مشهور
25/11/2006, 03:09 PM
لبنان والعراق: صيحة الدمع الغاضب
اغتالوا وزير الصناعة اللبناني بيير الجميل، فماذا بعد..! دعوهم يحطموا، ويقتلوا، فمن الرماد سيولد لبنان المستقل، اتركوهم يشعلوا الحرائق في وجدان الناس وفي أجسادهم وثيابهم، فالنار ستسري حتى تأتي على قصورهم، إنه موعدهم مع العدم الذي يتقدم إليهم بخطى واثقة من اقتلاعهم، إنه شيطانهم الذي صور لهم تغييراً في خريطة المقدور، ولا ارتجاجاً إلا في عقولهم، إنها أقنعتهم التنكرية التي لا تخفي غير قبح وجوههم، إنهم لا شيء سوى عفن نما على أطراف مستنقع فتكاثر عليهم بعوضهم.
يتورط الإنسان بمجرد أن يتحرك ويتكلم ويبدي رأياً، فكيف بمن يغمد السكين في الظهر! ويطلق الرصاص على القلب! ويقصف العمر في أوجه! كيف بمن يحرق فؤاد الأم ويرمّل الزوج وييتّم الابن ويفتّت الكبد من حسرة! كيف بمن يسرق الفرح ويلغي النهار ويرشق بالدم ويدمر الوطن ويغتصب الحق من أهله! ترى ما عقوبة من يفعل ذلك! أن يحاكم ويقتص منه! أن يسجن أو يدق عنقه! فهل بموت الجاني يعود المجني عليه! مطلقاً، ولكنه العقاب الدنيوي الذي رخص لنا، هل برحيل القاتل يخفت الغضب ويبرد الحقد! لربما، ولكن من يعوض الحبيب الذي رحل والضلع الذي انكسر! جعلتمونا جراحاً تمشي، أعصاباً تتآكل، ولم يكفكم مصابنا، صنعتم من جماجمنا كؤوساً لشربكم ولم ترو صدوركم، بددتم بإجرامكم قوت عيالنا وليس ربنا بغافل عنكم، فتحايلوا وراوغوا، وتناصحوا وتآمروا، ونفّذوا واعتدوا، فلله توقيت ليس لمخلوق منه مفر، وله تدبير لا يخطئ رسمه نفر، فعلى من تتذاكون والقبور تنتظركم! ولمن تتجملون وقد وصلتم بتخبطكم إلى سن يأس، لا يجدي التزيّن مع عانس لا أمل لها في زواج أو إخصاب! فماذا لو أقر نظام المحكمة الدولية؟ وماذا لو لم يتحول اللبنانيون إلى وقود لحطبكم؟ وماذا لو قبل مجلس النواب ورئيسه كسر التحدي قبل الثلث المعطل والثلث الضامن وقبل أي شيء؟ وماذا لو توحد الشعب وائتلفت الحكومة على اختلاف القوى والأحزاب والطوائف؟ ماذا أنتم قادرون عليه أبعد مما أقدمتم عليه؟ أتدرون ما هي أكبر قيمة لكم؟ إنكم بتدنيسكم كنتم السبب في استحقاق لبنان استقلاله الثاني بشهداء رجاله؟ لا أكثر..
حق لمن سلك سبيل العدل أن يصبر على مرارة الحق، فاصبر يا شعب لبنان الحر، وفي عنقك من العهد ما قد عرفت، وأحسن الوفاء لشهدائك، فالإغضاء عند الاقتدار أولى وأشجع، ولا تفّتن بالانتقام منهم، فلئن يكون الأمر لك عليهم، خير من أن يكون لهم عليك، ولا تتعجل نهايتهم فهي آتية.. آتية، وكل ما هو آت قريب بالأمل، كما من شأن الذنوب أن تقطع الرجاء، وتعي الأفئدة، فكيف وقد عظمت الجريرة، وانقطعت الحجة، وسيف المنايا بين العيون مسلول، وعقاب من الله عظيم ومأمول!
إنما يتفاضل الناس بأعمالهم وأقوالهم، وللواجب نقول، إن أب الفقيد والرئيس السابق أمين الجميّل قد ارتفع فوق مصابه الجلل، وحرقة كبده بقتل ابنه، حبيبه وقرة عينه، حين وقف وجرحه ينزف وهو مَركَب صعب ليقول للناس بكلمات مؤمنة: «لا تجعلوا للغرائز والعواطف عليكم في موقفكم هذا سبيلاً»، داعياً للهدوء والصلاة. فأي قوة تحلى بها الرجل! وأي وطنية علت فاستطالت على كل ما عداها! إنها أخلاق الرؤساء ولا شك وأصحاب القدوة، وعلى كل، فالمرء من حيث لا يدري لا يحسن عزاءه في موت أحب الناس إليه إلاّ أن فقده له يؤمّنه كل فقد سواه، فمصيبته به تهون عليه مصائب الدنيا من بعده، أمّا أم الفقيد وأخواه وزوجته وابناه، فلا نقول لهم سوى أن يتجلدوا ويتخطوا ألمهم إلى فوزهم بتأييد الناس لهم وحزنهم لحرمانهم، فالحادث على وقاحته في وضح النهار، والفقيد، من نزل به الموت على سنوات عمره الشابة التي لم تمهله بعد ليأنس بطعم الحياة، هذه الجريمة لم تقلق اللبنانيين وحدهم، وإنما أيضاً من سمعوا بها خارجه، إذ زادت من وحشتهم وهم يشهدون ـ على ضعف البصر أو قوته ـ كيف وصل الحال بالعرب، وكيف أطغى الشيطان بعض قومهم، فاستمالهم السلطان، وساعدهم الزمان، وأسكرهم طول البقاء ونكران العرفان، ولئن نكبتم يا آل الجميّل بالردى، فنحن الشعب العربي محنتنا أشد وأدهى، فابتلاؤنا في أحيائنا قبل أمواتنا، في العقول الغادرة، والأيدي الملطخة القادرة على كل فعل تجرد من الإنسانية، وإن كان المرء بطبيعته يخاف من فتك الحيوان، فذلك لأنه مخلوق لا يحكمه عقل أو منطق، إنها طبيعة من خربوا البلاد، وروّعوا العباد، وها هي مجزرة مدينة الصدر العراقية، وقتل 160 نفس، وإصابة 225 غيرها، وتناثر أشلاء الأطفال والنساء بأعدادها الكبيرة التي تواجدت في الأربعة انفجارات، ها هي أرواح لا تدري بأي ذنب قتلت، تجز بمنجل كما يحصد حشاش الأرض بضمير ميت وإبليس حي، وقد يكون لأهل الراحل الجميّل بعض السلوان في موت ولدهم فداء للمبدأ الذي ناضل من أجله، وفي تشييع جنازة على مرأى من العالم، ولكن من كان حسبه من الفتات عملاً يجد، وقوتاً يسد، وعرضاً يذد، وبردا في الليالي يرد، من مات ولده فما ترك له هَم الهلع على حياة من بقى من أهله وقتاً ليحزن على ابنه، من كان هذا رجاؤه ألا يكفيه سواد أيامه أن يترك لها! من كان هذا صرحه ألا يبقوه عليه من الهدم! من كان هذا خطبه هل يستحق أن يمزق جسده فلا يجدوا له أطرافاً يضمها لحد! من كانت هذه حياته، هل يضنّ عليه أن يكرم حتى عند موته! ولكن لماذا نطيل! فعلى ما يبدو، هكذا تضيع قيمة الإنسان، فمتى حشرك الدهر مع فساد قوم، فتأميل الأمن والأمانة فرض محال، وحين تضرب الناس فتنة فإنها تترك الحليم حيران، والعالِم متجاهلاً بعلمه. كلمة أخيرة: لنجتمع بعد الفرقة، ونجعل دماء أبنائنا ثمناً لاستقلال أوطاننا... إنه عوضنا ولا شيء غيره.
اغتالوا وزير الصناعة اللبناني بيير الجميل، فماذا بعد..! دعوهم يحطموا، ويقتلوا، فمن الرماد سيولد لبنان المستقل، اتركوهم يشعلوا الحرائق في وجدان الناس وفي أجسادهم وثيابهم، فالنار ستسري حتى تأتي على قصورهم، إنه موعدهم مع العدم الذي يتقدم إليهم بخطى واثقة من اقتلاعهم، إنه شيطانهم الذي صور لهم تغييراً في خريطة المقدور، ولا ارتجاجاً إلا في عقولهم، إنها أقنعتهم التنكرية التي لا تخفي غير قبح وجوههم، إنهم لا شيء سوى عفن نما على أطراف مستنقع فتكاثر عليهم بعوضهم.
يتورط الإنسان بمجرد أن يتحرك ويتكلم ويبدي رأياً، فكيف بمن يغمد السكين في الظهر! ويطلق الرصاص على القلب! ويقصف العمر في أوجه! كيف بمن يحرق فؤاد الأم ويرمّل الزوج وييتّم الابن ويفتّت الكبد من حسرة! كيف بمن يسرق الفرح ويلغي النهار ويرشق بالدم ويدمر الوطن ويغتصب الحق من أهله! ترى ما عقوبة من يفعل ذلك! أن يحاكم ويقتص منه! أن يسجن أو يدق عنقه! فهل بموت الجاني يعود المجني عليه! مطلقاً، ولكنه العقاب الدنيوي الذي رخص لنا، هل برحيل القاتل يخفت الغضب ويبرد الحقد! لربما، ولكن من يعوض الحبيب الذي رحل والضلع الذي انكسر! جعلتمونا جراحاً تمشي، أعصاباً تتآكل، ولم يكفكم مصابنا، صنعتم من جماجمنا كؤوساً لشربكم ولم ترو صدوركم، بددتم بإجرامكم قوت عيالنا وليس ربنا بغافل عنكم، فتحايلوا وراوغوا، وتناصحوا وتآمروا، ونفّذوا واعتدوا، فلله توقيت ليس لمخلوق منه مفر، وله تدبير لا يخطئ رسمه نفر، فعلى من تتذاكون والقبور تنتظركم! ولمن تتجملون وقد وصلتم بتخبطكم إلى سن يأس، لا يجدي التزيّن مع عانس لا أمل لها في زواج أو إخصاب! فماذا لو أقر نظام المحكمة الدولية؟ وماذا لو لم يتحول اللبنانيون إلى وقود لحطبكم؟ وماذا لو قبل مجلس النواب ورئيسه كسر التحدي قبل الثلث المعطل والثلث الضامن وقبل أي شيء؟ وماذا لو توحد الشعب وائتلفت الحكومة على اختلاف القوى والأحزاب والطوائف؟ ماذا أنتم قادرون عليه أبعد مما أقدمتم عليه؟ أتدرون ما هي أكبر قيمة لكم؟ إنكم بتدنيسكم كنتم السبب في استحقاق لبنان استقلاله الثاني بشهداء رجاله؟ لا أكثر..
حق لمن سلك سبيل العدل أن يصبر على مرارة الحق، فاصبر يا شعب لبنان الحر، وفي عنقك من العهد ما قد عرفت، وأحسن الوفاء لشهدائك، فالإغضاء عند الاقتدار أولى وأشجع، ولا تفّتن بالانتقام منهم، فلئن يكون الأمر لك عليهم، خير من أن يكون لهم عليك، ولا تتعجل نهايتهم فهي آتية.. آتية، وكل ما هو آت قريب بالأمل، كما من شأن الذنوب أن تقطع الرجاء، وتعي الأفئدة، فكيف وقد عظمت الجريرة، وانقطعت الحجة، وسيف المنايا بين العيون مسلول، وعقاب من الله عظيم ومأمول!
إنما يتفاضل الناس بأعمالهم وأقوالهم، وللواجب نقول، إن أب الفقيد والرئيس السابق أمين الجميّل قد ارتفع فوق مصابه الجلل، وحرقة كبده بقتل ابنه، حبيبه وقرة عينه، حين وقف وجرحه ينزف وهو مَركَب صعب ليقول للناس بكلمات مؤمنة: «لا تجعلوا للغرائز والعواطف عليكم في موقفكم هذا سبيلاً»، داعياً للهدوء والصلاة. فأي قوة تحلى بها الرجل! وأي وطنية علت فاستطالت على كل ما عداها! إنها أخلاق الرؤساء ولا شك وأصحاب القدوة، وعلى كل، فالمرء من حيث لا يدري لا يحسن عزاءه في موت أحب الناس إليه إلاّ أن فقده له يؤمّنه كل فقد سواه، فمصيبته به تهون عليه مصائب الدنيا من بعده، أمّا أم الفقيد وأخواه وزوجته وابناه، فلا نقول لهم سوى أن يتجلدوا ويتخطوا ألمهم إلى فوزهم بتأييد الناس لهم وحزنهم لحرمانهم، فالحادث على وقاحته في وضح النهار، والفقيد، من نزل به الموت على سنوات عمره الشابة التي لم تمهله بعد ليأنس بطعم الحياة، هذه الجريمة لم تقلق اللبنانيين وحدهم، وإنما أيضاً من سمعوا بها خارجه، إذ زادت من وحشتهم وهم يشهدون ـ على ضعف البصر أو قوته ـ كيف وصل الحال بالعرب، وكيف أطغى الشيطان بعض قومهم، فاستمالهم السلطان، وساعدهم الزمان، وأسكرهم طول البقاء ونكران العرفان، ولئن نكبتم يا آل الجميّل بالردى، فنحن الشعب العربي محنتنا أشد وأدهى، فابتلاؤنا في أحيائنا قبل أمواتنا، في العقول الغادرة، والأيدي الملطخة القادرة على كل فعل تجرد من الإنسانية، وإن كان المرء بطبيعته يخاف من فتك الحيوان، فذلك لأنه مخلوق لا يحكمه عقل أو منطق، إنها طبيعة من خربوا البلاد، وروّعوا العباد، وها هي مجزرة مدينة الصدر العراقية، وقتل 160 نفس، وإصابة 225 غيرها، وتناثر أشلاء الأطفال والنساء بأعدادها الكبيرة التي تواجدت في الأربعة انفجارات، ها هي أرواح لا تدري بأي ذنب قتلت، تجز بمنجل كما يحصد حشاش الأرض بضمير ميت وإبليس حي، وقد يكون لأهل الراحل الجميّل بعض السلوان في موت ولدهم فداء للمبدأ الذي ناضل من أجله، وفي تشييع جنازة على مرأى من العالم، ولكن من كان حسبه من الفتات عملاً يجد، وقوتاً يسد، وعرضاً يذد، وبردا في الليالي يرد، من مات ولده فما ترك له هَم الهلع على حياة من بقى من أهله وقتاً ليحزن على ابنه، من كان هذا رجاؤه ألا يكفيه سواد أيامه أن يترك لها! من كان هذا صرحه ألا يبقوه عليه من الهدم! من كان هذا خطبه هل يستحق أن يمزق جسده فلا يجدوا له أطرافاً يضمها لحد! من كانت هذه حياته، هل يضنّ عليه أن يكرم حتى عند موته! ولكن لماذا نطيل! فعلى ما يبدو، هكذا تضيع قيمة الإنسان، فمتى حشرك الدهر مع فساد قوم، فتأميل الأمن والأمانة فرض محال، وحين تضرب الناس فتنة فإنها تترك الحليم حيران، والعالِم متجاهلاً بعلمه. كلمة أخيرة: لنجتمع بعد الفرقة، ونجعل دماء أبنائنا ثمناً لاستقلال أوطاننا... إنه عوضنا ولا شيء غيره.