوارع الرياض وجاداتها، حتى لاحظت أن سيارة من سيارات فرقة الطوارئ، تقدمتنا ثم تراجعت، وتركتنا نتقدمها. وبعد قليل عادت فراحت تسير في محاذاتنا. وتطلعت في سائقها فرأيته يتطلع بي.
وقلت لزميلي ضاحكا: «هل أبدو كمشبوه؟». ولم يجب، كأنما يريد أن يزرع الشك في نفسي بأنه من المحتمل جداً أن يبدو من هم في شيبتي قتالين. ووضعت يدي على جواز السفر. وفتحته على صفحة التأشيرة. واستعددت لأن أقدمه للشرطة فور المطالبة بالهوية والأوراق الثبوتية. لكن السيارة تخلفت عنا من جديد. ومضينا إلى منزل الصديق محمد عثمان الذي يعتبر أنني الضيف الأقل كلفة في العالم. فكلما سألني ماذا أريد للعشاء أجيب «تبولة وعدس». وعندما يسأل «وماذا أيضاً» أقول «المزيد من التبولة وفيها المزيد من البرغل».
ويطول الطريق إلى منزل أبي ماهر كما طالت طريق نجد على أبي الطيب. وما أن دخلنا المتفرعات حتى ظهرت سيارة الشرطة من جديد. وقلت لزميلي، لماذا لا نتوقف ونعطي أوراقنا للجماعة؟ وقال، كيف نفعل ذلك إذا لم يسألوا عنها؟ قلت، لم يبق لدي شك بأن السيارة تريدنا؟ قال مطمئنا: هذه السيارات تجوب الرياض في النهار والليل بحثا عن المخالفين، فما ذنبنا نحن. إنني أسير بسرعة قانونية ولم أقطع إشارة حمراء.
الحقيقة أن الجملة الأخيرة لم تكن مقنعة تماماً. فإذا كان الزميل منهمكا في حديث ما، يترك أحيانا المقود، لكي يؤكد نقطة ما. وأحيانا يتوقف فجأة عند الإشارة الخضراء وأحيانا لا يتوقف عند الإشارة الحمراء. أو الصفراء. أو قوس القزح. وإذا خطر له أن يروي لك آخر نكتة يتوقف في منتصف الطريق. ويضحك، ثم يرويها، فيما أنت يد على قلبك وعين على سيارة الشرطة: هل تقدمت أم تخلفت.
وعندما وصلنا أخيراً أمام منزل محمد عثمان توقفت السيارة قربنا. وترجلت ويدي على جواز السفر، مفتوحاً على صفحة التأشيرة. وسألني الرقيب السائق: هل أنت فلان؟ قلت نعم. قال «هل تسمح لي أن أتعرف عليك». قلت: أرجوك. في مثل هذه الحال، اسمح لي أنا أن أتعرف عليك. على الأقل لأنك تكبدت كل هذه المسافة.
مشهور
02/03/2007, 02:23 AM
أمنت لما أقمت العدل بينهمو!
حديث نبوي شريف معناه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد رأى في نومه من يأتيه بكوب من اللبن فشربه إلا قليلا.. أما القليل فأعطاه لعمر بن الخطاب. وسئل الرسول عن المعنى فقال: اللبن هو العلم!
أي هكذا كان عمر بن الخطاب عالما..
ويقول أستاذنا عباس العقاد عن عمر بن الخطاب: كان أديبا مؤرخا فقيها عظيم الشغف بالشعر والأمثال والطرائف الأدبية.. وكان يروي الشعر ويتمثل به ويحرص على روايته.
وقال أستاذنا طه حسين: من ذا الذي يرتاب في فهم عمر للشعر وعلمه بأسراره ودخائله وهو أذكى قريشي قلبا وأبعدهم بصيرة وأشدهم دقة ورقة شعور.. وهو الذي كان يحب (زهيرا) ويقدمه على الشعراء لأسباب فنية خالصة..
أما الذي قاله الأديب السعودي عمر بن حسين الموجان فكتاب ضخم ممتع عنوانه: «ديوان عمر بن الخطاب ـ السيرة الأدبية والشعرية ـ دراسة منهجية» في 460 صفحة وعن دار «سنا الفاروق للنشر» وقد قصد الأستاذ الموجان بديوان العرب، أي بالشعر عن العرب ثم عند الرسول صلى الله عليه وسلم.. وكيف كان يطرب للشعر ويطلب سماعه ويشجع عليه.. ثم عمر بن الخطاب الشاعر الأديب الناقد الخليفة القاضي العادل والإنسان النبيل والشجاع الشريف. وكان عمر بن الخطاب يعرف أقدار الشعراء ويكره التجريح والهجاء.. ويشيد بالحب الشريف.. ولما سمع امرأة تتغنى بشاب حليوة اسمه نصر بن حجاج أتى به وحلق شعره فازداد جمالا فنفاه إلى البصرة. وكانت المرأة تقول:
وفي قصيدة (العمرية) لشاعر النيل حافظ إبراهيم يقول:
ووصف حافظ إبراهيم مبعوث كسرى الذي جاء إلى لقاء عمر فوجده نائما نوما هادئا عميقا:
فاقرأ كتاب الأستاذ الموجان واستمتع..
هل من سبيل إلى خمر فأشربها - أم من سبيل إلى نصر بن حجاج
جنى الجمال على (نصر) فغر به - من المدينة تبكيه ويبكيها
وكم رمت قسمات الحسن صاحبها - وأتعبت قصبات السبق حاديها
وزهرة الروض لولا حسن رونقها - لما استطالت عليها كف جانيها
جزرت لمته لما أتيت به - ففاق عاطلها في الحسن حاليها
فصحت به: تحول عن مدينتهم - فإنها فتنة أخشى أعاديها
وفتنة الحسن إن هبت نوافحها - كفتنة الحرب إن هبت سواقيها
وقال قولة حق أصبحت مثلا - وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهمو - فنمت نوم قرير العين هانيها
مشهور
02/03/2007, 02:25 AM
نصيبي من الشعوذة الطبية
كتبت في حلقة ماضية عن الشعوذات الجارية في ميادين الصحة والطب وأتيت على ذكر وصفتي المفضلة وهي الزمن. الظاهر أن الشعوذة الطبية تنقسم الى قسمين: شعوذة الغني وشعوذة الفقير، وكلتاهما تتجاوزان عالم الطبيب الرسمي. لقد أصبح الأغنياء يتجاهلون الأطباء ومستشفياتهم الكئيبة ويفضلون عليهم ممرضات المصحات المترفة في سويسرا وفرنسا وأواسط أوربا. أما الفقراء فيميلون الى تجاهل الأطباء لفداحة أجورهم وعقاقيرهم. راحوا يفضلون عليهم التمائم والتعاويذ الشعبية التي لا تكلفهم الا بضعة قروش. لا بد أن لاحظ القراء أن وصفتي الزمنية تقع ضمن وصفة شعوذة الفقراء. لا يوجد شيء ارخص من الوقت في عالمنا العربي. وهكذا جاءت كل وصفاتي الطبية. كلها مصممة لمن لا يستطيع ان يشتري لنفسه حبة اسبرين.
بعد وصفة الزمن أسوق وصفة عمل الخير. هذه وصفة مجربة وثابتة. ولكن قلما ينتبه اليها الناس. خسئ المفترون الذين يقولون إن الإنسان فطر على الشر. كلا. الانسان مفطور على الخير. والشر شيء يطرأ عليه بفعل ظروف قاسية وسياسات رعناء. يعطينا العراق الآن افضل مثل على ما أقول.
عمل الخير دواء يصلح لكثير من العلل. أرى هنا في الغرب الكثير من فاعلي الخير من فصيلة المحسنين والمصلحين والمرشدين الاجتماعيين وكل من يسهر على شفاء المدمنين ويعطف على المسجونين والمعاقين والمقعدين والمرضى. يقومون بكل هذه الأعمال لا من باب الصدقة والإحسان أو طمعا بأجور أو مكسب، وإنما لإسعاف أرواحهم المعذبة والهرب من مشاكلهم وعللهم وعقدهم. بمعالجتهم لعلل الآخرين يعالجون عللهم الخاصة. سمعت بالرجل المصاب بالسل الذي التقى بمصاب بالسرطان. التقيا في أحد المستشفيات. فقال المسلول لنفسه «يا لهذا الرجل المسكين المصاب بالسرطان. علي أن أساعده وأخفف من آلامه في هذه الأيام القليلة الباقية من حياته». وقال المصاب بالسرطان «يا لهذا المسكين المبتلى بالسل. ما أحوجه لمن يعطف عليه ويداري خواطره». فراح يحنو عليه ويساعده. انطلق الاثنان يكدان ويسعيان لمساعدة احدهما الآخر. واذا بذلك السعي والمجهود يطيل عمريهما وينجيهما معا مما كانا فيه.
فعل الخير دواء لكثير من العلل. وهو دواء رخيص جدا. اذا كانت امراضنا قد ازدادت وتنوعت في هذا العصر فربما لأننا ابتلينا بالأنانية والفردية والاتكال على الدولة وعلى الأطباء في كل ما يصيبنا. افعل الخير للآخرين لتجد انك قد فعلت الخير لنفسك. سيقول المؤمنون هذا ثواب الله على عمل الخير. ويقول الملحدون هذه عملية سايكولوجية. ولكن اينما كنت من هذين المعسكرين، ستجد في كلتا الحالتين أن فعل الخير وصفة طبية ثابتة بالتجربة والبرهان. فضلا عن ذلك فهي وصفة مجانية ومتوفرة في كل مكان وكل وقت ولا تنفد من الصيدليات. ليست لها اعراض جانبية. لا ترهق القلب ولا تخرب الكليتين ولا تشمع الكبد ولا يصاحبها دوار أو صداع أو غثيان. أتحدى أي طبيب أن يأتي بمثلها.
مشهور
12/03/2007, 01:39 AM
هل تدري ماذا يفعلون في بغداد؟
غريبة اليوم أخبار العراق، فإنهم يتحاورون، صحيح أن القتل مستمر والبغضاء في قعرها وذروتها، لكنهم يتحاورون. وثمة انفراجات في الجوار أيضا ندعو لها بطول البقاء. فقد قررت أوروبا إعادة الحوار مع دمشق والسنيور سولانا على الطريق إليها، مع انه قبل أيام قليلة كان يقول لا سفر ولا خبر. وفي بيروت رفعت الحواجز وتوالت لقاءات نبيه بري وسعد الحريري والآتي أفرح. ويجب أن نعود إلى بيان جيمس بيكر ـ لي هاملتون لنعرف أن الحوار في العراق قرار غير حديث. وعندما قال جورج بوش الابن انه يرفض توصيات بيكر ـ هاملتون لم اصدق ذلك كثيرا، لان جيمس بيكر ليس صبيا من صبيان الحارة، قرر أن يشكل لجنة بدل أن يؤلف فريقا لكرة القدم.
ولكي نعرف لماذا هناك حوار في بغداد علينا أن نعرف من خرج من البيت الأبيض والإدارة الأميركية ومن بقي. وكان أول الخارجين (بالأمان يا مولانا) دونالد رامسفيلد، الذي كان قد اخرج كولن باول. وكان ثانيهم جون بولتون ذو الشاربين الوسطيين (نسبة إلى القرون الوسطى) وبقيت الحمامة الزاجلة كوندي تنوح على أذن معلمها مثل حمامة أبي فراس الحمداني، وتقول له، لا حل يا مولاي إلا حول طاولة مستديرة أو مستطيلة أو مربعة. لكن دعنا نجرب هذه الصيغة بعد أربعة أعوام من رافعي (تدليع رامسفيلد) وبريمر ومفككي العراق وسارقي متاحفه ورجال السوق السوداء.
وقف جورج بوش مثل وقفة لوكي لوتشيانو، الملاكم الاميركي الأسطوري، بعد مقتل احمد الخلايلة المشهور بالزرقاوي. وعقد مؤتمرا صحافيا عاجلا بعد إعدام صدام حسين. وهدد بإبعاد المالكي إن هو لم يحسن سلوكه ويضبط الأمن ويخفض عدد القتلى من 200 إلى 180 في اليوم. وفي كل يوم كنا ندرك كم أن أميركا لا تعرف العراق. ونتذكر المستر بريمر، الذي جاء بحذاء التنس معطوفا على ربطة عنق على جهل مطلق مطبق بالبلد الذي قدم إليه.
إنهم أخيرا يتحاورون في بغداد. وكانت أميركا قد بدأت حوارها مع صين ماو تسي تونغ في مباراة لكرة الطاولة. وقد يكون حوار بغداد مدخلا إلى الحوار مع إيران. وقد يكون سفر السنيور سولانا إلى دمشق جزءا من «الصفقة الدولية العربية الإقليمية»، التي تحدث عنها يوم الجمعة الماضي السيد محمد حسين فضل الله في خطبة مكتوبة، خلافا لعادته في الارتجال البليغ والمباسطة مع المصلين. وفي أي حال، إنهم يتحاورون في بغداد.
مشهور
23/03/2007, 11:35 PM
حتى دكاكين الحلاقين
اعلنت ليبيا انها سوف تعيد «بعض» الأراضي التي أممت بعد «عودة الفاتح» الى اصحابها. وكانت مصر 23 يوليو اول من اطلق موجة التأميم في العالم العربي، ثم اعادت على مدى سنوات معظم الاراضي المصادرة، ومنها، كما ذكرت «الاهرام العربي» قبل ثلاث سنوات، اراض اعطيت «مكافأة» للعسكريين الذين قاتلوا في اليمن، ثم استعيدت منهم برغم الاحتجاجات القضائية والالتماسات العاطفية.
وعندما اممت ثورة 23 يوليو كان في مصر فقر كثير وظلم كبير للفقراء والفلاحين. لكن التأميم كان عشوائيا منسوخا بحيث شل الحركة في البلاد وأحدث الحاجة، خصوصا بالنسبة الى القمح. وفي مرحلة كادت تحدث مجاعة لولا ان الاتحاد السوفياتي حول شحنة كبرى من القمح الى الاسكندرية، بعدما كانت في طريقها الى سري لانكا (سيلان، آنذاك).
طبيعة الثورات انها تثور وبعدها تفكر. ويتأثر اصحابها بأفكار قد لا تنطبق دائماً على واقعهم. وفي العام 1959 جاء الى مصر ثائر كان يسحر جمال عبد الناصر والعالم اجمع، يدعى تشي غيفارا، لدراسة عملية الاصلاح الزراعي. وطرح غيفارا على الزعيم المصري سؤالا غريبا.
كم هو عدد المصريين الذين ارغموا على مغادرة البلاد منذ قيام الثورة.
واجاب عبد الناصر «العدد قليل، ومعظمهم من المصريين البيض». اي حاملي الجنسيتين. ان هدفنا هو تصفية الامتيازات وليس الافراد.
واعرب غيفارا عن خشيته: هذا يعني ان ثورتكم لم تحقق الكثير. انني اقيس عمق التحول بعدد الذين يتضررون ويشعرون انه لم يعد لهم مكان في المجتمع الجديد. وتأثر الزعيم الراحل بكلام غيفارا ووسع عمليات التأميم. ثم عاد فالتقاه للمرة الاخيرة العام 1965 وذهل بالتحول الذي طرأ عليه.
وراح يصغي بدهشة فيما غيفارا يجري عملية نقد ذاتي للثورة الكوبية: «لقد ارتكبنا الكثير من الاخطاء. والكثير من هذا الكثير كان مسؤوليتي. لقد اممنا 98% من كل ما عثرنا عليه، بما فيه دكاكين الحلاقين. والآن نكتشف انه كان علينا ان نبقي بعض القطاعات خارج التأميم. نعثر على من يقوم بتشغيل المصانع. والثوار فقدوا حماسهم وغرقوا في النساء وفي الفساد. وقد عثرنا في منزل احدهم على 17 جهاز تلفزيون».
كان الفلاحون وعائلاتهم يشكلون ثلثي الشعب المصري. وكان بعضهم يتقاضى سبعة قروش عن عمل شاق في مزارع الباشاوات. ومصر الزراعية تضيق بأهلها الذين راحوا يزحفون على القاهرة. وقد اراد عبد الناصر القادم من قرية في الصعيد (هو وعامر والسادات وبعض الضباط الاحرار) ان يغير في صورة الظلم. لكنه تنبه متأخرا الى ان معظم القرارات اتخذت دون دراسة. وان غيفارا لم يقدم وحده على الحماس الذي يسبق التفكر.
مشهور
21/04/2007, 01:48 AM
الأغنية القصيرة ... وملحقاتها
كان أجرها الأول عشرة صاغ. ولم تكن العشرة صاغ لها وحدها، بل تقاسمتها مع والدها وشقيقها، الشيخ خالد. ثم ارتفع الأجر إلى ريال. للثلاثة. وذلك بعدما غنت من «التسعة مساء لغاية الساعة اثنين الصبح على طول». وبعدها تقاضت جنيها ونصفا. للثلاثة: «بصيت في الجنيه وأنا مش مصدقة عينيا. كان أول جنيه ألمسه. كانت الدنيا موش سايعاني. وكل دقيقة ابوس الجنيه. وأنا هاطير من الفرح. كنت باتنطّط وباقول يا ارض اتهدّي ما عليك قدّي. أنا معايا جنيه».
وطلب منها مرة في حفلة ان تبدل ثيابها بأخرى أكثر حداثة، فقالت لسيدة البيت «أنا يا ست هانم غير دول. أنا عايشة في الفلاحين. ما اقدرش اتبهرج وألبس غير الحشمة. احنا ناس بتوع ربنا. وازّاي ألبس فرنجي وأنا بأمدح النبي وأقول التواشيح». وأصبحت أم كلثوم في ما بعد الصوت الوحيد الذي من أجله تصمت الأمة العربية من تطوان إلى بغداد. وكانت تهتف لها الحناجر وتهف لها القلوب وتتأوّه لها المشاعر. ولم تغير في حشمتها ولا في أسلوبها ولا في نفسها. وجعلت الناس يغيرون. وكان للطرب مغنيات فصار له «ست». أو بالأحرى «الست». وكان المطربون يغنون للحكام فصار جمال عبد الناصر الأكثر شعبية، يرى أن أم كلثوم وحدها يمكن أن تزيد في شعبيته. واصطفّ على بابها كبار الكتّاب وكبار الشعراء وكبار الموسيقيين. ولم يعد أحمد رامي يعرف لمن سيكتب الشعر إذا لم تكن هي سوف تغنيه. وكان يكتم حبه ومضناه عندما كتب لها: «إن حالي في هواه عجب، أي عجب/ ليس يرضيني رضاها ثم يشقيني الغضب».
كان لها حس شعري أهم من الشعراء وحس موسيقي أعظم من حس الملحنين. وكانت إذ تطأ خشبة المسرح تشعر كأن الناس تريد لو تستطيع حمله على أكتافها. أو على رؤوسها. وجعلت الناس تجلس خمس ساعات تتأوّه وهي تصغي إلى قصيدة وشعر من أعالي الشعر أو أعالي النيل، كما في قصائد الهادي أحمد وإبراهيم ناجي، أو أعالي صنين كما في شعر جورج جرداق. ومهما ارتقى الشعر واعتلى الشاعر ورقّ القصد وغوت القافية، كانت «الست» تقترح شطراً هنا وإبدالاً هناك. وكانت تعدّل في النغم وتجمّل في الإيقاع بحيث توائم ما بين حنجرتها العظيمة وجنون الكمان وإنشاد البزق. وما كانوا يعترضون، شعراء وموسيقيون، بل يطيب لهم الرضوخ لابنة الشيخ إبراهيم البلتاجي التي عندما لمست جنيهاً لأول مرة شعرت أن الدنيا لم تعد تسَعها.
قيل إن أم كلثوم خدّرت الأمة. وعندما وصل أحد الحكام الجدد من الثكنة إلى السلطة وراح يقول رأيه في كل شيء، من الأكل إلى الغناء إلى الفلسفة، تذمر من أن أغاني أم كلثوم طويلة ودعا إلى تقصير حالات الطرب. وها هي الأمة تستيقظ اليوم على دوي القنابل في بغداد والدار البيضاء والجزائر. وقصرت الأغاني نفسها. وهيفا وهبي تطرب الجماهير، من دون حاجة إلى وتر في حنجرة أو شطر في قصيدة أو رنة في عود. والسح اندح بو. والواد طالع لأبو.
مشهور
01/05/2007, 12:50 AM
كتابة التاريخ مسألة موضوعية
كان جمال عبد الناصر بشراً. لكنه كان بشراً عظيماً. وكان عسكرياً نبيلاً وسياسياً صادقاً، لكن القدر شاء أن يخطئ في الاستراتيجية ويهزم عسكرياً ويخسر سياسياً. وكان قومياً متقداً وفؤاداً رقيقاً وفلاحاً طيباً، لكنه رزئ برجال يقتلون رفاقهم ويوسعون السجون من حوله ويعرّضون الحلم المصري العربي الكبير لإحدى أفظع وأسوأ وأردأ النكبات التي حلت بالأمة وقصفت ظهرها وبددت أحلامها وحولت رجالها إلى مهاجرين ومشردين في بلاد الغير.
ومن العيب تقييم حلم عبد الناصر ومرحلته ومسيرته على أنها فشل ونكبة. يجب أن نضع في أي تقييم نيته الطيبة والعظيمة وحلمه الصادق للدولة العربية. ويجب أن نأخذ دائما في الاعتبار الظروف الموضوعية التي جعلته ـ مثلاً ـ يطرد القوات الدولية من شرم الشيخ، ويشرِّع أبواب مصر أمام الهزيمة والاحتلال. ويجب ان نتفهم لماذا قبل «مشروع روجرز» وتراجع عن عشرين عاماً من الصمود. ويجب أن نعيد دائما قراءة الظروف الضارية التي أحيط بها يوم انفصلت سورية، ويوم تذابح الفلسطينيون والأردنيون. ومن أجل أن نفهم ظروف الزعيم يجب أن نقرأ في صورة خاصة مؤرخه الأول الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي يروي لنا خيانات حزيران وخوف عبد الناصر من عبد الحكيم عامر وردة فعل الجيش، وماذا فعلت المخابرات، ولماذا كانت هناك حالات وحشية دمرت النفس المصرية وأذلتها.
التاريخ يقرأ كما هو. وهو ليس صفحة واحدة مكتوبة بجملتين، واحدة تؤكد بطولة الذات وأخرى تثبت هزيمة الآخر. الدول والأمم تحولات وظروف ومواجهات. إذا كانت السعودية وفقاً للأستاذ هيكل أخفقت في وساطتها بين الفلسطينيين، فإن عبد الناصر قتله قرفه من خلافات العرب وصراعاتهم وهدّ قلبه. ولا ندري الى متى سوف يظل هيكل يكتب التاريخ بوجهة واحدة ويردد لازمة واحدة ويقدم قناعة واحدة، ناسياً أن عليه مسؤولية ليست على سواه، فهو ليس مؤرخاً عادياً ولا صحافياً عادياً، بل مسؤول سياسي وفكري خلال مرحلة بالغة الأهمية من تاريخ الأمة.
لا يمكن الجمع بين صفة ومناقب وشروط وأحكام المؤرخ، وبين الجور في عملية التأريخ والاستمرار في روحية الثأر ومتابعة حرب اليمن في الستينات على أحوال ومصير الأمة في عام 2007. لقد خاضت السعودية صراعات مع مصر الناصرية على حدودها لا على حدود مصر، وفي مدنها لا في مدن مصر. أما حروب مصر مع إسرائيل فقد خاضتها السعودية الى جانب مصر على نحو لا يعرفه أحد قدر ما يعرفه الأستاذ هيكل. وكذلك خاضت حروب صمود مصر، عسكريا واقتصاديا.
أم رتيبة
01/05/2007, 11:21 AM
من اكبر اخطاء جمال عبد الناصر
معارك اليمن
ولو ان جمال عبد الناصر من افضل من حكم مصر
مشهور
07/05/2007, 01:31 AM
لا قهوة ولا معها صحيفة
ذهبت أمس لأشتري «النهار» من كشك الصحف القائم أمام مبنى «الكافيه دو لابيه» في ساحة الأوبرا. ولم يكن البائع فرنسيا أبيض الشعر يعتمر «بيريه» كحلية اللون. كان شابا عربيا من سورية. وقد اعتذر فـ«النهار» لم تعد تباع هنا، لأن اللبنانيين توزعوا على مقاه أخرى في المدينة. ها هي حتى أكشاك الصحف تتغير. فالأشياء أيضا لها «ديموغرافيتها». وفي الماضي كان بعضنا يصل إلى مطار أورلي ويتوجه إلى «الكافيه دولا بيه» قبل أن يذهب إلى فندقه. وكانت الرسالة من باريس تقتضي أن تذكر من شاهدت هناك وإلى من تحدثت. فهي ليست مجرد مقهى، بل هي «ناد» محدود العضوية، تقرأ فيه صحيفتك، وتنقل إليه قضايا لبنان. وكانت يومها بسيطة، وأحيانا احتفالية.
الأشياء تتغير. وقد كنت أعدو هنا في الماضي، على أطراف الباحات نصف المكشوفة (يا للمتعة) وفي عالم المترو الذي لا نهاية له، من أجل تغطية الانتخابات الفرنسية. وها أنذا اليوم صحافي هرم، ليس مطلوبا مني أن أعدو وراء أحد. بل يكفي أن أجلس في المقهى وأتأمل وأعد نوعا من المذكرات وأوراق الحنين. ولكن ألست أحمل عذري تحت إبطي على بولفار «الكيوشين»؟ فقد كنت في الصحافة أغطي خروج ديغول ومجيء جورج بومبيدو، ثم جيسكار ديستان ثم فرانسوا ميتران! وعندما كنت اكتب عن المرأة في باريس كنت أستبدل المحبرة بالمعطرة، والورق بالمناديل المطرزة، والرأي «بأغاني البوليفار». ولكن ها هي امرأة تخوض معركة الرئاسة بشراسة وعلى غرار المرأة الأميركية في الفظاظة، ولم يعد للعطر الفرنسي أية ميزة خاصة. طالما ارتضت المرأة الفرنسية صورتها النمطية عبر التاريخ: زوجة تنصح الجائعين بأن يأكلوا البسكوت بسبب النقص في الخبز. أو عشيقة تذل الإمبراطور وهو فرح. أو كونتيسة تفتح صالونها لرجال المعارضة. لكن أن تطلب الرئاسة والاليزيه، بمثل هذا الإلحاح، فيا لفرنسا، ويا للأقبية التي كانت تخرج منها حوريات نزار قباني، جانين وكوزيت وصاحبات الأسماء الأخرى.
بعد ديغول توقفت فرنسا قليلا أمام نفسها وقالت: «بعد ديغول؟ هل يمكن أن يكون هناك أحد بعد ديغول؟ ثم بعد وصيفه وخلفه بومبيدو، طرحت السؤال أيضا. ثم بعد ميتران. ثم ثم أو ثمة ثمة. إنها الدنيا يا عزيزي. واليوم سوف تختار فرنسا بين ابن مهاجر تكاد تعرفه وبين امرأة تكاد لا تعرفها. و«النهار» لم تعد تباع أمام «الكافيه دولا بيه». واللبنانيون لم يعودوا يجلسون هناك ليعرفوا من وصل من بيروت ومن لم يصل بعد.
مشهور
12/05/2007, 04:43 PM
قرن من عشق الترحل
توفيت لزلي بلانش قبل ايام، عن مائة عام، وعامين اضافيين و12 كتابا. وكانت خلال سحابة القرن الذي عاشته تسافر في الشرق وتؤلف الكتب عن الشرق ورحالات الشرق، او هائمات الشرق وعاشقات الصحراء؟.
وفي السلسلة التي وضعتها مؤخرا للشقيقة «المجلة» تحت عنوان «عاشقات الصحراء» اعتمدت الى حد بعيد على كتابها الشهير «شواطئ الحب الاكثر ضراوة». وفي هذا المؤلف تجمع بلانش بين اربع سيدات من الغرب اتجهن الى الحياة شرقا في عاصفة من الهوى والمغامرة، وبينهن ايزابيل ايرهارد التي هامت في صحراء الجزائر، وايزابيل بورتون زوجة المستكشف ريتشارد بورتون، التي عشقت دمشق والصحراء السورية، وجين دغبي المصري، البارونة الانكليزية التي تزوجت من زعيم قبيلة صغيرة في البادية السورية.
غير ان اهم اعمال بلانش كانت «سيوف الجنة» 1960 وهو قصة الامام شاميل الذي قاد قبائل القوقاز في القرن التاسع عشر في مقاومة ضارية ضد الاحتلال الروسي، واستطاع ان يؤخر السقوط في قبضة الروس ثلاثين عاما، ثم انتهى اسيرا في سجون القيصر الكسندر الثاني. والى جانب الشرق والصحراء احبت لزلي بلانش روسيا وسافرت فيها وكتبت عنها. واحبت تركيا وزارتها مرارا. وكانت تعود من اسطنبول بالسجاجيد الزاهية الالوان التي ملأت بها بيتها في جنوب فرنسا. وحتى منزلها القائم على منحدر اطلقت عليه اسما تركيا هو «كوتشوك تبَّه» او «التلة الصغيرة».
وقد احترق المنزل المطلي باللون الزهري ذات عام. ومعه احترقت الاشياء الصغيرة التي حملتها معها من رحلاتها في افغانستان ومصر واليمن وبلاد القوقاز وبلاد البلقان والمكسيك وسيبيريا وآسيا الوسطى. وبرغم انها طلقت زوجها الديبلوماسي والشاعر الفرنسي رومان غاري، فقد حافظت على لقب «المدام غاري». وكانت تقول ان اللقب كان «يحسن موقعي على الطاولة في الحفلات الاجتماعية».
في كتابها «شواطئ الحب الاكثر ضراوة» بحثت عن عنصر اساسي: كيف تنظر المرأة المغامرة الى المرأة المغامرة وماذا ترى فيها. ورأيت انها حاولت دائما ان «تتفهم» بطلاتها، اكثر مما ان «تفهمهن». وفيما رأت الباحثة السورية رنا قباني في ايزابيل ايرهارد مجرد مشردة تبحث عن الجنس في الصحراء، رأت فيها لزلي بلانش شابة يائسة تعشق الجزائر، وتعتنق الاسلام بكل صدق وكانت تحول كل شخصية في موضوعاتها الى مهرجان، وتضخ فيها توتر العشق والفرح ولا تنسى ابدا انها امرأة وان الدنيا تختلف في عيون النساء.
مشهور
16/05/2007, 01:51 AM
زهاء الساعتين
منذ أكثر من عام أصبح السفير السعودي في لبنان جزءاً من الأخبار اليومية، اذا سافر الى الرياض توقعت الناس حدثا، واذا عاد انتظرت تصريحاً أو تلميحاً، واذا اجتمع الى الرئيس نبيه بري حدث تفاؤل، واذا اجتمع الى النائب سعد الحريري حدث ترقب. وتعودت الناس مع الوقت ان تقرأ التطورات من خلال تحركاته، ولم يبق لعبد العزيز الخوجة وقت لنفسه، فعليه كل يوم ان يئد فتنة. لكن الشاعر عبد العزيز الخوجة استبقى لنفسه في هذه الدوامة الصعبة، حقاً واحداً، هو كتابة الشعر. واعتاد ان يكتب الشعر في الليل، ويترك القصيدة لزوجته تقرأها في الصباح، بعد ان يذهب الى مكتبه. وقبل فترة ابلغ السفير الصابر زوجته انه ذاهب الى لقاء عاجل مع الرئيس نبيه بري، وان الاجتماع قد يستمر ساعتين على الأقل. وعاد في الليل متأخراً. وترك السفير قلمه، واخذ الشاعر قلماً وراح يكتب قصيدة تلح عليه منذ أيام. وترك القصيدة في دفاتره لكي تقرأها زوجته. وفي اليوم التالي وجدت أمامها شعراً بعنوان «لقاء الساعتين». هذا نصه:
لم يكن إلا زهاء الساعتين
كيف دار السحر فيها بيننا في نظرتين!
ثم ذاك الدفق يسري بحنان لليدين
ثم شيء هو أخفى من خفي
قال للقلب سلاما
يا ترى هل ذلك الأمر نسميه غراما؟
نسهر الليل عليه ننسج الوهم ضراما
نرسل الشوق سطوراً ودموعاً وكلاما
نشتكي للسهد أنا قد غدونا عاشقين
مع أن الأمر قد كان...
زهاء الساعتين
أنتِ من أنتِ على الدرب خيال في خيال
جئتني أسطورة من قصص الحب المحال
ثم قلنا إنه الحب وصدقنا الضلال
أيها الخافق مهلاً...
لم يكن إلا... لقاء الساعتين
قرأت الزوجة القصيدة ولم تنتظر عودة السفير من مكتبه.
واتصلت به تقول: لقد ابلغتني أمس انك سوف تمضي نحو ساعتين مع الرئيس بري، فأين كنت حقاً في «لقاء الساعتين»؟ وحاول ان يشرح ان القصيدة رمز آخر من رموز الشعر وان «انتِ من انتِ على الدرب خيال في خيال». ولكن السيدة خوجة لا تزال حائرة: كيف يمكن لمن يعيش السياسة اللبنانية من الداخل ان يكتب الشعر. والغنائي منه.
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2025