مشهور
22/11/2006, 01:11 AM
ضوء على حياة المتنبي
ذكرت في مقالتي السابقة الضجة التي أثارها العالم البلجيكي دوبرفيل في إنكار وجود سقراط، وما أثاره طه حسين في إنكار وجود شعراء المعلقات. في الحقيقة ان لي رأيا جدليا أيضا بصدد المتنبي. لا أقصد إنكار وجوده، وإنما أشدد على وجوده بقولي انه كان منحرفا. لا تتعصب يا سيدي القارئ. انتظر دليلي. وهاك هو:
يتفق النقاد على أن ما قاله هذا الشاعر من غزل بالمرأة كان مفتعلا وضعيفا، على خلاف ما نتوقع من هذا الشاعر المجيد. ساقه في شعره تماشيا مع تقاليد الشعراء وليس تدفقا من قلبه. ولم يتعلق غزله بأي امرأة حقيقية أو ينم عن أي حب حقيقي. نعرف انه تزوج في منتصف حياته، ولكن لا أحد يعرف شيئا عن زوجته أكثر من أنها ربما كانت من الشام. تركها بعد سنوات قليلة ولم يصطحبها معه في أسفاره. وطوال غيابه الطويل لم يذكرها أو يعبر عن شوقه لها ببيت واحد. الواقع يقول انه هرب بعيدا عنها. بدلا منها، سار في أسفاره محاطا بشلة من الغلمان أتى الى ذكرهم في رثائه لفاتك وقصيدته في توديع ابن العميد وماتوا معه عند مقتله. المرأة الوحيدة التي أحبها حقا كانت جدته التي رثاها بأبيات مشحونة بالعاطفة. من القليل الذي نعرفه عن مقتبل حياته أنه تتلمذ لعدة سنوات على معلم في الكوفة وأبدى تعلقا به. شب هناك، وفي شبابه التقى بشاب مثله نظم قصيدة فيه، عبر فيها عن شدة شوقه إليه فقال:
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه
يا جنتي لظننت فيه جهنما
بالطبع لم يتطرق أبو الطيب لهذه النزعة في شعره، كما فعل أبو نواس لأنه لم يكن ماجنا وسكيرا ومتهتكا كأبي نواس. كان رجلا طموحا يسعى الى المجد والإمارة ومصاحبة سادة قومه، وهو امر لا يستقيم مع الكشف عن ميوله والمصارحة بها. ولكن شعره، بقدر ما ينأى عن التعلق بالمرأة، نراه يعبر عن إعجاب عميق بالرجال والرجولة.
أهداه سيف الدولة ذات يوم حصانا وجارية. فقال شعرا يهيب بالمهدي ويتغزل بالحصان والخيل. لم يقل كلمة واحدة عن الجارية!
لو عاش أبو الطيب في زماننا هذا لقال الكثير من الذم والقدح بحق مارلين مونرو وكيلي مينوغ ومادونا ومن جرى مجراهن من الحسان. ولكنه لم يتردد في قول مثل ذلك في عصره بحق نساء بغداد مما حدا بهن الى الهجوم عليه وإشباعه ضربا بأحذيتهن جوابا على ما قاله عن تبرجهن وتأنقهن و«تبغددهن» من شعر في ابياته الشهيرة:
حسن الحضارة مجلوب بتطرية
وفي البداوة حسن غير مجلوب
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها
مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
ولا برزن من الحمام ماثلة
أوراكهن، صقيلات العراقيب!
ذكرت في مقالتي السابقة الضجة التي أثارها العالم البلجيكي دوبرفيل في إنكار وجود سقراط، وما أثاره طه حسين في إنكار وجود شعراء المعلقات. في الحقيقة ان لي رأيا جدليا أيضا بصدد المتنبي. لا أقصد إنكار وجوده، وإنما أشدد على وجوده بقولي انه كان منحرفا. لا تتعصب يا سيدي القارئ. انتظر دليلي. وهاك هو:
يتفق النقاد على أن ما قاله هذا الشاعر من غزل بالمرأة كان مفتعلا وضعيفا، على خلاف ما نتوقع من هذا الشاعر المجيد. ساقه في شعره تماشيا مع تقاليد الشعراء وليس تدفقا من قلبه. ولم يتعلق غزله بأي امرأة حقيقية أو ينم عن أي حب حقيقي. نعرف انه تزوج في منتصف حياته، ولكن لا أحد يعرف شيئا عن زوجته أكثر من أنها ربما كانت من الشام. تركها بعد سنوات قليلة ولم يصطحبها معه في أسفاره. وطوال غيابه الطويل لم يذكرها أو يعبر عن شوقه لها ببيت واحد. الواقع يقول انه هرب بعيدا عنها. بدلا منها، سار في أسفاره محاطا بشلة من الغلمان أتى الى ذكرهم في رثائه لفاتك وقصيدته في توديع ابن العميد وماتوا معه عند مقتله. المرأة الوحيدة التي أحبها حقا كانت جدته التي رثاها بأبيات مشحونة بالعاطفة. من القليل الذي نعرفه عن مقتبل حياته أنه تتلمذ لعدة سنوات على معلم في الكوفة وأبدى تعلقا به. شب هناك، وفي شبابه التقى بشاب مثله نظم قصيدة فيه، عبر فيها عن شدة شوقه إليه فقال:
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه
يا جنتي لظننت فيه جهنما
بالطبع لم يتطرق أبو الطيب لهذه النزعة في شعره، كما فعل أبو نواس لأنه لم يكن ماجنا وسكيرا ومتهتكا كأبي نواس. كان رجلا طموحا يسعى الى المجد والإمارة ومصاحبة سادة قومه، وهو امر لا يستقيم مع الكشف عن ميوله والمصارحة بها. ولكن شعره، بقدر ما ينأى عن التعلق بالمرأة، نراه يعبر عن إعجاب عميق بالرجال والرجولة.
أهداه سيف الدولة ذات يوم حصانا وجارية. فقال شعرا يهيب بالمهدي ويتغزل بالحصان والخيل. لم يقل كلمة واحدة عن الجارية!
لو عاش أبو الطيب في زماننا هذا لقال الكثير من الذم والقدح بحق مارلين مونرو وكيلي مينوغ ومادونا ومن جرى مجراهن من الحسان. ولكنه لم يتردد في قول مثل ذلك في عصره بحق نساء بغداد مما حدا بهن الى الهجوم عليه وإشباعه ضربا بأحذيتهن جوابا على ما قاله عن تبرجهن وتأنقهن و«تبغددهن» من شعر في ابياته الشهيرة:
حسن الحضارة مجلوب بتطرية
وفي البداوة حسن غير مجلوب
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها
مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
ولا برزن من الحمام ماثلة
أوراكهن، صقيلات العراقيب!